وضع داكن
13-05-2024
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - الأردن - عمان - الجمعية الشركسية في ناعور : المحاضرة 84 - أهمية طلب العلم
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
المقدِّم:
     صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نيابة عن رئيس وأعضاء اللجنة الإدارية للجمعية الخيرية الشركسية بالناعور؛ أرحب بالحضور الكريم-ذكوراً وإناثاً-وباسمكم جميعاً نرحب جميعاً بسماحة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي في لقائنا كجمعية شركسية ربما الرابع مع فضيلة الشيخ، نستمتع دائماً بأمسياته الإيمانية، ونستمتع دائماً بما يجود به علينا من علم وأمل.
     باسمكم جميعاً نرحب به، وأتمنى على الحضور جميعاً في حالة وجود أي سؤال لفضيلة الشيخ بعد الانتهاء من محاضرته الكريمة، إدارة الأسئلة سيتم توزيع أوراق وأقلام من قِبل المشرف، كتابة الأسئلة على ورقة وتقديمها وتوصيلها، وسيوصلها الشباب والبنات أيضاً؛ حتى يكون الموضوع الأسئلة والأجوبة منتظم بإذن الشيخ الكريم.
     حتى لا أطيل عليكم وكلنا شغف، وكلنا انتظار؛ باسمكم جميعاً أرحب بفضيلة الشيخ، فأهلاً وسهلاً بكم، قدمتم أهلاً ووطئتم سهلاً، ونتمنى لك معنا وقتاً ممتعاً وأمسية رائعة من أمسياتك الإيمانية الرائعة فتفضل شيخنا:
الدكتور محمد راتب النابلسي:
      بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد الصَّادق الوعد الأمين. 
       اللَّهم لا علم لنا إلا ما علّمتنا، إنّك أنت العليم الحكيم، اللّهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزدْنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول، فيتّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصَّالحين. 

ما ميّز الله به الإنسان عن بقية المخلوقات:


     هناك مقدمات دقيقة جداً تُلقي ضوءاً كاشفاً على موضوع هذا اللقاء الطيّب، يعني من مُسلَّمات العلم أن الكائنات: كائناتٌ صلبة، ومائعة، وغازية.
     يعني الصلبة: وزن، حجم، طول، عرض ، ارتفاع، النبات يزيد على هذا التعريف بالنمو، والكائنات الحيّة غير الإنسان يزيد عليهما بالحركة، الهرة تمشي: وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع؛ هذا الجماد نمو حركة.   
      والإنسان له من الجماد: وزن، حجم، طول، ارتفاع، وله من النبات: النمو، وله من الكائنات المتحركة: المشي، بماذا ميّزه الله -عزو جل-؟ 
      الله عزو جل ميّزه بقوة إدراكية (العقل) ، هذه القوة الإدراكية تُلبّى بطلب العلم، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كُلَّك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.
     ويظل المرء عالِماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علِم فقد جهل، طالب العلم يُؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يُؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
    إذاً الإنسان هو المخلوق الأول عند الله رتبةً؛ لأنه في عالم الأزل حيث قال الله -عز وجل-:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

 بعدها يوجد كلمات بآية تُقرأ على طريقتين (إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) استفهام إنكاري.
     يعني إذا أب عنده عدة أولاد وهو غني كبير، أعطى كل ولد سيارة وبيت وألف دينار كل شهر، لكن قال: الذي يأتي بشهادة من بلد بعيد-إدارة أعمال-أعطيه نصف أملاكي، وإن لم يأت بها أجعله متسولاً، ليس عندي حل وسط.
     رُكِّب المَلك من عقل بلا شهوة، ركّب الحيوان من شهوة بلا عقل، رُكّب الإنسان من كليهما، فإن سما 
عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، نقطة مهمة جداً.  
       فلذلك لا يوجد حل وسط؛ إمّا أن تكون فوق الملائكة، أو أن تكون -لا سمح الله ولا قدر -، أو أن يكون-لا سمح الله ولا قدر-أقل من أحقر حيوان، كلام دقيق جداً.

الغاية من خلق الإنسان:


 الآن الآية تقول:

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119) ﴾

[ سورة هود ]

خلقنا ليرحمنا، خلقنا ليسعدنا، خلقنا لـ :

﴿ وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133) ﴾

[ سورة آل عمران ]

فيها: يقول اللهُ تعالى:

(( أعددتُ لعبادي الصالحينَ ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ  ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

    هذه الجنة إلى أبد الآبدين، ما معنى أبد الآبدين؟ معنى أبد الآبدين دقيقة، واحد في الأرض وأصفار للشمس، بُعد الشمس عن الأرض مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، واحد بالأرض وأصفار للشمس، وكل مليمتر صفر، هذا الرقم صفر إذا نسب للانهاية، نحن مخلوقون للأبد.   

﴿ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٌ(22) ﴾

[ سورة التوبة ]

     اللانهاية أي رقم مهما عَظُم، ما معنى مهما عَظُم؟ واحد وأمامه مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر وكل مليمتر صفر، هذا الرقم إذا نُسب للانهاية صفر، فنحن مخلوقون إلى أبد الآبدين في (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ) فيها (ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ)
      لذلك هناك كلمة دقيقة، النتاج العقلي والشعوري، العقلي: علم، الشعوري: عاطفة، النتاج العقلي والشعوري للبشرية جمعاء من آدم إلى يوم القيامة لا يزيد عن علم أو فلسفة أو فن

تعريف العلم وأنواعه:


     العلم: ما هو كائن ، ظاهرة فيزيائية، ظاهرة كيميائية، ظاهرة فلكية، ظاهرة بيولوجية،العلم ما هو كائن، هناك علم بخلقه، هناك علم بأمره، هناك علم به،
1- العلم بخلقه: يعني فيزياء، كيمياء، رياضيات، طب، هندسة، بيولوجيا، الخ..... فلك، العلم بخلقه يحتاج إلى مُدارسة، يحتاج إلى مُدرّس، إلى طالب، إلى معهد، إلى دوام، إلى قراءة، إلى حفظ، أداء امتحان، نيل شهادة، مجموع هذه النشاطات اسمها مدارسة، فالعلم يحتاج إلى مدارسة
والعلم أنواع: فيزياء، كيمياء، بيولوجيا، رياضيات، فلك، طب، هندسة، لذلك يحتاج العلم إلى مدارسة، ويحتاج أيضاً الأدب إلى مدارسة، لكن المدارسة للظاهرة الكيميائية والفيزيائية؛ إلا أن الاتصال بالله علمٌ به، علم بخلقه، فيزياء، كيمياء، رياضيات، طب، هندسة، فلك، الخ...
2- العلم بأمره: القرآن وتفسيره، الحديث وصحته، والفقه وأنواعه، هذا علم بأمره، العلم بخلقه يحتاج إلى مدارسة، جامعة، أستاذ جامعي، إلقاء محاضرة، كتاب مقرر، أداء امتحان، نيل شهادة، يضعها بالبيت، ليسانس بالآداب. 
والعلم بأمره: شريعة ، والعلم به هذا يحتاج إلى مجاهدة (جاهد تشاهد)، يحتاج إلى غض بصر، ضبط الشاشة بالبيت، إن لم تُضبط بالبيت توبة لا يوجد، الهاتف يحتاج إلى ضبط، الآيباد ضبط، ثلاث شاشات مالم يكن مع هذه الشاشات توبة إلى الله نصوح لا يمكن لهذا البيت أن يكون مع الله.

﴿ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْـًٔا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ (19) ﴾

[ سورة الأنفال ]


أنواع المعية:


لكن:

﴿ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4) ﴾

[ سورة الحديد ]

     هذه واسعة، المعية عامة مع الكفار، مع الأقطاب -أقطاب الإجرام بالأرض-معهم بعلمه، أما عندما الله يقول: (وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ) ، يا الله! موضوع آخر.
     المعية العامة: معية علم، المعية الخاصة: معية حفظ، وسكينة، وتوفيق.
 في الحفظ:

﴿ قَالَ هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰٓ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَٰفِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ (64) ﴾

[ سورة يوسف  ]

والسكينة: ذاقها النبي في الغار، وذاقها إبراهيم في النار، وذاقها يونس في بطن الحوت، ما الحوت؟
     أكبر كائن حيّ، مئة وخمسون طناً، خمسون طناً لحماً، خمسون طناً دهناً، وخمسون طناً عظماً، وجبته بين الوجبتين العصرية ثلاثمئة كيلو، عند الاستفتاح، يعني هذا الحوت أحياناً يقف في فمه عشرة رجال واقفين، موضوع طويل كثيراً.
     فالله -عزو جل-بدءاً من أقل حيوان من نملة إلى الحوت بيد الله عز وجل، فلا بد من طلب العلم، وطلب العلم يرقى بالإنسان إلى أعلى عليين، طلب العلم يعرف الإنسان من هو؟ هو المخلوق الأول والمكرَّم والمفضَّل والمكلف بعبادة الله. 
 والعبادة: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تُفضي إلى سعادة أبدية.

  الفرق بين اللّذة والسعادة:  


 هذا ينقلني إلى ما الفرق بين اللّذة والسعادة؟ اللذة يا أيها الإخوة والأخوات الفضليات، ويا أيها الإخوة الأفاضل؛ اللذة حسية مادية تحتاج إلى صحة، وإلى وقت، وإلى مال، ولحكمة بالغة بالغة، في البدايات: يوجد صحة، لكن لا يوجد مال، يوجد وقت، ويوجد صحة لا يوجد مال، بالمنتصف: يوجد صحة، ويوجد مال، لا يوجد وقت، بالنهاية: يوجد مال، ويوجد وقت، لا يوجد صحة، هذه اللذة.
 أما السَّعادة لمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة، ولا تقول: (ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني) ،

فلو شاهدت عيناك من حسننا                الذي رأوه لمــا وليت عنا لغيرنا

ولو سمعت أذناك حسن خطابنا              خلعـت عنك ثياب العجب وجئتنا

ولــو ذقت من طعم المحبة ذرة             عذرت الـذي أضحى قتيـلاً بحبنـا

ولــو نسمت من قربنا لك نسمة            لــــمُت غريباً واشتياقـــاً لقـربنـا

ولـــــو لاح من أنوارنا لك لائح            تركـت جمـــيع الكـائنــات لأجلنـا

فما حبنا سهـلٌ وكل مـن ادَّعـى            ســهـولته قلنـا لـه قــد جهـلتنـا

فأيسر ما في الحب للصب قتله            وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا


تعريف القانون:


     الآن إخواننا الكرام؛ هناك كلمة دقيقة: نهاية العلم القانون، ما القانون؟ علاقة مقطوع بها بين مُتغيرين تطابق الواقع عليها دليل ، علاقة مقطوع بها، ماذا كان قبل القطع؟ هناك وهم ثلاثون بالمئة، هناك شك خمسون بالمئة، هناك ظن سبعون بالمئة، هناك غلبة ظن تسعون بالمئة، القطع مئة بالمئة، علاقة بين مُتغيرين مقطوع بها تطابق الواقع ، إن لم يطابق العلم الواقع فهو جهل، عليها دليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، من دون دليل تقليد، الله -عز وجل-ما قبلنا أن نعبده تقليداً فقال:

﴿ فَٱعْلَمْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَىٰكُمْ(19) ﴾

[ سورة محمد ]

     إذاً النقطة الدقيقة: العلم يحتاج إلى طلب، يحتاج إلى صدق، والإنسان بالعلم يرقى عند الله، يعني إذا أردت الدنيا مرة أخرى فعليك بالعلم، إذا أردت الآخرة عليك بالعلم، إذا أردتهما معاً عليك بالعلم. والعلم لا يعطيك بعضَه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطكَ شيئاً. 
     الآن يوجد عندنا قانون يقابله سُنن، القانون: علاقة مقطوع بها بين مُتغيرين تطابق الواقع عليها دليل ، ماذا يقابل القوانين؟ طبعاً نهاية العلم القانون، فيزياء، كيمياء، رياضيات، طب، هندسة. 
      كطرفة دخل أستاذ رياضيات إلى بلد نفطي -لا أسميه-، رسم خطين متوازيين، قال: المتوازيان لا يلتقيان، طالب قال له: أستاذ حرام هذا الكلام، قل: إن شاء الله، لكن هذه يا بني، ليس لها علاقة بالدين هذه رياضيات: الخطان المستقيمان لا يلتقيان، أنهوا له عمله، جاء أحدهم أذكى أول درس رسم خطين متوازيين، قال: المتوازيان لا يلتقيان إلا بإذنه تعالى، فإذا التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله. 
      هذه المرونة، عندنا كان أستاذ في الجامعة من كبار علماء النفس، فجاء موضوع الذكاء، الذكاء بكتابنا هذه في دبلوم التربية الذي بعد الليسانس، الذكاء ستون صفحة، هل هذا الموضوع معالج عندكم بستين صفحة؟ أتريد أن أضغطه لكم كله بكلمة واحدة؟ الذكاء، تفضل، قال: الذكاء هو التكيف، تتكيف مع واقعك، مع بلدك، مع القوانين، مع الأقوياء، مع زوجتك، مع أهل زوجتك، مع صحتك، حكى ساعة، الذكاء هو التكيف.

السنن تقابل القانون في الإسلام:


     الآن ماذا يقابل القانون في الإسلام؟ يقابل القانون السنن.

﴿  ٱسْتِكْبَارًا فِى ٱلْأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِۦ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلًا (43) ﴾

[ سورة فاطر ]  

  أنواع السنن:  

      يوجد عندنا تقريباً سنن نوعان سنن دفع إلى الله، وسنن ردع، الدفع: الهدى البياني ؛ كهذا اللقاء الطيب كلمة نلقيها على مسامعكم، مناظرة بين عالِمين ربانيين تابعتموها في الشاشة، خطيب مسجد ربانيّ متفوق حضرنا خطبته، مناظرة على الشاشة بين عالِمين ربانيين، الهدى البياني يعني معلومات، الموقف الكامل الراقي: الاستجابة .

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24) ﴾

[ سورة الأنفال ]

       لماذا، نحن أموات؟! كلام دقيق جداً وقُرآني، الإنسان إذا عزف عن طلب العلم أراد الدنيا، أراد مباهجها، أراد شهواتها، أراد المال الوفير، العز المجيد، المكانة، المنصب الرفيع، الثروة الطائلة، هذا الذي يريد الدنيا وزينتها يسقط من عين الله؛ لأنه عندنا الهدى البياني، البياني تسمع درس علمٍ، تقرأ تفسيراً، تتابع مناظرة بين عالِمين، تنتسب لجامعة إسلامية، تقرأ القرآن، تبحث عن تفسيره، تقرأ سُنّة أو ما صحَّ من السنة.
      العلم يرقى بك إلى الله –عزو جل-لذلك الله ماذا سرّب لنا؟ تسريب كلمة دقيقة سرّب لنا بعض أقوال أهل النار:

﴿ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِىٓ أَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ(10) ﴾

[ سورة الملك ]

     أزمة علم لأنه يوجد بالأرض الآن ثماني مليارات إنسان، ثمانية بالضبط أحدث إحصاء ثماني مليارات إنسان، فيهم واحد يحب الفقر؟ ولا أحد، هناك واحد يحب المرض؟ ولا أحد، فيهم واحد يحب القهر؟ ولا أحد، فيهم واحد لا يتمنى بيتاً معقولاً وزوجة صالحة وأولاداً أبراراً وفتيات محتشمات ودخلاً معقولاً؟ كلنا.
      فيوجد عندنا حاجة للثماني مليارات، لكن نحن بشر، لنا خالق، هذا الخالق معه أو أتانا عن طريق النبي تعليمات الصانع، أقرب مثل: اقتنيت مركبة غالية جداً وأنت زحل عقلك، تألّق ضوء أحمر في لوحة البيانات، إن فهمته ضوءاً تزينياً احترق المحرك، ويكلّفك مئة ألف، وإن فهمته بحسب تعليمات الصانع ضوءاً تحذيرياً، أوقفت المركبة، أضفت الزيت، سلِمَ المحرك، فانطلاقاً من حرصك على سلامتك وحرصك على سعادتك، وعلى استمرارك، وعلى تألقك اتّبع تعليمات الصانع.
     راكب سيارتك هناك طريق على اليمين مكتوب (حقل ألغام، ممنوع الدخول)، هذه اللوحة بربكم جميعاً هل وضعت حدّاً لحريتك أم ضمان لسلامتك؟!
      هذا الدين كله، الأوامر لمصلحتك، والنواهي لمصلحتك، فالبطولة أن نتبع تعليمات الصانع، ولو اتّبعت تعليمات الصانع لنا حياة أخرى:

﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ(55) ﴾

[ سورة النور ]

     بربكم أنا مع الحقيقة المُرّة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، هل نحن مستخلفون في الأرض؟ لا والله، والله هناك حرب عالمية ثالثة على الإسلام في كل البلاد؛ هذه حقيقة مُرّة.
      (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) قانون هذا، (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ) يا الله! (لَيُمَكِّنَنَّ) بربكم هل هذا الدين العظيم مُمكّن؟ أم يواجه حرباً عالمية ثالثة كانت من قبل تحت الطاولة، واليوم فوق الطاولة جهاراً ونهاراً، واضح؟
     لذلك لابد من العودة إلى الله، لابد من الصلح مع الله، هذا الهدى البياني كهذه المحاضرة، كخطبة في جامع، كمناظرة في الشاشة، ككتاب تقرأه، كتفسير تتابعه هكذا.......

مفهوم الأحياء والأموات في الإسلام:


أرقى علاقة مع الله في الهدى البياني، تمام؟ المفروض مع الهدى البياني (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ ) ، هل كنا أمواتاً نحن ؟ الكلام دقيق جداً، الله قال: 

﴿ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21) ﴾

[ سورة النحل ]

   1 -لكن ضغطه ثمانون، نبض مثالي الأطباء يعرفون، والضغط ثمانية/ اثنا عشر عند الله أموات، مادام لم نفكر في الذي خلقنا، ولا في الدار الآخرة، ولا بمنهجه، ولا بنظامه، إن لم نفعل ذلك نحن عنده أموات، الله قال: (أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ ۖ) .  
2 -حسناً، ثانياً

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ(4) ﴾

[ سورة المنافقون ]

3-      

﴿  أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلً ا(44) ﴾

[ سورة الفرقان ]

4- آخر واحدة صعبة كثيراً:

﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَىٰةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا ۚ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ(5) ﴾

[ سورة الجمعة ]

      هذه أوصاف كلام خالق الأكوان لمن عزف عن هذا الدين، فلا بد من طلب العلم، ولابد من البحث عن الحقيقة، ولابد، ولابد.......
      لا تحب أحداً أحب نفسك، بالغ في محبة ذلك لكن لابد من أن تنصاع لأمر الله، هذا الهدى البياني كهذه المحاضرة، كخطبة في جامع، ككتاب تفسير.
     من فضل الله -عزو جل-لي موقع في الإنترنت الموسوعة النابلسية، يدخلها باليوم مليوني زائر -باليوم-، يُسحب منها مئات ألوف الملفات، فيها سبع لغات والتحديث يومي، وعلى أي آيباد، وعلى أي هاتف، وعلى أي شاشة بين أيديكم، وكله بالتعبير الغربي (free)مجاناً.

سنن الدفع إلى الله:


     فلابد من الهدى البياني والموقف الكامل في الهدى البياني (الاستجابة) ، فإن لم يستجب هناك التأديب التربوي ، يعني قصة وقعت مع أخ أعرفه هو الذي حدثني بها، يعني زكاة ماله عشرة آلاف ليرة -قصة قديمة كثيراً-زوجته ضغطت عليه ضغطاً جديداً أن يطلي البيت، يعني استجاب لضغطها ودهن البيت، عمل حادثاً الفاتورة بالضبط عشرة آلاف ليرة؛ هذه رسالة من الله

﴿ يَقُولُ يَٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى(24) ﴾

[ سورة الفجر ]

     إذاً الهدى البياني محاضرة، كتاب تفسير، مناظرة بين عالِمين، جلسة علمية، الموقف الكامل الاستجابة، ما استجبت هناك تهديد تربوي الآية:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21) ﴾

[ سورة السجدة ]

1- الموقف الكامل في الهدى البياني الاستجابة.
2- أما الموقف الكامل في التأديب التربوي التوبة ، لا بالهدى البياني استجاب، ولا بالتأديب التربوي تاب، بقي معالجة ثالثة لكن قلما ينجح منها إنسان.
3- الإكرام الاستدراجي : فجأة دخل كبير، غيّر بيته، غيّر سيارته، أخذ بيت بالمصيف بيت على البحر، أمر زوجته أن تخلع الحجاب -تخلف هذا-هذا اسمه الإكرام الاستدراجي، الموقف الكامل
 الشكر، فإن لم يشكر فقد كُشف.
4- آخر شيء؛ القصم: القصم مخيف.
هدى بياني- تأديب تربوي- إكرام استدراجي- قصم هذه سنن الدفع إلى الله، أما سنن الردع: المصائب.

سنن الردع:


     سميت مصائب لأنها تصيب الهدف، هناك كِبر هناك إذلال، هناك ترف هناك إفقار، كل مرض يقابله معالجة إلهية، والبطولة أن نفهم على الله حكمته في المصائب.
     سميت مصائب لأنها تصيب الهدف تماماً، طبعاً المصائب للأنبياء كشف، يوجد عنده كمالات لا تبدو   في الحياة اليومية.
      النبي حالة صعبة جداً مشى إلى الطائف مشياً، دعاهم إلى الله، لم يستجيبوا، سخروا منه، أغروا صبيانهم بضربه، فجاءه ملك الجبال قال: 

(( يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين قال: لا يا أخي، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون ))

[ الدر المنثور في التفسير بالمأثور ]

      هذا شيء دقيق جداً، فالمصيبة للنبي كشف، أما للمؤمن دفع ورفع؛ مقصّر بقيام الليل، يعني عنده مشكلة حصلت، فلما صلّى قيام الليل هذه المشكلة زالت، فلذلك: 

(( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عليه لَاسْتَهَمُوا، ولو يَعْلَمُونَ ما في التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، ولو يَعْلَمُونَ ما في العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُما ولو حَبْوًا. ))

[  أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ]

الله-عزو جل-ينشر رحمته في الصلاة الأولى (ولو يَعْلَمُونَ ما في العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُما ولو حَبْوًا) .
المصائب للأنبياء كشف، للمؤمنين دفع ورفع، لغير المؤمنين ردع وقصم، فلذلك ممكن أن نضغط وحي السماء بكلمة واحدة:

﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِىٓ إِلَيْهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدُونِ(25) ﴾

[ سورة الأنبياء ]


الخاتمة:


     نهاية العلم التوحيد؛ ألا ترى مع الله أحداً، لا معطي، ولا مانع، ولا رافع، ولا خافض، ولا معز، ولا مذلّ إلا الله، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد (وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِىٓ إِلَيْهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدُونِ) .
     نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل العبادة، العبادة مرة ثانية: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تُفضي إلى سعادة أبدية.
     حفظ الله لكم إيمانكم جميعاً، وأهلكم وأولادكم، وصحتكم، ومالكم، واستقرار هذه البلاد الذي نحن فيها، والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور