وضع داكن
07-10-2024
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - الأردن - عمان - الجامعة الألمانية الأردنية : المحاضرة 83 - الحياة الطيبة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
المقدِّم:
      أو سمع أحاديثاً، فسوف يسمع الأستاذ الدَكتور، العالم، الجليل، الموقّر، المؤدَّب، الخلوق، فسوف تسمعه، أو تراه، ولكن أن تجلس معه فهذه مهمة صعبة، ولذلك انظروا، لي سنوات كأستاذ دكتور في اللُّغة العربية، وأشرح البلاغة، وأشعر الآن بأني في أي كلمة سأتكلمها، فبجانبي سيجلس عالم العلماء. 
     أرحب بك أجمل ترحيبٍ، وإنّه لشرف عظيم أن أكون إلى جوارك، وشرف عظيم لي من عميدة شؤون الطلبة أن اختارت اسمي، والشَّرف الأكبر أن اختارني الأستاذ الدكتور، وهو موجود، بأن أجلس في هذا المكان، فإن شاء الله يقدرني على أن أكون بحجم هذه الجلسة، وبحجم هذه المجاورة إن شاء الله.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
     ولكنني أقول إن تواضعك كان كبيراً جداً، وأنت أكبر من ذلك.
المقدِّم:
     أستغفر الله، الحمد لله، تفضل.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
      بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد الصَّادق الوعد الأمين. 
       اللَّهم لا علم لنا إلا ما علّمتنا، إنّك أنت العليم الحكيم، اللّهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزدْنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول، فيتّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصَّالحين. 
       بادئ ذي بدء؛ أنا حينما أُدعى إلى جامعة، والله الذي لا إله إلا هو، لا أتردد ثانية واحدة في قبول هذه
الدعوة، أنا أستاذ جامعي ثلاث وثلاثون سنة في دمشق، في كلية التَّربية بجامعة دمشق، أنا في الجامعة أجد نفسي، وبالجامعة أجد نخبة المجتمع، فأرجو الله أن يكون حسن الظن بي كبيراً، نعم.

النص يحكم الإنسان:


أولاً: قال تعالى: 

﴿ وَتِلْكَ ٱلْأَمْثَٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلَّا ٱلْعَٰلِمُونَ(43) ﴾

[ سورة العنكبوت ]

   كلام خالق الأكوان (وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلَّا ٱلْعَٰلِمُونَ) .
       الله ضرب أمثالاً بالقرآن، يعني مثلاً الإنسان ما الذي يحكمه؟ يحكمه النَّص، والقرآن نص، أضرب مثلاً من سوريا؛ إنسان متجه من دمشق إلى حمص، له مبلغ كبير في حمص، والمَدين سيدفع المبلغ بكامله، ومعه أرقى سيارة، رأى كلمة بعد مثلاً خمسة كيلو متر من دمشق (الطريق إلى حمص مغلق، بسبب تراكم الثلوج في النبك)، ماذا يفعل؟ يرجع، معه أفخم مركبة وله مبلغ كبير، ما الذي حكَمه؟ النص، واضحة تماماً؟
     نص أعطاه قرار معاكس رجع، أما الدّابة ماذا يحكمها؟ الواقع، تمشي إلى الثلوج فترجع، فبين يحكمها النص، وهو كلام خالق الأكوان، كلام النَّبي العدنان، بين أن يحكمك الواقع.
     البشر كلهم في الأرض ثماني مليارات، الواقع يحكمهم، من هو المؤمن؟ يحكمه النص، آمن بالآخرة، آمن بالاستقامة، دخله حلال، إنفاقه حلال، بيته إسلامي، عمله إسلامي، كله نصوص، فالمؤمن آمن بهذا الكتاب الكريم.

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْـَٔلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

[ سورة الحجر ]

     يعني القرآن، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، إذاً المؤمن الصَّادق، الحقيقي، الفائز، النَّاجح، الرَّابح، يحكمه النَّص، فإذا كان النَّص من عند الله، من عند أصل الجمال والكمال والنَّوال، من عند الذَّات الكاملة، من عند إله عظيم، وربٍّ كريم، ومُسيّر حكيمٍ، فالقضية منتهية، فأنت أعقد آلة بالكون، وهذا 
التعقيد، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة صانع عظيم، وهو الله، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل
والصيانة، فانطلاقاً من حرصك اللامحدود، واللامتناهي على سلامتك أولاً، وعلى سعادتك ثانياً، وعلى استمرارك ثالثاً، ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع، وأنا أضرب مثلاً:
     اقتنيت مركبة غالية جداً، تألّق ضوء أحمر في لوحة البيانات، إن فهمت هذا التألق تألقاً تزينياً احترق المحرك، تحتاج مئة ألف، وإن فهمته بحسب تعليمات الصانع ضوءاً تحذيرياً، أوقفت المركبة، أضفت الزيت فقط، مسافة كبيرة جداً بين أن تدفع مئة ألف، أو أن تدفع جنيهاً واحداً، أو دولاراً واحداً، فحينما تتبع تعليمات الصانع، تكون أنت قد عرفت سر وجودك، وغاية وجودك.

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾

[ سورة الذاريات ]

  والعبادة: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تُفضي إلى سعادة أبدية.
هذا شيء واضح تماماً، الآن إذاً المؤمن يحكمه النص، فإذا كان النص من عند خالق الأكوان، من عند أصل الجمال والكمال والنوال، من عند الرَّبِّ الرحيم، والمُسيّر الحكيم، فلابد من الطّاعة

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

      يعني الآن بالعيد فرضاً؛ هناك طفل عمره سبع سنوات أخذ من عمه خمسة دنانير فرضاً، من عمه الثاني خمسة، من خاله خمسة، من خاله الثاني خمسة، صار معه أربعون ديناراً أو عشرون دينار، يقول لصديقه:(معي مبلغ عظيم!!!)، هذا طفل عمره سبع سنوات معه خمسة وعشرون ديناراً، مبلغ عظيم، فإذا قال وزير في دولة عُظمى :(أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، ليس مئتا دينار، مئتا مليار أصبحوا، تغير القائل، فإذا قال الله –عزو جل-:

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍۢ ۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾

[ سورة النساء ]

فلو شاهدت عيناك من حسننا                الذي رأوه لمــا وليت عنا لغيرنا

ولو سمعت أذناك حسن خطابنا              خلعـت عنك ثياب العجب وجئتنا

ولــو ذقت من طعم المحبة ذرة             عذرت الـذي أضحى قتيـلاً بحبنـا

ولــو نسمت من قربنا لك نسمة            لــــمُت غريباً واشتياقـــاً لقـربنـا

ولـــــو لاح من أنوارنا لك لائح            تركـت جمـــيع الكـائنــات لأجلنـا

فما حبنا سهـلٌ وكل مـن ادَّعـى            ســهـولته قلنـا لـه قــد جهـلتنـا

فأيسر ما في الحب للصب قتله            وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا

أقسم لكم بالله، بكل ما أعتقد، إنسان ما يهمني مساحة بيته، قد يكون ستين متراً، ما يهمني دخله، لكنه مؤمن له صلة بالله، إذا ما قال لك: (ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني، إلا أن يكون أتقى مني) ، عنده مشكلة كبيرة.

الفرق بين اللذة والسعادة:


     الآن نحن ندخل موضوعاً ثانياً: ماهي اللّذة؟ اللذة حسية، مادية، تحتاج دائماً إلى وقت، وإلى مال، وإلى صحة ، في البدايات: صحة يوجد، وقت يوجد، لكن مال لا يوجد، بالوسط: يوجد صحة، ويوجد مال، وقت لا يوجد، بالأخير: يوجد مال، ويوجد وقت، صحة لا يوجد، هذه اللذة.
 أما السَّعادة لمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة، ولا تقول: (ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني)، هذه السعادة المطلقة ، أين وجدها إبراهيم -عليه السلام-؟ في النار، وأين وجدها النبي الكريم؟ في الغار، وأين وجدها يونس؟ في بطن الحوت.
 الحوت إخواننا؛ أكبر كائن حيّ غير بشري، مئة وخمسون طناً وزنه، خمسون طناً دهناً، وخمسون لحماً، وخمسون عظماً، وجبته العصرية-لا الغداء ولا العشاء-لاحظوا، ثلاثمئة كيلو، الحوت يقف في فمه عشرة أشخاص واقفين، موضوع طويل كثيراً.

﴿ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ(87) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

     سيدنا يونس في ظُلمة الليل، وفي ظُلمة البحر، وفي ظُلمة بطن الحوت، ( فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ) .

﴿ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ وَنَجَّيْنَٰهُ مِنَ ٱلْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُۨجِى ٱلْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾

     دقق، الآن قٌلبت القصة إلى قانون: (وَكَذَٰلِكَ نُۨجِى ٱلْمُؤْمِنِينَ) .
     الحاضرون والحاضرات؛ يعني عندهم مثل هذه المصيبة في بطن الحوت، وجدوا أنفسهم؟ أي مصيبة بالأرض لا ترتقي إلى المستوى هذا، الله أعطاك أصعب مصيبة، أن تجد نفسك في بطن الحوت، وكذلك المؤمن.

﴿ إن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْـًٔا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ (19) ﴾

[ سورة الأنفال ]


أنواع معية الله:


     هو الله مع كل عباده، مع كل عباده معية معلومات، معية معرفة ، مع عبده الكافر، مع الملحد، مع المشرك، مع المؤذي، مع الظالم، أي معية علم، لكن (وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ) هذه معية نصر وتأييد وإسعاد، فالبطولة أن تكون مع الله بالمعنى الخاص وليس العام، العام: علم، أمّا الخاص: معية المؤمنين، معية نصر وتأييد.
الآن، العوام يقولون لك: فلان ما كان له حظ مسكين، أو هذه البنت تقول: أنها ما كان لها حظ المسكينة بزواجها، هذا الحظ ما هذا؟ إله ثانٍ؟!

(( قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يُؤْذِينِي ابنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وأنا الدَّهْرُ... ))

[ أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ]

ليس عندنا إلا الله –عزو جل-هذا التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.

توزيع الحظوظ في الدنيا:


     فالحظوظ موزَّعة في الدنيا توزيع ابتلاء، دققوا، الحظوظ: الوسامة حظ، والمال حظ، والصحة حظ، والقوة حظ، والمنصب حظ، نعدُّ كثيراً، حظ، الحظوظ هذه موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، يعني أنت مُبتلى
بالغنى، هل تنجح أولا تنجح؟ مُبتلى بالفقر أيضاً، تصبر أولا تصبر؟ مُبتلى بالذكاء تستخدمه لأعمال لا ترضي الله أم تستخدمه فيما يرضي الله؟ فأنت مبتلى

﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ﴾

[ سورة المؤمنون ]

﴿ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ(2) ﴾

[ سورة الملك ]

     علة وجودنا الوحيدة (الابتلاء) ، يعني أحدهم أرسل ابنه إلى باريس، ميسور ليأخذ دكتوراة بإدارة الأعمال، هذا الشاب علة وجوده في باريس الوحيدة الدراسة، هذا لا يمنع أن يدخل لمطعم ليأكل، أو يجلس بالحديقة يتنزه، أو يشتري كتاباً يقرؤه؛ أما علة وجوده، نحن لو طبقنا هذه المقدمة، ما علة وجودنا في الأرض؟ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، والعبادة: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية
ما عبدَ اللهَ من أطاعه ولم يحبه، وما عبدَ اللهَ من أحبه ولم يطعه. 
         طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تُفضي إلى سعادة أبدية.
     إذاً الحظوظ: المال حظ، الوسامة حظ، القوة حظ، الذكاء حظ، الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف تُوزَّع في الآخرة توزيع جزاء .

القصة وتأثيرها:


      الآن أي أب، أي معلم، أي مُدَّرس، أي أستاذ جامعي، القصة لها تأثير منقطع النظير في الآخرين؛ لأن القصة حقيقة مع البرهان عليها، القصة فيها شخصيات، بيئة مكانية، بيئة زمانية، فيها حوار، فيها عقدة، فيها نهاية، فيها حبكة لذلك:

﴿ لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ  شَىْءٍۢ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ(111) ﴾

[ سورة يوسف ]

      نذكر بعض، يوجد عندنا رواية أربعمئة صفحة، وعندنا قصة ثمانون صفحة، وعندنا أقصوصة عشر صفحات، وعندنا حكاية يعني موقع واحد.    
      أحدهم كان بلندن فصعد لمركبة، مقيم هو بلندن وجامعته بمانشستر ورفاقه بلندن، قاعد في لندن، يركب سيارة لمانشستر، فوضع دولار مثلاً بالعملة البريطانية جنيهاً، وضع له جنيهاً وردَّ له السائق التتمة، جلس بمكانه عدَّها وجدها تزيد عشرين بنساً عما يستحق، تردد، هي شركة عملاقة معها ملايين، وأنا بحاجة لها، لكن أنت مؤمن لا تصحّ هكذا، طالب علم أنت، كيف تأخذهم؟ دخل بصراع مع نفسه، بعد ذلك انتصر على نفسه، وقف أمام السائق قال له: هذه زيادة، ابتسم السائق، لِمَ ابتسمت؟ قال له: (والله، أعلم أنك إمام هذا المسجد، أعلم أنني سآتي إليك، لكن أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك)، وقع على الأرض مغشياً، قال: (يا رب، كدت أبيع الإسلام كلّه بعشرين بنساً)، لو تركها معه لصرف هذا عن الجامع، (كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً). 
     هذه واحدة، يعني أحدهم رأى فتاةً أعجبته، طلب من والده الزواج منها، يعني الأب كان زير نساء، قال له: هذه أختك، والثانية أخته أيضاً ظهرت، والثالثة أخته فضجر، بلّغ أمه، قالت له: خذ أيّاً شئت فأنت لست ابنه وهو لا يدري.
    وازنوا بين مجتمعاتنا، نحن لسنا متخلفين، نحن متحضرون ديننا، لكن لسنا متطورين، الغرب متوحش قتل بأفغانستان قتل ما بلغ خمسة آلاف إنسان بيوم، ولا كلمة، ولا تنديد، ولا سحب سفير، ولا استنكار، أبداً!!!  
      فمالم نكفر بالآخر لن نؤمن بالله، نعم.

النعمة إذا ألفت نُسيت:


     لكن النعمة إذا ألفت نُسيت، كلام دقيق أنا أحكي: النعمة إذا ألفت نُسيت، أمّا الدعاء المأثور " اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها " 
     يعني أحدهم سافر لأمريكا شهرين، وعنده زوجة صالحة بعمّان لا يخطر في باله لثانية واحدة أن إنساناً 
آخر غريباً دخل بيته، هذه نعمة كبيرة، إلا أنها أُلفت فنسيت، الدعاء: " اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها “ .
     مرةً زُرت معمل سيارات بأمريكا (جنرال موتورز)، بقيت فيه سبع ساعات، معي مرافق ومعي مترجم، فقال لي المرافق -معه المترجم-: يوجد في هذه السّيارة ثلاثمئة ألف قطعة، لكن أنا كراكب السيارة، هناك مقاعد، هناك محرك، هناك عجلات، هناك مقود، هناك بنزين، هناك مكبح، ظهروا سبعة، أين الثلاثمئة ألف؟
     هذا تمهيد لفكرة، هذا الدين كم عالِماً فيه؟ والله، مئات الألوف من البعثة حتى الآن، كم مثلاً عالم؟ كم مفسر؟ كم شارح حديث، عدد كبير، ممكن الكم المذهل الكبير أن ينضغط في كليات؟ كما ضغطنا هذه المركبة بثلاثمئة ألف قطعة بسبع قطع.

كليات الدين:


   الكلية الأولى: العقيدة:

  أقول لكم من أعماقي: هذا الدين فيه جانب فكري، عَقَدي، إيديولوجي، تصوري، كلها كلمات لمسمى واحد (الجانب العقدي في الدين)، آمنت بالله خالقاً، وبالله مربياً، وبالله مُسيّراً، صاحب الأسماء الحُسنى والصفات الُعلا، الذات الكاملة، آمنت به، آمنت بكتابه، بقرآنه، آمنت بنبيه؛ هذه كليات الدين، فلابدَّ من كليات الدين، لذلك هذه الكليات إذا توافرت في الإنسان تحرك حركة صحيحة دون أن يشعر، تتراكم القناعات تنقلب إلى سلوك.

الكُلّية الثانية: الحركة وأنواعها:

    الكُلّية الثانية: الحركة، هذه الإيديولوجيا، الفكر، التصور، المعلومات-سأعطيكم كل الكلمات -المنطلقات النظرية، لكن مؤداها واحد (الجانب العَقَدي، الجانب الفكري، المنطلقات النظرية) .
     هناك حركة، نحن لماذا نتحرك؟ من أجل أن نأكل، ولماذا نأكل؟ من أجل أن نبقى، النقطة الدقيقة؛ الله وصف الأنبياء بأنهم كانوا:

﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى ٱلْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍۢ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) ﴾

[ سورة الفرقان ]

     معنى ذلك أنهم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون أيضاً في ثمن الطعام، كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.
    الآن الإنسان وُلد بحاجة إلى طعام وشراب، يمكن لا تصدقون، منعكس المص: أن يضع الطفل الذي وُلد لتوه على حلمة ثدي أمه، ويُحْكم الإغلاق يسحب الهواء يأتيه الحليب؛ هذا منعكس من أعقد المنعكسات، ولولاه ما كان هذا اللقاء، ولا كانت الأردن كلها، لولا منعكس المص فقط، عملية معقدة جداً، تُولد مع الطفل، هذه الأمعاء-الطفل في بطن أمه-لو لم تكن ممتلئة بالشحم الأسود تصير شريطاً، يموت، فيها شحم أسود، حليب الأم بالأيام الثلاثة الأولى، مادة مذيبة للشحم، يد من؟!  قدرة من؟!
       الآن بالولادة الرحم ينضغط هكذا...ضغطة كل نصف ساعة، بعدها كل خمس وعشرين دقيقة، كل عشرين دقيقة هكذا، هكذا...بعدها ضغطة قوية خرج، ما الذي يحدث؟ ينقبض الرحم انقباضاً مذهلاً كالصخرة تماماً، سيغلق عشرة آلاف وعاء دموي، يد من؟! حكمة من؟! علم من؟!
     والله يا إخوان؛ في جسمنا فقط يوجد آيات، العبد الفقير لي كتاب اسمه (الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة)، من الموقع تسحبه بكامله بكبسة زر، بموقعي يوجد مئة وخمسون كتاباً يُسحب بضغطة زر فقط، هذا الكتاب (الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة) جزءان كبيران؛ في الآفاق، وفي الإنسان، دروسي خلال خمسين سنة المتعلقة بالعلم أُخذت، ونُقحت، أرقامها أُعيدت وفق المعطيات الحديثة، وهو كتاب بين أيديكم، لي بالموقع مئة وخمسون كتاباً تُسحب بكبسة زر فقط، لذلك العقيدة أخطر شيء.

الاستقامة والعمل الصالح:


      الحركة: استقامة، الاستقامة لها صفتان؛ سلبية وإيجابية، سلبية: ما أكلت مالاً حراماً، "ما" ما كذبت، ما غششت، كلها ماءات، أمَّا الإيجابية: أنفقت من مالي، من علمي، من وقتي، من خبرتي، فعِلّة وجودنا بعد الإيمان بالله: العمل الصالح، علّة وجودنا بعد الإيمان بالله واليوم الآخر: العمل الصالح، والدليل:

﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ (99) ﴾

[ سورة المؤمنون ]

  حتى أكمل الطابق الخامس؟ لا، حتى آخذ الدكتوراة بعد ذلك أدرس؟ لا.

﴿ لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّآ ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا ۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100) ﴾

 هل هناك أوضح من ذلك؟ كلام خالق الأكوان، ( ..رَبِّ ٱرْجِعُونِ. لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ..)
     إذاً العمل الصالح سُمِّي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً: ما ابتُغي به وجه الله، وصواباً: ما وافق السُّنة.
     فالعقيدة: المنطلق النظري، الفكري، الإيديولوجي، المنطلقات النظرية، والحركة نوعان: استقامة ترك: ما أكلت مالاً حراماً، ما كذبت، ما غششت، والعمل الصالح عمل إيجابي: أنفقت من مالي، من علمي، من جاهي، من خبرتي.
الصلاة وثمار الاستقامة والعمل الصالح:
السبب:                 

﴿  إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ (14) ﴾

[ سورة طه ]

     الآن أنت تصلي لتقطف ثمار استقامتك وعملك الصالح، والله قال في آية أخرى:

﴿ فَٱذْكُرُونِىٓ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِى وَلَا تَكْفُرُونِ(152) ﴾

[ سورة البقرة ]

     إنكم إن ذكرتموني مُصليّن ذكرتُكم، هنا الشاهد ما معنى ذكرتكم: (امنحكم السكينة) تسعدون بها ولو فقدتم كل شيء، وتشقَون بفقدها ولو ملكتم كل شيء، هذه السكينة،أهم شيء السكينة، والحفظ:

﴿ قَالَ هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰٓ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَٰفِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ (64) ﴾

[ سورة يوسف ]

والتوفيق: 

﴿ قَالَ يَٰقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍۢ مِّن رَّبِّى وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَىٰكُمْ  عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(88) ﴾

[ سورة هود ]


ثمرة الاستقامة والعمل الصالح:


ثلاث ثمار يانعة، السكينة: تسعد بها ولو فقدت كل شيء، ذاقها إبراهيم في النار، وذاقها النبي في الغار، وذاقها يونس في بطن الحوت، السكينة.
 والتوفيق: موفق في زواجك، في عملك، في أولادك، في تربية أولادك، في كسبك، في حرفتك.

معنى النجاح والفلاح:


     بالمناسبة ألصق شيئين للإنسان، يعني بيته ما أعجبه يبيعه، هذه السيارة ما أعجبته يبيعها، أما حرفته وزوجته، فالبطولة أن تنجح في اختيار حرفتك وزوجتك، طبعاً هما نوعان مختلفان، لكن جمعهما النجاح، وبالمناسبة لم يرِد النجاح إطلاقاً في القرآن، ورد مكانه الفلاح، النجاح أُحادي.
      بيل غيتس جمّع ثلاثة وتسعين ملياراً، مؤسسة أبل بالمليارات، بألوف المليارات، هذا نجاح، النجاح أُحادي، أمّا الفلاح شمولي، نجحت مع الله إيماناً، وطاعةً، وأداءً للعبادات، وعملاً صالحاً، نجحت في اختيار زوجتك، نجحت في تربية أولادك، نجحت في خروج بناتك، ونجحت في حرفة ترضي الله.
     فالنجاح أُحادي، أمّا الفلاح شمولي، أن تنجح مع الله عبادة، وطاعة، وتقرباً، ودعوةً، وأن تنجح في اختيار زوجتك، وفي تربية أولادك، وتنجح في عملك، وفي التعامل مع عملك.
أنواع الناس التي تقع على رأس الهرم البشري:
    شيء آخر، يقع على رأس هذا الهرم البشري ثماني مليارات إنسان، هرم، يقع على هذا الرأس زمرتان: الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء: عاش الناس لهم، والأنبياء: عاشوا للناس، الأقوياء: أخذوا ولم يُعطوا، الأنبياء: أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء: يُدعَون في حضرتهم، والأنبياء: في غيبتهم، والناس جميعاً تَبَع لقوي أو نبي. 
أرجو الله أن يحفظكم جميعاً، وأن يحفظ إيمانكم، وأهلكم ومن يلوذ بكم، وصحتكم، ومالكم، وأن تكونوا في أعلى درجة من الله عزو جل، والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور