وضع داكن
27-07-2024
Logo
الأردن - عمان - مركز رواد الخير - زوم : 91 - مكانة الدعوة إلى الله
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد الصَّادق الوعد الأمين. 
اللَّهم لا علم لنا إلا ما علّمتنا، إنّك أنت العليم الحكيم، اللّهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزدْنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول، فيتّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصَّالحين. 

مكانة الدعوة عند الله:


أيّها الإخوة الكرام؛ مكانة الدعوة عند الله: 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ(33) ﴾

[ سورة فصلت ]

المعنى الدقيق ليس على وجه الأرض إنسان أفضل (مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ) هذا كلام الله، أي لا يوجد إنسان أفضل عند الله ممن دعا إلى الله، دعا إلى الله بخطابه، بنظامه، باجتهاده، بلقاءاته، بكتاباته -واسع الموضوع واسع جداً- (دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا) هذه الدعوة الشفهية أو الكتابية تحتاج إلى من يطبق هذا المنهج الإلهي تطبيقاً تاماً حتى تكون المصداقية عند الداعية (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ) كلام دقيق جداً، دعا إلى الله بشتى أنماط الدعوة من خطاب، إلى لقاء، إلى ندوة، إلى سهرة، إلى أمسية، دعا إلى الله دعوة خالصة (دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا) الحركة اليومية لهذا الداعية تنطبق تماماً مع منهج الله -عزَّ و جلَّ- في كسب ماله وإنفاق ماله ولقاءاته وتقييماته.
 العبادة الشعائرية صلاة وصوم وحج وزكاة؛ أما التعاملية واسعة جداً: كسب المال، إنفاق المال، اللقاءات، المواقف الرائعة من الأقوياء، من الضعفاء، العمل الصالح واسع جداً، العبادة التعاملية تبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وتنتهي بالعلاقات الدولية، فلذلك الآية تقول: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ) .

الدعوة إلى الله تعالى فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف:


لكن من يتصور أن الدعوة إلى الله فرض عين، أنت لماذا تصلي؟ الجواب بديهي؛ لأن الصلاة فرض، لكن هل أؤكد لك أنك ينبغي أن تعتقد أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ولكن في حدود ما يعلم ومع من يعرف؟ لذلك هي فرض عين، والدليل:

﴿  قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاوَمَنِ ٱتَّبَعَنِى وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ(108) ﴾

[ سورة يوسف ]

إذاً الدعوة إلى الله فرض عين ولكن في حدود ما تعلم ومع من تعرف، (دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا) لا يكفي، دعا إلى الله بشتى أنواع الدعوة وعمل صالحاً بالحركة اليومية لحياته، حركته اليومية، كسب ماله، إنفاق ماله، خصائصه، مواقفه، تقييماته؛ هذه كلها وفق منهج الله -عزَّ و جلَّ-لكن هناك ملمح ثالث (وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ) ما ظن أنه الداعية الأول، لو ظن أنه الداعية الأول لكان معه مرض اسمه (مرض الشعور بالذات) (وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ) يعني أنا معي دعاة آخرون؛ فلذلك الدعوة إلى الله أعظم عمل نتقرب فيه إلى الله، بل ما من إنسان على وجه الأرض أفضل عند الله ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً، أما الدعوة إلى الله؛ الإله واحد، أما الطرق التي نسلكها للدعوة إليه لا تعد ولا تحصى، لذلك الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، هذه دعوة فرض عين على كل مسلم، يعني كنت أنت بسهرة هناك عالم رباني تكلم كلاماً طيباً فأنت حفظته، اذكره لزوجتك أنت داعية أصبحت، إلى أولادك، إلى رفقائك، إلى من حولك في العمل، شرح الآية إلى آخره...، دعا إلى الله كفرض عين:(قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى) المعنى الدقيق: الذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله.

﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(31) ﴾

[ سورة آل عمران ]

معنى ذلك من لوازم الإيمان أنك إذا سمعت حقيقة رائعة متألقة، قصة مؤثرة، شرح نص رائع جداً أن تقوله لمن حولك فأنت الآن داعية عند الله لكن في حدود ما تعلم ومع من تعرف، ليس معك دكتوراة بالشريعة، وليس لك منصب دعوي لكنك سمعت القصة مؤثرة جداً فيها عدل الله المطلق فأنت ذكرت إلى من حولك (دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ)
الفرض العين (قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ) ماذا تعني البصيرة؟ يعني الدليل والتعليل.

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(103) ﴾

[ سورة التوبة ]

هذه الفرض العين على كل مسلم :(قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ) أما الدعوة إلى الله كفرض كفاية موضوع ثانٍ هذا إذا قام به البعض سقطت عن الكل، أما الدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، فرض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل لكنها تحتاج إلى تفرُّغ، تحتاج إلى تعمُّق، إلى تبحر، إلى تثبت، الدليل: 

﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ(104) ﴾

[ سورة آل عمران  ]

الآن بدأنا الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف؛ سهرات، لقاءات، نزهات أحياناً، اجتماعات فيها كلام غيبة ونميمة وكلام فيه فخر، وفيه تحقير وما إلى ذلك- من حثالة الأمة هؤلاء- أما أنت هذا الوقت مهم جداً، أنت وقت، الله -عزَّ و جلَّ-جعل الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بِضع منه، لذلك الله قال: 

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ(2)﴾

[ سورة العصر  ]

الوقت أثمن شيء يملكه الإنسان المؤمن، فهذا الوقت يُنفق في الدعوة إلى الله أعلى درجة (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ)  

الدعوة الاحترافية:


أما الدعوة مرة ثانية الاحترافية (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ) هذه (منكم أمة) يعني البعض (يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ) هنا صارت الدعوة الاحترافية التي تحتاج إلى اختصاص، إلى دعاة متفرغين ومتفوقين بعلمهم هؤلاء عليهم أمل كبير جداً، لذلك بعض العلماء استنبطوا أن هذه الدعوة لها خصائص.

خصائص الدعوة الاحترافية:


 1-أول خصيصة (القدوة قبل الدعوة):

أناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، الكلام الشفهي وحده لا يقدم ولا يؤخر، أما إنسان صادق ما كذب إطلاقاً صدقه دعوة، إنسان متقن بعمله أتقنه إتقاناً تاماً، إتقان عمله دعوة هذه الدعوة المؤثرة، الدعوة الشفهية سهلة جداً أي إنسان على ثقافة محدودة أو معه ذاكرة لا بأس بها وقاعد بسهرة يتكلم، هذه  قضية سهلة جداً الدعوة الشفهية سهلة جداً، أما الدعوة التي تؤثر الدعوة العملية، تعاملنا مع فلان كان صادقاً، أعطيناه شيئاً لينفقه في سبيل الخير كان أميناً، الصدق والأمانة والتفوق هذا كله من الدعوة التي ينبغي أن تكون.
 القدوة قبل الدعوة الناس مرة ثانية يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، القدوة قبل الدعوة أبلغ طريقة لنقل الحقيقة أن تطبقها أنت، يعني أب ما تكلم كلمة نابية بحياته أمام أولاده ولا بمكان آخر ضبْط لسانه دعوة إلى الله، ما أكل مالاً حراماً، تحري الحلال دعوة إلى الله، تواضعه دعوة إلى الله، محبته لمن حوله دعوة إلى الله، الدعوة إلى الله واسعة جداً، أما الدعوة الشفهية سهلة جداً تحتاج ذاكرة قوية ونصوص حق وتتكلم بالمجالس، تتصدّر المجالس أما الدعوة العملية هي المؤثرة، ما الذي جعل الإسلام ينتشر في العالم؟ هو تطبيق المسلمين للدين، لما طبقوا دينهم أقنعوا الناس بهذا الدين العظيم.
القدوة قبل الدعوة الناس -مرة ثانية- يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، هذا الكلام للمعلم، للأب، لرئيس الدائرة، بأي منصب قيادي، إذا كنت مستقيماً مطبقاً لمنهج الله دعوتك مؤثرة، الدعوة إلى الله القدوة قبل الدعوة و -مرة ثانية- الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، رآه صادقاً، رآه أميناً، رآه عفيفاً، كل حرفة، كل مصلحة، كل نشاط تجاري، صناعي، دعوي فيه حركة الحركة الصادقة هي المؤثرة دعا إلى الله، الآن القدوة قبل الدعوة إذاً الدعوة مقبولة وجيدة لكن الذي يؤثر في الناس أنك مطبق لها، الذي يؤثر في الناس من الدعاة أنه مطبق لها في بيته وفي عمله، عنده حياة خاصة وفق منهج الله وقنع بها فطبقها فكان موقفه قوياً في الدعوة إلى الله، لكن هناك ملمح آخر في الدعوة.

 2-(الإحسان قبل البيان): 

القدوة قبل الدعوة الأب قدوة والأم قدوة، للتقريب أم كانت عند الجيران مع ابنتها الصغيرة تأخرت حتى عادت إلى البيت، تأخر الطعام فجاء الأب غاضباً على هذا التأخر، فقال لهم: أين كنتم؟ قالت: "لم نكن بمكان"، الأم حينما نفت الخروج من البيت شربت ابنتها الكذب دون أن تشعر، لي كلمه قاسية لكن مفيدة جداً: أكثر أخطاء أولادنا من الآباء والمعلمين، إذا أخطأ الأب أو المعلم رسخ هذا الخطأ في نفس الابن، لو فرضنا إنساناً له عمل دعوي ويدخن يوجد مشكلة، صار الدخان شيئاً مشروعاً، فالإنسان يتعلم بعينه لا بأذنه، القدوة قبل الدعوة أما (الإحسان قبل البيان ) املأ قلب من حولك املأ قلبهم محبة بإحسانك ليصغوا إلى بيانك. املأ آذان من يتبعوك بإحسانك ليطبقوا هذه الدعوة، أقوى شيء الدعوة العملية (الإحسان قبل البيان)
((يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها))
الحقيقة أسرع شيء لامتلاك قلب الآخر الإحسان، الإحسان أسرع شيء لامتلاك قلب الآخر، أنا لا أرى داعية موفقاً بعمله أو معلماً بمدرسته أو أباً ببيته إلا أن يكون إحسانه هو الذي مهد لقبول دعوته، الإحسان قبل البيان املأ قلب من تدعوه بإحسانك يفتح لك عقله لبيانك، أنا أتكلم عن  الدعاة الناجحين في حياتهم، أولاً قدوة هو في بيته، في عمله، في نزهته النزهة منضبطة، في تجارته، في صناعته، في مواقفه، في غضبه، في رضاه، كل نشاطاته وفق منهج الله هذا الذي يؤثر بالناس، فلذلك السلف الصالح أثروا في الناس بدعوتهم لأنهم طبقوها تطبيقا تاماً، أما حينما اتُخذت الدعوة حرفة هناك نصوص حفظها، وهناك قصص مؤثرة حفظها أيضاً ألقاها، لكن هو في وادٍ والبيت في وادٍ آخر والنشاط في وادٍ، فلذلك-أذكر مرة- أحياناً الإنسان يسأل: هذا الداعية يطبق ما يقول؟ لأن الإنسان ينتفع من طبيب بعلمه فقط، ينتفع من مهندس بعلمه، من محامٍ بعلمه، لكنه لا ينتفع من الداعية إلا إذا أيقن أنه يطبق ما يقول، هذه اسمها المصداقية، إذاً (الإحسان قبل البيان)
 -أعيد مره ثانية بدقة بالغة-: املأ قلب من تدعوه إلى الله بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك، الإحسان قبل البيان، ((يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها)) ، هذه جِبلة الإنسان إذاً (الإحسان قبل البيان) أول مقولة أساسية في الدعوة (القدوة قبل الدعوة) : لا تنتظر من الآخرين أن يسامحوك إذا فعلت شيئاً بخلاف ما تقول له، أحياناً طفل صغير يكشف هذا التناقض، إذا أردت أن تكون داعية ينبغي أن تكون مطبقاً لكل ما تقول، لما طبقت جئت بشيء اسمه المصداقية.

3-(الأصول قبل الفروع):

الآن يوجد عندنا قاعدة ثالثة في الدعوة؛ الأصول قبل الفروع أذكر مرة قصة ذكرها عالم أزهري كبير، أحدهم فرنسي أسلم على يد عالم، هذا الذي أسلم على يده هو هوّن الإسلام فقط، إذا أنت كنت ببلد بعيد وأنت مسلم -أنت ببلدك فرد مسلم أما كنت بألمانيا، بأوروبا، ببلاد أجنبية أنت الإسلام- أخطاؤك تسبب شك بدينك، أحياناً إنسان ساكن ببلده إذا أخطأ يشار إليه بالإصبع فلان أخطأ، أما في بلاد الغرب هو الإسلام كله، فلذلك أنت على ثغرة من ثُغر هذا الدين فلا يُؤتينّ من قِبلك، إذاً هذه قواعد مهمة جداً؛ الإحسان قبل البيان والحقيقة املأ قلبه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك، ((يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها)).
4-الآن يوجد عندنا نقطة دقيقة؛ (المبادئ لا الأشخاص) لا تشخصن الحالة؛ المبادئ لا الأشخاص، يمكن أن تدعو إلى الله لكن بموقف كامل، هذا الموقف عُدَّ من الدعوة، فالعمل هو دعوة لكن دعوة مقنعة أكثر، المبادئ لا الأشخاص، هناك دعوة مشخصنة والدعوة المشخصنة فيها خطر كبير، أنت أقنعتهم أنك الأول فإذا كشفوا لك خطيئة سقط هذا الموقف من عينهم، فأنت ابقَ بالنصوص، وابقَ بالمبادئ والقيم، المبادئ لا الأشخاص، هناك دعوة مشخصنة إنسان يكبّر نفسه كثيراً أمام من حوله لكن قلبي قد ينسى أنه قد يخطئ، فإذا أخطأ عُزي الخطأ إلى الإسلام لا إليه، وأنا مرة أقول كلمة دقيقة: أنه لما يغلط إنسان ببلده يُشار إليه بالاسم فقط "فلان أخطأ"، إذا كان ببلد آخر، بلد بعيد وبلد بعيد عن الدين و أخطأ؛ الإسلام أخطأ تُعزى هذه الخطيئة إلى الدين لا إلى شخص معين، فأنت على ثغرة من ثُغر هذا الدين فلا يُؤتينّ من قِبلك، إذاً المبادئ لا الأشخاص، نحن دين مبادئ، دين قيم ومبادئ ليس دين أشخاص وتكتلات هذا الفرق الكبير.

5- (المضامين لا العناوين):

 الآن (المضامين لا العناوين) المهم المضمون العنوانات سهلة جداً، يوجد عنوانات براقة جداً والناس يتفاخرون بها، لكن البطولة المضامين لا العناوين، أنت عاملته، كان صادقاً؟ كان أميناً؟ كان متواضعاً؟ كان مخلصاً؟ كان غيرياً ليس أنانياً؟ المعاملة الطيبة هي التي تنجح الدعوة، فلذلك القضية ليست قضية كلمات نقولها مُركّزة، مصنفة، فيها بلاغة، فيها فصاحة، فيها نصوص، الدعوة أكبر من ذلك، الناس يريدون شخصاً أمامهم، هناك نقطة دقيقة؛ الإسلام متمثل بشخص أحياناً فالنبي الكريم- القرآن وحي ناطق، والوحي قرآن صامت، والنبي قرآن يمشي- نقطة قرآن يمشي، أنا أقول الناس بحاجة الآن إلى إسلام يمشي أمامهم إن حدثهم فهو صادق، إن وعدهم فهو ينفذ هذا الوعد، إن استثيرت شهوته فهو عفيف، عاملهم فهو أمين، (القدوة قبل الدعوة، و الإحسان قبل البيان، والمبادئ لا الأشخاص ، و المضامين لا العناوين)

6-(التدرج لا الطفرة):

على كلٍّ التدرج لا الطُّفرة، تدرج: الله -عزَّ و جلَّ-قال:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا(43) ﴾

[ سورة النساء  ]

هذه الآية منسوخ حكمها، لِمَ بقيت في القرآن؟! أي تعلّم التدرج مع الآخر، الآية كلمة واحدة وحكمها قد نُسخ لكن لماذا بقيت نصاً يُقرأ؟ ليتعلم الداعية التدرج، التدرج لا الطُّفرة، الطُّفرة تعطيل الأوامر كلها دفعة واحدة -لا يحتمل-، لذلك الله قال: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ) حسناً لماذا بقيت الآية بالقرآن، لنتعلم منها أن التدرج أفضل من الطفرة. 

الإنسان عقل يدرك، وقلب يحبّ، جسم يتحرك:


الإنسان هو عقل يدرك والعقل غذاؤه العلم، وقلب يحب والقلب غذاؤه الحب الذي يسمو به الإنسان، وجسم بحاجة للطعام والشراب، أنا أضيف كلمة: الذي اشتُري بمال حلال، فإذا غديت عقلك بالعلم، وقلبك بالحب، وجسمك بالطعام والشراب حققت الهدف من الدعوة، إذا غذيت عقلك بالعلم الصحيح الثابت، وغذيت قلبك بالحب الذي يسمو بك، وغذيت جسمك بالطعام والشراب تفوقت، فإذا اكتفيت بواحدة تطرفت.
 التطرف خطير جداً الآن نحن نعيش التطرف، التطرف له أنواع إما أن تجعل الكبيرة لا شيء صغيرة -تطرف هذا-أو أن تجعل الحالة النادرة جداً كبيرة كلاهما في الأثر واحد، التدرج لا الطُّفرة.

7-(مخاطبة العقل والقلب معاً):

 الآن المرة الأخيرة مخاطبة العقل والقلب معاً.

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلكَرِيمِ (6) ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ (7) فِيٓ أَيِّ صُورَة مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ (8)﴾

[ سورة الانفطار ]

(مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلكَرِيمِ) هذه خاطبت العاطفة، (خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ) خاطبت العقل، أنا أقول: الدعوة تنجح كثيراً إذا خاطبت العقل والقلب معاً، القلب مشاعر، العقل مبادئ وأفكار، فإذا خاطبت قلبه بمشاعر صادقة وعقله بحقائق صحيحة ملكت قلبه.
هناك موضوع يعين على توضيح هذا الموضوع؛ أحدهم سأل إنساناً: "لماذا تصلي؟" قال له: "ما هذا السؤال؟! الصلاة فرض عين على كل مسلم"، أنا الآن أريد أن أقنع الإخوة المستمعين أن الدعوة إلى الله في حدود ما تعلم ومع من تعرف فرض عين على كل مسلم، سأقول مثلاً بسيطاً؛ كنت بسهرة، بجلسة، بجامع، بمكان، بجامعة، بمحاضرة، أنت سمعت هذا النص طبقته ونقلته إلى صديقك أنت داعية الآن، لا معك دكتوراة  بالشريعة ولا معك شهادات ولا معك شيء، سمعت قصة مؤثرة جداً فيها موعظة بالغة نقلتها إلى زوجتك، إلى من حولك، إلى أصدقائك، إلى موظف معك بالدائرة، فلذلك الدعوة كفرض عين على كل مسلم أما التفرغ والتبحر والتعمق والتثبت هذه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ) (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ) منكم من للتبعيض، صار معي دعوة فرض عين في حدود ما أعلم ومع من أعرف، ودعوة فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط عن الكل .
 الآن هناك بعض الملامح الدقيقة؛ الله -عزَّ و جلَّ-قال: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ) وآية ثانية (قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ) ما البصيرة هنا؟ قال بالدليل والتعليل:

﴿  خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(103) ﴾

[ سورة التوبة  ]

دائماً بالدليل والتعليل، الله -عزَّ و جلَّ-لما أعطانا أمر (خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) إذا الله -عزَّ و جلَّ-جاء بالدليل والتعليل أنت تعطي أمراً هكذا!! هكذا لا يوجد بالدعوة إلى الله أقنعْ ولا تقمع، الآن آية الدعوة الاحترافية (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ) .

الفرق بين النجاح والفلاح:


بالمناسبة الفلاح غير النجاح، العجيب أن كلمة نجاح لم ترد في القرآن ولا مرة، النجاح أحادي والفلاح شمول، النجاح : بيل غيتس 90 مليار نجاح هذا، آبل 700 مليار هذا نجاح أحادي، أما هو لم ترد كلمة نجاح ولا مرة في القرآن الكريم، لم يرد إلا الفلاح(وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ) الفلاح شمولي، يعني أنت اصطلحت مع الله معرفة وطاعة وإقبالاً ودعوة هذه واحدة، و اخترت زوجة صالحة وربيت الأولاد تربية عالية ببيتك هذا نجاح ثانٍ، واخترت عملاً صالحاً حرفة تنفع الناس، اخترت حرفة راقية وتعاملت مع الآخرين بأسلوب راقٍ؛ فأنت معك ثلاث دوائر: أنت دائرة، وبيتك دائرة، وعملك دائرة، فإذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك، ثلاث دوائر تملكها قطعاً، فلذلك(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ)
 أرجو الله -عزَّ و جلَّ-أن يحفظ إيمانكم جميعاً، من يلوذ بكم وكل شيء أتمناه أن يكون الإنسان وفق منهج الله. 

الملف مدقق

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور