وضع داكن
24-04-2024
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - الأردن - عمان - مركز رواد الخير : المحاضرة 75 - قواعد تربية الأولاد في الإسلام.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

تربية الأولاد أعظم عمل على الإطلاق :


بادئ ذي بدء حديث صحيح في الصحاح :

(( أنا أولُ من يفتحُ بابَ الجنَّةِ إلا أنَّ امرأةٌ تُبادِرُني ، فأقول لها : ما لَك ! ومن أنتَ ؟ فتقول : أنا امرأةٌ قعدتُ على أيتامٍ لي . ))

[ عن أبي هريرة ]

أي أعظم عمل على الإطلاق منوط بالمرأة تربية الأولاد ، لي في التعليم خمسون عاماً تقريباً ، حينما أرى شاباً نظيفاً أنيقاً أديباً مجتهداً أعتقد يقيناً أن وراء هذا الشاب أماً عظيمة ، أعظم عمل للأم التربية ، وأخطر عمل ترتكبه أن تدع التربية للخدم ، وأن تغادر البيت في النهار ، لأن الذي تملكه الأم لا يملكه إنسان على الإطلاق ، لا خادمة ولا قريبة ، الأم هي المرأة الأولى التي ينبغي أن تربي أولادها .
بالمناسبة :

﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَٰهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍۢ ۚ كُلُّ ٱمْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ(21) ﴾

[ سورة الطور ]

للتقريب : أعلى ربح تجاري 15% ، يوجد 10% ، 8% ، 6% ، وخسارة ، ولكن أعلى ربح في عملية البيع والشراء التي هي التجارة 15% ، وأعلى ربح صناعي 25% ، صنّعت وبعت ، أما الربح مع الله في تربية الأولاد مليار بالمئة ( وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) أدق ما في الآية ألحقنا بهم أعمال ذريتهم ، فتح القسطنطينية أعظم عمل في العصر الحديث ، في صحيفة أمه ، كان محمد الفاتح صغيراً ، أقنعته وهو صغير أن يفتح القسطنطينية ، أنا أرى أشياء لا تصدق ، لا يوجد إنسان عظيم إلا وراءه امرأة عظيمة ربته ( وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَٰهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شيءۢ ) .
 

قواعد تربية الأولاد في الإسلام :

 

1 ـ القدوة قبل الدعوة :


إلا أنني سأتكلم كلمة سلبية ، لكنها مؤلمة جداً ، معظم أخطاء الأولاد من آبائهم ، وأمهاتهم ، ومعلميهم ، أي إذا المعلم دخّن ، الدخان عمل عظيم ، إذا الأم ذهبت إلى بيت الجيران مع ابنتها الصغيرة ، وتأخّرت عندهم ، جاء الأب والطعام غير جاهز ، أين كنتم ؟ تقول : لم نخرج من البيت ، فالبنت الصغيرة شربت الكذب من أمها ، أكثر أخطاء أولادنا- والحقيقة مرة- 80% ، 70% من أخطاء الآباء ، والأمهات ، والمعلّمين ، والمعلّمات ، مدرسة أو معلمة طلبت منهم أن يكتبوا الدّرس عشر مرات ، بينما هي تقوم بعمل الصّوف ، فتعلّم الطّلبة من معلمتهم أن الإنسان يجب أن يضيع الوقت ، ولا يقوم بعمله ، الحقيقة أكثر أخطاء أولادنا- أنا معي اختصاص بالتربية- من الآباء والأمهات ، والمعلمين والمعلمات ، لذلك القدوة قبل الدعوة ، الأطفال يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، القدوة قبل الدعوة .
 

2 ـ الإحسان قبل البيان :


والإحسان قبل البيان ، املأ قلب من تعلمه بإحسانك يفتح لك عقله لبيانك ، الأب والأم ، لو تصورنا أباً وأماً ما تكلّما ولا كلمة توجيهية واحدة ، لكن الولد لم يرَ أباه يخلع ثيابه أمامه ، ولم يراه يتابع شيئاً على الشاشة لا يرضي الله عز وجل ، ولا رأى أباه يكذب ، لدينا أخطاء لا تعد ولا تحصى ، هي التي نلقّنها لأولادنا دون أن نشعر ، قل له : ليس هنا ، كذب عليه ، فنحن يجب أن ننتبه ، الكلمة منهج عند الابن ، الغضب منهج ، فالقدوة قبل الدعوة ، قبل أن نتكلم لم يرك ابنك وقد خلعت ثيابك أمامه ، لم يرك في غرفتك الخاصة تشاهد على الشاشة ما لا يرضي الله ، مادام لم يرَ شيئاً سلبياً فصمت الأب كافِ ، فلذلك القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، الإحسان ، املأ قلب من تدعوه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك ، الإحسان قبل البيان ، لا يوجد معلم قاسٍ لا ينتفع به طلابه إطلاقاً ، لابد من الرحمة ، هذه الحالة الدقيقة آخذها من اسم الله الأعظم :

﴿ تَبَٰرَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِى ٱلْجَلَٰلِ وَٱلْإِكْرَامِ(78) ﴾

[ سورة الرحمن ]

ذو الجلال : تعظّمه وتحبّه ، تعظّمه بقدر ما تحبّه ، وتحبّه بقدر ما تعظّمه ، يوجد آباء أو أمهات قُساة جداً ، انتهت مهمتهم ، فالابن كره أباه ، أو كره أمه ، وهناك آباء وأمهات متساهلون جداً أخفقوا في حياتهم ، البطولة أن يخافك ابنك بقدر ما يحبّك ، أو أن يحبّك بقدر ما يخافك انطلاقاً من قوله وتعالى : ( تَبَٰرَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِى ٱلْجَلَٰلِ وَٱلْإِكْرَامِ) الله مخيف ، لديه أمراض وبيلة ، وأيضاً الله رحيم ، هذه الحالة في التعبير المعاصر تسمى : مسك العصا من الوسط ، ينبغي أن يحبك بقدر ما يخافك ، أو أن يخافك بقدر ما يحبك ، أكبر تجارة مع الله على الإطلاق تربية الأولاد .
مرة كنت بأمريكا منذ خمس وعشرين سنة ، كان الحاكم كلينتون ، فقلت : لو بلغت منصباً ككلينتون ، وثروة كأوناسيس ، أغنى أغنياء أمريكا في ذاك الوقت ، وعلماً كأنشتاين ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، أنا لا أصدق بحياتي أن يسعد أب وابنه شقي ، وأن تسعد أم وابنتها شقية .
 

ضرورة معرفة أصدقاء الأولاد بدقة :


الآن يوجد ملاحظة متعلقة بعلم التربية ، هذه البنت التي أمامك ، أو الابن له عم ، له خال ، شيخ الجامع ، إمام الجامع ، أستاذ الديانة ، جمّعي كل الأشخاص الذين مهمتهم التوجيه ، النسبة 40% ، ورفيق السوء 60% ، أهم شيء في هذا اللقاء الطيب أن تعرفي أيتها الأم من صديقة ابنتك ، وأنت أيها الأب أن تعلم علم اليقين من صديق ابنك ، عمه ، وخاله ، وشيخ الجامع ، والخطيب ، والإمام ، والندوة الإسلامية على الشاشة بين عالمين جليلين ، والقرآن ، والسنة ، وكل شيء توجيهي من كلام أو كتاب أو لقاء يعادل 40% من التأثير ، وصديق السوء60% ، لذلك الأهل الواعون يعرفون بالضبط من صديق أولادهم ، أو من صديقة بناتهم ، هذه النقطة مهمة جداً ، أنا أعرف أخاً محترماً جداً في الشام ، يتعرف على أهل أصدقاء أولاده ، يقيمون كل أسبوعين أو كل شهر لقاء حتى يكون هناك تمازج وتناسب وتناقض بين هذه الأسر .
 

قانون الالتفاف والانفضاض :


إذاً : القدوة قبل الدعوة ، لو لم نتكلم أية كلمة ، ولا تحدثنا بأي كلمة توجيهية ، الأب صادق ، أمين ، عفيف ، ليس لديه أي عمل يعتذر منه ، والنصيحة الدقيقة جداً : إياك وما يعتذر منه ، هذا الأب لو لم يتكلم ، لو لم يوجه ، لو لم يلق خطبة ، لو لم يعط تنبيهاً ، استقامته دعوة ، أمانته دعوة ، اعتزازه بدينه دعوة ، القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، البطش ، دققوا بهذا القانون :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ(159) ﴾

[ سورة آل عمران ]

أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم ( فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) أنت أنت ، سيد الخلق ، وحبيب الحق ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ) القدوة قبل الدعوة والإحسان قبل البيان ، الإحسان ، أي الإنسان تملك قلبه بإحسانك ، أي كلمة طيبة ، هدية من حين لآخر ، أعرف إنساناً تزوج امرأة غير ملتزمة ، لأنه لم يكن ملتزماً ، الله عز وجل هداه إليه ، فلم يتحمّل أن تكون زوجته غير محجبة ، أو غير منضبطة بثيابها ، فأخذ رأيي بتطليقها ، فقلت له : أبداً ، أنت خطبتها ، وكانت تعجبك على تفلّتها ، فإن هداك الله والله صبر عليك فاصبر عليها ، علّمته أهمية بالإحسان ، عاملها بالإحسان ستة أشهر ، فقال لي : والله بيوم من الأيام فاجأتني بوضعها للمنديل عند ذهابنا لزيارة أهلي ، املأ قلبه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك ، بالعنف ، كنا في الجامعة قد درسنا كتاباً لفرانز فانول من أضخم الكتب يقارب ثمانمئة صفحة ، هذا الكتاب ملخصه : العنف لا يلد إلا العنف ، أسوأ طريق هو طريق العنف ، أقنِعْ ولا تقمعْ ، يوجد أساليب تقليدية ثبت إخفاقها كلياً ، بالحوار ، علّم ابنك الحوار ، أعرف شخصاً من نظام بيته أنه يوجد وجبة طعام ثابتة ، يحضرها كل أفراد العائلة ، كانت الساعة الثانية ظهراً ، الابن يقول لأبيه ما قال المعلم ، ما رأيه بما قاله المعلم ، الحوار ، الحوار حضارة ، المناقشة لها معنى سلبي ، أما الحوار فله معنى إيجابي ، الحوار القصد منه الحقيقة ، فأنا أحياناً أتخلى عن فكرتي ما دام الحق مع الطرف الآخر ، أمّا النقاش إثبات شخصية ، أنا متمسّك بفكرتي تعصّباً لا قناعة ، أما الحوار الأصل هو الحقيقة ، فإن كان هناك حوار في البيت ، إذا اقتطع الأب من وقته وقتاً يومياً ، فلابد من وقت يومي ، فالقدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، املأ قلب من تدعوه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك ، العنف لا يلد إلا العنف ، خاطب الله النبي ، قال له : ( فَبِمَا ) هنا الباء للسبب ( فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ) وأنت أنت ، وأنت سيد الخلق وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) أي الآية دقيقة جداَ ، أنت تتصل بالله لتشتق منه الرحمة (فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ ) أي بسبب رحمة من الله ، من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم ، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك وأحبوك ، هل يوجد أب لا يتمنى أن يكون أولاده حوله يحبونه ويفدونه بأرواحهم ؟ وهل يوجد أم لا تتمنى أن يكون أولادها وبناتها في خدمتها وتحت أرجلها دائماً ؟ ( فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ) وأنت أنت يا محمد ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ في ٱلْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ) .
أريد أن أقول كلمة دقيقة ، منذ عشر سنوات لا يوجد خبر سار إطلاقاً ، ومع ذلك إن كانت الحلقة الأولى أي الأب والأم والأولاد والبنات والأحفاد ، والكنائن والأصهار ، أب وأم ، الأولاد جلبوا لهما الكنائن ، والبنات جلبوا لهما الأصهار ، ومصدر ثالث الأحفاد ذكوراً وإناثاً ، هذه الأسرة إن كانت ناجحة في حياتها تخفّ كل الأخبار السلبية الكبيرة ، أهم شيء نجاح الحلقة الأولى ، يوجد أخبار مؤلمة جداً ، مادامت الحلقة الأولى في تناغم ، في تعاون ، في محبة ، في تعاون ، تخفّ علينا كل السلبيات الخارجية ( فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ) ، وأنت أنت ، (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ في ٱلْأَمْرِ) .

 3 ـ الأصول قبل الفروع :


القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، الأصول قبل الفروع ، أذكر أن الإمام محمد عبده إنسان فرنسي أسلم على يد شيخ أزهري ، أبقاه في أحكام المياه لستة أشهر ، حتى خرج هذا الفرنسي من دينه ، وترك الإسلام ، التقى مع الإمام محمد عبده فقال له : الماء الذي تشربه توضأ منه ، نحن بحاجة في هذا الدين إلى تبسيط وعقل يطبق ، أما هذه الكتب الواسعة جداً في الفقه فهذه لعصر آخر ، تبسيط وعقلنة وربط الدين بالعقل ، العقل جهاز خلقه الله فينا ، وعندما لا يهمك تواصل العقل مع النقل فأنت ارتكبت جريمة بحق الدعوة ، العقل خلقه الله ، وله مبادئ هي مبدأ السببية والغائية وعدم التناقض ، والنقل : الوحي ، وحي السماء ، فالتطابق حتمي ، إن وجدت عدم تطابق يكون النقل غير صحيح ، أو يكون الحديث ضعيفاً ، أو العقل غير صريح ، العقل والنقل ، أذكر مرة - أحب أن أقولها لأخواتنا الكريمات- دائرة تتقاطع فيها خمسة خطوط ، خط النقل الصحيح ، يوجد نقل غير صحيح ، يوجد حديث موضوع ، يوجد قصة تالفة ، غير صحيحة ، النقل الصحيح ، والعقل الصريح ، يوجد عقل تبريري ، وعقل وصولي ، وعقل موضوعي ، عندما فتح البريطانيون العراق واحتلوها قالوا : جئنا من أجل الحرية ، هم كاذبون ، قال بريمر : جئنا من أجل البترول ، لدينا نقل صحيح ، وعقل صريح ، وفطرة سليمة ، ما الفطرة ؟ مقياس نفسي ، ليس بمقياس مادي ، هناك شخص دخل لبيته في الساعة الواحدة ، فقالت له والدته : أريد هذا الدواء رضي الله عنك ، فقال لها : كل الصيدليات مغلقة يا أمي ، فسكتت الأم ، لكنه يعلم ضمنياً أنه يوجد خمس صيدليات مناوبة ، ومعه سيارة ، فهذا لن ينام مرتاح الضمير ، من يعاقبه ؟ الفطرة . لو فرضنا جدلاً أنه ركب سيارته وذهب للصيدليات الخمسة ولم يجد الدواء لأنه مفقود ، في الحالتين الدواء لم تأخذه أمه ، لكن في الحالة الثانية ينام مرتاح الضمير ، هذه الفطرة .
 

4 ـ مخاطبة العقل والقلب :


إذاً القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، ومخاطبة القلب والعقل معاً :

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ(6) ﴾

[ سورة الانفطار ]

خاطب عقله . قال تعالى :

﴿ ٱلَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ(7) ﴾

[ سورة الانفطار ]

الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، يجب أن تخاطب عقله بالعلم الصحيح ، الدقيق ، الضروري ، وتخاطب قلبه بالحب الذي يسمو به ، وأن تخاطب جسمه بالطعام والشراب ، الذي أشتُرِي بمال حلال ، فإذا غذّيت عقله بالعلم ، وقلبه بالحب ، وجسمه بالطعام والشراب ، تفوّق وتألّق ، أما إذا اكتفيت بواحدة فتطرّف ، والتّطرّف نوعان ؛ تفلُّتي وتشدّدي ، التشددي كبعض المتطرفين : التكفير والتفجير ، والتفلُّتي الإباحية .
 

5 ـ المضامين لا العناوين :

 
لذلك لابد من القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، ومخاطبة القلب والعقل معاً ، والمضامين لا العناوين ، لا تؤخذ بالعناوين البراقة ، نريد المضامين العميقة ، أنت اعتنِ بالمضامين لا العناوين ، والمبادئ لا الأشخاص ، نحن نعرف الرجال بالحق ، ولا نعرف الحق بالرجال ، الأصل الحق ، من تمسك بالحق تحترمه ، أما إنسان مشهور جداً تكلم بالباطل ومعه شهرة كبيرة ، تكلم بخلاف الكتاب والسنة ، هل هو محترم؟ لا ، الأصل عندي الكتاب والسنة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( تركتُ فيكم أمرينِ ؛ لن تَضلُّوا ما إن تمسَّكتُم بهما  : كتابَ اللَّهِ وسُنَّتي   ، ولن يتفَرَّقا حتَّى يرِدا عليَّ الحوضَ))

[ الألباني ]

القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، ومخاطبة القلب والعقل معاً ، والمضامين لا العناوين .

 6 ـ التطرف لا الطفرة :


يوجد التطرف لا الطفرة ، القرآن بين أيديكم :

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰٓ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا(43) ﴾

[ سورة النساء ]

ما هذا الكلام ! قرآن ! بحسب النص لك أن تسكر بين الصلاتين ؟ لا ، هذه الآية منفي تطبيقها ، لكن الله أبقاها في الكتاب ليعلمنا التدرج مع الأولاد ، مع من هم دونك ، في الدعوة تدرّج ، لا تلقِ بكل الثقل دفعة واحدة

﴿ ( لَا تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَٰرَىٰ ) ﴾

أي في مرحلة ما كان ممنوع على المسلم أن يسكر قبل الصلاة ، بينما بينهما لا مانع ، طبعاً الآية نُسخت ، لكن بقاءها يعلمنا التدرُّج مع الطفل ، لذلك هذه الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق .
 

الحكمة أعظم صفة بالإنسان :


العناوين الأساسية : القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، والمضامين لا العناوين ، والتدرّج لا الطّفرة ، ومخاطبة القلب والعقل معاً ، فالداعية عنده حكمة ، عنده رحمة ( فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ) عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم :

(( الرَّاحمون يرحَمُهمُ الرحمنُ ، ارحموا أهلَ الأرضِ يرحمْكم مَن في السماءِ ))

[ رواه أبو داود والترمذي وأحمد ]

هناك أحياناً سؤال قوي ، لا تكن عنيفاً ، احتوِ الموضوع ، الذكاء والبطولة استيعاب الطفل أو الشاب ، أو شابة عندها توتر غير طبيعي من الدين ، ينبغي أن نستوعبها لا أن نطردها ، ينبغي أن نستوعب الذي يتهجم على الدين لا أن نطرده ، أنت الأصل أن تستوعبه ، لذلك الحكمة أعظم صفة بالإنسان ، لم يقل الله : ومن يكن حكيماً ، لم يقل : ومن يأخذ الحكمة ، قال :

﴿  يُؤْتِى ٱلْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ ٱلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ(269) ﴾

[ سورة البقرة ]

أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً ، بالحكمة تسعد بأي زوجة ، من دون حكمة تشقى بأحسن زوجة ، بالحكمة تسعدين بأي زوج ، بلا حكمة تشقين بأهم زوج ، أكبر عطاء إلهي الحكمة ، الحكمة لا تكون ولا تؤخذ ، وَمَن يُؤْتَ ، أي أكبر مكافأة من الله عز وجل أن يؤتي الحكمة ، تجعل الصديق عدواً بالحُمق ، وبالحكمة العدو صديقاً ، بالحكمة تسعد بزوجتك من دون تفاصيل ، وبالحكمة تسعدين بزوجك من دون تفاصيل ، وبلا حكمة لا ترى إلا العيوب والسّلبيات ، وتتعامى عن الإيجابيات ، وهو أيضاً لا يرى إلا العيوب ، هذه مشكلة ، فنحن نريد سعادة منزلية ، هذا البيت الدائرة الأولى ، الخلية الأولى ، فيه سعادة ، فيه تفاهم ، فيه تراحم ، فيه واقعية ، لا يوجد فيه عنف أبداً ، هذا بيت ناجح ، ونجاح البيت يخفف إحباطات لا تعد ولا تحصى نأخذها من الإعلام ، عشر سنوات لا يوجد خبر سار ، لا يوجد خبر مشجع ، ومع ذلك أول دائرة الأسرة إن كانت متفاهمة ، متعاونة ، سعيدة ، تخفف سلبيات الأخبار من عشرة إلى واحد .
 جعل الله بيوتنا عامرة بالإيمان ، وعامرة بالواحد الديان ، بخالق الأكوان ، عامرة بالصلوات .
لي كلمة أخيرة : هذه الشاشة الكبيرة وشاشة الآيباد والهاتف إن لم ينضبطوا لا يوجد في البيت توبة إطلاقاً .
 حفظ الله إيمانكم جميعاً ، وأهلكم ، ومن يلوذ بكم ، وصحتكم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور