مقدم اللقاء:
جمعة مباركة، وأنا أعلم حالتكم الصحية، نسأل الله لك أن ينعم عليك بالصحة والعافية، لن أطيل على حضرتك، لكن سؤالي: ما رسالتكم لأهلنا في غزة وهم في حصار وفي قتل والعالم كله يقف أمامه؟
الدكتور: محمد راتب النابلسي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد عليه أتم الصلاة والتسليم.
مواقف أهل غزة البطولية:
أهلنا الأحباب في غزة العزة، الواقفين بثباتٍ عزّ نظيره، وبشجاعةٍ يصعب وصفها، ونحن نرفع رأسنا عالياً باعتزازٍ بكم، فلا يدري المرء ما يقول لكم، أنحدثكم عن الصبر؟ وأنتم تعلمون الدنيا كلها فضيلة الصبر، وحسبكم قوله تعالى:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)﴾
ومواقفكم البطولية مدرسةٌ في الثبات والإصرار على المبادئ والقيم، وعلى الرغم من كل المِحن والشدائد التي تحملتموها لكنْ حسبنا وحسبكم قول الله عز وجل:
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)﴾
لقد مرّ على نكبة أمتنا بقدسها وما حوله أكثر من سبعين عاماً، وما زال المحتلون في الأرض التي بارك الله بها، وما حولها، أما المستحبون لدماء الأبرياء يعيشون في الأرض فساداً وإجراماً، ويقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
(( لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس. ))
ثابتة على الحق في وجه المتخاذلين، لقد كانت الأيام الماضية قاسية جداً على أهلنا في غزة العزة بخاصة، وفي عموم أهلنا في فلسطين الحبيبة بعامة، ولقد أظهر العالم الآخر دعماً للغاصب المحتل، لم يسبق له مثيل، وتواطؤاً مع المجرم الظالم ليس له نظير، ولا يمكن أن يتصوره عقلٌ، أو يحيط به إدراك، وفي الوقت نفسه أظهر أهلنا تمسكاً بدينهم، وثباتاً على مبادئهم ليس له نظير، وقد أذهلوا العالم بأسره، إنها معركة الحق والباطل الثابتة والمستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهي سنة الله في خلقه، يقوى أعداؤه أحياناً حتى يقول ضعاف الإيمان أين الله؟ ثم يُظهِر الله آياته حتى يقول الآخرون: لا إله إلا الله.
إنه قانون الابتلاء، يمتحن الله به عباده، ليظهر أحسن ما في أوليائه من خير، وليظهر أسوأ ما في أعدائه من شر.
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ(214)﴾
﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ(141)﴾
أمّا مَن أفضى إلى ربه فيكفينا للاطمئنان عليه قول الله عز وجل:
﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ(4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5)﴾
يا شباب البلد الشجاع، يا شباب البلد المقدام، الذي ضحى، ويضحي بروحه فداء لدفع الظلم، وإحقاق الحق، يا أهل غزة الأبية؛ اللهم بارك فيها، وفي شبابها، وارزقهم النصر على أعدائك وأعدائهم يا قوي يا عزيز، إنك على كل شيء قدير، اللهم كن على أعدائك بقدرتك يا مالك الملك، اجعل تدميرهم بتدبيرهم، ورُدّ كيدهم بنحورهم، اللهم يا عزيز، يا قوي، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الجبروت والملكوت، شتت شملهم، وفرّق جمعهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم، وخرب بنيانهم، وبدّل أحوالهم، وقرب آجالهم، واشغلهم بأبدانهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، يا رب الأرباب يا مهيّئ الأسباب، يا قاهر، يا جبار، فإنهم لا يعجزونك.
الملف مدقق