بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله :
مرةً عليه الصلاة والسلام سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم قال :" اشتقت لأحبابي ، فقالوا : يا رسول الله ! أو لسنا أحبابك ؟ قال : لا ، أنتم أصحابي ، أحبابي أناسٌ يأتون في آخر الزمان ، آمنوا بي ولم يرونِي ، أجرهم كأجر سبعين ، قالوا : منهم أم منا ؟ قال : بل منكم ، قالوا : ولِمَ ؟ قال : لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون " .
لذلك الحقيقة الدقيقة أنه يقع على رأس الهرم البشري زمرتان ، الآن عندنا خمس قارات ، وعندنا ثمانية مليار إنسان ، نُسمي هذه الحالة : الهرم البشري ، يقع على رأس الهرم البشري زمرتان ، الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، الأقوياء عاش الناس لهم ، والأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، ملكوا القلوب ، وعاشوا للناس ، ويمدحون في غيبتهم .
لذلك هناك خطاب للنبي الكريم ، وهو سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم : يا سيدي يا رسول الله ! يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ، ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة العقل ، ونهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع ، يا من أعطيت القدوة ، وضربت المثل ، وعبدت الطريق ، يا من كانت الرحمة مهجتك ، والعدل شريعتك ، والحب فطرتك ، والسمو حرفتك ، ومشكلات الناس عبادتك .
إن الذي بهرتهم عظمتك لمعذورون ، وإن الذين افتدوك بأرواحهم لهم الرابحون:
أي إيمان ؟ وأي عزم ؟ وأي مضاء ؟
أي صدق ؟ وأي طهر ؟ وأي نقاء ؟
أي تواضع ؟ وأي حب ؟ وأي وفاء ؟
ما الذي جعل سادة قومك يسارعون إلى كلماتك ودينك متخلين بهذا عن كل ما كان يحيط بهم قومهم من مجد وجاه ، مستقبلين حياة تمور بالأعباء والصعاب والصراع ؟ ما الذي جعل ضعفاء قومك يا رسول الله يلوذون بحماك ويهرعون إلى رايتك ودعوتك وهم يرونك أعزل من المال والسلاح ؟ ما الذي جعل صفوة رجال المدينة ووجهائها يفدون إليك ويبايعونك على أن يخوضوا معك البحر والهول وهم يعلمون أن المعركة بينهم وبين قريش أكبر من الهول ؟ ما الذي جعل المؤمنين بك يزيدون ولا ينقصون وأنت تهتف بهم صباحاً مساء ؟
﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)﴾
ما الذي جعلهم يصدقون أن الدنيا ستفتح عليهم من أقطارها وأن أقدامهم ستخوض خوضاً في تيجان الطغاة وأن هذا القرآن الذي يتلونه في استخفاء ستردده الآفاق عالي الصدع قوي الرنين لا في جيلهم فحسب ، ولا في جزيرتهم فحسب ، بل في مشارق الأرض ومغاربها ؟ ما الذي ملأ قلوبهم يقيناً وعزماً ؟ لقد رأوا رأي العين كل فضائلك ومزاياك ، رأوا طهرك وعفتك ، رأوا استقامتك وشجاعتك ، رأوا سموك وحنانك ، رأوا عقلك وبيانك ، رأوا كل هذا ، وأضعاف هذا ، لا من وراء قناع ، بل مواجهة ، وتمرساً ، وبصراً ، وبصيرة ، لقد رأوك صلى الله عليك وقد دانت لك الجزيرة العربية كلها من أقصاها إلى أقصاها ، وفتحت عليك وعلى أصحابك أبواب الرزق والغنائم حتى تراكمت الأموال بين يديك تلالاً ، فإذا أنت أنت ، لا تزداد بهذا المال إلا زهداً ، وتقشفاً ، وورعاً ، حتى إنك لقيت ربك حين لقيته وأنت لا تملك شيئاً من حطام الدنيا ، وحين يسألك أحد أصحابك أن توليه عملاً من تلك الأعمال التي ظفر بها الآخرون تقول له في رفق وحنان : إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله ، أو أحداً حرص عليه .
وحين يرونك وأهل بيتك أول من يجوع إذا جاع الناس ، وآخر من يشبع إذا شبع الناس ، دانت البلاد كلها لدعوتك ، ووقف أكثر ملوك الأرض أمام رسالتك التي دعوتهم بها إلى الإسلام وجلين ضارعين ، فما استطاعت ذرة واحدة من زهوٍ أو كبرٍ أن تمر بك ولو على بعد .
وحين رأى بعض القادمين عليك يهابونك في اضطراب ووجل قلت لهم : هونوا عليكم إنما أنا ابن امرأة من قريش ، كانت تأكل القديد بمكة .
ألقى كل أعدائك السلاح ، ومدوا إليك أعناقهم لتحكم فيها ، فما ترى بينما عشرة آلاف سيف تتوهج يوم الفتح فوق ربا مكة في أيدي المسلمين فلم تزد عن أن قلت : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
عمك أبو طالب ، وهو الرجل الوحيد الذي كان يقف إلى جانبك في المحنة ، ويبدو أنه سيتخلى عنك ، أو أنه غير مستعدٍ ولا قادرٍ على مواجهة قريش ، قال لك : يا بن أخي إن قومك قد جاؤوني وكلموني في أمرك ، فأبقِ عليّ وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق ، فقلت قولاً تنهد له الجبال ، قلت : والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .
حتى حقك في رؤية النصر الذي أفنيت في سبيله كل حياتك حرمت نفسك منه تواضعاً لله .
لقد سرت في موكب النصر يوم الفتح حانياً رأسك تواضعاً لله حتى تعذر على الناس رؤية وجهك ، حتى كادت ذؤابتك عمامتك أن تلامس عنق بعيرك مردداً بينك وبين نفسك ابتهالات الشكر المبللة بالدموع .
العمل الصالح علة وجودنا في الدنيا :
لذلك هذا الدين العظيم له كليات ، الكليات العقيدة ، أي الفكر ، التصور المنطلق النظري ، الإيديولوجية ، هذه أول كلية من كليات الدين ، والحركة هي استقامة وعمل صالح ، الاستقامة سلبية ، تقول : أنا بالاستقامة ما أكلت مالاً حراماً ، ما غششت أحداً ، ما كذبت على أحد ، ما فرقت بين زوجين ، أما العمل الصالح فعلة وجودنا في الدنيا ، وأكبر دليل الإنسان حينما واجه الحقيقة المرة واجه الدار الآخرة ، يقول :
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
إذاً العمل الصالح علة وجودنا في الدنيا ، وسميّ العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، سميّ العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، إذاً علة وجودنا في الدنيا واليوم الآخر هو العمل الصالح .
مرة ثانية ؛ علة وجودنا الوحيدة في الدنيا العمل الصالح ، الدليل ، الإنسان إذا فاته العمل الصالح يقول : ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ) حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح .
ومرة ثانية للتأكيد ؛ سميّ العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .
إذاً : المنطلق النظري ، الإيديولوجية ، الفكر ، التصور ، هذه مسميات ، أسماء لمسمى واحد وهي العقيدة ، المنطلق النظري ، الإيديولوجية ، التصور ، إن صحت العقيدة صح العمل ، وإن فسدت العقيدة فسد العمل ، شيء دقيق جداً .
الإنسان كائن متحرك تحركه حاجات ثلاثة :
أما الحركة ؛ الإنسان بحاجة إلى الطعام والشراب ، حفاظاً على بقائه حياً ، وبحاجة بعد حين إلى الزواج ، من أجل بقاء النوع ، وبعد حين من ذلك بحاجة إلى التفوق ، من أجل بقاء الذكر ، الحاجة الأولى هي الطعام والشراب حفاظاً على بقاء الفرد كإنسان ، الحاجة الثانية دون أن يشعر الحاجة إلى الزواج ذكراً كان أو أنثى حفاظاً على بقاء النوع ، لولا هذه الحاجة لما بقي النوع البشري ، وبعد أن أكل وشرب ، وتزوج وأنجب ، عنده حاجة ثالثة بقاء الذكر ، التفوق ، يتمنى الطبيب أن يكون الأول ، المهندس كذلك ، المحامي كذلك ، الداعية كذلك ، لذلك التفوق أما بقاء الذكر فهو أن تدع بصمة .
سيدنا عمر في اليوم كم مرة يذكر في العالم ؟ مئات ألوف المرات ، بقاء الذكر ، فأنت مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض ، فيها :
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ' قال الله عز وجل : أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ . ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ]
هذه الجنة ثمنها بعد الإيمان بالله واليوم الآخر العمل الصالح ، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح .
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)﴾
فالإنسان حينما يأتي إلى الدنيا وينسى علة وجوده ، ينسى غاية وجوده ، ينسى ربه الذي خلقه من عدم ، ومكنه في الأرض ، خلقه لجنة عرضها السماوات والأرض والدليل :
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾
خلقهم ليرحمهم ، هذا الإنسان حينما عرف الله هو أسعد إنسان في الأرض ، بصرف النظر عن حجمه المال ، ووضعه الأسري ، وعن عمله التربوي .
بطولة الإنسان أن يعرف الله قبل فوات الأوان :
إذاً البطولة أن نعرف الله قبل فوات الأوان ، لأنه أكفر كفار الأرض فرعون ، الذي قال :
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) ﴾
والذي قال :
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) ﴾
هذا فرعون ماذا قال عند الموت حينما غرق ؟
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) ﴾
إذاً أنت أيها المؤمن ، أو أيها الإنسان معك مليون خيار رفض ، هذا البيت لم يعجبك لا تشتره ، هذه الحرفة دوامها طويل وأجرها قليل ، أي بمليون موضوع معك خيار رفض إلا مع الإيمان .
أكفر كفار الأرض ، فرعون مرة ثانية ، الذي قال : ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) والذي قال : ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) ، ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ) ، ( إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ) .
فلذلك العمل الصالح علة وجودنا ، وغاية وجودنا ، وسر وجودنا ، وسبب وجودنا ، ومرة ثانية : سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله .
الحركة ، الاستقامة كما قلت سلبية ، أنا ما أكلت مالاً حراماً ، أنا ما كذبت ، أنا ما غششت ، أنا ما افتريت ، هذه الاستقامة سلبية ، أما العمل الصالح فإيجابي ، أن تنفق من مالك ، من علمك ، من جاهك ، من وقتك ، من خبرتك ، هذا الإنفاق التجارة الأولى الرابحة مع الله الله عز وجل يحبنا أن ننتفع منه .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) ﴾
في سبيل الله ، معنى ذلك لما نعرف علة وجودنا تصح حركتنا ، إذا علمنا علة وجودنا تصح حركتنا ، طبعاً من هنا كان الإيمان بالله أصل في هذا الدين ، والحركة السلبية استقامة ، والإيجابية عمل صالح ، والنتيجة :
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾
صلينا .
لكن يوجد شيء آخر ، الله قال :
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) ﴾
إنك إن صليت ذكرت الله ، قرأت الفاتحة وسورة ، وركعت وسجدت ، أما إذا ذكرك الله شيء لا يصدق ، منحك السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، السكينة أكبر عطاء إلهي ، ذاقها النبي في الغار ، وذاقها إبراهيم في النار ، وذاقها يونس في بطن الحوت ، هذه السكينة أكبر عطاء إلهي ، يكرمك بالتوفيق .
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) ﴾
يكرمك بالحفظ ، ثمار الصلاة شيء لا يصدق .
" ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء " .
فلذلك الإيمان بالله أصل ، والحركة تابع ، والحركة نوعان ، حركة سلبية ، هي الاستقامة ، وحركة إيجابية العمل الصالح ، والثمرة : ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) إنك إن ذكرت الله ذكرك الله ، منحك السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، منحك التوفيق ( وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ) ، منحك العلم .
﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) ﴾
الدنيا مزرعة الآخرة ، أي الدنيا ، جئت إلى الدنيا ( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ( 46 )﴾
[ سورة الرحمن ]
جنة في الدنيا هي جنة القرب ، وجنة في الآخرة هي جنة الخلد .
لذلك هذا الدين العظيم له كليات ؛ أول كلية العقيدة ، إن صحت صح العمل ، وإن فسدت فسد العمل ، الحركة لها نوعان ؛ حركة سلبية الاستقامة ، ما أكلت مالاً حراماً ، ما كذبت ، ما غششت ، إيجابية العمل الصالح ، الثمرة الصلاة ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) .
ديننا كله قطع لأنه من عند رب السماوات والأرض :
الآن عندنا شيء بالعلوم ؛ القانون ، القانون : علاقة مقطوع بها ، بين متغيرين ، تطابق الواقع ، عليها دليل ، علاقة مقطوع بها ، معنى مقطوع بها ؛ عندنا وهم ، مصداقية الفكرة ، الوهم ثلاثون بالمئة ، الشك خمسون بالمئة ، الظن سبعون بالمئة ، غلبة الظن تسعون بالمئة ، القطع مئة بالمئة ، ديننا كله قطع ، من عند الله ، من عند رب السماوات والأرض ، من صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات العلا ، من أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، يتاح لك أن تتصل به .
" ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء " .
شيء دقيق جداً ، فالهدف أن تعرف الله .
فـلو شاهدت عيناك من حسننـــــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابــنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبــــــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمــــة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
ولــو لاح مـِــن أنـوارنــا لك لائـحٌ تـركــت جـمـيــع الـكـائـنـات لأجـلـنـــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــــــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــــــــا
فأيسر ما في الحب للصب قتـلـه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا
إذاً كليات الدين ؛ العقيدة ، إن صحت صح العمل ، الحركة السلبية والإيجابية ، إن ذكرت الله في الصلاة ذكرك الله ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) فإذا ذكرك منحك السكينة تسعد بها ولو ملكت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .
الفرق بين اللذة والسعادة :
لذلك الدين كله سعادة ، اللذة غير السعادة ، اللذة حسية أيها الأخوة الكرام حسية مادية ، تحتاج إلى صحة ، ومال ، ووقت ، في البدايات يوجد صحة ووقت لكن لا يوجد مال ، بالوسط يوجد صحة ومال لكن لا يوجد وقت ، بالنهايات يوجد مال ووقت لكن لا يوجد صحة ، هذه اللذة ، أما السعادة لمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة ولا تقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني فهناك مشكلة كبيرة .
إذاً عندنا عقيدة ، منطلق نظري ، حركة وهي نوعان ، سلبية استقامة ، إيجابية عمل صالح ، الثمرة الصلاة الحقيقية ، الصلاة عماد الدين ، وعصام اليقين ، وسيدة القربات ، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات ، هذه الصلاة ، لذلك هذه كليات الدين ، عقيدة ، حركة ، سلبية إيجابية ، الثمرة الصلاة .
الآن عندنا شيء كما قلت قبل قليل : القانون ، القانون علاقة مقطوع بها ، بين متغيرين ، تطابق الواقع ، عليها دليل ، ماذا يقابل القوانين في الدين ؟ يقابلها السنن ، أي القوانين بالإسلام ، الهدى البياني ، الهدى البياني درجة راقية جداً ، استمعت إلى خطيب جمعة رباني ، تأثرت ، طبق الذي سمعته ، الهدى البياني الموقف الكامل الاستجابة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) ﴾
الهدى البياني أرقى شيء ، تابعت مناظرة بين عالمين ربانيين طبق ما أمراك به ، سمعت خطبة جمعة راقية جداً من عالم رباني ، طبق ، الهدى البياني هو سماع الحق ، سماع درس ، سماع خطبة ، قراءة تفسير ، لقاء مع عالم جليل ، مناظرة بين عالمين ، أي الحق يصل إليك ، الموقف الكامل الاستجابة ، والدليل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) معنى ذلك أن الذي ينصرف عن الدين هو عند الله ميت ، الدليل قال تعالى:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾
لكن نبضه ثمانون ، مثالي عند علماء الطب ، وضغطه 8 ـ 12 ، أيضاً مثالي ، ولكنه عند الله ميت ( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ) .
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) ﴾
جماد .
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) ﴾
حيوانات .
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) ﴾
هذه سلبيات الإنسان إذا ابتعد عن الدين ، وشرد عن الواحد الديان ، وأراد الدنيا ، فلذلك : إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ، بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، مؤسسة معينة أبل تملك ثلاثة تريليون ، أرقام فلكية ، لكن أنت مخلوق للعمل الصالح ، الغنى والفقر بعد العرض على الله .
فلذلك الهدى البياني ، استمع لخطبة ، لمناظرة ، لكلمة ، لنصيحة ، أن تقرأ تفسيراً لعالم رباني ، أن تجلس مع عالم له تأثير بالمجتمع ، هذا الهدى البياني ، الموقف الكامل الاستجابة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) .
ما استجاب قصر يوجد التأديب التربوي ، قال تعالى :
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾
تأتي مصيبة ، أو شبح مصيبة ، أو قلق ، هذا الإنسان لي كلمة دقيقة جداً إما أن تأتيه ركضاً ، أو يأتي بك ركضاً .
شخص من فمه إلى أذني ، قال لي : أنا عندي معمل ، وكانت أرباحي فلكية ببعض الأعوام ، وضعت خمسمئة ألف في جيبي ، وسافرت إلى أمريكا كي أستمتع بما حرم الله ، هكذا قال لي بعد أن تاب إلى الله ، شعر بألم في ظهره ، زار طبيباً قال له : يوجد سرطان بالعمود الفقري ، ترك كندا وعاد إلى بلده ، الآن من جامع لجامع ، من دعوة إلى دعوة ، من كتاب إلى كتاب ، ثم تبين أنه التشخيص كان فيه خطأ .
﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) ﴾
المصيبة لها حكمة بالغة جداً ، أي إذا كان هناك طفل عمره عشر سنوات ، قال لأبيه : أريد ألا أدرس يا بابا أريح ، هذا أفضل لي - هذه قصة طبعاً افتراضية - قال له : كما تريد يا بني ، هذا نام للساعة العاشرة ، أكلَ طعاماً على ذوقه ، لعب مع رفاقه بالحارة ، ظن نفسه أسعد شاب في المنطقة ، أما رفاقه من الساعة السابعة بالمدرسة ، وظائف ، ومعلم ، إلى آخره ، لما كبر لا بيت ، ولا سيارة ، ولا مكانة ، ولا دخل ، فحقد على والده ، قال له : يا أبتِ لما قلت لك لا أريد أن أدرس لِمَ لم تصفعنِي صفعةً كبيرة ؟
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) ﴾
أي المصائب ( فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ) .
﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)﴾
لذلك الشخص يذهب إلى بلد بعيد يقول لك : يا أخي هم مرتاحون كثيراً ! ثروات طائلة ، مواصلات ، طيران ، تفلت ، إباحية ، هؤلاء تصدق عليهم الآية الكريمة :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ( 44 )﴾
إذا كان هناك مريضان عند طبيب ، واحد معه التهاب معدة حاد ، يخضعه الطبيب لحمية قاسية جداً جداً جداً ، على الحليب ستة أشهر ، والشفاء تام بعدها ، الثاني معه ورم خبيث منتشر بكل جسمه ، سأله الثاني : أنا ماذا آكل ؟ قال له : كُلْ ما شئت ، أيهما أفضل أن نخضع لحمية قاسية أحياناً لمدة طويلة أم أن نعطى الدنيا كما نتمنى وبعدها إلى جهنم وبئس المصير ؟ ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ) .
إذاً نحن لا بد من أن نعرف الله قبل فوات الأوان ، الكليات ، العقيدة كلية ، الفهم ، الإيديولوجية ، والحركة كلية ، الاستقامة سلبية ، والعمل الصالح إيجابي ، والثمرة هي الصلاة ، هذا الهدى البياني .
أما السلوك التربوي يوجد تقصير ، خطأ ، عدم دفع زكاة ، سهرة مختلطة ، شاشة مفتوحة غير منضبطة ، كسب غير حلال ، حرام ، يوجد تأديب تربوي ، الهدى البياني ؛ الموقف الكامل الاستجابة ، والتأديب التربوي الموقف الكامل التوبة .
الآن لا بالهدى البياني استجاب ، ولا بالتأديب التربوي تاب ، يوجد حل ثالث لكن الناجحين قلائل جداً الإكرام الاستدراجي ، تأتيه الدنيا فجأة ، بأموالها ، وأرباحها ، ومكانتها ، فينسى الله عز وجل ، هذا الإكرام الاستدراجي ، الناجحون قلائل جداً ، لكنه طريقة .
التأديب التربوي ، الإكرام الاستدراجي ، الهدى البياني ، الهدى البياني الاستجابة ، والتأديب التربوي التوبة ، والإكرام الاستدراجي الشكر لله عز وجل ، وإلا انتهى عند الله ، هذه زمرة أساسية في علاقة الله بنا ، الهدى البياني ؛ استجابة ، تأديب تربوي ؛ توبة ، إكرام استدراجي ؛ شكر ، وإلا ما بقي إلا القبر ، ما بعد المعصية إلا القبر ، لكن ما بعد التوبة إلا الجنة .
أرجو الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، واستقرار البلاد التي أنتم فيها .
الملف مدقق