وضع داكن
25-04-2024
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - الأردن - عمان - مسجد صدقي أبو شقرة - المحاضرة : 74 - الإيمان الذي يحملنا على طاعة الله عزَّ وجل
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


المذيع :
أهلاً وسهلاً بكم فضيلة الشيخ ، وبارك الله بكم على قبول دعوتنا فلتتفضل مشكوراً ، مأجوراً بإذن الله .
 

الإنسان خاسر لأن مضي الزمن يستهلكه :


الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين والطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أشكر من دعاني هذه الدعوة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي ، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم ، وإن وجدتم في كلمتي تلك ما كنتم تتوقعون فالفضل لله وحده ، وإلا فحسبكم الله ونعم الوكيل .
بادئ ذي بدء : الحقيقة أنه ما من تعريف جامع مانع قاطع للإنسان كتعريف الإمام الجليل الحسن البصري ، سيد التابعين ، قال : الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه . 
بتعريف معاصر : الزمن هو البعد الرابع للأشياء ، شيء له طول وعرض وارتفاع ، فإذا تحرك أصبح الزمن بعداً رابعاً ، للأشياء الثابتة يوجد ثلاثة أبعاد : طول وعرض وارتفاع ، للأشياء المتحركة : يوجد بعد رابع هو الزمن ، فالإنسان بتعريف جامع مانع قاطع بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، لذلك أقسم الله له بمطلق الزمن - أقسم الله له بمطلق الزمن (البعد الرابع) أي حياتنا - أنه خاسر ، قال تعالى :

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) ﴾

[ سورة العصر ]

يا رب لمَ الخسارة ؟ قال : لأن مضي الزمن وحده يستهلكك فقط ، قبل أن نقول غير مؤمن ، محسن ومسيء ، قبل كل ذلك مضي الزمن وحده يستهلكك ، للتقريب : وُلد الطفل ففرح الأهل فرحاً شديداً ، بعد حين مشى ، بعد حين تكلم ، بعد حين حفظ الفاتحة ، بعد حين دخل المدرسة ؛ ابتدائي ، إعدادي ، توجيهي ، أخذ شهادة جامعية ، تعين بوظيفة ، بعد حين تزوج ، بعد حين أنجب ، جاءه أولاد وبنات ، زوّج أولاده ، وزوّج بناته ، بعدها أخذ بيتاً بالمصيف ، وسيارتين ، طالع ، طالع ، طالع ، جاء أبو العز ملك الموت تفضل من بيت لقبر ، من بيت مساحته حوالي أربعمئة وخمسين متراً لقبر ، من سيارتين أو ثلاث ، وبيت على البحر ، وبيت في الجبل مثلاً : ( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)) انظر للقسم ، الإله يقول : ( إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) أي مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان .
 

أركان النجاة :

 
( إِلَّا ) رحمة الله في ( إِلَّا ) ما بعد إلا قال عنها الإمام الشافعي : أركان النجاة :

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) ﴾

[ سورة العصر ]

أي إيمان ؟ الإيمان الذي يحمل على طاعة الله ، وأي إيمان لا يحمل على طاعة الله لا جدوى منه ، إبليس مؤمن ، كيف ؟ 

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82) ﴾

[ سورة ص ]

هو إبليس اللعين ، الإيمان الذي يحمل على طاعة الله هو الإيمان المطلوب إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ، أي إيمان ؟ الذي يحمل صاحبه على طاعة الله ، للتقريب : لو قلنا لأحدهم : على كتفك عقرب شائلة ، وبقي هادئاً ، وابتسم ، وقال : أشكرك على هذه الملاحظة ، معنى هذا لم يفهم ما قلت له ، لو فهم لقفز ، ونزع ثيابه ، خوفاً من العقرب ، فكل إنسان لا يأخذ من القرآن موقفاً ، سلوكاً ، حركة ، ما قرأ القرآن ، أو ما انتفع من قراءة القرآن ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ) آمنوا بوجود خالق ، ووجود رب ، ووجود مسيّر ، ووجود حكيم ، ووجود عليم ، ووجود قابض ، أي أسماء الله الحسنى كلها في القرآن .
 

الحبّ في الله عين التوحيد والحبّ مع الله عين الشرك :


هذا الإله العظيم الحقيقة الموت بيده ، والحياة بيده ، والصحة بيده ، والمرض بيده ، والقوة بيده ، والضعف بيده ، ومع كل ذلك ما قبل أن تعبده إكراهاً فقال :

﴿ لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغيِ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256) ﴾

[ سورة البقرة ]

ما قَبِلَ ، حياتنا بيده ، الموت بيده ، الصحة بيده ، المرض بيده ، الغنى بيده ، الفقر بيده ، السعادة بيده ، الشقاء بيده ، ومع كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً ، قال : ( لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ ) بل أراد أن تكون علاقتنا به علاقة حب ، قال :

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِمٍۢ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ(54) ﴾

[ سورة المائدة ]

علاقة حب ، الحبّ في الله عين التوحيد ، والحبّ مع الله عين الشرك ، أن تحب الله ورسوله ، والأنبياء جميعاً ، والعلماء الربانيين جميعاً ، وزوجتك ، لا امرأة أخرى لا تحل لك ، وعملك ، ومن حولك ، وجيرانك ، الحب في الله هو عين التوحيد ، والحب مع الله هو عين الشرك ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ) الإيمان الذي يحمل صاحبه على طاعة الله .
 

العمل الصالح علة وجودنا  :


( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) فيها حركة ، أنت بحاجة إلى الطعام والشراب فتتحرك ، وبحاجة إلى ثمن الطعام والشراب فتتحرك ، وبحاجة بعد حين إلى زوجة فتتحرك ، والشابة تنتظر خاطباً فتتحرك ، وتعتني بهندامها ( آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) هذه الحركة هي سبب العمل الصالح ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) لكن يجب أن تعلم علم اليقين – دقق الآن- بعد الإيمان بالله ، وباليوم الآخر ، العمل الصالح هو العمل المتكرر اليومي ، قال :

﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ(99) ﴾

[ سورة المؤمنون ]

لا لأتابع الطابق الخامس في البناء ، قال تعالى :

﴿ لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّآ ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا ۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100) ﴾

[ سورة المؤمنون ]

( رَبِّ ٱرْجِعُونِ (99) لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا ) والعمل الصالح سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً ، وصواباً ، خالصاً : ما ابتُغي به وجه الله ، وصواباً : ما وافق السنة ، علة وجودنا العمل الصالح ، الغنى والفقر بعد العرض على الله ، لا يعد الغني غنياً ولا الفقير فقيراً بعد العرض على الله ، من هو الغني ؟ غنى العمل الصالح ( رَبِّ ٱرْجِعُونِ(99) لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا ) إذاً : ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) .
 

الدعوة إلى الله فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف :


الآن : ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ) هذه الدعوة إلى الله فرض عين ، لمَ تصلي ؟ لأن الصلاة فرض ، والدعوة إلى الله في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف فرض عين ، في حدود ما تعلم ، سمعت هذا اللقاء ، قرأت كتاباً إسلامياً ، قرأت تفسيراً لعالم رباني ، في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، الدعوة إلى الله بهذه الطريقة ، في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف فرض عين على كل مسلم ، أما التفرغ للدعوة ، والتعمق ، والتبحر ، والتثبت ، هذه الدعوة فرض كفاية ، إن قام بها البعض سقطت عن الكل ، كل أحد منا لديه دعوة إلى الله كفرض عين ، أي سمع هذا اللقاء فتكلم عنه لزوجته ، في حدود ما تعلم ومع من تعرف ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) ، يوجد حركة في الحياة ، عمل صالح يرضي الله ، لا يوجد دخل حرام ، لا يوجد لقاء محرم ، لا يوجد شاشة غير مضبوطة ، أقسم لكم بالله من أعماق قلبي ، الشاشة إن لم تضبط ، والهاتف إن لم يضبط ، والآيباد إن لم يضبط ، لا يوجد في البيت توبة ، الغرب يئس أن ينتصر علينا ، لكن أراد التفجير من الداخل ، هذا التفجير من الداخل أخطر شيء ، من الطرف الآخر ، كنت مرة في الجزائر فقالوا لي : ثلاث وأربعون محطة إباحية موجهة للجزائر من الفرنسيين ، لما يئسوا أن ينتصروا بالكلمة انتصروا بالصورة ، فلابد من الضبط ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) عمله ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، سهراته ، لقاءاته ، تمضية إجازته ، هل يوجد مادة مسرطنة بالمنتج الغذائي ؟ المسموح أن يضعوا ثلاثة بالألف من هذه المادة ، هم يضعون ثلاثة بالمئة ، فترتفع نسبة السرطان ، الإسلام داخل معك بأدق التفاصيل ، كسب مالك وإنفاقه ، سهراتك ، الشاشة في البيت منضبطة أم غير منضبطة ، رحلاتك ، سفرك ، سهراتك ، إن مشيت بانضباط  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 

(( خيرُ الأصحابِ أربعةٌ ، وخيرُ السرايا أربعُمائةٍ ، وخيرُ الجيوشٍ أربعةُ آلافٍ ، قال : وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : لنْ يُغلبَ قومٌ عنْ قلةٍ يبلُغون أنْ يكونوا اثني عشَر ألفًا. ))

[  عبد الله بن العباس ]

 

الإسلام خاص وعام :


نحن الآن ملياران ، ونحتل أهم موقع استراتيجي في الأرض ، ملتقى القارات الثلاثة ، ونملك نصف ثروات الأرض ، ونحتل أهم موقع استراتيجي ، ولدينا ثلاثة ممرات مائية أصل التجارة الدولية ، ومع كل ذلك نحن أمة ضعيفة ، هذا الواقع ، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، لكن بمفهوم الإسلام الدقيق ، يوجد إسلام خاص ويوجد إسلام عام ، الخاص : أنت مسؤول عن ثلاثة أماكن ، لك فيها القرار ، أنت حلقة : بإمكانك أن تصلي أو لا تصلي ، بإمكانك أن تصدق أو تكذب ، بإمكانك أن تبيع بضاعة حلالاً أو بضاعة مزورة ، لي صديق عنده محل قطع سيارات لديه قطعة لسيارة مرسيدس سعرها حوالي عشرين ألفتً ، بقيت عنده مدة خمس سنوات ولم تبع معه ، بعد هذه الفترة جاء زبون وطلبها ، قال لي : وأنا على السلّم أريد أن أنزلها سألني : هل هي أصلية ؟ قلت له : لا ، لو قال له أصلية- مكتوب عليها : صنع في ألمانيا ولكنها صنع الصين- لو قال له أصلية لكان البيع حراماً ، الدين دقيق جداً ، فأنت عندما تعرف تفاصيل الدين تستقيم ، وعندما تستقيم ينشأ لك خط ساخن مع الله ، بإمكانك أن تناجيه بالليل ، ممكن أن تبكي بالصلاة ، إن استقمت نشأ لك خط ساخن مع الله .
إذاً : ( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا ) ما بعد إلا سمّاها الإمام الشافعي أركان النجاة ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ) الإيمان الذي يحمل صاحبه على الاستقامة ( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) علة وجودنا العمل الصالح ، الدليل : ( رَبِّ ٱرْجِعُونِ (99) لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا ) سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً : ما ابتُغي به وجه الله ، وصواباً : ما وافق السنة ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ) نقلت ملخص اليوم لزوجتك ولأولادك ، إلى شريكك في العمل التجاري ، هذه الدعوة فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، أما فرض الكفاية فتحتاج إلى تفرغ ، وتبحُّر ، وتعمّق ، وتثبّت ، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، إذاً : ( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)) .
 

الناس صنفان لا ثالث لهما :


قال الله تعالى بسورة ثانية :

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ(1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ(2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ(3) ﴾

[ سورة الليل ]

الآن يوجد ثمانية مليار إنسان في الأرض :

﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ(4) ﴾

[ سورة الليل ]

ثمانية مليار إنسان يتحركون ، هذا يبحث عن وظيفة ، هذا يبحث عن زوجة ، هذا يبحث عن معصية ( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ ) لكن الله عزّ وجلّ أنزل ثمانية مليار إنسان بحقلين فقط :

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ(7) ﴾

[ سورة الليل ]

الحسنى : هي الجنة ، قال تعالى :

﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ(26) ﴾

[ سورة يونس ]

عندما صدّق بالجنة اتقى أن يعصي الله ، بنى حياته على العطاء ، على رأس هرم البشر الآن يوجد زمرتان كبيرتان : الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء يُمدحون في حضرتهم ، والأنبياء في غيبتهم ، الأقوياء عاش الناس لهم ، والأنبياء عاشوا للناس ، والناس جميعاً تبع لقوي ، أو نبي ، لذلك البطولة أن تكون من أتباع الأنبياء ، وإن أتيح لك أن تكون قوياً ـ مدير دائرة ــ يجب أن تتخلّق بأخلاق الأنبياء ، إذاً الأقوياء ملكوا الرقاب ، الأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء عاش الناس لهم ، والأنبياء  عاشوا للناس ، الأقوياء يُمدحون بحضرتهم ، والأقوياء في غيبتهم ، والناس جميعاً تَبَع لقويّ ، أو نبيّ ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ(1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ(2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ(3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ(4)) ثمانية مليار إنسان ، كل إنسان بباله شيء : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ(6) ) لأنه صدق بالحسنى ، التركيب معكوس بحكمة بالغة ، لأنه صدق بالحسنى اتقى أن يعصي الله ، بنى حياته على العطاء :

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ(9) ﴾

[ سورة الليل ]

لأنه كذب بالحسنى بنى حياته على الأخذ ، فالأقوياء : أخذوا ولم يعطوا ، والأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء : ملكوا الرقاب ، الأنبياء : ملكوا القلوب ، الأقوياء : عاش الناس لهم ، والأنبياء : عاشوا للناس ، والناس جميعاً تَبَع لقويّ ، أو نبيّ .
 

الفرق بين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان :


لذلك أخواننا الكرام : يوجد ملمح أخير في هذا اللقاء الطيب ، آخر ملمح : أنت معك كُتَيِّب عن أرقى سيارة ، وأغلى سيارة : مرسيدس ، معك كتيب ، بضاعة راقية جداً ، منظر خارجي ، منظر داخلي ، منظر للمحرك ، وهي تمشي بالجبل ، وهي تمشي بساحل البحر ، هذا كُتَيِّب ، الفرق أن تملك هذا الكُتَيِّب أو أن تملك السيارة ، المسافة كبيرة جداً ، الأولى : حقائق الإيمان ، الثانية : حلاوة الإيمان ، حلاوة الإيمان : أن تمتلك هذه السيارة ، أو تمتلك قصراً عظيماً ، كبيراً ، واسعاً ، إطلالات ، ملحقات ، غرف رياضة ، غرف ضيوف ، غرف طعام ، صالونات ، حدائق قصر ، فإما أن تملك هذا القصر ، وإما أن تملك مخططاً له ، إما أن تملك هذه المركبة ، وتركبها ليلاً نهاراً ، أو أن تملك كُتَيِّباً لها ، الكُتَيِّب حقائق الإيمان وأن تملك المركبة أو القصر حلاوة الإيمان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ : أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا ، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ ))

[ صحيح البخاري ]

اسأل ملياري مسلم : أليس الهَ ورسوله أحب إليك مما سواهما ؟ طبعاً ، ليس هذا المعنى ، عند التعارض ، أي أنت وكيل شركة ويوجد مادة محرمة إن لم توافق على استيرادها لبلد مسلم تسحب منك الوكالة ، عند التعارض ، عندما تتعارض مصلحتك مع نص شرعي قطعي ، وتركل مصلحتك بقدمك ، وتلتزم الشرع ، عندي قانون أقسم بذات الله إيماني به كإيماني بوجودي :

(( إنك لن تدع شيئا لله عز و جل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه . ))

[ مسند الإمام أحمد ]

مستحيل ومليار مستحيل أن تعصيه وتربح ، ومستحيل ومليار مستحيل أن تطيعه وتخسر : ( إنك لن تدع شيئا لله عز و جل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه ) .لذلك قال تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) ﴾

[ سورة النساء ]

فالتوبة : 

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) ﴾

[ سورة البقرة ]

يحب التائبين ، بعض العارفين بالله قال :
               

 فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا           الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا

ولو سمعت أذناك حسن خطابنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــــا

ولو ذقت مـن طعم المحبــــة ذرة            عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمــة            لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا

ولــــو لاح من أنوارنا لك لائــــح            تركت جمـــيــــــع الكائنــــــــات لأجلنــــا 

 فما حبنا سهل وكل من ادعـــــى            سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــــــــا

فأيسر ما في الحب للصب قتـلـه            وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـا

 ***

 

انضغاط الدين بكليات أهمها العقيدة :


قبل أن أنهي الدرس كنت مرة بأمريكا ، أخ كريم عرض عليّ أن أزور معمل سيارات، معمل جنرال موتورز كاديلاك ، قال لي المرافق والخبير : هذه المركبة فيها ثلاثمئة ألف قطعة ، أنا كراكب أرى غلافاً معدنياً ، وعجلات ، ومحركاً ، ومقاعد ، ومكبحاً ، وبنزين ، أين الباقي ؟ أردت من هذا المثل الطريف أن أقول : هذا الدين كم عالم فيه ؟  ربما فيه مئة ألف عالم ، كم كتاب ؟ مليون كتاب ، كم جامعة إسلامية ؟ ممكن أن ينضغط الدين بكليات أساسيات ؟ ممكن، الدين أول شيء عقيدة ، فهم ، تصوّر ، أيديولوجيا ، منطلق نظري ، كلها أسماء لمسمى واحد ، الفكر ، إيمانك ، إله موجود ، أسماؤه حسنى ، صفاته عُلا ، يوجد دار آخرة ، وجنة ، وبرزخ ، يوجد حلال وحرام ، ويوجد موت وبعث . . .إلخ
 

شكر نعم الله والشكر العميق امتنان داخلي وتعبير خارجي وعمل صالح :


الهدى البياني ، الهدى أهم شيء ، بعدها تأتي الصحة ، لا يوجد عندك ولا مشكلة من فضل الله ، لا خثرة في الدماغ ، ولا فشل كلوي ، ولا تشمع بالكبد ، فالهدى البياني هذا شيء مهم جداً ، والصحة ، لديك بيت وأولاد وزوجة ، هذه النعم التي غمرنا الله بها ، ينبغي أن تُشكَر ، كيف تُشكر ؟ الشكر : امتنان داخلي ، ممتن من الله ، الشكر : لفظ خارجي : يا رب لك الحمد ، غمرتني بفضلك ، غمرتني برحمتك ، رزقتني أولاداً أبراراً ، بنات محتشمات ، زوجة صالحة ، تسكن في بيت ، أحياناً أنظر للسقف ، فوقك سقف من البيتون ، ولكن في المخيمات لا يوجد سقف ، يوجد مطر ، والخيمة منخفضة فيها ماء ، ينامون واقفين طوال الليل ، إن كان هناك سقف بيتون فوقك فهذه نعمة كبيرة ، هذه نعم :
 

﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ(7) ﴾

[ سورة إبراهيم ]

وبشكري تدوم النعم ، الشكر العميق امتنان داخلي وتعبير خارجي وعمل صالح ، قال تعالى :

﴿  يَعْمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٍۢ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍۢ رَّاسِيَٰتٍ ۚ ٱعْمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ (13) ﴾

[ سورة سبأ ]

 

التوحيد نهاية العلم والعبادة نهاية العمل :


لذلك ملخص الملخص : 

﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِىٓ إِلَيْهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا فَٱعْبُدُونِ(25) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

هذه الكلمة جامعة مانعة ( لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا ) توحيد ، التوحيد نهاية العلم ، والعبادة نهاية العمل .
 والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية . 
أسأل الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، أهم دعاء هو استقرار هذه البلاد ، هذه نعمة لا تعرف إلا إذا فُقدت ، أن يحفظ الله لكم إيمانكم ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، واستقرار بلادكم ، يوجد دعاء حديث : أعطاك الله سؤلك ، هذا شيك موقَّع من تحت ، والرقم متروك لك ، أن يعطيك سؤلك .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور