الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته وقادة ألويته وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
أيها الإخوة الكرام، أيها الإخوة الأحباب، أشكر لكم دعوتكم الكريمة لإلقاء كلمة، أرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم، وأسأل الله -عز وجل- التوفيق والسداد.
إخوتنا الكرام، قال الله تعالى:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾
في أكمل خلق، (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) لكن إذا طغى وبغى ونسي المبتدى والمنتهى :
﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) ﴾
لذلك تعاطي المخدرات آفة خطيرة، تهدد معظم شعوب الأرض، وأكبر خطر عند المدمن أنه يصل إلى حالة نفسية وعضوية ورغبة قهرية ترغمه على محاولة الحصول على المادة المخدرة بأي ثمن، فإذا كانت فتاة تبيع عِرضها، وإن كان شاباً يبيع دينه، وقد يرتكب متعاطي المخدرات جريمة، وأية جريمة، والحالة القهرية التي تصيب المدمن تفوق حد الخيال، والقصص التي أُدرِجت في المواقع المعلوماتية عن ضحايا هذه الآفة الخطيرة يشيب لهولها الولدان.
تؤثر المخدرات على متعاطيها على نحو خطير في بدنه، ونفسه، وعقله، وسلوكه، وعلاقته بالبيئة المحيطة به، ومن نتائجها:
الخمول والكسل، وفقدان المسؤولية، والتهور، واضطراب الإدراك والتنمر، والتسبب في الحوادث المرورية، والإصابات الكارثية، ويصبح المدمن قابلاً للأمراض النفسية والعقلية والبدنية، وقد يُصاب المدمن بفقدان المناعة فيُصاب بالأمراض الجسمية والنفسية والعقلية والاجتماعية.
أيها الإخوة الأكارم، أيها الإخوة الأحباب، إن المخدرات تُحدِث تغييرات حادة في المخ، في الدماغ تؤدي إلى كوارث على مستوى الفرد: كالتفكك الأسري، وانهيار العلاقات الاجتماعية، والعجز عن توفير المتطلبات الأساسية للفرد والأسرة، ويقع المدمن غالباً تحت تأثير الطلب على المخدرات فيصل إلى جرائم السرقة، وترويج المخدرات والاتجار بها، والسطو والقتل والقمار والدعارة وتحمل ثقل الديون، أعاننا الله وإياكم على هذه الآفة الخطيرة.
والذي يلفت النظر أن الشاب الذي يُستدرج إلى إدمان المخدرات غالباً ما يشكو من تفكك الأسرة، ومن ضعف التعليم ومن فقر هو فقر الكسل الذي يصيب أسرته، أقول فقر الكسل؛ لأنه نتيجة طبيعية لتعاطي المخدرات، بينما فقر القدر يكون بسبب حكمة إلهية عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها.
ومروّجو المخدرات يستخدمون غطاء اقتصادياً، وأنشطة اجتماعية تحميهم أحياناً من الملاحقة، فهم على مستوى عالٍ من الذكاء الشيطاني، لو أن أحدكم سألني: ما أسباب تعاطي المخدرات؟
هناك أسباب تعود إلى الفرد المدمن، وأسباب تعود إلى الأسرة المهملة، وأسباب تعود أحياناً إلى المجتمع الظالم.
أسباب تعاطي المخدرات العائدة إلى الفرد المدمن:
أول أسباب المخدرات العائدة إلى الفرد المدمن:
أولاً: ضعف الوازع الديني: قال تعالى:
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)﴾
كلامي دقيق جداً، أيها الأب، أيها المعلم، أيتها الأم، أيتها المعلمة، يجب أن تعلموا جميعاً من هو صديق ابنك؟ ومن هي صديقة ابنتك؟ لأن قوة تأثير الصديق والصديقة يزيد 60 ضعفاً عن مجموع تأثير الأب والأم، والمعلم والموجه، ورجل الدين، مجموع تأثيرهم لا يصل إلى 40% بينما رفيق السوء ورفيقة السوء يصل تأثيرهما إلى 60%، قال تعالى:
﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)﴾
شيء آخر:
ثالثاً: السفر إلى بلاد المعاصي والآثام:
يقع في أسباب إدمان المخدرات: سفر الشاب وحده إلى بلاد غير المسلمين شرقاً وغرباً، أو إلى بلاد بعيدة غرباً حيث وسائل الإغراء، وأماكن اللهو، وافتقاد الرقابة الأسرية في هذه البلاد، أحد أسباب الإدمان على هذا الذي نحاربه.
رابعاً: الفراغ وانعدام الهدف:
الشاب الفارغ بلا هدف، بلا رسالة، بلا قيم، بلا طلب علم، أخطر شيء في حياة الشاب: الفراغ القاتل، وعدم وجود مناشط تربوية هادفة، مناشط علمية وإسلامية، مناشط ترفيهية نظيفة تمتص وقت الفراغ، فوقت الفراغ خطر كبير للشباب الناشئين، والشابات الناشئات.
خامساً: السهر خارج البيت:
من الأسباب أيضاً لدى الفرد: السهر خارج المنزل، هذا الذي يسمح لأولاده أن يأتوا إلى البيت بعد منتصف الليل، أين كانوا؟ هل يعلم الأب أين مكانه؟ وماذا جرى في هذه الأمسية؟ وماذا رأوا من أفلام؟ وماذا أغراهم أصدقاؤهم من موبقات؟
سادساً: المشكلات الأسرية:
قد يقع في أسباب تعاطي المخدرات المشكلات الاجتماعية، والهموم الطاحنة التي تصيب بعض الأسر، أب شارد عن منهج الله، أم غارقة في زينتها، أولاد أُهملت تربيتهم، جيران ابتعدوا عن تعاليم ربهم، عندئذٍ كان التفكك الأسري، والتفلت السلوكي، ويمكن أن تكون الضغوطات الأسرية، والاجتماعية وراء هذه الآفة الخطيرة.
أيها الإخوة الكرام، وأحد هذه الأسباب:
إخواننا الكرام، كلمة حق: الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، وإذا لم يطلب العلم فقد جهل، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
الأسباب التي تتعلق بالأسرة:
إخواننا الكرام، الأسباب التي تتعلق بالأسرة:
أولها: اضطراب الاستقرار الأسري:
شيء مؤلم جداً، وخطير جداً؛ أن الاضطراب الأسري متمثلاً في انخفاض مستوى الوِفاق بين الزوجين، وتأزم الخلافات بين الأبناء إلى درجة الهجر أو الطلاق، أو العقوق وضعف الولاء الذي يولّد أحياناً شعوراً غالباً لدى الفرد بالإحباط والإخباط، هذا هو التفكك الأسري الذي ربما كان سبباً كبيراً لأعراض كثيرة يعاني منها أفراد المجتمع، فالخلافات الزوجية، والعداوات الأخوية، والانحرافات السلوكية هي وراء تعاطي المخدرات.
ومن أبرز أسباب تعاطي المخدرات، والتي تعود إلى الأسرة:
ثانياً: القدوة الأبوية السيئة:
أن يكون أحد الوالدين أو كلاهما قدوة سيئة للابن والبنت: أب مستهتر، أم متفلتة، أب غير منضبط، لا يكون قدوة لأبنائه، أم مستهترة لا تكون قدوة لبناتها، ربما كان هذا سبباً في زلة قدم الأبناء إلى المخدرات، أو كما قال بعض العلماء: إدمان أحد الوالدين سبب كبير في انتشار الإدمان عند الأولاد، أو أن بعض الآباء يسافرون ليحصّلوا دخلاً إضافياً، فيهملون أولادهم، وقد لا تستطيع الزوجة أن تضبط أولادها في غياب أبيهم، فجاء بمبلغ وفير لكنه ضيع أولاده الضياع الكثير، وعند علماء النفس: لا يعد هذا نجاحاً، أن تنجح في عملك، وأن تخسر أسرتك هذا ليس نجاحاً، أن تنجح في عملك، وأن تخسر دينك هذا ليس نجاحاً، وكنت أقول دائماً: لا بد من أن تنجح في علاقتك مع ربك أولاً، وعلاقتك مع أهلك ثانياً، وعلاقتك مع أولادك ثالثاً، وعلاقتك مع صحتك رابعاً، وعلاقاتك في عملك خامساً، هذا هو النجاح الشمولي، أو سماه القرآن هو الفلاح، الذي ذكره في القرآن:
﴿ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)﴾
إذاً: نجاحك مع ربك، معرفة وطاعة وتقرباً، ونجاحك مع أهلك، ونجاحك في بيتك، ونجاحك في عملك هو النجاح الحقيقي الذي سماه القرآن الكريم: فلاحاً (أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
أيها الإخوة الكرام، بعض هذه الأسباب أيضاً تعود إلى الأسرة:
ثالثاً: القسوة على الأبناء:
القسوة الزائدة في معاملة الأبناء، الضرب المبرح، التوبيخ القاسي، الإهانة المعلَنة، ربما ألجأ الأولاد إلى رفقاء السوء، رفقاء السوء كانوا سبب الوقوع في هذه المأساة الكبيرة وهي تعاطي المخدرات.
وللموضوع تفاصيل كثيرة لا يسمح بها الوقت، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الملف مدقق