بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا عِلم لنا إلا ما علّمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم.
تفسير القرآن يحتاج إلى إطلاع على معظم التفاسير فالقرآن حمَّال أوجه:
العُكبري في كتابٍ ألَّفه قال: "تُؤخذ ألفاظه من حُفّاظه وتُؤخذ معانيه ممن يُعانيه"، يقول العُكبري في بعض كُتبه حول التفسير" تُؤخذ ألفاظ القرآن من حُفّاظِه، وتُؤخذ معانيه ممن يُعانيه" يعني أي مؤمن يتحرك وفق منهج الله، له علاقةٌ طيبةٌ بالله عز وجل، هذا يتحدث عن مشاعر يشعر بها، وعن حقائق يؤمن بها، وعن نور بين يديه، فحينما تُفسّر القرآن، وهناك تجارب عديدة جداً في العلاقة مع الله، هذه تُضفي على التفسير حيويةً وأثراً، لذلك حينما قال الله عز وجل:
﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (39 )﴾
فالإنسان لا يملك أن يُحبَّه الناس، لكن الله عز وجل هو الذي يدفع الناس إلى أن يُقبلوا على هذا الكلام أو ذاك الكلام، فلذلك التفسير يحتاج إلى إطلاع أولاً، لا بُدَّ من أن تتطلع على معظم التفاسير كي تبني على قاعدة صُلبة، وبعد ذلك هناك معاني قد تخطر في بالك والقرآن حمَّال أوجه، و الله عز وجل يتفضل على بعض عباده بأن يفتح لهم باباً في فهم بعض الآيات وهذا من فضل الله عز وجل، والقرآن كما قلت حمَّال أوجه ولا يستطيع أحد أن يحتكر تفسير القرآن الكريم، هذا كتاب الله عز وجل، لكن أنا لي تعليق بسيط، الله عز وجل حينما قال:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾
الآية تؤكد أنه ليس على وجه الأرض إنسان أقرب إلى الله وأفضل عند الله ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً، والنبي هو الداعية الأول:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46) ﴾
إنني أعتقد أنَّ الدُعاة إلى الله ما لم يتَّبعوا منهج النبي في الدعوة لن يُفلحوا، النبيُّ له سُنَّة، قالوا أقواله، وأفعاله، وإقراره، وصفاته، لكن له سُنَّةٌ دعويّة، كيف دعا إلى الله عز وجل؟ هذه السُنَّة الدعويّة لو استنبطناها من دعوته وجعلناها منهجاً للدُعاة، عندئذٍ يُفلح الداعية إذا اتبع النبي الكريم في منهجه الدعويّ، هذا منهج دعويّ لذلك (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .
الدعوة إما دعوة إلى الله أو دعوة إلى الذات:
الدعوة إلى الله أنا أراها دعوتان، دعوةٌ إلى الله خالصة، وقد تكون لا سمح الله دعوةً إلى الذات مُغلَّفة بدعوة إلى الله.
خصائص الدعوتين، الدعوة إلى الله الخالصة أساسها الإتباع، والدعوة إلى الذات أساسها الابتداع، تبتدع لتوهم الناس أنك مُتميز، الدعوة إلى الله الخالصة أساسها التعاون، بينما الدعوة إلى الذات أساسها التنافس، فالذي يتعاون مع إخوانه الدُعاة، ويُشكل الدُعاة بمجموعهم فريق عمل هذا فريق العمل يُعد من أرقى التطورات الحديثة، يعني نحن لدينا مفهوم فريق العمل، مفهوم واحد أو لا شيء، يعني العشرة يصبحوا واحد كل واحد يُحطّم الآخر، في المجتمع المُتخلّف هناك تنافس، في المجتمع المتقدِّم الإسلامي هناك تعاون، فأنا أقول علامة إخلاص الداعية التعاون مع إخوانه، وإذا اعتبرنا أنه المعلومات التي عند كل داعية هي القاسم المشترك بين كل الدُعاة، كل داعية أكرمه الله بتفوّق في جانب من جوانب الدين، فإذا اعتبرنا أنَّ كل داعية بمجموع معلوماته الدقيقة أخذ الوضع الوسطي وله توفيق في المجال الفلاني، هذا في الإعجاز، هذا في التفسير، هذا في الحديث، هذا في الدعوة، هذا في التسليك إن صحَّ التعبير، فهناك قاسم مشترك بين الدُعاة، وهناك تميُّز يتميز به كل داعية، فإذا تعاوّنا فيما بيننا كل واحد سأل الآخر فيما تفوّق به تكون هذه الحقائق والخبرات بين أيدي الجميع، أما إذا تنافسنا يوجد مشكلة كبيرة.
فالدعوة إلى الله الخالصة أساسها الإتباع، والدعوة إلى الذات أساسها الابتداع، والدعوة إلى الله الخالصة أساسها التعاون، التعاون أمر إلهي:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) ﴾
والآن التعاون حضارة، والدعوة إلى الذات أساسها التنافس، الآن الدعوة إلى الله الخالصة أساسها الاعتراف بالآخر، كما أنك داعية بكل خليةٍ في جسمك تعتقد أنَّك داعية، ويوجد دُعاة آخرون مُخلصون ومُتفوقون، فأساسها الاعتراف بالآخر، والدعوة إلى الذات أساسها إلغاء الآخر والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزِدنا عِلماً، وأرِنا الحقَّ حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الملف مدقق