- ندوات إذاعية / ٠22برنامج ربيع القلوب - إذاعة القرآن الكريم الدوحة
- /
- ٠2 ربيع القلوب 2 - أحاديث عام 2020
مقدمة :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة في هذه اللقاء الجديد من برنامج : " ربيع القلوب " .
بداية أنقل لكم تحيات من فريق العمل ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، الهندسة الإذاعية سالم المري ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
مستمعينا الكرام ؛ نتابع معكم تدبر آيات الله تعالى في برنامج "ربيع القلوب" مع سورة هود ، حيث يدور محور سورة هود حول قضية الألوهية وتثبيت العقيدة في قلوب المدعوين ، ولذلك كثر الحوار بين الرسل وأقوامهم لتثبيت هذه الحقيقة ، ولقد تحدثت سورة هود عليه السلام عن حقائق العقيدة ، وحركتها عبر التاريخ ، ثم بينت في خواتيمها التعقيبات والتعليقات المبنية على سياق السورة من المقدمة ، ومن قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تسوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته .
وفي حلقة اليوم من برنامج "ربيع القلوب" نتناول آيات كريمات من سورة هود وهي قول الحق الله سبحانه :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
أرحب كالعادة بضيف البرنامج الدائم الداعية الإسلامي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله شيخنا الفاضل ، وأهلاً وسهلاً بكم في هذه الحلقة الجديدة .
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
وإياكم شيخنا ؛ البداية شيخنا في الحلقة الماضية كنا بدأنا في الآية السابقة :
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾
اليوم نتابع إن شاء الله في قوله تعالى :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ﴾
وجه مناسبة الآية شيخنا لما قبلها من آية :
﴿ فَاسْتَقِمْ ﴾
حرص الإنسان على سلامته وسعادته واستمراره :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أخي الكريم بارك الله بك على هذا السؤال ، أي أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب لأنه من عند الخبير ، عندك آلة بالغة التعقيد ، غالية الثمن ، عظيمة النفع ، الشيء الطبيعي أن تقرأ التعليمات قبل أن تستعملها ، لأن الإله هو الخبير ، وحده يملك ما يصلحك ، وما يسعدك ، وما يرقى بك ، فأنت حينما تطبق تعليمات الصانع تحب نفسك ، أنت إذا أحببت سلامتك ، وسعادتك ، واستمرارك ، في الأرض ثمانية مليارات إنسان ما منهم واحد يتمنى الفقر ، أو القهر ، أو المرض ، وما منهم واحد إلا يتمنى أن يكون غنياً ، له بيت جيد ، وزوجة صالحة ، وأولاد أبرار ، وبنات محتشمات ، هذا شيء عام ، ولا يوجد إنسان إلا ويتمنى أن يعيش مئة وثلاثين سنة ، الإنسان حريص على سلامته ، وسعادته ، واستمراره ، الثلاثة تتحقق بأعلى درجة حينما تطبق تعليمات الصانع ، الصانع الجهة الوحيدة الخبيرة بما يصلحك ، وما يسعدك ، وما ينجيك ، فلذلك :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾
الإنسان إذا اتصل بالله ، من هو الإنسان ؟ الكائن الحادث اتصل بالقديم ، الكائن المخطئ اتصل بالعظيم ، اتصل بالحكيم ، بالرحيم ، بالقوي ، أنت إذا اتصلت بالذات الإلهية حصلت صفات تفوق حدّ الخيال ، المؤمن صابر ، حكيم ، قوي ، عاطفته جياشة ، حسن الإدارة لبيته ، زوج صالح ، أب صالح ، جار صالح ، صفات المؤمنين تفوق حدّ الخيال ، فلمجرد أن تعقد صلتك مع الخالق تشتق منه الكمالات ، الله أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، فإذا اتصل هذا المخلوق الحادث الضعيف مع الذات الإلهية اشتق منها صفات الكمال ، لذلك هناك فرق كبير وكبير بين مؤمن وغير مؤمن ، هذا موصول ، عنده حكمة ، عنده قوة ، عنده صبر ، عنده رقي إلى الله عز وجل ، عنده سعادة ، عنده صبر ، فالمؤمن صفاته تفوق حدّ الخيال ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم .
من اتصل بالخالق اكتسب منه كل شيء :
الإنسان كائن الله أودع فيه اختيار ، أعطاه قدرات عالية جداً ، فإذا اتصل هذا المخلوق الضعيف بالخالق كسب منه كل شيء ، لذلك :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾
من أجل أن تكون صابراً ، وقوياً ، وعندك حكمة بالغة ، وتكون أباً صالحاً ، وابناً صالحاً ، وزوجة صالحة ، وأخاً صالحاً ، ينبغي أن تتصل بأصل الكمال ، والنوال ، والجمال ، أصل الكمال والجمال والنوال عند الله عز وجل ، أصل الصلاة ، لا خير في دين لا صلاة فيه .
أخي الكريم بارك الله بك على هذا السؤال ، الصيام يسقط عن المريض ، والحج عن الفقير ، وكل الأركان تسقط إلا الصلاة ، الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال ، الفرض الوحيد المتكرر ، يمكن أن تصلي برموش عينيك ، في ظروف معينة ، هذا الفرض لا يسقط ، لأنه هو اتصال الضعيف بالقوي ، غير الحكيم بالحكيم ، غير العليم بالعليم ، تشتق من الله كل شيء، أي الفرق بين مؤمن وغير مؤمن ليس فرقاً ببندين أو ثلاثة ، بألف بند ، المؤمن يعلم أن هناك إلهاً، ومنهجاً ، ووجوباً ، وفرضاً ، وحساباً ، وآخرة ، لذلك :
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
وأنا أقول كلمة للتاريخ : ثلاث نعم إذا أصابتك ما فاتك من الدنيا شيء ، نعمة الهدى ، أنت تعرف أن هناك إلهاً عظيماً ، وهناك موت ، وبرزخ ، وجنة ، ونار ، وحلال ، وحرام ، ويجوز، ولا يجوز ، هذه نعمة الهدى النعمة الأولى ، الثانية الصحة ، لا تعاني من خثرة بالدماغ ، ولا من تشمع بالكبد ، ولا من فشل كلوي ، تقوم تتحرك بشكل طبيعي ، والثالثة ؛ الكفاية ، عندك ما يغنيك عن السؤال ، من أصاب نعمة الهدى ، ونعمة الصحة ، ونعمة الكفاية ، ما فاته من الدنيا شيء .
المذيع :
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ؛ بعد هذا الشرح الجميل لهذه الآيات هناك سبب لنزول قول الله تعالى :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾
الصلاة صلة بالله واستمداد النور منه :
الدكتور محمد راتب :
طبعاً هذه الآيات جاءت بعد الاستقامة ، الاستقامة تحتاج إلى قوة ، إلى إرادة ، إلى تألق للأهداف ، تحتاج إلى أشياء كثيرة ، فإذا قلنا لإنسان بعيد عن الله : استقم ، لا يستقيم ، هذا واقع العالم اليوم ، إذا لم يكن لك صلة بالله ، لم يكن لك استمداد النور من الله ، استمداد القوة من الله ، لن تستطيع أن تقوم بهذه الأعباء ، الصلاة صلة .
عفواً ؛ لا يستطيع إنسان لا شيء أن يقابل ملكاً ، ملك أرضي ، فكيف إذا سُمح لك أن تقابل ملك الملوك ومالك الملوك ؟ أن تتصل بأصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، فأنت عندما تصلي هذا العبد الفقير ، الحادث ، الطارئ ، الضعيف ، الخائف ، يتصل بأصل الجمال ، والكمال، والنوال ، لذلك : الصلاة عماد الدين ، من أقامها فقد أقام الدين ، ومن هدمها فقد هدم الدين ، العماد ؛ الخيمة فيها عمود ، لولا هذا العمود لم يكن هناك خيمة إطلاقاً ، قماش تداعى إلى الأرض ، الخيمة بلا عماد قماش ، مع العماد صار عندنا خيمة ، صار مسكناً ، الصلاة عماد الدين ، من أقامها فقد أقام الدين ، ومن تركها فقد هدم الدين ، ولا خير في دين لا صلاة فيه .
المذيع :
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي من خلال هذه الآية تظهر عظمة الصلاة أيضاً في قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾
بداية الآية كانت بإقامة الصلاة ، فكأن الصلاة هي أهم ما يجلب الحسنات ؟
من اتصل بالإله الكامل اشتق منه كمالاً يسعده ويسعد غيره :
الدكتور محمد راتب :
أنا أفهم فهماً لعلي على صواب ، كان بخيلاً ، بعد أن اتصل بالكريم أصبح كريماً ، كان عصبي المزاج صار حليماً ، كان يخاف صار عنده جرأة ، كل الصفات السلبية بالبعد عن الله؛ الأنانية ، والحشرية ، هناك صفات لا تعد ولا تحصى إذا اتصلت بالإله الكامل ، الذات الكاملة، تشتق منه كمالات تَسعد بها ، وتُسعد من حولك بها .
المذيع :
شيخنا ؛ الآية بدأت :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾
هل هناك فرق بين إقامة الصلاة وأداء الصلاة ؟
الفرق بين إقامة الصلاة وأداء الصلاة :
الدكتور محمد راتب :
طبعاً ، فرق كبير ، أداء الصلاة أن تتوضأ ، وأن تقف ، وأن تقرأ الفاتحة ، وتركع ، وتسجد ، وتسلم ، أما الدخل ففيه إشكال ، فيه مادة محرمة تبيعها ، يوجد سهرة مختلطة ، تجلس مع نساء كاسيات عاريات ، وعينك تتملى من محاسهن ، هناك تجارة فيها بضاعة محرمة ، إقامة الصلاة أن تستقيم قبل الصلاة ، أن تتوب توبة نصوحة ، أن تقلع عن كل ذنب ، أي أنت هيأت نفسك .
طالب قدم طلباً للجامعة ، لينال الدكتوراه ، ولا يوجد معه ابتدائية ، شيء مضحك ، أين الابتدائي والمتوسط والتوجيهي واللسانس والدبلوم والماجستير حتى تحط د. جانب اسمك ؟ من أجل د. تدرس ثلاثاً وعشرين سنة ، ومن أجل مؤمن تستحق الجنة إلى أبد الآبدين لا يوجد عندك وقت تحضر درس علم ؟! تفتح كتاب تفسير ؟! تتابع ندوة إسلامية ؟! هذه المشكلة ، طلب كبير ، ومن التفاهة ، والغباء ، والحمق أن تنتظر نتائج باهرة من مقدمات بسيطة .
هل يستطيع طالب أن يقدم للدولة : يرجى منحي دكتوراه ولا يحمل أي شهادة سابقاً ولا ابتدائية ؟ شيء مضحك ، إن طلبت شيئاً غير معقول ، طبعا يوجد إهمال لك ، إهمال من الذي سألته .
المذيع :
في الآية شيخنا أيضاً :
﴿ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ﴾
لو تشرحها لنا ؟
اختلاف الأقوال حول طرفي النهار :
الدكتور محمد راتب :
الحقيقة الطرفان على اختلاف الأقوال إما الظهر والعصر ، هذان طرفا النهار ، وهناك رأي الفجر والظهر والعصر ، أما من الليل فالمغرب والعشاء ، أي معنى :
﴿ زُلَفاً ﴾
قريب من الليل ، غابت الشمس ، دخل المغرب ، ذهب احمرار السماء الشفق ، دخل العشاء ، الفجر عليه اختلاف ، أما في النهار فيوجد صلاتان ، صلاتان دقيقتان الظهر والعصر .
﴿ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ﴾
إما أن ندخل الفجر معهم أو نترك الفجر مع النهار ، لأن النهار بدأ .
المذيع :
شيخنا :
﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾
هذه القاعدة القرآنية المحكمة يحتاجها كل مؤمن في حياته ، وكل إنسان ، ومن منا لا يقع بالخطايا ؟
الحلال تحلو به النفس والحرام يحرم الإنسان من السعادة :
الدكتور محمد راتب :
والله أنا أفهم هذه الآية فهماً أرجو أن أكون على صواب .
المذيع :
ما المراد بالحسنات في هذه الآية ؟ وما السيئات التي تذهبها الحسنات ؟
الدكتور محمد راتب :
الحسنات ؛ الشيء الذي تحسن به ، أنت أنفقت مالاً على الفقراء ، أمام ربك تفتخر بهذا العمل ، أنقذت إنساناً ، حكمت حكماً عادلاً كقاض ، أعطيت درساً متقناً كمدرس ، تاجرت بمادة حلال وليست محرمة ، أي لا يوجد حرفة ، ولا مصلحة ، ولا مهنة إلا فيها حلال وحرام ، فأنت كمؤمن أخذت الحلال فقط ، هناك دخل حرام تركله بقدمك ، ودخل حلال تأخذه كحليب أمك حلالاً ، الحلال تحلو به النفس ، والحرام يحرم الإنسان من السعادة .
المذيع :
هل تذهب السيئات الحسنات شيخنا بمطلقها ؟
قانون الولاء والبراء :
الدكتور محمد راتب :
والله أنا أفهمها كما يلي : قبل أن يصلي كان بخيلاً ، فلما اتصل بالله صار كريماً ، البخل سيئة حلّ محلها الكرم ، كان غضوباً فصار حليماً ، كان عنيفاً فصار رقيقاً ، إن لم يكن هناك حوالي مئة صفة للمؤمن يتألق بها كأنه ما اتصل بالله عز وجل ، مئة صفة ، من حلم ، من رقة ، من رحمة ، من أدب ، من تواضع .
سيدنا عمر يمشي بالطريق ، رأى أناس أشعلوا النار ، قال : السلام عليكم يا أهل الضوء ، ما قال : يا أهل النار ، بكلمة ، عندنا كمالات من الصحابة تفوق حدّ الخيال ، هم ما درسوا ، ولا معهم دكتوراه ، ولا معهم جامعات ، لكن اتصلوا بالكامل ، اتصالك بالإله ، وهو أصل الجمال والكمال والنوال تشتق منه الكمال ، الآية الدقيقة يخاطب الله عز وجل نبيه :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم ، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك ، وأحبوك ، وأنت أنت يا محمد بالذات افتراضاً لو كنت بعيداً عنا لامتلأ القلب قسوة ، فانعكس القلب غلظة وفظاظة .
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾
هذا قانون ، قانون الولاء والبراء ، يحتاجه الأب ، تحتاجه الأم ، يحتاجه المعلم ، المدرس ، أستاذ الجامعة ، يحتاجه آلاف الأشخاص من الخفير إلى الأمير ، من أقل منصب إلى أعلى منصب .
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم ، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك ، وأنت أنت لو افتراضاً كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوة وفظاظة ، وانعكست الفظاظة بعداً عن الله ، انفضوا من حولك ، يحتاجه الأب ، الأم ، المعلم ، المدرس ، أستاذ الجامعة ، يحتاجه أي إنسان من أقل منصب ، من خفير إلى أمير .
المذيع :
في سورة الفرقان دكتور في قوله تعالى :
﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾
كيف تجمع بين آية :
﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾
﴿ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾
الاتصال بالله يبدل السيئات بالحسنات :
الدكتور محمد راتب :
كان غضوباً صار حليماً ، كان شحيحاً صار كريماً ، كان متفلتاً صار ملتزماً ، السيئات بعد الاتصال بالله أصبحت حسنات .
الحقيقة الفضيلة وسط بين طرفين ، كان بخيلاً صار كريماً ، كان غضوباً صار حليماً، هذا التبديل ، في أخلاق البعد عن الله ، غضوب ، أناني ، حقود ، قاس ، لا يرحم ، اتصلت بالخالق ، بالرحيم ، بالحكيم ، بالعليم ، بالعدل ، اشتققت منه هذه الصفات فسعدت بها ، وأسعدت من حولك .
أنا لي كلمة دقيقة : هناك وهم خطير المؤمن يصلي فقط ، له ألف صفة يتميز بها غير الصلاة ، هناك رحمة بقلبه ، وحكمة ، وإنصاف ، وعدل .
المذيع :
﴿ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾
جاء شيخنا تزييل الآية مصدراً باسم الإشارة ، السؤال : إلام يعود اسم الإشارة في هذه الآية ؟
آيات القرآن الكريم ذكرى للذاكرين :
الدكتور محمد راتب :
لشيء قريب منك ، عندك ذاك ، وذلك ، اللام لام البعد ، والكاف كاف الخطاب ، تقول: ذاك لشيء أمامك ، ذلك القمر لشيء بعيد عنك لكن القمر مضيء ، عندك اللام لام البعد ، والكاف كاف الخطاب ، وذا اسم إشارة ، ذاك القلم ، أمامك القلم ، ذلك القمر بعيد عنك .
المذيع :
المقصود شيخنا اسم الإشارة هنا يعود للقرآن كاملاً أم للآية :
﴿ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾
الدكتور محمد راتب :
للآيات السابقة .
﴿ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾
إذا أنت ذكرت الله تستفيد من هذا ، شخص أميّ لا يقرأ ولا يكتب ، لا ينتفع من الدكتوراه ، يحتاجها شخص على مشارف الدكتوراه .
﴿ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾
أوصاف القرآن لمن شرد عن الله :
هم :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
القرآن وصف هؤلاء .
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
ضغطه 8 ـ 12 مثالي ، نبضه 80 مثالي ، وهو عند الله ميت ، ما دام لم يعرف الله ، ولم يعرف سرّ وجوده ، ولا غاية وجوده ، ما أراد الآخرة ، أراد الدنيا ، عند الله ميت .
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
واحدة ، اثنتان :
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
ثلاث :
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
أربع ، والعياذ بالله :
﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
أوصاف القرآن لمن شرد عن الله ، أوصاف القرآن ، أول شيء :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
﴿ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ﴾
أربع صفات قرآنية لمن شرد عن الله عز وجل .
المذيع :
﴿ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾
لماذا خصّ الذاكرين بالذكر ؟
الذكر عبادة تدور مع الإنسان حيثما دار :
الدكتور محمد راتب :
الحقيقة عندنا عبادة ، أوسع عبادة على الإطلاق ، عبادة شمولية ، أنت مع أهلك تؤنسهم أنت ذاكر ، مع ابنك تنصحه أنت ذاكر ، في عملك تتقنه أنت ذاكر ، في تربية أولادك أنت ذاكر ، في اتصالك بالله أنت ذاكر ، في تلاوة القرآن أنت ذاكر ، الذكر عبادة تدور مع الإنسان حيثما دار ، دعاء السفر ذكر ، دخلت البيت بسملت ذكر ، الطعام ؛ قلت : الحمد لله ذاكر، نصحت زوجتك ذاكر ، تابعت وظائف أولادك ذاكر ، الذكر عبادة تدور مع الإنسان حيثما دار ، والله قال :
﴿ اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾
تحت كثير نضع أربعة خطوط ، لأن المنافقين يذكرون الله .
﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾
الآية تقول :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾
المذيع :
﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
أتى الأمر بالصبر بعد الأمر بالصلاة ، بعد الأمر بالاستقامة .
عطاء الله عطاء لا متناه :
الدكتور محمد راتب :
الحقيقة ؛ قد تعطى شيكاً بمئة ألف ، أو بخمسمئة ألف ، الشيك عليه اسمك ، وعليه الرقم ، فإذا قُدم لك شيكاً موقعاً ، والرقم متروك لك ، ما قولك بهذا العطاء ؟ هذا معنى قوله تعالى :
﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
أي عطاء لا متناه ، الصبر فيه إرادة ، فيه علم ، فيه قوة إرادة ، كما قلت قبل قليل قوة إرادة ، هذا الشيء محرم ، بعيد عنه ، أي المؤمن عنده كلمة لا ، يقولها بملء فمه ، هذه السهرة لا أحضرها ، هذه الصفقة لا أعقدها ، هذا اللقاء لا أسمح به ، ما دام عنده كلمة لا للمحرمات عند الله كبير ، أما كل شيء يقبله ، وكل شيء يخضع له ، فانتهت إرادته ، وانتهى إيمانه أساساً .
المذيع :
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، عودة إلى آيات الصلاة :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ﴾
زلفاً ؛ هل يمكن أن يكون المقصود بها قيام الليل أي ساعات من الليل وقيام الليل ؟
تلخيص لما سبق :
الدكتور محمد راتب :
والله هو من الليل ، بعضهم قال : المغرب والعشاء ، معنى زلفاً أي قريباً من الليل ، فالمغرب غابت الشمس ، والعشاء غاب الشفق ، بعضهم قال : والفجر ، قريب من الليل ، والشمس ما أشرقت .
﴿ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ﴾
أما وسط النهار فالظهر والعصر .
المذيع :
﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ ﴾
بعض العلماء فسرها المقصود بها الصلاة فقط ، وهي على عمومها أي حسنة ممكن أن يعملها الإنسان صدقة ، طاعة .
الدكتور محمد راتب :
ممكن تفهم بهذا الشكل .
المذيع :
لأنها هي أتت بعد الأمر بالصلاة .
الدكتور محمد راتب :
أنت إذا اتصلت بالرحيم اشتققت منه الرحمة ، اتصلت بالعدل أصبحت منصفاً ، كلما اتصلت بالله اشتققت منه كمالاً ، هذا الكمال غير أخلاقك ، صار عندك حلم ، عندك بعد نظر ، عندك صبر ، عندك رحمة ، عندك تطلع إلى مصالح الآخرين ، الإيمان شيء عظيم جداً ، إنسان آخر .
خاتمة وتوديع :
المذيع :
أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا اللقاء ، وعلى حضوركم معنا في الأستوديو ، شكراً لكم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته