وضع داكن
26-04-2024
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - الأردن - عمان - مركز الكالوتي التنموي : 77 - رمضان تقوى وعطاء
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الوَعْدِ الأَمِينِ .
 

عبادة الله والخضوع لمنهجه علة وجودنا :


هناك مصطلحٌ دقيقٌ جداً ينبغي أن أبدأ به ، هذا المصطلح علة الوجود ، أو سبب الوجود ، أو غاية الوجود ، أبدأ بمثال : إنسان ميسور أرسل ابنه إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون (Sorbonne Université) هذا الشاب وجوده في هذه المدينة ، سبب وجوده وغاية وجوده الدراسة ، هذا لا يمنع أن يدخل لمطعم فيأكل ، أن يجلس في حديقة للنزهة ، أن يقتني كتاباً ينتفع به ، أما علة وجوده ؛ لو سحبنا هذا المثل على علة وجود الإنسان في الدنيا قال تعالى : 

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾

[ سورة الذاريات  ]

كلام خالق الأكوان من أجل أن نعبده ، هذا الإنسان هو المخلوق الأول ، المكرم ، المفضل ، المكلف ، المحاسب ، والمعاقب ، لأنه في عالم الأزل :  

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾

[ سورة الأحزاب   ]

( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ) أي الكون ( فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا) خفن منها ( وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ) هذا المخلوق الأول ، لأنه قَبِلَ حمل الأمانة في عالم الأزل كان عند الله المخلوق الأول ، وكان المخلوق المكرم ، وكان المخلوق المفضل ، وكان المخلوق المكلف ، المكلف بعبادة الله ، بخضوعه لمنهج خالق السماوات والأرض ، بخضوعه لتعليمات الصانع الذي هو الله ، طبعاً أودع فيه الشهوات لكن أي شهوة يمكن التحرك بها مئة وثمانين درجة ، لكن هذا الشرع العظيم سمح لك بمئة وستين درجة ، فالحركة بعد المئة والستين لا تجوز ، المرأة : هناك زواج ، أما الزنا فمرفوض ، المال : هناك عمل ، أما السرقة فمرفوضة ، ما من شهوةٍ أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناةً نظيفةً طاهرةً تسري خلالها ، أي لا يوجد حرمان في الحياة ، ولكن هناك تصعيد ، هناك اختيار ، ما من شهوةٍ أودعت في الإنسان ؛ حصراً ، إلا جعل الله لها قناةً نظيفةً طاهرةً تسري خلالها ، إذاً من هو المؤمن ؟ هو الذي تحرك وفق شهوته ، وفق تعليمات الصانع ، تحرك وفق شهوته إلى العمل الصالح ، احتاج إلى المال فعمل بزراعةٍ ، أو صناعةٍ ، أو تجارةٍ ، أو وظيفةٍ ، احتاج إلى المرأة تزوج ، احتاج إلى التفوق ، احتاج إلى بقاء الذكر ، إلى أن يكون ألمعياً ، تفوق ، فجميع الشهوات التي أودعت في الإنسان في أصل بنيته ، في أصل بيانه ، لها قنواتٌ نظيفةً طاهرة ، فما هو الدين ؟ أن تتحرك بدافعٍ من شهواتك وفق منهج الله ، هذا أول نجاح ، هذا هو الفلاح ، هذا هو التفوق ، هذا هو التحقيق الأمثل لدوافعه الذاتية .
 

الله عزَّ وجلَّ خلقنا ليرحمنا :


لذلك : الإنسان له خالق عظيم ، وهناك مقولة ثانية : كمال الخَلْق يدل على كمال التصرُّف ، الخلق إعجازه مذهل في كل ما خلق الله من جمادٍ إلى نباتٍ إلى حيوانٍ إلى إنسان كمال مطلق ، هذا الكمال المطلق يدل على تصرف أمثل ، فالله عزَّ وجلَّ خلقنا ليرحمنا والآية صارخة :  

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)  ﴾

[ سورة هود  ]

خلقهم ليرحمهم .
 

الفرق بين اللذة والسعادة :


الفهم الدقيق والعميق يجعل الإنسان طاقة كبيرة ، متفوقاً ، له مكانة ، سعيداً ، نحن نعيش اللذة ، واللذة لها تعليق مزعج ، اللذة حسية مادية أي يستمتع بمنزل فخم ، أو بامرأةٍ جميلةٍ ، أو بمكانةٍ اجتماعيةٍ عاليةٍ ، هذه اللذة مع كل الأسف الشديد لها شروط ثلاث : لا بد من مال ، ولا بد من صحة ، ولا بد من وقت ، ولحكمةٍ بالغةٍ بالغة في البدايات يوجد وقت وصحة ولا يوجد مال ، في الوسط يوجد مال وصحة ولا يوجد وقت ، بالنهايات يوجد مال ووقت ولا يوجد صحة ، ما سمح الله للدنيا التي هي ممر وليست مقراً أن تزود الإنسان بسعادة متنامية ، مستحيل ، ولا بثابتة ، مستحيل ، بل بسعادة متدنية ، وأي شيء مما سوى الله إذا وصلت إليه بعد أن تصل إليه يصغر في عينك ، أيام الشباب يرى الزواج هو كل شيء في الحياة ثم يراه شيئاً وبعد التقدم بالسن يراه لا شيء ، المال كل شيء ، شيء ، لا شيء ، فالبطولة أن تكتشف الحقيقة قبل فوات الأوان . 

بطولة الإنسان أن يكتشف الحقيقة قبل فوات الأوان : 

فرعون أكفر كفار الأرض الذي قال : 

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24) ﴾

[ سورة النازعات   ]

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) ﴾

[ سورة القصص ]

الذي قال : ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ) أو ( مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) حينما أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ : 

﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)   ﴾

[ سورة يونس    ]

معنى ذلك الإنسان إذا كان يملك مليون خيار بالرفض ؛ أي هذا البيت لم يعجبه سعره مرتفع ، مساحته صغيرة ، هذه الحرفة دوامها طويل ورزقها قليل ، فلك أن ترفض مليون قضية إلا مع الإيمان ؛ معك مع الإيمان خيار وقت لأنك إما أن تؤمن في الوقت المناسب، وتنتفع من إيمانك ، أو بعد فوات الأوان لا قيمة لإيمانك ( آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ) يوم لا ينفع نفس إيمانها يقول الله عزَّ وجلَّ : 

﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158) ﴾

[ سورة الأنعام  ]

 

ضرورة طلب العلم :


لكنني أتوجه إلى الشباب ؛ أنت حينما تؤمن في وقت مبكر تحسن اختيار حرفتك ، وتحسن اختيار زوجتك ، وتحسن تربية أبنائك ، فكلما كان الإيمان بالحقيقة في وقتٍ مبكرٍ ساهم هذا الإيمان في تشكيل أساسيات حياتك ، فلا بد من طلب العلم ، الجماد : أمامي مكتب ، وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، هذا الجماد ، أما النبات فيزيد عليه بالنمو ، أما الحيوان فيزيد عليهما بالحركة ، وأما الإنسان فيزيد على كل أولئك بقوةٍ إدراكيةٍ أودعت فيك من قِبَلِ الله تعالى ، تدرك الحقائق ، الأشياء ، البدايات ، النهايات ، هذا أثمن شيء يملكه الإنسان :
إنّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَكَّبَ في الْمَلائِكَةِ عَقْلاً بِلا شَهْوَةٍ ، وَرَكَّبَ في الْبَهائِم شَهْوَةً بِلا عَقْلٍ ، وَرَكَّبَ في بَني آدَمَ كِلَيْهِما ، فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ شَهْوَتَهُ فَهُوَ خَيْرٌ مِن الْمَلائِكَةِ ، وَمَنْ غَلَبَتْ شَهْوَتُهُ عَقْلَهُ فَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْبَهائِمِ . 

[ الإمام علي رضي الله عنه ]

 

الإيمان سعادة وحكمة :


إذاً لا بد من أن نسأل : من خلقنا ؟ هو الله ، ما الله ؟ صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا ، خالق السماوات والأرض ، أصل الجمال والكمال والنوال ، الله عزَّ وجلَّ هو كل شيء ، كل شيء كامل هو الله عزَّ وجلَّ ، خلقنا ليسعدنا ( إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ) ليسعدهم ، ليرقى بهم ، إذاً لا بد من أن نتحرك لغير حركة الحيوان ، الحيوان يتحرك للطعام والشراب ، وقد يكون عنده لقاء من أجل التوالد ، أما الإنسان فيتحرك في أساس خلقه  لمعرفة الواحد الديان ، يتحرك ليقول : من أنا ؟ ولماذا أنا في الدنيا ؟ وماذا ينبغي أن أفعل ؟ 

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾

[ سورة الذاريات ]

والعبادة خضوع هذا الكائن الحادث ، الضعيف ، الشهواني ، إلى منهج خالق السماوات والأرض ، بهذا الخضوع يسمو ، تسمو حالته ، تسمو أهدافه ، تسمو حركته ، فلذلك الدين سعادة ، الدين حكمة ، الدين رؤية ، الدين تخطيط ، يخطط لما بعد الموت ، أهل الأرض قاطبةً لا يتحدثون عن الآخرة ولا بكلمة ، بينما لم يرد في القرآن من أركان الإيمان إلا الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر ، هناك وقت تسوى به الحسابات ، إذا بني شيء على الظلم هذا الظلم يسوى يوم القيامة ، الإيمان بيوم القيامة أصل من أصول الدين ، وإذا أُهمل اختلفت قيمنا كلياً ، أقول والله لا أبالغ : حينما تؤمن باليوم الآخر إيماناً كما أراده الله لا بد من أن تنعكس مقاييسك وقيمك ، قبل الإيمان باليوم الآخر المهمة أن تأخذ ، بعد الإيمان باليوم الآخر المهمة أن تعطي ، قبل الإيمان باليوم الآخر مهمتك الشهوة أن تلبيها بأي طريقةٍ ، بأي صورةٍ ، أما بعد الإيمان باليوم الآخر فما من شهوةٍ أودعت في الإنسان إلا جعل الله له قناةً نظيفةً طاهرةً تسري خلالها ، لا يوجد حرمان ، اشتهى المرأة يوجد زواج ، اشتهى المال يوجد عمل ، اشتهى العلو في الأرض يوجد تفوق ، ما من شهوةٍ أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناةً نظيفةً طاهرةً تسري خلالها .
 

من اتبع تعليمات الصانع نَعِم بالسلامة والسعادة والبقاء :


إذاً النجاح غير الفلاح ، بيل غيتس جمَّع ثلاثة وتسعين مليار دولار ، رقم كبير جداً ، بينما بعض المؤسسات آبل سبعمئة مليار ، هذا اسمه : كسب فقط ، أي الكسب لم تنتفع به وستحاسب عليه ، أما إذا عرفت سر وجودك وغاية وجودك فلا يمكن أن تتحرك إلا وفق تعليمات الصانع ، مثال : أنت اشتريت سيارة حديثة جداً ، تألق ضوء في لوحة البيانات ، ضوء أحمر ، إن فهمت هذا الضوء تألقاً تزيينياً احترق المحرك ، وقد تحتاج إلى مئة ألف من العملة ، أما إذا فهمته ضوءاً تحذيرياً أوقفت المركبة وأضفت الزيت فأنت بدافع من حبك لذاتك ، أو بدافع - إن صح التعبير وهو قاس - من أنانيتك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع لتنعم بالسلامة والسعادة والبقاء : 

﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)  ﴾

[ سورة آل عمران  ]

لتبقى إلى أبد الآبدين في ( جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ) أما الذي يتعامل مع شهوته فقط ، ومع غرائزه ، ومع معطيات الأرض ، الأرض : المال كل شيء ، والمنصب كل شيء ، فإذا نسي مبادئ دينه ، نسي مبادئ خالق السماوات والأرض ، وسعى إلى قوةٍ في المال ، وقوةٍ في المنصب ، ونسي الدار الآخرة ، ماذا يقول ؟ 

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) ﴾

[ سورة الفجر   ]

هذا الكلام معلومات دقيقة مؤصلة مثبتة بالدليل والتعليل ، لا بد من طلب العلم :
إذا أرَدت الدنيا فعليكَ بالعِلم ، وإذا أرَدت الآخرة فعليكَ بالعِلم ، وإذا أردتهُما معاً فعليكَ بالعِلم ، والعِلمُ لا يُعطيك بَعضَهُ إلا إذا أعطيتَه كُلّك ، فإذا أعطَيتَه بَعضَكَ لم يُعطِكَ شيئاً ، ويَظلُّ المرء عالِماً ما طَلَبَ العِلم فإذا ظَنَّ أنه قد عَلِم فقد جَهِل ، طالبُ العِلم يُؤثِرُ الآخرة على الدنيا فيربَحهُما معاً ، بينما الجاهل يُؤثِر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .

[ الإمام الشافعي ]

إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، العلم تغذية هذا الجهاز الخطير العقل ، أودع فيك الشهوة ، وأودع فيك عقلاً يكشف لك عن حقائق الأمور مع إضاءة وحي السماء ، العقل آلية معقدة جداً تحتاج إلى وحي السماء ، الإنسان له عين ، والعين فيها عدسة دقيقة جداً ، والعدسة يزداد احتدابها أو ينقص بعضلات هدبية تقوم بعملية لا يستطيعها أكبر عالم ضوء بالأرض ، فالعين عظيمة مع المطابقة من خلقها ؟ يد من ؟ علم من ؟ حكمة من ؟ فضل من ؟ هذا الإيمان بالله عزَّ وجلَّ .
 

الآيات هي القنوات الوحيدة الفريدة لمعرفة الله :


الإيمان أساسه الآيات الكونية :

﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)   ﴾

[ سورة الجاثية ]

معنى الآية أن القنوات الوحيدة الفريدة التي تنتقل بها إلى معرفة الله هي الآيات ، والآيات كونية وتكوينية وقرآنية ، كونية ؛ الكون :

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾

[ سورة آل عمران ]

والآيات التكوينية أيضاً أفعال الله عزَّ وجلَّ ، هناك زلزال ، هناك جائحة ، هناك أمطار غزيرة ، هناك نمو نبات عال جداً ، هناك قهر أحياناً ، هذه كلها أفعاله ، الكون خلقه ، وأنت مكلف بالتفكر في خلق السماوات والأرض ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ) فالكون خلقه ، والأفعال فعله ، جفاف ، أمطار غزيرة ، حاكم قاهر مثلاً ، هذه كلها أفعاله ، فخلقه يحتاج إلى تفكر ، وأفعاله تحتاج إلى نظر :

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)  ﴾

[ سورة الأنعام ]


﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)﴾

[ سورة العنكبوت  ]

( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) ، ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا)   ، آية : ( ثُمَّ انظُرُوا ) وآية : ( فَانظُرُوا ) والقرآن آياته ، إذاً نحن معنا آيات كونية ؛ تفكر ، وآيات تكوينية ؛ نظر ، وآيات قرآنية ؛ تدبر .
 

العبادة علة وجود الإنسان :


الآن العبادة علة وجود الإنسان ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) العبادة العامة أن يخضع هذا الإنسان الأول ، المكرم ، المفضل ، المكلف لتعليمات الصانع ، أي الكتاب والسُنَّة الآن ، لتحريمات الصانع ، إذا خضع لتعليمات الصانع سلم وسعد وتفوق واستمر ، أما إذا استجاب لنداء الغريزة فقط قد يقع في مشكلات لا تنتهي ، إما أمراض وبيلة ، أو قهر ، أو شقاء ، هذا الشقاء .
 

رمضان شهر القرب والانضباط :


لذلك نحن الآن نعبد الله في ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً وربع باتباع تعليمات الصانع ، ولكن جعل مواسم للعبادة أحد هذه المواسم ، أو أحد أكبر هذه المواسم رمضان ، رمضان شهر القرب ، رمضان شهر الحب ، رمضان شهر الانضباط ، رمضان شهر دفع الزكاة ، وإنفاق الأموال ، رمضان شهر صلة الأرحام ، رمضان شهر التوبة ،  شهر الاصطلاح مع الله ، شهر فتح صفحة جديدة ، لكن مع الأسف الشديد ، الشديد ، الشديد ، رمضان في بعض المجتمعات الاسلامية غير المنضبطة أصبح شهر ولائم ، وشهر مسلسلات ، وكأن الناس بجهلهم الكبير والخطير أفرغوا هذا الشهر العظيم من مضمونه التعبدي ، واكتفوا بمظاهره الخداعة من ولائم ، ومسلسلات ، ومتابعة الفضائيات ، فلذلك لا بد من دعوةٍ ؛ لأننا نحن مليارا مسلم ومع الأسف الشديد ، الشديد ، الشديد ، ليست كلمتنا هي العليا ، وليس أمرنا بيدنا ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :‏

(( خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَلاَ يُغْلَبُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد ]

لأن هذا المنهج مطبق منه الفولكلوريات ، ممكن أن تضع في بيتك في غرفة الضيوف صورة الكعبة ، ممتاز ، بغرفة أُخرى الحرم النبوي ، تضع مصحفاً في سيارتك ، هذه أشياء جيدة ، ولا يوجد مانع منها ، لكن هل دخلك إسلامي ؟ هل الإنفاق إسلامي ؟ هل اختيار حرفتك جيد أم أن حرفتك لا ترضي الله تبنى لا على طاعة الله بل على معصية الله ؟ هل تختار أن تكون قوياً لتبني مجدك على أنقاض الآخرين ؟ لتبني حياتك على موتهم ؟ لتبني عزك على ذلهم ؟ لتبني غناك على فقرهم ؟ لتبني أمنك على إخافتهم ؟ 
 
بطولة الإنسان أن يؤمن في الوقت المناسب :

إذاً البطولة أن تعرف الحقيقة قبل أن تتحرك ، أما الحقيقة فلا بد من أن تعرفها بعد فوات الأوان ، هل هناك في الأرض أكفر من فرعون الذي قال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ) أو ( مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي ) ؟ هذا فرعون الذي ادّعى الأولوهية حينما أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ : ( آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فهذا الإيمان الذي يأتي بعد فوات الأوان لا قيمة له . 
طالب دخل الامتحان لم يدرس إطلاقاً ، قدم الورقة بيضاء فنال الصفر باستحقاق ، عاد إلى البيت ، فتح الكتاب المقرر ، قرأ الموضوع فهمه فهماً عميقاً فعاد إلى المدرسة ليكتب مرَّة ثانية ضحكوا عليه ، انتهى :

﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158) ﴾

[ سورة الأنعام  ]

فالبطولة أن تؤمن في الوقت المناسب ، لأننا جميعاً سنؤمن بعد فوات الأوان ، أن تعرف من هو الله ؟ ما أسماؤه الحسنى ؟ ما صفاته العلا ؟ خالق السماوات والأرض أصل الجمال والكمال والنوال :

 فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا         الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا

ولو سمعت أذناك حسن خطابنا          خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــا

 ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة          عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمـة           لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــا

ولـو لَاح مـن أنـوارنَا لـــــك لائح          تَركـتَ جَـمِيــــــعَ الْـكَائنات وَجِئتـــــــــَا

 فما حبنا سهل وكل من ادعـــى          سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا

 فأيسر مافي الحب للصب قتـلـه          وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا

 ***

قصيدة أطع أمرنا لسيدي أبي المواهب الشاذلي رحمه الله ورضي عنه
 

الدين أصل حياتنا وسعادتنا وسلامتنا :


أنا أتمنى من كل أعماقي أن أكون قدمت لكم حوافز فقط كي نعرف سر وجودنا وغاية وجودنا ، وأن نعرف حقيقتنا ، وأن نعرف سعادتنا ، يوجد لذة ويوجد سعادة ، اللذة حسية وآنية ، وتحتاج إلى وقت ومال وصحة ، في البدايات لا يوجد مال ويوجد وقت وصحة ، في الوسط يوجد مال وصحة ولا يوجد وقت ، بالنهايات يوجد مال ووقت ولا يوجد صحة ، هذه اللذة لن تستقيم لأحد ، ولم يسمح الله للدنيا أن تمدك بسعادةٍ ، مستحيل ، بلذةٍ مؤقتة وحسية وطارئة ، أما الإيمان بالله فيمدك بالسعادة ، إذا آمنت بالله ينبغي أن تقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ، فلذلك هذا الدين أصل حياتنا ، أصل سعادتنا ، أصل سلامتنا ، أصل تفوقنا ، أصل عزتنا ، أصل انتصارنا ، فإذا ضربنا عُرض الحائط بهذه الحقائق الدقيقة دفعنا الثمن باهظاً ، فنجد الآن العالم الإسلامي الذي يملك نصف ثروات الأرض بالتمام والكمال ، ويملك ثلاثة ممرات مائية أخطر ما في الأرض وأصل التجارة الدولية نملكها ولا ننتفع بها إطلاقاً ، ونملك تاريخاً مجيداً ، ومع كل هذه الإيجابيات ليست كلمتنا هي العليا ، وليس أمرنا بيدنا ، وللطرف الآخر علينا ألف سبيلٍ وسبيلٍ ، فلا بد من عودةٍ إلى الله ، ولا بد من صلحٍ مع الله ، ولا بد من رجوعٍ إلى هذا الكتاب العظيم كلام رب العالمين : 

(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ . وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ "))

[ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ]

وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ، ولا بد من أن نطلب العلم ، فإذا أرَدت الدنيا فعليكَ بالعِلم ، وإذا أرَدت الآخرة فعليكَ بالعِلم ، وإذا أردتهُما معاً فعليكَ بالعِلم ، والعِلمُ لا يُعطيك بَعضَهُ إلا إذا أعطيتَه كُلّك ، فإذا أعطَيتَه بَعضَكَ لم يُعطِكَ شيئاً ، ويَظلُّ المرء عالِماً ما طَلَبَ العِلم ، فإذا ظَنَّ أنه قد عَلِم فقد جَهِل ، طالبُ العِلم يُؤثِرُ الآخرة على الدنيا فيربَحهُما معاً ، بينما الجاهل يُؤثِر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً . 
 

ضرورة معرفة الله وطاعته والاستقامة على أمره :


الشيء الثاني الاستقامة ، الآن الحركة ، الفكر علم ، الحركة استقامة ، ما لم تستقم على أمر الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً :  

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)  ﴾

[ سورة فصلت  ]

إلى آخر الآيات ، فلا بد من معرفة الله أصلاً من آياته الكونية والتكوينية والقرآنية ، ولا بد من طاعة الله عزَّ وجلَّ :  

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾

[ سورة الأحزاب  ]

ولا بد من أن يستقيم على أمر الله ، وأن يكون له عمل صالح يُهيئه ليوم اللقاء الأكبر يوم القيامة ، يُعِين حاضنة إيمانية ، أن يكون معك صديق مؤمن ، وإن كانت فتاة كريمة صديقة مؤمنة ، حاضنة إيمانية دليلك : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ﴾

[ سورة التوبة ]

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) ﴾

[ سورة الكهف   ]

طلب علم ، واستقامة ، وعمل صالح ، هذه أركان الدين ، علم ، فكر ، أيديولوجيا ، امتناع عن الغش والكذب والانحراف والمعاصي ، ثم عمل صالح إيجابي ، ثم أن تنعقد له مع الله الصلة :

(( الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ ، مَنْ أقَامَها فَقدْ أقَامَ الدِّينَ ، وَمنْ هَدمَها فَقَد هَدَمَ الدِّينَ   ))

[ ورد في الأثر ]

بارك الله بكم جميعاً ، وأرجو الله أن يحفظ لكم إيمانكم ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، واستقرار بلادكم . 

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور