بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
سيدنا علي يقول: " قوام الدين والدُنيا أربعة رجال، عالمٌ مستعملٌ علمه" الحقيقة أنَّ الناس يتعاملون مع المهندس ولا ينتبهون إلى استقامته، يهمهم علمه فقط، والطبيب كذلك والمحامي، إلا أنَّ رجل الدين لا يقبلونه إلا مستقيماً، إن لم يكن هناك تطابق بين أقواله وأفعاله هناك مشكلة، لأنه هذا قدوة، كلامه جيد، لكن يريدون إنسان يُطبّق، أذكر مرة كان عندي درس تفسير ويوجد قسم للنساء ولي بنت صغيرة سألتها إحداهن و كان الدرس عن العلاقات الزوجية قالت لها:هل والدك كما يتكلم؟ الناس مع رجل الدين يهمهم استقامته، ويؤثر وهذه الآن تسمى مِصداقيّة.
لذلك قوام الدين والدُنيا أربعة رجال الأول: عالمٌ مستعملٌ علمه، لأنَّ الجماد شيء له وزن وحجم وطول وعرض وارتفاع، النبات يزيد عليه بالنمو، والحيوان يزيد عليهما بالحركة، والإنسان يزيد على كل ذلك بالعقل، أعطاه قوةً إدراكية، الإنسان بهذه القوة الإدراكيّة زاد على كل المخلوقات، هذه القوة الإدراكيّة تُلبى بطلب العِلم، لو الإنسان عَزَف عن طلب العِلم ما مصيره؟
أوصاف القرآن لمن ابتعد عن الدين:
بالقرآن الكريم:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾
نبضه ثمانين، ضغطه ثمانية على اثنا عشر، لكن عند الله ميت! الصحة درجة أولى (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) .
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4) ﴾
جماد.
ثالثاً:
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) ﴾
الرابعة:
لا سمح الله
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) ﴾
هذه أوصاف القرآن لمن ابتعد عن هذا الدين.
الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء :
لذلك خِيارنا مع الدين لا خِيار وردة حمراء نُزيّن بها صدورنا، خِيار هواء نستنشقه فإن لم نفعل فقدنا حياتنا، يسمونه هذا الدين مصيري، الإنسان قد يعيش حياة متوسطة دخل الجنّة، لذلك الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، فالغني قد يستمتع بالمال، والقوي بالقوة، والوسيم بالوسامة، لكن التوزيع الحقيقي توزيع الآخرة، الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء:
﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ﴾
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) ﴾
بتعبير آخر، علِّة وجودنا الوحيدة في الدنيا الابتلاء، كأن يرسل أحدنا ابنه إلى مكان ليدرس الدكتوراه في باريس مثلاً، هذا الشاب في باريس عِلّة وجوده في باريس الدراسة، قد يأكل في مطعم، يشتري كتاب، في حديقة لكن عِلّة وجوده الدراسة، الإنسان ما لم يعلم عِلّة وجوده عنده مشكلة كبيرة، أنا فيما أرى من نصوص عِلّة وجودنا الوحيدة العمل الصالح، الدليل:
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
العمل الصالح يُقيّمنا،
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) ﴾
شيء ثالث العمل الصالح سُميَّ صالحاً لأنَّه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله الإخلاص، وصواباً ما وافق السُنَّة.
القوي خياراته في العمل الصالح لا تُعد ولا تُحصى:
فلذلك" قوام الدين والدُنيا أربعة رجال:عالم مستعملٌ علمه، ثانياً والثاني من أركان الدنيا، وجاهلٌ لا يستنكف أن يتعلّم، وغنيٌ لا يبخل بماله، أنا فيما أرى إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله، يجب أن تكون قوياً لماذا؟ لأنَّ عِلّة وجودنا في الدنيا العمل الصالح، والقوي خياراته في العمل الصالح لا تُعدُّ ولا تُحصى، هو بجرة قلم، ما القوة؟ قوة مال، قوة عِلم، قوة منصب، فالإنسان بالعِلم يُعلِّم:
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) ﴾
العجيب لهم مئات الصفات، اكتفى القرآن بواحدة (وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) فإذا خشيَّ العالم غير الله سكت عن الحقّ خوفاً وتكلّم بالباطل تَملُّقاً انتهت دعوته! صفة واحدة سمّاها العلماء هذه صفةٌ جامعةٌ مانعة، بل قالوا هذه الصفة مترابطة مع الموصوف ترابط وجودي، يعني سيارة إذا لا يوجد بها محرك لا تكون سيارة، ألغيت سيرها، إذاً هذه الصفة مُترابطة مع الموصوف ترابط وجودي.
إذاً قوام الدين والدُنيا أربعة رجال: عالمٌ مستعملٌ عِلمه، وجاهلٌ لا يستنكف أن يتعلّم، ثالثاً وغنيٌ لا يبخل بماله، أنا أقول ما جعل الله القوي قوياً إلا ليصل بماله إلى أعلى درجات الجنَّة، وما جعل الله الغنيَّ غنياً، والعالِم عالِماً، هذه مراكز القوة، القوة قوة عِلم، قوة منصب، قوة مال، هذه القوة ما أُعطيت لإنسان إلا لتكون وسيلته إلى الجنّة.
مرة كنت في المغرب ركبت طائرة والطيار تلميذي، جلست عنده في كرسي ثالث دخلنا إلى سوريا من طرابلس، والله بهذه العين رأيت طرطوس وصيدا، رأيت خمسمائة كيلو متر على ارتفاع اثني عشر ألف متر، تعلّمت درس كلّما علا مقام الإنسان تتسع رؤيته، وأضفت لها وتتسع عاطفته، الأنبياء إنسانيون، وقف لجنازة النبي الكريم، قالوا له همساً: ليس مسلماً، قال: أليس إنساناً؟! يوجد إنسان قد ينتمي لذاته هذا أسوأ إنسان، قد يأكل أطيب طعام في المطعم وبيته لا يوجد به طعام! يوجد إنسان لأسرته، إنسان لعائلته، إنسان لمدينته، إنسان لقبيلته، إنسان لمجتمعه، إنسان لبلده، إنسان للأمة، النبي للإنسانية كلها، كلما اتسعت دائرة الانتماء ارتقى الإنسان عند الله عز وجل.
وغنيٌّ لا يبخل بماله، لمّا الغني يتصور أنَّ المال حتى يترف، حتى يبذل الجهد، الذي يقع والله أعرف أُناس والله تركوا أموال طائلة وأولادهم، سألوا أحد الأبناء إلى أين أنت ذاهب؟ ذهب لمعصية على روح والده! فهذا المال حينما يُنفق في غير طاعة الله يتحمل الثمن، فهذا المال ينقلنا إلى موضوع دقيق، ما هو الرزق وما هو المال وما هو الكسب؟ الرزق ما انتفعت به، ليس لك إلا ما أكلت فأفنيت، لبست فأبليت، تصدّقت فأبقيت.
(( أَتَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهو يَقْرَأُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ، قالَ: يقولُ ابنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قالَ: وَهلْ لَكَ - يا ابْنَ آدَمَ- مِن مَالِكَ إلَّا ما أَكَلْتَ فأفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فأبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ؟! ))
يعني هؤلاء الثلاثة الرزق، ثانياً ليس لهما أثر مستقبلي، الثالثة هذه وحدها العمل الصالح أبقيت، واحد مثل بيل غيتس معه تسعة وثمانين مليار هذا كسب، مشكلة الكسب أنك تُحاسب عليه ولم تنتفع به.
لذلك قوام الدين والدُنيا أربعة رجال: عالِم مستعمل عِلمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلّم، وغنيٌ لا يبخل بماله، والرابعة وفقيرٌ لا يبيع آخرته بدنيا غيره، أندم إنسان من باع الآخرة لا بدنياه بل بدنيا غيره، أرجو الله أن يحفظنا جميعاً من هذا.
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزِدنا عِلماً، وأرِنا الحقَّ حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الملف مدقق