- ندوات إذاعية / ٠22برنامج ربيع القلوب - إذاعة القرآن الكريم الدوحة
- /
- ٠2 ربيع القلوب 2 - أحاديث عام 2020
مقدمة :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة في هذا اللقاء الجديد عبر الأثير من برنامج : " ربيع القلوب " الموسم الثاني .
في هذه الحلقة مستمعينا نتوقف عند آيات من كتاب آيات الله عز وجل من سورة ق في قوله تعالى :
﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾
سورة ق مستمعينا الكرام هي سورة مكية بالاتفاق ، وهي السورة الرابعة والثلاثون في ترتيب نزول السور ، نزلت بعد المرسلات ، وقبل سورة :﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾
ومعلوم أن السور المكية عُنيت بمعالجة فساد العقيدة في أمر الألوهية ، وإنكار البعث ، ومسألة الرسالة ، فكانت هذه السورة شوطاً في ذلك الدرب الطويل الذي سلكه القرآن الكريم ، وهو يقتلع جذور هذه العقيدة الفاسدة في الرد عليها بالحجج والبراهين البينة الدامغة .في هذه الحلقة مستمعينا الكرام نتوقف عند هذه الآيات ، نتدبرها ، مع ضيفنا الفاضل فضيلة الداعية الإسلامي الدكتور محمد راتب النابلسي ضيف البرنامج الدائم ، حياكم الله فضيلة الدكتور ، وأهلاً وسهلاً بكم من جديد .
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، وأكثر من أمثالكم .
المذيع :
حفظكم الله فضيلة الدكتور ؛ لو توقفنا بداية حول المعنى الإجمالي لهذا الآيات وسياقها وعلاقتها لما قبلها .
العمل الصالح ثمن الجنة :
الدكتور محمد راتب :
أحياناً أزلفت أي اقتربت ، هناك معنى دقيق جداً الإنسان كلما عمل عملاً صالحاً يشعر بأعماق قلبه أنه اقترب من الجنة ، لأن هذا ثمن الجنة .
مثلاً أنت رأيت بيتاً فخماً ، قصراً منيفاً ، ومبلغه كبير ، جاءك مبلغ لا بأس به ، فأنت فكرت أن يكون هذا المبلغ معداً لشراء هذا البيت ، فكلما جاءت مبالغ كبيرة قربتك بأمل ببلوغ شراء هذا القصر ، هذا معنى الاقتراب .
العمل الصالح يقربك من الجنة ، قربك سبباً ، وليس واقعاً ، قد يكون سيعيش تسعين سنة وهو الآن بالعشرين ، لكن العمل الصالح قربه من الجنة سبباً ، عمل ثان ، عمل ثالث ، تزوج امرأة صالحة ، أنجب أولاداً أبراراً ، رباهم تربية عالية ، له عمل صالح بالدعوة ، له عمل صالح بإطعام الفقراء ، الأعمال الصالحة تقرب المؤمن سبباً من الجنة ، أول معنى الاقتراب سببي للجنة ، أما حينما يشعر أنه انتهى أجله فالله عز وجل يكافئه أن يريه مقامه في الجنة ، هذا صار اقتراباً حقيقياً ، لذلك يقول هذا المؤمن إذا وصل إلى باب الجنة : لم أرَ شراً قط ، في حياته كلها .
المذيع :
هل يمكن فضيلة الدكتور أن يحتمل المعنى هنا جنة الدنيا وجنة الآخرة ؟
وعود الله قائمة ومنفذة :
الدكتور محمد راتب :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
آية كالشمس واضحة .﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
جنة في الدنيا ، وجنة في الآخرة ، بعضهم قال : جنة الدنيا جنة القرب من الله ، القرب منه سعادة كبيرة جداً ، عفواً :﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾
سيدنا يونس :﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ﴾
في ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت :﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
سيدنا إبراهيم وهو في النار :﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
سيدنا محمد بالغار :(( لو أن أحدهم نظر إِلى قَدَمْيه أبْصَرَنَا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟))
إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك ؟عفواً ؛ سيدنا رسول الله أثناء الهجرة ، إنسان ملاحق ، مهدور دمه ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، والناقة تعني للتقريب مرسيدس الآن ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً وصل إلى حدود معينة ، فتبعه سراقة ، طمعاً بالمئة ناقة كي يأخذها إن قبض عليه ، وأخذه إلى قريش ، لو أخذ جثته مقبولاً ، قال له : كيف بك يا سراقة إذا لبست سوار كسرى ؟ دقق ، شيء لا يصدق ! إنسان ملاحق ، مهدور دمه ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، يعد سراقة بسوار كسرى ، أي أنا سأصل إلى المدينة سالماً ، وسأنشئ دولة ، وسأنشئ جيشاً ، وسأحارب أكبر دولة بالعالم ، وسأنتصر ، وسوف تأتيني كنوز كسرى ولك منها يا سراقة سوار كسرى ، شيء مثل الخيال ، سيدنا عمر جاءت الكنوز ، وقف صحابي ، أمسك رمحه بارتفاع مترين ، طوله ثلاثة أمتار ، رفعه قدر ما يستطيع ، وصحابي آخر بالطرف الثاني ، ما تراءت رماحهما ، كنوز ! قال : أين سراقة ؟ سيدنا عمر جيء له بسراقة فألبسه سوار كسرى ، وقال : بخ بخ ، أُعيرابي من بني تميم يلبس سوار كسرى!
وعود الله قائمة أخي الكريم ، بأي وضع ، هذه الأمة لا تموت ، لكن تضعف أحياناً أو تنام ، تنام ، أو تضعف ، لكن لا تموت أبداً ، وعود الله قائمة ، ومنفذة ، لا بد من أن تنتصر هذه الأمة ، هذا وعد الله الثابت ، والأكيد .
المذيع :
﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴾
هل الأواب الحفيظ هي تقييم ؟الطريق الوحيد للانتصار على من هو أقوى منا أن نعين الضعفاء :
الدكتور محمد راتب :
أوّاب صيغة مبالغة ، يوجد آيب ، وأوّاب ، صيغة المبالغة تفيد الكم ، أو النوع ، إما مبالغة عدد ، أو مبالغة نوع ، فأوّاب أي كثير الأوب إلى الله ، كثير الرجوع إلى الله ، كثير الدعاء ، كثير الاستعاذة ، كثير الاقتداء بنور الله ، بمنهج الله ، كثير العبادات ، كثير الثقة بالله عز وجل ، أوّاب ، حفيظ ؛ يحفظ أمر الله ، لا تزل قدمه ، لا يأكل مالاً حراماً ، ولو كان وحده ، ومن لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله ، وركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط .
سيدنا العباس كان معتكفاً في مسجد رسول الله بعد وفاته ، رأى إنساناً بحالة مؤلمة جداً ، قال له : ما لك ؟ قال له : ديون ركبتني لا أطيق سدادها ، قال له : لمن ؟ قال له : لفلان ، قال له سيدنا ابن عباس : أتحب أن أكلمه لك ؟ قال له : إذا شئت ، الآن دقق ، قام من معتكفه - الاعتكاف عمل عظيم ، وعمل فيه أجر كبير - قال له أحدهم : يا بن عباس ! أنسيت أنك معتكف ؟ قال : لا والله ما نسيت ، ولكن سمعت صاحب هذا القبر ، والعهد به قريب : لأن أمشي مع أخ في حاجته خير من صيام شهرٍ ، واعتكافه في مسجدي هذا .
قيمة العمل الصالح ، قيمة معاونة الناس ، قيمة تلبية الحاجة ، قيمة إطعام الفقير ، قيمة تأمين الخائف ، قيمة إكساء العاري ، العمل الصالح علة وجودنا ، النبي الكريم يقول بحديث رائع جداً :
(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))
هذا الضيف إن أطعمته إن كان جائعاً ، كسوته إن كان عارياً ، علمته إن كان جاهلاً ، عالجته إن كان مريضاً ، أمنته إن كان خائفاً ، يتفضل الله عليك في عليائه فيكافئك مكافأة من جنس عملك ، وينصرك على من هو أقوى منك ، لذلك الطريق الوحيد إلى أن ننتصر على من هو أقوى منا أن نعين الضعفاء ، الطريق الوحيد على أن ننتصر على من هو أقوى منا وما أكثرهم ! أن نعين الضعفاء .(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))
المذيع :﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي هل هنا كأن هذه الآية فيها شرح لصفات أهل الجنة المتقون الأوابون ؟العقاب أو الثواب إن جاء عقب العمل الصالح ألغي الاختيار :
الدكتور محمد راتب :
ما معنى خشي بالغيب ؟
﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ ﴾
لو أن إنساناً شُهر عليه مسدس ، رأى المسدس ، الخوف محقق ، لكن بالغيب ، أي يعلم أن هذا الشيء محرم ، لا يوجد عقاب جاهز ، بتعبير آخر : لو يأتي الثواب عقب الذنب ألغي الاختيار ، أما أنت تعمل عملاً صالحاً ، تنفق مالك ، تعاون ضعيفاً ، ما جاءك شيء خلال فترة بسيطة ، أو طويلة ، لو جاء العقاب أو الثواب عقب العمل الصالح ، أو عقب العمل السيئ مباشرة ألغي الاختيار كلياً .المذيع :
كانت الأمور واضحة .
الدكتور محمد راتب :
أبداً ، كل إنسان أكل مالاً حراماً يُقتل ، عظمة الدين .
المذيع :
اختبار ، يوجد مهلة .
أنواع اليقين :
الدكتور محمد راتب :
لك أن تفعل السلبيات بأمد طويل وأنت بصحة طيبة ، والضغط 8 ـ 12 ـ والنبض ثمانون نبضة ، ولا يوجد عندك أية مشكلة صحية ، ويمكن أن تعمل أعمالاً صالحة كثيرة ، ولا يوجد عندك شيء مقابله ، تأخير الثواب والعقاب يؤكد الاختيار ، ويؤكد الامتحان ، هذه نقطة مهمة جداً، فالمؤمن يخشى الله بالغيب ، والجنة ما رآها ولكنه يصدق ما فيها .
لذلك قالوا : عندنا يقين حسي ، ويقين عقلي ، ويقين إخباري ، والمعنى دقيق جداً، اليقين الحسي أن ترى بحواسك الخمس ، خمس حواس ، أي أدواته الحواس الخمس واستطالاتها كالميكروسكوب والتليسكوب ، هذا اليقين الحسي شيء ظهرت عينه وآثاره ، يقين حسي ، الآن غابت عينه بقيت آثاره يقين عقلي ، جدار وراءه يوجد دخان ، أنت تقول : لا دخان بلا نار ، هذا يقين عقلي ، شيء غابت عينه بقيت آثاره .
الثالثة : شيء غابت عينه وآثاره معاً ، يقين إخباري ، لذلك :
﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾
عندي يقين حسي ، أداوته الحواس الخمس واستطالاتها ، عندي يقين عقلي لشيء غابت عينه ، وبقيت آثاره ، وعندي يقين إخباري ، أما أن يقول الله عز وجل :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾
أنت لم ترَ هذا ، العلماء قالوا : ينبغي أن تأخذ إخبار الله لك وكأنك تراه ، نحن بين يقين حسي ، حواس خمس ، واستطالاتها ، يقين عقلي لشيء غابت عينه وبقيت آثاره ، أداته العقل، يقين إخباري ، الثالث غابت عينه وآثاره ، أداته الخبر الصادق .﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾
القلب السليم :
لذلك :
﴿ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ﴾
الدنيا فيها كل شيء ، فيها ملاه ليلية ، فيها دور سينما ، فيها ظلم ، فيها قهر ، فيها قتل ، والأمور تمشي بشكل طبيعي ، يأتي يوم :﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
والقلب السليم هو القلب الذي سلم من شهوة لا ترضي الله ، وسلم من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله ، وسلم من عبادة غير الله .﴿ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
المذيع :فضيلة الدكتور ؛ هنا في قوله تعالى :
﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ ﴾
ما فائدة إيثار اسم الله الرحمن على اسم الجلالة في هذه الآية ؟فائدة إيثار اسم الله الرحمن على اسم الجلالة في الآية السابقة :
الدكتور محمد راتب :
اسم الله الأعظم ، نحن عندنا معلومات دقيقة عن اسم الله الأعظم ، اسم الله الأعظم فيه أقوال كثيرة ، أرجح الأقوال أن لكل مؤمن اسم الله الأعظم ، الفقير ؛ اسم الله الأعظم عنده المغني ، والمظلوم ؛ العدل ، والمقهور ؛ الشافي ، هناك اسم أعظم له علاقة بحالتك ، فالمريض مرض عضال ؛ الشافي ، اسم الله الأعظم ، الفقير ؛ المغني ، المظلوم ؛ العدل ، هذا رأي دقيق جداً ، وقد يكون الرحمن اسم الله الأعظم ، الرحيم ، رحمن في ذاته ، رحيم في خلقه .
المذيع :
ما هي الخشية الحقيقية النافعة المقصودة في هذه الآية ؟
الخشية من الله :
الدكتور محمد راتب :
﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ ﴾
من دون رقابة ، الفكرة دقيقة جداً ، أن الإنسان إذا اشترى معصية الله هو وحده لا يوجد رقيب عليه ، عفواً ما هذا الصيام ؟ أنت بمفردك في البيت ، والحرارة إحدى وخمسون ، وعطشك لا يحتمل ، تستطيع أن تفتح الثلاجة وتأخذ كأسين من الماء ، لا أحد يعلم في الأرض ، هذا الصيام عبادة الإخلاص ، الله يراك .﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ ﴾
أي لا يوجد رادع ، لا يوجد رقابة ، لا يوجد كاميرا ، لا يوجد ضبط ، لا يوجد شرطي ، هذه بطولة أكبر بكثير ، من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله .أعيدها مرة ثانية : من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله إطلاقاً ، هذا الإخلاص .
المذيع :
القلب المنيب .
الدكتور محمد راتب :
يعود إلى الله دائماً .
المذيع :
العلماء فسروه عدة معان .
بطولة الإنسان أن يبحث عن الأسباب البعيدة في أي شيء جرى له :
الدكتور محمد راتب :
انظر سيدي ، أناب ؛ رجع ، هو عمل حادثاً ، هناك سبب أعمق من خطئك بالقيادة ، الدخل قلّ كثيراً ، هناك خطأ أعمق من أن دوامك بالمحل قلّ ، يوجد قضية عميقة جداً ، أنت بطولتك أن تبحث عن الأسباب البعيدة لا القريبة ، كل شيء له سبب قريب ، فكلما فقهت في الدين أكثر بحثت عن سبب بعيد أكثر .
المذيع :
في الآيات أيضاً فضيلة الدكتور :
﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾
ادخلوا بسلام إشارة إلى روعة الحالة النفسية التي ينعم بها أهل الجنة في بداية دخولهم للجنة ؟الحالة النفسية التي ينعم بها أهل الجنة :
الدكتور محمد راتب :
الحقيقة أن كل شيء أوله مدهش ، ثم تؤلف الجنة ، عندما تؤلف يرتقي من مستوى النعيم بما في الجنة إلى النظر إلى وجه الله الكريم ، أيضاً بالجنة يوجد درجات ، أعلاها النظر إلى وجه الله الكريم ، يغيب من نشوة النظر خمسين ألف عاماً .
المذيع :
الخلود شيخنا ما معنى ذلك :
﴿ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾
ولماذا سمي بذلك ؟تعريف الخلود :
الدكتور محمد راتب :
لأنك أنت تعيش في أرض فيها ليل ونهار ، فيها عدد ، فيها أشهر ، فيها سنوات ، فيها قرون ، فيها عقب ، أما الجنة فإلى أبد الآبدين ، أنا أقول كلمة دقيقة جداً : تصور واحداً بالأرض وأصفاراً للشمس ، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، وكل ميلي صفر ، ما هذا الرقم ؟ واحد بالأرض وأصفار للشمس ، والمسافة مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، وكل ميلي صفر ، ما هذا الرقم ؟ هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية صفر ، فأنت خلقت للانهاية ، لجنة عرضها السماوات والأرض ، إلى أبد الآبدين هذا الخلود ، فأي رقم ، أقول لك رقماً مذهلاً ؛ واحد وأمامه مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، وكل ميلي صفر ، هذا الرقم إذا نسب للانهاية قيمته صفر ، بالرياضيات .
المذيع :
﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾
ما المزيد في هذه الآية ؟النظر لوجه الله الكريم أعظم شيء في الجنة :
الدكتور محمد راتب :
المزيد قال : النظر لوجه الله الكريم ، هناك حور عين ، وطعام ، وجنات من تحتها الأنهار ، كل أوصاف الجنة موجودة .
﴿ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾
قال العلماء : النظر لوجه الله الكريم .المذيع :
سبحانه وتعالى !
﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ﴾
أي عدنا من بعد الوعد للوعيد ، الآيات التي قبلها :﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ ﴾
الجمع بين المتقابلين يعطي توازناً للإنسان :
الدكتور محمد راتب :
هذا التوازن .
المذيع :
﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴾
الدكتور محمد راتب :دائماً ، الحقيقة هذا درس للدعاة ، درس للآباء ، للأمهات ، للمعلمين ، الردع يقابله التبشير ، القمع يقابله الإكرام ، أنت عندما تستخدم شيئاً واحداً أخطأت خطأ كبيراً ، خرجت عن منهج رسول الله ، فهناك تبشير ، وتحذير ، هناك إكرام وعقاب ، إن جمعت بينهما حقق الجمع توازناً للإنسان ، هذا طريق خطير ، له بديل ، لكن بديل رائع جداً ، الدعاة ، الآباء ، الأمهات ، الخطباء ، العلماء ، لابد من أن تجمع بين المتقابلين ، جنة ونار ، ملائكة وشياطين ، أبد ووقت قصير ، هذا الجمع بين المتقابلين يعطي توازناً بالإنسان ، وعندنا مرض نفسي اسمه : عدم التوازن .
(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت ))
عدم توازن .المذيع :
﴿ فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ ﴾
العلماء فسروها ؛ ساروا في البلاد يبتغون الرزق ، هناك عدد من التفسيرات .مهما سعى الإنسان لابتغاء الرزق لا بد له من أن يموت :
الدكتور محمد راتب :
أو بحثوا عن الثروات .
المذيع :
ما الميزة هنا في هذه الإشارة أنهم :
﴿ فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ﴾
ما معنى المحيص ؟الدكتور محمد راتب :
لا يوجد نجاة من هذا المصير ، أي لا يوجد مفر .
المذيع :
ما العلاقة بين :
﴿ فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ﴾
الدكتور محمد راتب :نقبوا في البلاد ؛ أي أرادوا استخراج ثروات ينتفعون بها ، لكن ما دام الموت حتمياً فهذا العمل غير مجدّ .
﴿ فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ﴾
(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت ))
المذيع :قبلهم ، فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المقصود بهم أي قبل قريش ، هذا معنى :
﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً ﴾
الدكتور محمد راتب :والله يا سيدي عندنا قاعدة أصولية : المطلق على إطلاقه ، إذا لم يوجد تخصيص للمطلق يبقى مطلقاً ، قبل قريش ، وقبل من ادعى كذا ، وقبل من قال كذا ، ما دام لا يوجد تخصيص ، العام أحياناً لا يخصص بنفس النص .
المذيع :
في هذه الآيات فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ذكر الجنة ، وذكر النار ، وذكر العقاب في الآية التي تليها ، ما هي المعاني التربوية التي يمكن أن نستنبطها من هذه الآيات ؟
المعاني التربوية التي نستنبطها من الآيات السابقة :
الدكتور محمد راتب :الحقيقة الدعوة إلى العمل للجنة ، معظم الناس يعملون للدنيا ، والدنيا قصيرة أمام الجنة، الدنيا جيفة ، طلابها كلابها .
((الدنيا دار من لا دار له ، ولها يجمع من لا عقل له ))
الدنيا محدودة ، الموت ينهي كل شيء ، ينهي قوة القوي ، وضعف الضعيف ، ينهي وسامة الوسيم ، ودمامة الدميم ، ينهي منصباً رفيعاً ، وينهي عملاً إلى آخره .شخص اشترى فندقاً بباريس من ثمانين طابقاً ، دائماً ممتلئ ، في اليوم الثاني كان هناك مشكلة في نقل ملكيته ، جاءته جلطة ومات ، وانتهى الأمر .
شخص من أكبر أغنياء بلد ساحلي عمّر قصراً يفوق حدّ الخيال ، رأيته بعيني ، وعمّر قبراً له يفوق حدّ الخيال ، سقطت طائرته في البحر ، دفعت زوجته مئة ألف لإنقاذ الجثة فقط كي تدفن في هذا القبر ، لم يتح له ذلك ، البطولة أن تعيش الآخرة ، أن تعيش طاعة الله ورحمته .
خاتمة وتوديع :
المذيع :أشكركم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي على هذا اللقاء في هذا البرنامج ربيع القلوب .
إذاً مستمعينا الكرام توقفنا في هذه الحلقة عند قوله تعالى في سورة ق :
﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾