الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، أيها الإخوة الأحباب، أشكر للقائمين على هذا الصَّرح التعليمي الكبير دعوتهم الكريمة التي إن دلّت على شيء فعلى حُسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم، والجامعة مؤنثٌ لفظيٌّ باللغة، والجامع مذكّرٌ لفظي، وفي الإسلام والقرآن:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) ﴾
بمعنى أن تستقي الجامعات في البلاد الإسلامية مناهجها من وحي السماء، لا من وحي الأرض، مصطلحان: يوجد وحي الأرض، ويوجد وحي السماء، وحي الارض: مصالح وشهوات في العالم كله الآن، وحي السماء: مبادئ وقربات.
فالبطولة أن نستقي مناهجنا، وقناعاتنا وثقافتنا من وحي السماء، من عند الخالق.
لذلك الشيء الدقيق جداً أن تستمد الجامعة في البلاد الإسلامية أصول مناهجها من وحي السماء حيث المبادئ والقِيَم، لا من وحي الأرض حيث المصالح والشهوات.
الإسلام يجعل المسلم إنساناً متميزاً:
الإسلام يجعل المسلم إنساناً متميزاً، للتقريب: يوجد في الطيران درجة (اقتصادي، عمل، درجة أولى) إنسان متميّز يرى ما لا يراه الآخرون، يشعر بما لا يشعرون، يتمتع بوعيٍ عميقٍ، وإدراكٍ دقيقٍ، له قلبٌ كبيرٌ، وعزْمٌ متينٌ، وإرادةٌ صُلْبةٌ، هدفه أكبر من حاجاته، رسالته أسما من رغباته، يملك نفسه ولا تملكه، يقود هواه ولا ينقاد له، تحكمه القِيَم ويحتكم إليها من دون أن يُسخِّرها أو أن يسخر منها، سما حتى اشْرأبَّت إليه الأعناق، وصفا حتى مالت إليه النفوس، أمّا حينما ينقطع الإنسان عن ربه -كلام دقيق- وينقاد إلى هوى نفسه، أو حينما ينقاد إلى هوى نفسه فينقطع عن ربه، متعاكستان، فعندئذٍ تفسُد علاقته بعقله، فيعطّله أو يرفض نموّه وتطوُّره، أو يُسيء في أعماله؛ فيسخّر عمله لأغراضٍ رخيصةٍ دنيئةٍ، عندها يكون الجهل والتجهيل، والكذب والتزوير، وتفسد علاقته بنفسه فتسفُل أهدافه، وتنحط ميوله، ويُبيح لنفسه أكثر الوسائل قذارةً لأشدِّ الأهداف انحطاطاً، عندها تكون أزمة الأخلاق المُدمِّرة التي تسبِّب الشقاء الإنسانيّ، وتفسد علاقة الإنسان بأخيه، فتكون الغَلَبة لصاحب القوة لا لصاحب الحق، وعندها تعيش الأمة أزمةً حضاريةً تُعيق تقدُّمها - سامحوني بقناعتي أحياناً أنّ الحقيقة المرّة أفضل ألف مرّة من الوهم المريح- تعيق تقدُّمها، وتقوِّض دعائمها، هل يُعقَل أن تكون شخصية المؤمن الفذَّة التي تجمع بين رجاحة العقل وسموّ النفس، هل يُعقَل أن تكون هذه الشخصية مُركّبةً على جسدٍ عليلٍ سقيمٍ؟ كلا.
النجاح أحادي والفلاح شمولي:
يعني النجاح أُحادي، والفلاح متعدّد، قد تنجح في البقاء بمنصب كرئيس وزراء اليابان الذي ظل 70 سنة في منصبه، قد تنجح بجمع ثروة كبيرة جداً، أبل 700 مليار، النجاح أحادي، وهذا النجاح الأحادي ينتهي بالموت، أما الفلاح –دققوا- شُمولي، أن تنجح مع الله معرفة وإيماناً وطاعةً وإقبالاً وتودداً وعملاً صالحاً، أن تنجح مع نفسك، أن تُعرِّفها بالله، بآياته العظمى، بصفاته الفُضلى، أن تنجح في اختيار زوجتك، أن تنجح في تربية أولادك، مجموع النجاحات أن تنجح في اختيار حرفتك، أن تنجح في التعامل بداخلها، فأنت معك النجاح الأحادي، والآن المقياس النجاح فقط، بيلغيتس 93 مليار، أبل 700 مليار، هذا نجاح، أما الفلاح شمولي، أن تنجح مع الله معرفةً وطاعةً وإقبالاً، وأن تنجح مع نفسك وفي بيتك وفي عملك، هذا اسمه فلاح، ولم ترد كلمة نجاح إطلاقاً في القرآن، بل ورد مكانها:
﴿ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) ﴾
لذلك إن صحة الجسد مُرتكَزٌ لسلامة النفس وسموها، ومُنطلَقٌ لصحة العقل وتفوّقه، فالله -سبحانه وتعالى- جعل صحة الجسد وقوته، ورجاحة العقل واستنارته علة الاصطفاء، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)﴾
وقد بيّن لنا المولى جل جلاله أن القوة والأمانة، وبلغة العصر: الكفاءة والإخلاص، القوة والأمانة يقابلها الآن الكفاءة والإخلاص:
﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) ﴾
إذاً: الكفاءة والإخلاص هما المقياسان الصحيحان اللذان نقيس بهما الأشخاص حينما نقلّدهم بعض المناصب والأعمال ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ والنبي الكريم ذكر أن المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف:
(( الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَان. ))
[ صحيح مسلم عن أبي هريرة ]
لكن النبي جبار خواطر فقال: (وفي كُلٍّ خَيْرٌ) لماذا؟ لأن علة وجودك في الدنيا العمل الصالح:
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
علة وجودك، سبب وجودك، غاية وجودك العمل الصالح، لذلك الإنسان يقول: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾ .
إذاً: نقطة دقيقة جداً، يعني بعد الإيمان بالله واليوم الآخر أعظم شيء العمل الصالح، يعني حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، ولمَ سُمِّي العمل صالحاً؟ لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً: ما ابتغي به وجه الله، وصواباً: ما وافق السنة، من الآخر.
أساس القوة قوة العلم والمال والمنصب:
لذلك: المؤمن القوي، القوة كم نوع؟ هناك قوة المنصب، والمال، والعلم، أساس القوة: قوة علم، قوة مال، قوة موقف، يعني أعرف إنساناً ببلد عربي فيه أزمة زواج كبيرة جداً، وعنوسة بالغة جداً، وهو ميسور الحال، أنشأ عدة أبنية، كل بناء عشر طوابق، وكل طابق ست شقق، وأي إنسان يحضر حُسن سلوك من عالمٍ رباني يعطيه شقة لخمس سنوات، كم بنت تزوجت؟ سأقول لكم كلمة ولكنها مؤلمة جداً: أكبر مشكلتين الآن: العنوسة والبطالة، والعنوسة من لوازم البطالة، فكل إنسان يسمح للمال أن يلد المال بشكل غير مشروع أخطأ خطأً كبيراً، أما الأصل أن الأعمال تلد المال، بأي مجتمع الأعمال تلد المال، أعرف شركة فرنسية عندها تقريباً أكثر من 50 ألف عاملاً يأكلون، أما إذا سُمح للمال أن يلد المال هناك مشكلة كبيرة، تتجمع الأموال في أيدٍ قليلة يُحرم منها الكَثرة الكثيرة، لذلك المؤمن القوي ما قال النبي الإنسان القوي، الإنسان القوي قد يكون مخيفاً، قد يستخدم قوته لإذلال الآخرين، أو لأخذ ثرواتهم، أو لتفريق جمعهم، أما البطولة (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)، لكن النبي جبّار خواطر فقال: (وفي كُلٍّ خَيْرٌ) يعني القوة إذا أُضيفت إلى الإيمان تصنع المعجزات الخيِّرات، مرة ثانية: (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وفي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَان) .
لكن إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً؛ لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تُعدّ ولا تُحصى، ولأن علّة وجودك في الدنيا العمل الصالح، الدليل: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾ .
علة وجودك، سبب وجودك، غاية وجودك، مؤدّى وجودك، فالقوي خياراته في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، أحياناً بجرة قلم يحِقُّ حقاً كمنصب، بالمال: يؤمِّن زواج الفتيات اللواتي يحتجن إلى زواج، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، مليون طريق إلى الله، وأنت علّة وجودك الوحيدة العمل الصالح، الدليل -لا تقبل شيئاً بالدين بلا دليل- يقول: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾ .
لذلك: ورد بالآثار:
(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))
[ رواه البخاري والترمذي ]
آمن، ليس عليه مُذكرة بحْثٍ، ثلاث نقاط: (آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) الإمام علي رضي الله عنه يقول: "جُعِل من المرض مصيبة أشد من الفقر وأهون من الكفر، وجُعل من الصحة نعمة أفضل من الغنى وأقل من الإيمان، فقال: "ألا وإنّ من البلاء الفاقة، وأشدّ من الفاقة مرض البدن، وأشدّ من مرض البدن مرض القلب، ألا وإنّ من النِّعَم سَعَة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب" .
لذلك سندخل بموضوع يعني نحن في جامعة وفي طبابة وإلى آخره: الطب في الإسلام: طب طبيعي، وطب نفسي، وطب وقائي، وطب علاجي، أربعة أنواع.
فالطب الطبيعي: بذْلُ الجُهْد صحةً وسلامةً: بذل الجهد رياضة، المشي رياضة، الحركة رياضة، هذا الجسم له قوانين، فإن أخذت بها سعدت به إلى آخر الحياة.
إذاً: الطب الطبيعي: بذل الجهد صحة وسلامة: يعني الصحابة الكرام مع النبي الكريم في معركة يوجد ألف صحابي و300 راحلة، أعطى أمراً: كل ثلاثة على راحلة، أمر نبوي، طبعاً هو رسول الله، نبي الأمة، زعيم الأمة، قائد الجيش، قائد المعركة، كل ثلاثة على راحلة، قال: وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، ساوى نفسه مع أقل جندي، فركب الناقة، فلما انتهت نوبته في الركوب توسّل صاحباه أن يبقى راكباً قال:
(( عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا في غزوة بدر، كل ثلاثة منا على بعير، كان علي وأبو لبابة زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان عقبة النبي صلى الله عليه وسلم، قالا: اركب يا رسول الله، حتى نمشي عنك، فيقول: " ما أنتما بأقوى على المشي مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما " ))
فكل أب، كل منصب قيادي، الأب قيادي، مدير دائرة، لمّا تعامل من حولك معاملة طيبة ملكت قلوبهم، نجح العمل، الآن يُسمّى "إدارة أعمال" هذا اختصاص راقٍ جداً الآن، أن تحسن إعطاء الإنسان حقه، والأخذ بكل إمكاناته، بالبلاد المتقدمة صناعياً أخذوا بهذا.
أذكر مرة كنت بأمريكا هناك إنسان مظهره الديني صارخ، يصمم أرقى ماركة سيارات لبعد خمس سنوات، فهناك مقياس موضوعي، ومقياس انتمائي، حينما نعتمد مقياساً موضوعياً نرقى ونتقدم، أما إذا اعتمدنا مقياساً انتمائياً نضعف ونتخلف.
لذلك من الطب الطبيعي أن شخصية المسلم مرتكزة على العطاء، لا على الأخذ: يوجد بالعالم الآن: أقوياء وأنبياء، الأقوياء: ملكوا الرقاب، والأنبياء: ملكوا القلوب، الأقوياء: عاش الناس لهم، الأنبياء: عاشوا للناس، الأقوياء: يُمدحون في حضرتهم، الأنبياء في غيبتهم، لذلك البطولة أن تكون من أتباع الأنبياء، وإذا كنت قوياً تخلّق بأخلاق الأنبياء.
في بعض المؤتمرات الطبية التي عُقدت للبحث في أمراض القلب اتفق المؤتمِرون على أنّ صحة القلب في بذْل الجُهد، وراحة النفس، وأنّ طبيعة العصر الحديث تقتضي الكسل العضلي، لا يستطيع أن يفتح نافذة السيارة، يريده أوتوماتيكياً يفتح لوحده، كل شيء حديث ألغى الحركة، وكل أمراضنا من عدم الحركة، والحركة بركة.
إذاً طبيعة العصر الحديث تقتضي الكسل العضلي، والتوتر النفسي، وهما وراء تفاقم أمراض القلب في معظم البلدان المتقدمة تقدُّماً مادياً، راحة زائدة، وقلق دائم، أجدادنا: تعب عضلي، وراحة نفسية، أما عصرنا: راحة جسمية، وآلام نفسية.
لذلك: إن بذل الجهد في حدّ ذاته صحة للقلب والأوعية، وصحة للعضلات والأجهزة، وقد كان النبي –صلوات الله عليه- قدوةً لنا في هذا المضمار، فقد وجد في بعض الغزوات أن عدد الرّواحل لا يكفي أصحابه فأمر أن يتناوب كل ثلاثة على راحلة، وقال: وأنا وعلي وأبو لُبابة على راحلة. فلما جاء دوره في المشي توسّل صاحباه أن يبقى راكباً، فقال: (ما أنتما بأقوى على المشي مني وما أنا بأغنى عن الأجر منكما) .
إنّ بذل الجهد صحةٌ للقلب والأوعية، وصحةٌ للعضلات والأجهزة، وصحةٌ للحياة الاجتماعية، وتمتينٌ لأواصرها.
كنت مرة في بلد أوروبي، مستوٍ هكذا فقط دراجات، في ألمانيا، مالبورغ، أولاً: توفير مال، ورياضة يومية، شيء عجيب، توفير تلوث، ولكن تحتاج إلى فهم عميق، هذا البلد مستوٍ لا يوجد فيه صعود، فالدراجة أفضل شيء، نحن في دار تكليف، والآخرة دار تشريف، هذا بعض ما في الطب الطبيعي: ابذل جهداً، تحرك، اصعد درجاً، امشِ كل يوم نصف ساعة كحد أدنى تضمن سلامة جسمك.
أما عن الطب النفسي: إن أمراضاً كثيرة جداً بعضها عُضال، وبعضها مميت، كأمراض القلب والشرايين، وأمراض جهاز الهضم والكليتين، والأمراض النفسية، والعصبية ترجع أسبابها الرئيسية إلى أزمات نفسية يعاني منها إنسانُ الشّرك ما يعاني.
في الحقيقة الفكرة دقيقة:
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) ﴾
لو قال الله: "أولئك الأمن لهم" ما كان قرآناً، التقديم والتأخير قصر وحصر، لا يتمتع بنعمة الأمن في الأرض إلا المؤمن، تعامله مع الله، الله بيده كل شيء.
تصوّر أنّ هناك مكان فيه 200 أو 300 وحش، وكلهم جياع مربوطون بأزِمَّةٍ محكمة بيد جهةٍ رحيمةٍ عادلةٍ حكيمةٍ، أنت علاقتك مع الوحوش أم مع من يملكها؟ هذا التوحيد، الله -عز وجل- ما أَسلمَنا إلى غيره، علاقتك مع الله:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ : "الـ الجنس"، ما معنى "الـ الجنس" ؟ يعني أي أمر بالخمس قارات "البعد المكاني" وأي أمر من آدم إلى يوم القيامة يرجع إلى الله ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ كله توكيد ﴿فَاعْبُدْهُ﴾ متى أمرك أن تعبده؟ بعد أن طمأنك، قال الله تعالى:
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)﴾
لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن:
يعني مع الإيمان يوجد طمأنينة، والله لا أبالغ، لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن، الدليل: ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ .
أسعد إنسان والله لا أبالغ، السعادة غير اللذة، الناس دائماً يبحثون عن اللذة، واللذة تحتاج إلى ثلاثة شروط ينقصك شرط منهم دائماً، في البداية: يوجد صحة ويوجد وقت، لكن لا يوجد مال، في الوسط: يوجد مال ويوجد صحة، لكن لا يوجد وقت.
قال لي أحد التجار لمدة 36 سنة لم آخذ أهلي بنزهة، عنده معمل وعليه متابعته متابعة كاملة، عندما كبر أولاده أداروا المعمل عنه، فصار هناك وقت وهناك مال، ولكن لا يوجد صحة " أسيد أوريك وفشل كلوي" هذه الحياة، ما سمح الله للدنيا أن تُمِدّ الإنسان بالسعادة، بل باللذة، واللذة تحتاج إلى ثلاثة شروط دائماً هناك شرط ناقص، أما السعادة لمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة أنت أسعد إنسان:
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا بغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت ثياب العجب عنك وجئتنا
ولو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلا بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمة لمت غراما واشتياقا لقربنا
فما حبنا سهل وكل من ادعى سهولته قلنا له قد جهلتنا
فأيسر ما في الحب للصب قتله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
الحكمة من خلق الإنسان ضعيفاً:
الآن: قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) ﴾
هكذا خلقه، برمجه ضعيفاً، لو أنّ الله خلقه صامداً لاستغنى بقوته وابتعد عن الله، خلقه هَلوعاً ليفتقر في ضعفه، فيسعد بلقائه، والله لا أبالغ أدخل إلى جامع فيه 10 آلاف، أعرف هناك 8 آلاف قد أتوا بعد معالجة لطيفة من الله، فالله رب العالمين، الله عز وجل مربٍّ.
يوجد رأي لبعض الأطباء يلفت النظر: ضغط الدم هو في الحقيقة ضغط الهم، نقطة دقيقة جداً، الإنسان إذا غفل عن حقائق التوحيد، وسقط في هُوَّة الشرك، دققوا في الكلام:
(( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا وَثَنًا ، وَلَكِنْ أَعْمَالًا لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَشَهْوَةً خَفِيَّةً. ))
[ ابن ماجة عن شداد بن أوس بسند ضعيف ]
شرك جلي لا يوجد، أصنام لا يوجد في العالم الإسلامي، الشرك الخفي.
مثل عميق جداً، الدنيا شتاء والبيت بارد إلا غرفة الجلوس دافئة، طُرق الباب جاءت صديقة زوجتك، تقول: تعالوا اجلسوا هنا أكثر دفأً لكم، هذا القول الظاهر:
﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) ﴾
يعلم السّرّ، وما خفي عليك، فـ:
(( استَقيموا ولنْ تُحصُوا، واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكم الصَّلاةُ، ولنْ يُحافِظَ على الوُضوءِ إلَّا مُؤمنٌ. ))
الآن:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) ﴾
للتقريب: تصوّر هناك 40 أو 50 وحشاً بمكان وكلّهم جائعون، لم يأكلوا منذ شهر، وأنت تركب دراجتك وصلت لمكان هكذا فيه هبوط وصعود، الهابط: الطريق جميل ومُعبَّد، وفيه أزهار ورياحين، ولكنه ينتهي بحفرة عميقة ما لها من قرار، وفيها وحوش كاسرة جائعة.
والصاعد: مُتعِب، ليس مُعبّداً، ولا يوجد فيه خضار، متعب ولكنه ينتهي بقصر مُنيف، وهذا الكلام مكتوب عند الصعود والهبوط، هو الوحي الإلهي، بطولتك أن تختار الصعود، يوجد متاعب ولكن هناك جنة إلى أبد الآبدين، فالشهوات طريق إلى النار، وهناك نقطة دقيقة جداً جداً جداً، يا أخواتي الكريمات، يا إخوتي الأكارم، ما من شهوة أُودِعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة، لا يوجد عندنا في الإسلام حرمان أبداً، الشهوات كلها، لك أن تتزوج وأن يكون لك عمل وبيت، وكل شيء مسموح به، 95% من القيامات، 5% حرام، إن كنت تريد الآخرة وما فيها من سعادة أبدية لا بد من أن تنضبط بالشرع: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾ فالإيمان بالله خالقاً ومُربِّياً ومُسيِّراً.
الآن هناك مجموعة آيات مهمة جداً:
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) ﴾
بيده كل شيء.
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62)﴾
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)﴾
سورة الرعد
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾
﴿ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)﴾
﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)﴾
﴿ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11)﴾
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾
قانون، أيّ مؤمن بأيّ مكان، بأيّ زمان، هذا وعد الله، وزوال الكون أهون على الله من ألّا يحقق وعوده للمؤمنين.
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21) ﴾
أيها الإخوة الكرام، أدعو لكم من أعماق نفسي أن يحفظ إيمانكم، وأهلكم، وأولادكم، والدعوة الأهم: واستقرار بلادكم، هذه نِعمةٌ لا تُعرَف إلا إذا فُقدت وفي بعض البلاد فُقدت، حافظوا على هذه النعمة: استقرار البلاد.
الملف مدقق