وضع داكن
19-04-2024
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - الأردن - عمان - الجامعة الأردنية : المحاضرة 79 - الإيمان أولاً
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
المذيع:
شخصيةٌ نالت بفضل الله قبولاً واسعاً من قبل الناس، بكلامه الذي يدخل القلب دون استئذان، بكل حب وهدوء، تراه مثلاً واضحاً في حياة كل من سمعه وتأثّر به، تركت كلماته بصمة خالدة في قلب كل من تغير بسببه، فافتحوا قلوبكم قبل عقولكم ورحبوا معنا بالدكتور الفاضل محمد راتب النابلسي.
الدكتور راتب:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
بادئ ذي بدء أشكر لكم دعوتكم الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم، لكن إن وجدتم في كلمتي تلك ما كنتم تتوقعون فالفضل لله وحده، وإلا فحسبكم الله ونعم الوكيل.

الجامعة فيها نخبة المجتمع


أيها الأخوات الفُضلَيات، أيها الإخوة الأكارم أنا العبد الفقير حينما أُدعَى إلى جامعةٍ ما لا أتردد ثانية في قبول الدعوة، لأنني أجد نفسي في الجامعة، أنا عملت في جامعة دمشق ثلاثاً وثلاثين سنة في كلية التربية، فأنا حينما أُدعى إلى جامعة أجد نفسي، والجامعة في الأساس فيها نخبة المجتمع، وأرجو أن تكونوا أنتم من النخبة، وفيها قادة المجتمع، وفيها مجد المجتمع، يعني الشباب شيء مهم جداً، من هم الشباب؟ عنده قوة اندفاع مذهلة، هذه القوة المذهلة تشبه المحرك في السيارة، أما هذا المحرك يحتاج إلى مِقود وإلا تحصل كارثة، المقود بالعلماء الربانييين، الشباب قوة دافعة، والعالم الرباني القوة الموجهة، أما الطريق المُعبَّد هو منهج الله عز وجل، فالأمة تتقدم، وتتفوق، وتتألق بحضارتها، إذا اتبعت تعليمات الصانع، والجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة الخبيرة التي ينبغي أن تُتبع تعليماتها، والآية تقول:

﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍۢ (14) ﴾ 

[ سورة فاطر ] 

هذه دعابة ذكرتها مرتين في هذه الجامعة، الجامعة مؤنث والجامع مذكر، والرجال قوامون على النساء، بمعنى أن الجامعات لا تتألق إلا إذا استمدت مناهجها من وحي السماء.
الأرض فيها وحل، وحي الأرض الفكر في وحي الأرض شُبُهات، والحركة شهوات، وحي السماء مبادئ وقُرُبات، فرق كبير بين وحي الأرض، ووحي السماء، نعم.
يعني للتقريب: كنت في أستراليا، سافرت إليها ست مرات، لفت نظري شيئاً أن حجم الشِّقاق الزوجي يفوق حد الخيال، يعني بأسبوعين أو ثلاثة مئة حالة من الشقاق الزوجي، بحثت عن السبب وجدت أن المرأة تأخذ في كل شهر ألف دولار كائنة من كانت، وكل ابن خمسمائة دولار، إذا لديك خمسة أولاد معناها تقريباً كل شهر 3500$ فما عاد للزوج سيطرة كما ينبغي.

﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ  ۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ ۚ وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا(34) ﴾ 

[ سورة النساء ] 

(بِمَآ)  هذه الباء باء السبب، نظام الزواج تصميم خالق الأكوان، نظام الكفالة تصميم خالق الأكوان، فأنت حينما تتفكر في عظمة الله هذا منهج، تعليمات الصانع، تعليمات الخبير (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍۢ)  ولا يوجد مأساة في الأرض من آدم إلى يوم القيامة، وفي أي مكان إلا بسبب الخروج عن تعليمات الصانع.
الشيء الثاني يعني هناك إشارة رائعة جداً:

﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ  لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(33) ﴾ 

[ سورة الأنفال ] 

ما معنى (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ) : لو سألت إنساناً هل أنت جائع؟ يقول لك لا، إن سألت إنساناً محترماً، طالباً جامعياً، هل أنت سارق؟ ينزعج، لا يقول لك: لا يقول لك ما كان لي أن أسرق، ما الفرق بين لا، وبين ما كان لي، لا: تنفي الحدث، بينما ما كان لي: تنفي الشكل، لا أقبل ولا أوافق ولا أشجع ولا أغطي، عدّ علماء البلاغة اثني عشر فعلاً تؤكَّد في ما كان لي(وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ)  الآية دقيقة جداً، يا محمد ما زالت سنتك مُطبَّقة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله، لأن تعليمات الله تعليمات الصانع والخبير والآية تقول: (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍۢ)  إذاً لا بد لنا من أن نحتمي بوحي السماء بتعليمات الصانع، بتعليمات الخبير، بتعليمات الرحيم، المُحِب.

ليس على وجه الأرض إنسان أفضل ممن دعا إلى الله


الآن دخلنا واقتربنا من موضوعنا:

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا  مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ(33) ﴾ 

[ سورة فصلت ] 

خالق الأكوان، بكتابه القرآن (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ)  آية جامعة، مانعة، قاطعة، ليس على وجه الأرض إنسان أفضل ممن دعا إلى الله طبعاً بخطابه بخطبته بدرسه بلقاءاته بأمسياته (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا)  حركته في الحياة التفصيلية، كسب ماله، إنفاق ماله، علاقاته، سهراته، لقاءاته، شاشته في البيت، الشاشة الكبيرة، والشاشة الأصغر الآيباد هذا نوت باد، والهاتف إن لم تُضبَط هذه الشاشات لا يوجد في البيت توبة، كلمة خطيرة ولعلها قاسية، ثلاث شاشات، الغرب أراد أن ينتصر علينا بالشاشة، بالصورة لا بالكلمة، بالكلمة لم يستطيعوا فلما يئسوا من إلغاء هذا الإسلام، قدموا لك فيلماً ثلاث ساعات، البيت رائع جداً، الثريات، والسجاد، والأناقة والترتيب، وثلاث سيارات، بيت على البحر، وبيت في الجبل، ويت في العاصمة، ويوجد بار في البيت، ويوجد تفلُّت كامل، وقدموا لك صورة مزيفة لا أصل لها لشيخ القرية، أفقه ضيّق، معه فصام شخصية، بيته فيه فوضى، وزوجته عند الجيران، وأولاده في الحي، قدّموا لك أبشع صورة للإسلام، وأجمل صورة لغير المسلمين. 
الآن الحكمة أو الخُبث لا في الكلام، بل في الصورة، نقدوك، الهجوم علينا من الصورة، فهذه الشاشات مرة ثانية إن لم تُضبط في البيت، شاشة الحائط، وشاشة الآيباد، وشاشة الهاتف لا أمل في التوبة إطلاقاً، انتصروا علينا بالصورة.  

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم.


(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ)  طبعاً يقول أحدهم أنا لست خطيباً، أعرف لست خطيباً، في سهرتك، في لقاءاتك، في أمسياتك، في نزهاتك، في رحلتك، هذا كلام ثمين، كلام له معنى كبير، يعني الدعوة فرض عين، قد يعترض أحدكم أنا ليس لدي دكتوراه في الشريعة، أنا لست شيخاً، أنا لست داعياً، أنا لست أستاذ إسلامية، أنت من خلال حركتك في الحياة، سمعت كلمة حق من شيخ الجامع في الخطبة، سمعت كلمة حق من ندوة تلفزيونية موضوعها إسلامي، هذه النقطة لو نقلتها لزوجتك، لإخوتك لأولادك، لجيرانك، بسهرة، بلقاء، بنزهة، هذه دعوة، لذلك الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم.

﴿قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى ۖ وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ(108) ﴾ 

[ سورة يوسف ] 

يعني بالدليل والتعليل أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم، سمعت كلمة من آنستك، هذا مصطلح مطبّق عندكم هنا؟ من آنستك بلّغيها لبناتك، سمعت كلمة من ندوة إسلامية بلغيها، هذا التبليغ أول أنواع الدعوة (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ)  أما –دقق- التفرّغ للدعوة والتبحر، والتعمق، والتثبت، هذا يحتاجه الداعية المُعتمَد عليه في حل قضايا الأمة، وضع حلول لكل المآسي ولكل السلبيات، نحن بحاجة لعلماء كبار دعاة، وإلى دعاة يتكلمون في حيز ما سمعوا، أما هذا الدعوة كفرض عين على كل مسلم كائناً من كان بأي عمر بأي ثقافة، بأي مجال، أما الدعوة التي هي فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل تحتاج إلى تفرغ وإلى تعمق وإلى تبحر وإلى تثبت.
يعني نبدأ بهذا الإنسان، أنتم تعلمون من مسلمات العلوم يوجد جماد أمامك طاولة لها طول، وعرض، وارتفاع، ووزن، وحجم، هذا الجماد، أما النبات يزيد عليه بالنمو، وأما الحيوانات المتحركة تزيد عليهما بالحركة، وأما الإنسان المخلوق الأول المُكرَّم المُكلَّف، المُحاسَب، المُعاقَب، المُراقَب:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) ﴾ 

[ سورة الذاريات ] 

الله عز وجل ذكر بالقرأن علة وجودنا (وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) 

أراد الله أن تكون العلاقة بيننا وبينه علاقة حب


ومن أدق التعريفات الرائعة للعبادة: أنها طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية. 
طاعة طوعية: الذي خلقنا حياتنا بيده، رزقنا بيده، صحتنا بيده، الغنى بيده، الفقر بيده، الشقاء بيده، السعادة بيده، الصحة بيده، المرض بيده، ومع كل كل كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً، قال:

﴿لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ  ۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256)﴾ 

[ سورة البقرة ] 

حياتنا بيده، الموت بيده، القوة بيده، الضعف بيده، الصحة بيده، ومع كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً قال:(لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ)  بل أراد أن تكون العلاقة بيننا وبينه علاقة حب، قال:

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢيُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِمٍۢ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ(54) ﴾ 

[ سورة المائدة ] 

لذلك العلماء قالوا:الحب في الله عين التوحيد ، أن تحب الله، أن تحب رسله جميعاً، وأنبياءه جميعاً، والعلماء الربانيين، أن تحب المساجد، أن تحب العبادات، وأن تحب الصلوات، أن تحب الأعمال الصالحة، يتشعّب من محبتك لله عشرات بل مئات الخصائص، الحب في الله عين التوحيد، وأما الحب مع الله عين الشرك ، أن تحب جهة تمنعك أن تصلي، ولك مصلحة معها فضحيت بدينك، ماهو المداهنة والمداراة،المداهنة:  بذل الدين من الأجل الدنيا، أما المداراة:  بذل الدنيا من أجل الدين، فنحن نتشوّق إلى أن نداري، لا إلى أن نداهن.
لذلك الإنسان عقلٌ يدرك، وقلبٌ يحب، وجسمٌ يتحرك، غلاف العقل العلم، وغلاف القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، فإذا غذيت عقلك بالعلم المعصوم عن الشبهات، المعصوم عن الترهات غذيت عقلك بالعلم الذي أراده الله، وغذيت قلبك بالحب الذي أمرك الله بك، وغذيت جسمك من طعام وشراب اشتُري بمال حلال تفوقت، أما إذا اكتفيت بواحدة تطرفت، يوجد تفوق ويوجد تطرف، التطرف -والعياذ بالله- نوعان كبيران: تطرف تفلتي: إباحية وتشددي: تكفير وتفجير وكلاهما طرق مسدودة.
لذلك قال أحد الشرق محمد إقبال قال: نريد أمة بقلب شرقي وعقل غربي، هذا أحد الأدباء الكبار: ماذا نأخذ وماذا ندع عن الغربيين؟ قال نأخذ ما في عقولهم، وندع مافي نفوسهم، يعني نأخذ علمهم وندع تفلتهم، ندع تجاوزهم للحدود، نعم.

كليات الدين:


إخواننا الكرام، أريد أن أقول كلمة دقيقة: كم عالم يوجد في الإسلام؟ سؤال؟ والله مئات الألوف من البعثة النبوية حتى الآن، كم معهد شرعي؟ كم كتاب مؤلف؟ كله بالملايين، هذا الكم المذهل من العلماء الربانيين، من الكتب المُؤلفة، من المعاهد الشرعية، هذا الكم الكبير من المؤسسات، إلى جامعات، إلى مدارس، إلى علماء، هذا الكم الكبير هل يُضغَط بكليات؟
مرة كنت في أمريكا وزرت معمل سيارات الأول في العالم، قال لي المرافق: هذه السيارة فيها ثلاثمائة ألف قطعة، أما أنا كراكب لها غلاف معدني غلاسور، لها محرك، عجلات، مقود، مقاعد، مكبح بنزين، سبعة قطع فقط. 
ممكن الدين العظيم بعلمائه الكبار، بمؤلفاته التي لا تنتهي، بالمعاهد الكبيرة، أن يُضغَط بكليات؟ ممكن.
كليات الدين: الجانب العقلي، الفكري، الإيديولوجي، التصوري، كلها كلمات لمسمى واحد، الجانب الفكري، الفهم، التصور، الاعتقاد، هذا يحتاج إلى طلب علم، يعني أنتم في جامعة، حتى الطالب أو الطالبة تضع قبل اسمها د. أو د. مع تاء مربوطة إن كانت فتاة، كم سنة دراسة؟ ثلاث وعشرون سنة من أجل د. من أجل أن تستحق جنة الله إلى أبد الآبدين ألا ينبغي أن تطلب العلم؟

الدعوة إلى الله تحتاج إلى علم.


 فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إلا أن العلم لايعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
إذاً: كليات الدين: العقيدة، الفهم، التصور، لا بد من طلب العلم، هذا العلم فريضة على كل مسلم، لكن في حدود ما يعلم، ومع من يعرف، أما التبحر، والتوسع، والتثبت، هذا فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل.
إذاً:أولاً: الدعوة إلى الله تحتاج إلى علم. 
العنصر الثاني: الحركة:  أنت كائن متحرك تبحث عن الطعام والشراب في البداية، حفاظاً على بقائك كفرد، في سن الواحد والعشرين أو الثانية والعشرين وبعد أن أخذت شهادة عليا، وأمنت بيتاً بالأجرة، تحتاج الآن إلى شريكة حياة، والشريكة تنتظر شخصاً يطلبها، هذا الكلام صحيح؟ حاجة متبادلة، وبعد فترة تحتاج لزوجة، والشابة تريد زوجاً يخطبها، الحاجة الأولى لبقائك كفرد، أما الحاجة الثانية دون أن تشعر لبقاء النوع، أكلت وشربت، وتزوجت وأنجبت، لديك حاجة ثالثة لبقاء الذكر: أنت الطبيب الأول، الداعية الأول، المهندس الأول، فالأولى لبقائك كفرد والثانية لبقاء النوع والثالثة لبقاء الذكر ، والحاجات الثلاث بكمالها وتمامها محققة في الدين، كل حاجاتك الفطرية والاجتماعية والنفسية والعلمية موجودة في هذا الدين، فهذا دين ودنيا.

العبادات الخمس الأساسية إن لم ترافقها استقامة لا تُقدِّم ولا تُؤخّر


إذاً: نقطة دقيقة جداً: أنت بحاجة إلى حركة إسلامية، عفواً، لدينا صلاة وصوم وحج وزكاة، سامحوني بهذه النقطة الحقيقة المرة أراها كداعية أفضل ألف مرة من الوهم المريح. 
الصلاة: ممكن أن تؤدي خمس صلوات، ترى هل الصلاة التي نؤديها يقبلها الله عز وجل منا؟ الصلاة عبادة شعائرية:

(( لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة ‏بيضاً، فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً. قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم ‏لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ‏ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها. )) 

[ ابن ماجه في سننه عن ثوبان رضي الله عنه ] 

الصلاة انتهت. 
الحج:  

(( مَنْ حَجَّ بمالٍ حرامٍ فقال : لَبَّيْك اللَّهُمَّ لَبَّيْك، قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ له: لا لَبَّيْك ولا سَعْدَيْك ، وحَجُّك مردودٌ عليك. )) 

[ الألباني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ] 

الزكاة: 

﴿ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ ۖ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَٰسِقِينَ(53) ﴾ 

[ سورة التوبة ] 

تكلمنا عن الزكاة والحج، والصيام: 

(( مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجَهْلَ، فليسَ لِلَّهِ حاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ )) 

[ البخاري عن أبي هريرة ] 

 العبادات الخمس الأساسية إن لم ترافقها استقامة لا تُقدِّم ولا تُؤخّر، دخلنا الآن بشيء حرِج، نحن كمسلمين عددنا مليارا مسلم، نحتل أهم موقع استراتيجي في الأرض، ملتقى القارات الثلاث، نملك ثلاث ممرات مائية أصل التجارة العالمية، نملك في الاتساع أتكلم، ومع ذلك لسنا كما ينبغي والأمر ليس بيدنا، لأن هذا الدين العظيم إن لم تطبقه لا تنتفع منه.
اسمحوا لي بمثل لطيف: شخص معه مرض جلدي خطير، العلاج الوحيد التعرض لأشعة الشمس، جلس في غرفة قميئة، باردة، فيها عفن، وقال بفصاحة ما بعدها فصاحة: يالها من شمس ساطعة، ويالها من شمس شافية، يا لها، ويا لها، كله كلام فارغ، مهما كان خطابنا رائعاً، وحياتنا فيها دعاة إلى الله، ويوجد برامج دينية، ويوجد أقراص ليزرية، ويوجد مؤتمرات، وتتكلُّم لمدة ساعة لكن لا يوجد تطبيق، فكل هذا كلام فارغ. نعاني ما نعاني، خمس عواصم تعاني ما تعاني، هذه الحقيقة المرة ولذلك هذا الدين لا نقطف ثماره إلا إذا طبقناه بأكمله يعني الكسب والإنفاق، واختيار الزوجة، تربية الأولاد، خروج البنات، بنود الاستقامة بالمئات، بل تقترب من الألف منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان من العلاقات الأسرية وينتهي بالعلاقات الدولية، فالذي لديه استعداد يعتبر هذا منهج الخالق منهج العليم الحكيم ويطبقه بحذافيره يقطف ثماره، وإذا قطف ثماره ولا يقول ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني يكون لم يصل بعد.

العمل الصالح علة وجودنا في الأرض


إذاً العقيدة جانب، الحركة: يوجد حركة سلبية: أنا ما أكلت مالاً حراماً، ما، أنا ما كذبت، أنا ما غششت، هذه كلها ماءات، هذه استقامة.
أنا أنفقت من مالي، من وقتي، من علمي، هذا العمل الصالح، بالمناسبة أخواتنا الكريمات، إخواتنا الأكارم العمل الصالح علة وجودنا في الأرض، سؤال دقيق في القرآن:

﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّآ ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا ۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100) ﴾ 

[ سورة المؤمنون ] 

إذاً: علة وجودنا العمل الصالح، بل حجمك عند الله بحجم عملك الصالح:

﴿ وَلِكُلٍّۢ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ۚ  وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(132) ﴾ 

[ سورة الأنعام ] 

وسمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً: ما ابتغي به وجه الله، وصواباً: ما وافق السنة.
فأنت معك كليات الدين، العقيدة كلية، والحركة كلية، حركة سلبية: استقامة، إيجابية: عمل صالح، شروطه ثلاثة: أن يكون خالصاً، وصواباً، وابتُغي به وجه الله.
الآن الثمرة: 

﴿ إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ (14) ﴾ 

[ سورة طه ] 

نصلي، الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات. 
الصلاة الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال، الصيام يسقط عن المريض والمسافر، والزكاة عن الفقير، والحج عن الفقير، والشهادة مرة واحدة في العمر، الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط في حال هي الصلاة.
يعني كائن، خائف، شحيح، شهواني، يتصل بالذات الإلهية، أصل الجمال والكمال والنوال، يتصل بخالق السماوات والأرض، هذا الاتصال بالله شيء كبير جداً، يعني شخص في الأرض إذا التقى مع رسول كريم وأعطاه بطاقة لن ينساها ويُريها لمئة شخص. أنت مع خالق السماوات والأرض مع خالق الأكوان مع الرحيم سمح لك أن تتصل به، مثلاً:

(( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له )) 

[ متفق عليه ] 

(( من لم يسأل الله يغضب عليه. )) 

[ مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة ] 

هكذا قال الله عز وجل .

(( لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا، حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ )) 

[ الترمذي عن أنس بن مالك ] 


الدعاء أكبر قرب مع الله، لا تريد موعداً، ولا سماحاً، ولا دخولاً، ولا وسيطة، ولا رسم قبول، مع الله مباشرة، أعيده مرة ثانية:(ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له) .
إذاً: الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات. 
فالكليات التي تطرقنا لها العقيدة تحتاج إلى طلب علم، والحركة تحتاج إلى إرادة قوية.
شخص جالس في غرفته فصعدت أمامه نملة فوقعت بعد متر أعادت الكَرّة، أقسم لي بالله عدّ محاولاتها 43 مرة، هو كان يدرس شريعة وترك الدراسة لأنه وجدها صعبة بعدها استحى من النملة وأكمل دراسته، 43 محاولة، لا بد من التصميم، لا بد من الإصرار، في مصر يوجد الحد بين السودان ومصر، يوجد شحص أرسل ابنه إلى الأزهر،غاب سبع سنوات، عاد شيخ الأزهر واحتفلت القرية كلها به وخطب خطبة أمام أبيه، فبكى الأب بكاء غير معقول، كل من رآه يبكي تصور أن هذا الاب يبكي فرحاً بابنه، ليس كذلك، يبكي أسفاً على جهله، القصة رواها عالم كبير بمصر، وذكر تفاصيل دقيقة جداَ، هذا الأب الأمي عمره 55 سنة، ركب جحشته –هكذا الرواية- أين الأزعر؟ ما هذا الأزعر؟ المكان الذي يتعلمون به، ليس الأزعر بل الأزهر اسمه، وصل بعد شهر وعمره 55 سنة، تعلم القراءة والكتابة وما مات إلا شيخ الأزهر، أعلى منصب ديني في العالم الإسلامي، اسمه زكريا الأنصاري.
إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان، فلابد من اتخاذ قرار عميق أن تطلب العلم، يعني طاولة: وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، جماد، والنبات ينمو، والحيوان يتحرك، أما أنت أُودِعت فيها قوة إدراكية، قوة إدراكية هي العقل، ما لم تُلبَّى لطلب العلم، اسمع كلام خالق الأكوان:

﴿ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ  ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21) ﴾ 

[ سورة النحل ] 

النبض 80، الأطباء يعرفون، هو سالم والضغط 8/12 عند الله ميت، ما دام ما طلب الحق، ما عرف الله، ما عرف الآخرة، ما عرف منهج الله ميت(أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ) 

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ  ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ(4) ﴾ 

[ سورة المنافقون ] 

خشبة، وصف قرآني:

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلً ا(44) ﴾ 

[ سورة الفرقان ] 

دابة، آخر شيء، الأخيرة قاسية جداً:

﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَىٰةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَاكَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا  ۚ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ(5) ﴾ 

[ سورة الجمعة ] 

أحضر كتاباً بالفيزياء النووية وضعه على ظهر الحمار وبعد عدة ساعات اسأله بضعة أسئلة لن يعرف الإجابة (كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا) 
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إلا أن العلم لايعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
حفظ الله لكم إيمانكم وأهلكم وأولادكم ومن يلوذ بكم طبعاً، واستمراركم في التعليم والعلم حتى تكونوا شخصيات مهمة في المجتمع، والحمد لله رب العالمين.
المذيع:
الآن تتفضل إدارة كتلة أهل الهمة لتكريم الدكتور محمد راتب النابلسي.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور