وضع داكن
02-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 002 ب - اسم الله الأكرم 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. 
 

الأكرم اسم يدل على العلميّة وكمال الوصفيّة وهو من أسماء الله الحسنى: 


أيها الإخوة الكرام، لازلنا في اسم الأكرم الذي يدل على العَلَميّة وكمال الوصفيّة، وقد ورد هذا الاسم في قوله تعالى:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾

[ سورة العلق ]

وهذه أول آية في أول سورة تشير إلى أن العلم ينبغي أن يرتبط بالإيمان، فإذا عبرنا عن طلب العلم بالقراءة فيجب أن تنتهي القراءة إلى الإيمان بالله عز وجل موجوداً وواحداً وكاملاً، وإلى الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، ثم إن الله سبحانه وتعالى منح الإنسان نعمة الإيجاد، ومنحه نعمة الإمداد، ومنحه نعمة الهدى والرشاد، إذاً: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ ينبغي أن تنتهي القراءة الأولى بالإيمان بالله، وينبغي أن تنتهي القراءة الثانية بالشكر والعرفان، القراءة الأولى قراءة البحث والإيمان، والقراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان، وإذا كان من قراءة ثالثة فهي قراءة الوحي والإذعان. 
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ أي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، أخبرك الله عن الماضي السحيق، وعن بداية الخلق، وعن المستقبل البعيد، وأخبرك عن سرّ وجودك، وعن غاية وجودك، وأخبرك عن ذاته العلية، إذاً القراءة الثالثة قراءة الوحي. 
 

قضايا الدين تصنف في دوائر ثلاثة هي:

 

1 ـ دائرة المحسوسات:

كما تعلمون أيها الإخوة؛ هناك قضايا تُصنف مع المحسوسات، وأداة اليقين بها الحواس الخمس، واستطالاتها كالميكروسكوب والتليسكوب مثلاً. 

2 ـ دائرة المعقولات:

هناك موضوعات تصنف مع المعقولات، أي شيء غابت ذاته وبقيت آثاره، وأداة اليقين بها العقل، وهذه تسمى المعقولات، فالكون كله ظاهر لكل إنسان، ويمكن أن تقرأ فيه، بل إنه قرآن صامت، ولكن أداة اليقين في المعقولات هو العقل البشري، فالكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، والقرآن الكريم إعجازه يدل عليه، والقرآن الكريم يدل على النبي عليه الصلاة والسلام لأنه جاء به. 

3 ـ دائرة الإخباريات:

لكن يوجد قضايا غابت عينها وغابت آثارها، ولا سبيل إلى العقل أن يؤمن بها إلا أنه يتلقى الخبر الصادق كالإيمان بالجن والملائكة، هذه إخباريات فنحن حينما نتعمق في أمور الدين نرى أن قضايا الدين تُصنف في المحسوسات، وأداة اليقين بها الحواس الخمس واستطالاتها، وفي المعقولات وأداة اليقين بها العقل، وفي الإخباريات وأداة اليقين بها الخبر الصادق، فإذا جاء في الوحيين الكتاب والسنة خبر عن الله عز وجل فهو عندنا يقيني، ولكن عند الذين اهتزت عندهم مُسَلّمات الإيمان بالله قد يعترضون، لذلك الأولى الإنسان ألا يخوض مع الطرف الآخر الذي اهتزت عنده مُسَلّمات الوجود الإلهي، أن يعالج معه القضايا الإخبارية.
على كل: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ .
 

من وظّف عطاء الله في طاعته أصبح هذا العطاء نعمةً حقيقية:


الآن حينما قال الله عز وجل:

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)﴾

[ سورة الفجر  ]

هذه مقولته، هو يتوهم أحياناً أن الله إذا أمدّ إنساناً بالمال، وهذا الإنسان ليس على طاعة الله فهي علامة محبة له، لا، هذا فهم خاطئ ووهم خطير، ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ﴾ فيقول هو من عنده متوهماً: ﴿رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ :

﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)﴾

[ سورة الفجر  ]

جاء الرد الإلهي لم يأتِ لا، بل أتى كلا، والفرق كبير بين لا وكلا، لا تنفي أما كلا تردع وتنفي، كلا ليس كذلك يا عبادي، ليس عطائي إكراماً مطلقاً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء، مع شيء من التفصيل، هل يُعدّ المال نعمة؟ الجواب نعم ولا، هل تُعدّ الصحة نعمة؟ الجواب نعم ولا، هل يُعدّ الأولاد نعمة؟ الجواب نعم ولا، هل تُعدّ المكانة العلية في المجتمع نعمة؟ الجواب نعم ولا، كيف؟ هذا المال إذا وُظّف في العمل الصالح، في طاعة الله، أصبح نعمةً حقيقية، أما إذا وُظِّف في نشر الباطل، في الإيقاع بين الناس، إذا وُظّف المال للتمتع بالمتع الرخيصة التي حرّمها الله فهذا المال ليس نعمة، لذلك ورد في بعض الأحاديث: بادروا بالأعمال الصالحة فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا؟
 

ما دام الإنسان يصلي ويقرأ القرآن ويطلب العلم يُمتعه الله بعقله حتى يموت:


ممكن أن يستيقظ أحدنا كل يوم كاليوم السابق؟ مستحيل وألف ألف مستحيل، بادروا بالأعمال الصالحة فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا؟ يتابع النبي كلامه، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْراً مُنْسِياً؟ أحياناً فقر ينسيك كل شيء، وكاد الفقر أن يكون كفراً، أو غِنَىً مُطْغِياً، والغنى المطغي أحد المصائب الكبرى، بسبب الغنى طغيت وبغيت، أو مَرَضاً مُفْسِداً، يأتي مرض يُفسد حياة الإنسان، أو تصبح حياته مع هذا المرض جحيماً لا يطاق، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً؟ أو غِنَىً مُطْغِياً؟ أو مَرَضاً مُفْسِداً؟ أو هَرَماً مُفنداً، الخرف؟ يَملّه أولاده، يعيد القصة مئة مرة، يحشر أنفه في كل شيء، هذا خرف، لذلك من تعلّم القرآن متعه الله بعقله، المؤمن حينما يصلي، الصلاة نشاط، أول ركعة الثانية الثالثة الرابعة، أول ركعة الفاتحة مع سورة، الثانية الفاتحة مع سورة، ثم قعود أول، ثم ثالثة ورابعة فاتحة فقط، ثم قعود ثانٍ، يوجد نشاط، من يقرأ القرآن في نشاط دائم، يوجد عندنا قاعدة في الطب: العضو الذي يعمل لا يَضمُر، فما دام الإنسان يصلي ويقرأ القرآن الكريم ويطلب العلم يمتعه الله بعقله حتى يموت، لذلك هذا العالم الجليل الذي عاش ثمانية وتسعين عاماً، وكان منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه في فمه، سُئِل: يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ قال: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكِبر، من عاش تقياً عاش قوياً. 
 

المال نعمة إذا وظّف في طاعة الله:


لذلك أيها الإخوة؛ المال لا يُعدّ نعمة مطلقاً، ولا يُعدّ نقمة مطلقاً، بادروا بالأعمال الصالحة فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا؟ هل تنتظرون إلا فَقْراً مُنْسِياً؟ أو غِنَىً مُطْغِياً؟ أو مَرَضاً مُفْسِداً؟ أو هَرَماً مفنداً؟ أو مَوْتاً مُجْهِزاً؟ أو الدجال؟ فشرُّ غائِبٍ يُنْتَظَر؛ أو السَّاعَةُ؟ والساعة أدهى وأَمَرّ، أي من معاني الأعور الدجال أنه يرى بعين واحدة، يرى مصلحته ولا يرى مصلحة الآخر، يرى ثقافته ويمحو ثقافة الآخر، يرى كرامته ولا يرى كرامة الآخرين، أعور ويتكلم بخلاف الواقع، وكأن صفة جامعة مانعة لنموذج الإنسان المعاصر أنه أعور ودجّال.
إذاً النقطة الدقيقة أن المال لا يُعدّ نعمة ولا يُعدّ نقمة، إذا وظِّف في الحق، يقول بعض الصحابة: حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي، المال يُوظّف توظيفاً رائعاً إذاً هو نعمة ونعمة كبرى، والذي آتاه الله مالاً يجب أن يذوب محبة لله عز وجل، أولاً: يصون عرضه، وثانياً: يتقرب به إلى ربه، بالمال تُحلّ معظم المشكلات، بإمكانك أن تطعم جائعاً، أن تكسو عارياً، أن تُعَلِّم جاهلاً، أن تؤوي مشرداً، أن تُعالج مريضاً، بإمكانك أن تعيش في قلوب الآخرين، المال نعمة إذا وظف في طاعة الله، وقد يصل الغني المؤمن بإنفاق ماله إلى مرتبة العلماء الكبار،

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ».  ))

[ صحيح البخاري ]

الصحة؛ إذا استعنت بالصحة على طاعة الله نعمة كبيرة، فإذا استعان الإنسان بصحته على معاصي الله، نقمة، الصحة نقمة أحياناً، الله أعطاه بصراً حاداً تتبّع به عورات المسلمين، وتابع بها الأفلام الفاضحة، ونظر إلى عورات النساء، وإذا إنسان آتاه الله عينين رأى بهما آيات الله الدالة على عظمته، وغضّ بهما بصره عن محارم الله، البصر نعمة، كل شيء نعمة ونقمة، إذا وظِّف في طاعة الله فهو نعمة، وإذا وظِّف في المعاصي والآثام فهو نقمة، لذلك سُئِل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ فقال: لن تُمكّن قبل أن تُبتلى، لابدّ من الابتلاء: 

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾

[  سورة المؤمنين  ]

 

ليس عطاء الله إكراماً ولا منعه حرماناً: 

 
إذاً أيها الإخوة؛ ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ﴾ فيقول هو، أي الآن يقول بعض الموسرين: الله إذا أحبّ إنساناً أطلعه على ملكه، يسافر شرقاً وغرباً، ويرتكب المعاصي والآثام، ويتوهم أن الله يحبه، لأنه عرّفه على ملكه، الله يحبك إذا أطعته، الله يحبك إذا عرفته، الله يحبك إذا أحسنت إلى خلقه، هناك أوهام كثيرة جداً، فلذلك: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ﴾ أي يقول هو، هذه مقولته، بل ربما نفهم من هذا زعمه: ﴿ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ أيضاً يتوهم أن الله أهانه، جاء الجواب ردعاً:

﴿ كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)﴾

[ سورة الفجر  ]

كلا يا عبادي ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء. 
 

توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء:


هذا يقودنا إلى موضوع دقيق جداً، يوجد عندنا شيء اسمه: الحظوظ، جمع حظ، المال حظ، الصحة حظ، الوسامة حظ، الذكاء حظ، المرتبة الاجتماعية حظ، هذه الحظوظ وُزِّعَت في الدنيا توزيع ابتلاء، أي أنت مُمتحن فيما أعطاك، مُمتحن فيما زوي عنك، مُمتحن بالمال إن كنت غنياً، ومُمتحن بقلته إن كنت فقيراً، مُمتحن بالصحة إن كنت صحيحاً، ومُمتحن بالمرض إن كنت مريضاً، مُمتحن بالتألق إن كنت متألقاً، ومُمتحن بالخمول إن كنت خاملاً، أنت ممتحن فيما أعطاك وفيما زوي عنك، ومن أدق الأدعية الدعاء التالي: اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ عوناً لِي فِيمَا تُحِبُّ، أعطيتني صحة؛ أن أستهلكها في طاعتك، أعطيتني مكانة اجتماعية؛ أن أكون آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، أعطيتني منصباً رفيعاً معه توقيع أن يكون هذا المنصب الرفيع في إحقاق الحق وإبطال الباطل، أعطيتني زوجة أن آخذ بيدها إلى الله عز وجل، أعطيتني أولاداً أن أربيهم تربية ترضى بها عني: مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ عوناً لِي فِيمَا تُحِبُّ، الآن: وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ، أي إنسان أحياناً يتمنى المال لا يناله، دخله محدود، يبقى متحسراً على حاله طوال حياته، سيدنا الصديق يُؤثَر عنه أنه ما ندم على شيء فاته من الدنيا قط. 
 

كل شيء له أجر محدد إلا الصبر:


المؤمن الصادق يعتقد أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، هو يسعى إلى أقصى درجة فإن انتهى به السعي إلى هذا الدخل يرضى به، يرضى بعد استنفاذ الجهد، أما قبل استنفاذ الجهد هذا كسل وليس رضا، إذا بذلت كل ما تملك من أجل رفع مستوى دخلك ولم تتمكن فاستسلم لله عز وجل، أما بعالم الكفر ينتحر، أما بعالم الإيمان يصبر، لذلك كل شيء له أجر محدد إلا الصبر، قال تعالى:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)﴾

[ سورة الزمر ]

والآية لا ينبغي إلا أن تهز مشاعرنا: 

﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)﴾

[ سورة ص ]

﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)﴾

[ سورة يوسف ]

لذلك قال بعضهم: من شكا إلى مؤمن فكأنما اشتكى إلى الله، ومن اشتكى إلى غير المؤمن فكأنما اشتكى على الله، فرق كبير بين أن تشتكي إلى الله وبين أن تشتكي على الله. 
 

كل شيء ساقه الله تعالى للإنسان له حكمة تنكشف يوم القيامة:


إذاً: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ*وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ أحياناً الأب الطبيب الرحيم يمنع ابنه أكلة يحبها، لكنها تؤذي جهازه الهضمي، هذا ليس منع إهانة إطلاقاً، منع حفظ، لذلك ورد: إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام، ويوم القيامة حينما تنكشف الحقائق ويظهر لك حكمة الذي ساقه الله إليك إن لم تذب مثل الشمعة محبة لله ففي الإيمان خلل، قال تعالى: 

﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)﴾

[ سورة يونس ]

 

عطاء الله ابتلاء وحرمانه دواء:


أيها الإخوة؛ إذاً ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ﴾ هو متوهماً، زاعماً، ﴿رَبِّي أَكْرَمَنِ*وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ رحمة به، وحفظاً له، فيقول متوهماً وزاعماً: ﴿رَبِّي أَهَانَنِ﴾ جاء الجواب الإلهي: ﴿كَلَّا﴾ ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء. 
 

الحياة توفيق إلهي والتوفيق بالطاعة:


أيها الإخوة الكرام؛ الله عز وجل هو الأكرم لكن:

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)﴾

[ سورة الحج ]

أي إذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له، أي إذا أراد الله بإنسان أن يُهينه يتطاول عليه أقرب الناس إليه، وإذا أراد الله إعزاز إنسان جعل أعداءه في خدمته دون أن يشعروا، لذلك إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ إنسان أحياناً يفقد حركته قبيل أن يموت، أقرب الناس إليه يتمنى موته، ويُسمِعونه هذا الكلام: الله يخفف عنك، هناك إنسان آخر يموت بأعلى درجة من المكانة يفتقده من حوله، فابتغوا العزة عند الله، ابتغوا الرفعة عند الله، ادعُوا الله أن يحفظ لنا صحتنا جميعاً، لذلك: ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾ أي إذا أحبك الله ألقى محبتك في قلوب الخلق، وإذا لم يحبك الله ألقى بُغضك في قلوب الخلق:

 يُنادى له في الكون أنّا نحبه             فيسمع من في الكون أمر مُحبنا

[ ابن وفا الإسكندري ]

* * *

 الحياة توفيق إلهي، والتوفيق بالطاعة، من هاب الله هابه كل شيء ومن لم يهب الله أهابه الله من كل شيء، أحياناً يخاف من مستخدم عنده، أما إذا كان مع الله.

كن مع الله تـرَ الله معك               واترك الكل وحاذر طمعـك

وإذا أعطاك من يمنعـه؟              ثم من يعطي إذا ما منعـك؟ 

[ عبد الغني النابلسي ]

* * * 

 

إذا أحبّ الله عبده ابتلاه:


الآن الله عز وجل بالقرآن الكريم وردت كلمة كريم، هناك مدخل كريم، هناك رزق كريم، هناك قول كريم، هناك مقام كريم، هناك قرآن كريم، هناك أجر كريم، هناك رسول كريم، هناك كتاب كريم، هناك زوج كريم، هذه الكلمات التي وردت في القرآن الكريم موصوفة بكلمة كريم، الكريم الخالص من كل شيء، حجر كريم صافٍ، الألماس، يوجد باستانبول قطعة ألماس بالمتحف ثمنها فيما علمت مئة وخمسون مليون دولار هي بحجم البيضة، لو جئنا بحجم البيضة من الفحم كم ثمنها؟ أقل من قرش ثمنها، والألماس أساسه فحم، من شدة الضغط، يقول لك: عليّ ضغوط، هذه معالجات إلهية، لما الإنسان يخضع للمعالجة الإلهية ينتقل من فحم لألماس، فإذا إنسان الله عز وجل تابعه، إذا أحبّ الله عبده ابتلاه، إذا أحبّ الله عبده عجّل له بالعقوبة، مادمت ضمن المتابعة فهذه نعمة كبرى، أنت في العناية المشددة، والمثل الذي أُردده كثيراً إنسان معه التهاب معدة حاد، الطبيب يعطيه تعليمات بمنتهى القسوة، اشرب الحليب فقط، لأن هذا المرض الشفاء منه يقيني لكن يحتاج إلى حمية، أما الذي معه مرض خبيث منتشر بكل جسمه قال له: ماذا آكل؟ قال له: كُلْ ما تشاء.
 

النعمة الكبرى أن يكون الإنسان ضمن المعالجة الإلهية:


إذا إنسان ضمن التشدد الإلهي، ضمن العناية الإلهية، ضمن المعالجة الإلهية، معنى هذا هناك أمل كبير أن يصلح، من هنا يقول الله عز وجل:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾

[ سورة القصص  ]

الآن دققوا:

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾

[ سورة القصص  ]

فالإنسان أفضل ألف مرة أن يكون ضِمن العناية المشددة وتنتهي به العناية المشددة إلى سلامة في الدنيا والآخرة من أن يُعطى كما قال الله عز وجل: 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾

[ سورة الأنعام ]


على كل إنسان أن يعامل من حوله بقدر عالٍ جداً من الهيبة والإكرام:


الله عز وجل يقول:

﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)﴾

[ سورة الرحمن ]

بقدر ما أنك تحبه تخشاه، بقدر ما تخشاه تحبه، أحياناً الإنسان يتعامل مع إنسان طيب، لكن معلوماته ضعيفة جداً، شخصيته ضعيفة، وثقافته محدودة جداً، لكنه طيب، يقول لك: والله أحبه، وإنسان يتعامل مع إنسان ذكي جداً لكن لئيم، يقول لك: والله لئيم لكن لا أحبه، أو فهمان لكن لا أحبه، النموذج الرائع أن تلتقي بإنسان بقدر ما تُعَظّمه تحبه، كمال هذه الصفة عند الواحد الديان: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ .

﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)﴾

[ سورة الرحمن ]

لذلك يجب أن تعامل من حولك بقدر عال جداً من الهيبة، وبقدر عال جداً من الإكرام.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور