الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم لا عِلم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم عَلِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً، وأرِنا الحقَّ حقَّاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبِعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
من فضل الله عزَّ وجل أنه يُبيّن لعباده الأسباب التي وراء أفعاله:
أيُّها الإخوة المؤمنون: مع الدرس السادس والستين من دروس سورة النساء، ومع الآية الخامسة والخمسين بعد المئة، وهي قوله تعالى:
﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)﴾
أيُّها الإخوة الكرام: من فضل الله عزَّ وجل، أنه يُبيِّن لعباده الأسباب التي وراء أفعاله، إن إكراماً أو عقاباً، هذا فضلٌ من الله عزَّ وجل، لو أنَّ أباً ضرب ابنه ضرباً مُبرِّحاً، ولم يذكُر له لماذا ضربه، هل يُعد الأب مربّياً؟ ضربٌ ليس له معنى، أمّا حينما يقول له: يا بني فعلت كذا وكذا وكذا، ونبَّهتُك مِراراً، وأنذرتُك، وشجَّعتُك، وحذَّرتُك فلم تنتبه، فهذا عقابك.
فالله عزَّ وجل يُبيِّن في هذه الآية، لماذا غضب على هؤلاء، قال: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ) بنقضهم ميثاقهم، أي بسبب نقضهم ميثاقهم، ما استفهامية، أي كل أنواع المواثيق نقضوها: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ) والميثاق هو العهد، وأوضح مَثَل: الإنسان حينما يؤدّي عُمرةً، أو يؤدّي فريضة الحج، ويقف أمام الحجر الأسود يُعاهد الله على طاعته، يا ربّي عهداً على طاعتك، عهداً أن أُطبِّق سُنَّة نبيك، عهداً أن أتوب إليك.
وسائل القُربى من الله عزَّ وجل:
فما من إنسانٍ إلا وله عهدٌ مع الله عزَّ وجل، فالمؤمن يحافظ على عهده، والله عزَّ وجل يقول:
﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ ۖ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)﴾
من خصائص إيمانك، أنك إذا عاهدت الله عزَّ وجل تُحافظ على هذا العهد، وكل إنسانٍ في ساعة صفاء عَقَد توبةً مع الله عزَّ وجل، عاهد الله على شيءٍ، نذر شيئاً، إذا كان مؤمناً حقَّاً يفي بوعده، يقول الله عزَّ وجل عن نبيٍ كريم:
﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ (37)﴾
يقول عن نبيٍ آخر:
﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)﴾
يعني أن تكون صابراً، أن تكون وفياً، أن تكون صادقاً، هذه وسائل القُربى من الله عزَّ وجل، هذا الذي يرفعك عند الله عزَّ وجل: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ) .
من علامة الإيمان الوفاء بالعهد:
كم من إنسانٍ وقع في مشكلةٍ، وفي ورطةٍ كبيرة، في أثناء الشِدَّة عاهد الله أن يتوب، عاهد الله ألا يعود إلى هذه المعصية، فبعد أن يُزيل الله عنه هذه الشِدَّة يعود إلى ما كان عليه.
فهذه صِفةٌ وجدت في اليهود، بل وفي أهل الكتاب، ويمكن أن توجد في المسلمين.
دقق أيُّها الأخ: أنك إذا عاهدت الله عزَّ وجل وقت الشِدَّة، وقت المِحنة، عاهدته على الطاعة، عاهدته على العمل الصالح، عاهدته على المحافظة على الصلاة، عاهدته على إنفاق المال، عاهدته على غضِّ البصر، هذا عهد، ومن علامة إيمانك أنك تفي هذا العهد (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ) لكن عامة الناس يقول الله عنهم: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ ۖ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) أي بسبب نقضهم كل عهودهم ومواثيقهم، ساق الله لهم ما ساق من شِدَّة.
سببٌ آخر قال: (وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ) هذه الآيات هي الطريق الموصل إلى الله، يقول الله عزَّ وجل:
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)﴾
يريد أن ينال شهادة من دون أن يدخل مدرسة، مستحيل! الله عزَّ وجل جعل لكل شيءٍ طريقاً، فآيات الله طريق الإيمان به، هناك آياتٌ تكوينية، وهناك آياتٌ كونية، وهناك آياتٌ قرآنية، مُجمَل آيات الله هي الطريق الموصل إلى الإيمان به، فحينما يستهزئ الإنسان بآيةٍ كونيةٍ، أو بآيةٍ قرآنيةٍ، أو بآيةٍ تكوينيةٍ معنى ذلك أراد أن يسلك طريقاً غير موصل، مشى في طريقٍ مسدود، فكيف يهديه الله عزَّ وجل؟!
بشكلٍ أو بآخر، الدولة رسمت للإنسان طريقاً لكي يكون طبيباً، يحتاج إلى شهادةٍ ثانوية، إلى مجموعٍ مُعيَّن، إلى أن ينتسب إلى كليِّة الطب، أول سنة علوم عامة، السنة الثانية تشريح وصفي، السنة الثالثة فيزيولوجيا، السنة الرابعة علم الأمراض، السنة الخامسة علم الأدوية، أخذ شهادة أولى، وهناك اختصاص، لا يستطيع إنسان أن يفتح عيادة، ويضع لافتة، ويُسمّي نفسه طبيباً، إن لم يسلك هذا الطريق.
الله عزَّ وجل رَسَم للإيمان به طريق الآيات، فمَن كفر بها فقد مشى في طريقٍ مسدود (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ) الشيء الذي ترونه أحياناً، أنك كلما فسَّرت زلزالاً أحياناً، أو فقراً، أو اجتياحاً، أو حرباً أهليةً، أو جفافاً، أو قحطاً، أو صاعقةً، أو بركاناً، أو فقراً، فسَّرته تفسيراً توحيدياً يُشير إلى أنَّ الله سبحانه وتعالى غنيٌّ عن تعذيبنا، ولكن إذا عذبنا فهذه رسالةٌ لنا، الله عزَّ وجل حينما قال:
﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ (134)﴾
معنى ذلك أنَّ المُصيبة رسالة من الله عزَّ وجل، سمعت بالأخبار أن عملاً موجهاً ضد مؤسسة، فصاحب المؤسسة جاء واطلع على التخريب، قال: وصلتني الرسالة، عدَّها رسالة.
الله عزَّ وجل حينما يسوق مصيبةً، حينما يسوق جفافاً، حينما يسوق قحطاً، حينما يُسلِّط عدواً، يأخذ ما في أيدي المسلمين، حينما تؤخَذ ثرواتهم، حينما يُحكمون، حينما تُجتاح أراضيهم هذه رسالة من الله عزَّ وجل، لكن نحن لا نقبل بهذا، نقاومه، لكن بالأساس هي رسالة، فالإنسان كلما كان قريباً من الله عزَّ وجل بالتعبير الدارج يفهم على الله، كلما كان قريباً منه يفهم أنَّ هذا الذي ساقه الله إليه رسالةٌ منه، وينبغي أن يعيَّ الرسالة، وأن يأخذ الموقف الكامل منها، لأنه مَن لم تُحدِث المصيبة في نفسه موعظةً، فمُصيبته في نفسه أكبر ، هي رسالة (رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ) .
لا ينبغي أن نفهم الحوادث فهماً أرضياً شركياً بل فهماً توحيدياً عُلوياً:
لذلك حينما قال بعض المُفسّرين في قوله تعالى:
﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (37)﴾
فقالوا: النذير هو القرآن، والنذير هو النبي العدنان، والنذير سن الأربعين، والنذير سن الستين، والنذير الشيب، والنذير المصائب، المصيبة رسالة من الله، أن يا عبدي أنت في طريقٍ غير صحيح، أنت في طريقٍ لا يؤدّي بك إلى السعادة، هذه رسالة.
إذاً (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ) المصيبة من آيات الله أحياناً، والشمس والقمر من آيات الله، وما يسوق الله لعباده من مصائبٍ من آيات الله، فينبغي أن نفهم الحوادث لا فهماً أرضياً شِركياً، ينبغي أن نفهمها فهماً توحيدياً عُلوياً، والبطولة لا في أن ينتهي إلى علمك ما حدث، هذا يستطيعه كل إنسانٍ على وجه الأرض، أحداث الحادي عشر من أيلول، هل بقي في الأرض كلها إنسان واحد لم ينتهِ إلى علمه هذا الحدث؟ لكن أين يتفاوت الناس؟ في تحليل هذا الحدث، في تفسيره، فلذلك قد تكون الآيات التكوينية، أي أفعال الله التي تُعدّ شدّةً في حقِّ البشر هي رسالة من الله، قد تُعدّ هذه آيةً من آيات الله الدالة على ألوهيته، وعلى تربيته، وعلى رحمته والدليل:
﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)﴾
أي تقتضي رحمته الواسعة ألا يُردَّ بأسه عن القوم المجرمين.
ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يُرفع إلا بتوبة:
إخواننا الكرام: أضع بين أيديكم هذا المثَل:
أب يمشي في الطريق، رأى ابنه، وابن أخيه، وصديق ابنه يُدخنون، يغلي على مَن؟ على ابنه، وقد يضربه، ويقول لابن أخيه: سأقول لأبيك، أمّا الثالث فيقول له: اذهب، الغليان على مَن؟ على ابنه، كلما كان هناك علاقة رحمة، وعلاقة محبّة، وعلاقة قريبة جداً، يكون الدواء، ويكون العلاج، وتكون التربية، فحينما تكون ضمن العناية المُشدَّدة، يسوق الله لك من المصائب -لا سمح الله ولا قَدَّر- ما يحملك على طاعة الله، ما معنى:
﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)﴾
أي ساق لهم من الشدّة ما يحملهم على التوبة.
لذلك من هو الإنسان الذي لا يعيّ على الله أفعاله؟ هو الذي يُفسِّر آيات الله تفسيراً أرضياً، كم من مصيبةٍ نزلت بمن حولنا هل تغير الأمر؟ هل عادوا إلى الله عزَّ وجل؟ هل انضبطوا؟ لا ونحن كذلك، فالمصائب من آيات الله التكوينية، والمصائب رسالة من الله عزَّ وجل، وكلما أهملنا هذه الرسائل ساقَ الله لنا رسائل أشدّ، ونحن في محنةٍ كبيرة، ويسوق الله للمسلمين اليوم رسائل لا تُعد ولا تُحصى، شِدَّةٌ ما بعدها شِدّة، الطرف الآخر يُفقرنا، ويُضلُّنا، ويُفسُدنا، ويُذلنا، لأننا تركنا ديننا، ما نزل بلاءٌ إلا بذنب ولا يُرفع إلا بتوبة.
(فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) قد تعتدي على إنسانٍ، لكن حينما تعلم علم اليقين، أنَّ هذا الإنسان مبعوثٌ من قِبَل الله عزَّ وجل، العدوان عليه بمليون ضعف (وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) ، طبعاً ليس هناك قتل أنبياءٍ بحقّ، لكن هذا قيدٌ وصفيٌ وليس قيداً احترازياً، يعني شأن من يقتل الأنبياء أنه يقتلهم بغير حقّ، يُعدِّد الله أمراض هؤلاء:(وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ) وهذه عقيدة الجبر أيُّها الإخوة يتمسك بها كل مُنحرف، يقول لك: الله مُقدِّر عليَّ، مُقدَّرٌ عليّ أن أعصيه، الأمر ليس بيدي، هكذا شاءت مشيئة الله عزَّ وجل، عقيدة الجبر كُفرٌ.
أن تقول: إنَّ الله أجبرك على أن تعصيه، ثم يحاسبك على هذه المعصية، ثم تدخل النار، ألم يقل الله عزَّ وجل:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148)﴾
هذا الذي يقول: لو شاء الله ما أشركتُ، لو شاء الله ما عصيتُ، لو شاء الله لصليتُ، لو شاء الله لما فعلت كذا وكذا، هذا الذي يعزو معصيته إلى مشيئة الله جبراً، إيمانه ضعيفٌ جداً، بل هناك ما ينقض إيمانه.
(قُلُوبُنَا غُلْفٌ) أي مُصفَّحة الباطل لا يخرُج منها، والحقّ لا يدخل إليها، هكذا خُلِقنا، وهذه عقيدة عوام المسلمين، بل عقيدة بعض من يعملون في حقل الدعوة، "كله فعل الله" ، طبعاً هذه كلمة حق، كله فعله، لكن بسبب، المدير يُرسِّب طالب ويُنجِّح طالب! لكن لماذا رسَّب فلاناً؟ بسبب، ولماذا نجَّحه؟ بسبب.
أَلقاهُ في اليَمِّ مَكتوفاً وَقالَ لَهُ إِيّاكَ إِيّاكَ أَن تَبتَلَّ بِالماءِ
مجرد الأمر والنهي يقتضي أننا مُخيّرون:
لذلك أيُّها الإخوة: أن تقول: أنا خُلقت هكذا، شاءت مشيئة الله أن أكون كذا، شاءت مشيئة الله أن أفعل كذا، هذا بالتعبير الفصيح، أمّا بالتعبير العامّي "طاسات معدودة بأماكن محدودة"، الله مُقدِّر عليه شرب الخمر!! لا تعترض، قضاء وقدر، انتهى الإنسان، قضية سهلة جداً أن تعزو كل المعاصي والآثام إلى الله، أنت ما فعلت شيئاً أبداً، تُنفِّذ مشيئة الله فقط، فلماذا يحاسبك؟! أين قوله تعالى:
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾
يعني إخواننا الكرام بشكلٍ بسيطٍ بسيطٍ جداً، هذا ذكرته كثيراً، لو بنينا حائطين بينهما فراغٌ بقدر عرض كتفيك، وسرت بهذا الطريق، الحائط الأيمن يمسُّ يدك اليمنى، والحائط الأيسر يمسُّ يدك اليسرى، ثم قلنا لك: اذهب إلى اليمين، هل هناك يمين؟ لذلك العلماء قالوا: مجرد الأمر والنهي يقتضي أنك مُخيَّر.
مادام هناك أمرٌ في القرآن ونهي معنى ذلك أنك مُخيَّر، لو كنت مُكرهاً أو مسيِّراً فلا داعي أن يكون في القرآن أمراً واحداً ولا نهياً واحداً، لمجرد وجود الأمر والنهي فأنت مُخيَّر، فهؤلاء يعزون معاصيهم وجرائمهم إلى الله عزَّ وجل، والآن أكثر كلمة متداولة بين عوام المسلمين: " ترتيب سيدك"، هذا يشرب الخمر، هكذا كتب الله عليه! هذا لا يُصلّي حتى يهديه الله! هذا سارق، هكذا جعل الله رزقه سرقة! شيء مريح جداً، فأنت لا تعرف شيئاً، الله قدَّر عليك السرقة أو المعصية أو الزِنا، وأنت نفَّذت مشيئة الله، فلماذا يُحاسبك؟!!
قال رجُلٌ لسيدنا علي: أكان مسيرنا إلى الشام بقضاءٍ من الله وقدَر؟ قصده قضاء الجبر، قال له: "ويحك لو كان قضاءً لازماً وقدراً حاتماً إذاً لبطل الوعد والوعيد، وانتهى الثواب والعقاب، إنَّ الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلّف يسيراً، ولم يُكلِّف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً" .
إذاً آيات الله أحياناً هي المصائب، وينبغي أن تفهمها لا فهماً جبرياً، بل فهماً توحيدياً، فهماً تفضُّلياً، سيقت هذه المصيبة كرسالة من الله عزَّ وجل، عليَّ أن أنتبه.
سمعت قصةً أيضاً ذكرتها كثيراً، عن إنسانٍ ببلدٍ من بلاد المسلمين، بدوي له أرض بعيدة عن مدينةٍ مشهورةٍ جداً، فلمّا توسَّعت المدينة اقتربت أرضه من ظاهر المدينة، فارتفع سعرها، نزل إلى السوق، وباع الأرض، واشترى الأرض منه مكتبٌ خبيثٌ جداً، اشتراها بربع قيمتها، ـ والقصة واقعية ـ وبنى بناءٌ يزيد على عشرة طوابق، هُم شركاءٌ ثلاثة، الشريك الأول وقع من أعلى البناء فنزل ميتاً، والثاني دهسته سيارة، فانتبه الثالث، عدَّ هذين الحادثين رسالة من الله، بحث عن صاحب الأرض أكثر من ستة أشهر حتى عثر عليه، ونقده ثلاثة أضعاف حصته، فقال له هذا البدوي: ترى أنت لحقت حالك.
إذا ساق الله لنا في الدنيا شدةً معنى ذلك أننا مؤهلون أن نتوب:
الإنسان أحياناً تأتيه رسالة من الله ينتبه، لا تفهمها فهماً أرضياً، لا تفهمها حياةً مُعقدة، لا تفهمها صعوبات في الحياة، افهمها أنَّ الله عزَّ وجل ساقها إليك.
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾
نحن نرتاح عندما نقول: ماسونية، واستعمار، وشارون، وبوش، ونحن ما فعلنا شيئاً، هؤلاء الطُغاة، لكن العِلّة موجودة عندنا حتى سُلِّطوا علينا، لذلك المؤمن لا تنهار معنوياته، لا يُحس بالقهر، لكن يؤمن بالتسليط، أنَّ الله يُسلِّط قوياً على مؤمنٍ كرسالةٍ من الله، انتبه، لأنَّ القضية سهلة الآن، كل شيء يمكن أن يُحَل، يمكن أن تتوب مادام القلب ينبض، يمكن أن ترجع إلى الله، يمكن أن تدعَ هذا الدخل المشبوه، يمكن أن تدع هذه المعصية، كل شيء يُحَل ما دام القلب ينبض، فإذا ساق الله لك في الدنيا شِدةً، معنى ذلك أنت مؤهلٌ أن تتوب، أمّا الذي لا يتوب ذَكَره الله عزَّ وجل فقال:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)﴾
يقول لك إنسان: عند الأجانب الكفر، والفسق، والفجور، والزِنا، والشذوذ، والمال الحرام، والرِبا، وهم أقوياء، هؤلاء تنطبق عليهم هذه الآية: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً) .
هؤلاء تنطبق عليهم هذه الآية:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)﴾
لا تقل طبَع الله على قلبي، لا تقل هذا الكلام (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) .
أتمنى أن أوضِّح الفكرة، إنسان يحمل علم بمستوى رفيعٍ جداً، وإنسان لا يعتدّ به يقول لك: هذا لا يفهم، كيف يمكن لهذا الذي يحمل هذا العِلم أن يُعلِّمه؟ أنت كافرٌ به؟ الكُفر سبب الطبع.
طبيب اختصاصه متعلق بمرض مريض، والمريض لا يقنع بهذا الطبيب، هل يستطيع هذا الطبيب أن يُقدِّم لهذا المريض شيئاً؟ لا يستطيع، مستحيل، لأنَّ المريض كفر بهذا الطبيب، حُجِب المريض عن علم الطبيب، حُجِب عن خيره وفضله (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) ، لأنهم كفروا بالله عزَّ وجل.
إنسان يمشي بطريقٍ فوجد فرعين للطريق دون لافتة، والرحلة خطيرة جداً، في الطريق وجد شخصاً يعرف حقيقة الطريقين، فقال له: أنت كاذب، لا تفهم شيئاً، هل يستطيع هذا الشخص أن يُعطيه نصيحة؟ لا، لأنه كفر بعلمه، فكان كُفره بعلمه حجاباً بينه وبينه (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) لأنهم كفروا فكان قلبهم مُغلَّفاً (فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) وهذه رحمةٌ من الله، هناك أمل، لكن هذا الأمل قليل (فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) يعني هناك أمل حتى لمن طُبِع على قلبه أن يصحو من غفلته.
﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156)﴾
الكُفر أنواع، هناك كُفرٌ بالله، هناك كُفرٌ بأسمائه الحُسنى، هناك كُفرٌ ببعض أسمائه، هناك كُفرٌ بأنبيائه، هناك كُفرٌ ببعض أنبيائه، هناك كُفرٌ بكتبه، هناك كُفرٌ ببعض كتبه، وهناك كُفرٌ دون كُفرٍ، ليس في القرآن تكرار، قال: (وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ) ذاك كُفرٌ بآيات الله، والآية الثانية وبكفرهم برسالة سيدنا عيسى: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) اتُّهِمَت أنها جاءت بهذا المولود النبي الكريم من الزِنا.
للآية التالية عدة تفاسير:
﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)﴾
هناك عدة تفاسير:
المعنى الأول: إمّا أنَّ كلمة (رَسُولَ اللَّهِ) من كلامهم وهذا يضاعف جريمتهم (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) تعرفه موظفاً، وتعرفه تابعاً لجهةٍ قويةٍ جداً، وقتلته، هذا تحدٍّ.
المعنى الثاني: قالوها استهزاءً، هذا رسول قتلناه.
وهناك تفسيرٌ ثالث: أنَّ كلمة رسول الله ليست من كلامهم، إنها من كلام الله عزَّ وجل، على كلٍ (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) .
نفي الله أن السيد المسيح قُتِل ثم صُلِب ولكن شُبِّه لهم ورفعه الله إليه:
يقول الله عزَّ وجل: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) نفى الله أنهم قتلوه ثم صلبوه، لكن الذي قتلوه ثم صلبوه شُبِّه لهم بالسيد المسيح:
﴿ بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)﴾
﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)﴾
كيف أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام رُفِع إلى سدرة المُنتهى ثم عاد، لكن إقامة السيد المسيح عند الله عزَّ وجل إقامةٌ مديدة إلى آخر الزمان، وعودته عِلمٌ بالساعة، من علامات قيام الساعة الكُبرى نزول السيد المسيح، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لَتُمْلَأَنَّ الأرضُ ظلمًا وعدوانًا، ثُمَّ لَيَخْرُجَنَّ رجلٌ مِنْ أهلِ بيتِي، حتَّى يملأَها قِسْطًا وعدلًا، كما مُلئَتْ ظلمًا وعدوانًا. ))
ما من أهل الكتاب واحد إلا وسيؤمن بالسيد المسيح قبل موته:
﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)﴾
وَإِن نافية، أي ما من أهل الكتاب واحدٌ إلا يؤمن به قبل موته، سيعود السيد المسيح إلى الأرض، وسيتلو صُحفاً مُطهَّرة، وسوف يؤمن به أهل الكتاب، على أنه رسولٌ من عند الله عزَّ وجل (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا).
معظم أخطاء الذين كانوا قبلنا متفشية بين المسلمين اليوم:
ثم يقول الله عزَّ وجل:
﴿ فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)﴾
بظلمٍ، أي بسبب ظلمٍ، هذه الباء للسبب بسبب:
﴿ فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)﴾
هذه أسباب مطوّلة، لما ساق الله لهؤلاء من الشدة ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) إنكارهم أنَّ الإنسان مُخيَّر (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ) ،(وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) ، (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) ، (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا) .
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)﴾
(( أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: ومَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقالوا: ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا. ))
(وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّه) ، (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) هذه أخطاؤهم، بربكم أليست معظم هذه الأخطاء متفشيةً بين المسلمين؟ ألم يقل الله عزَّ وجل: (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) .
أليست هذه المعصية التي هي عند الله سبب هلاكهم؟ أليست متفشيةً بين المؤمنين؟ أليس قول النبي عليه الصلاة والسلام: (كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ) .
أليست هذه المعصية متفشيةً بين المؤمنين؟!!
الإيمان وحدة لا تتجزأ لذلك ينبغي أن تؤمن بكل أنبياء الله:
﴿ لَّٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ۚ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)﴾
الإيمان وحدةٌ لا يتجزأ، ينبغي أن تؤمن بكل أنبياء الله، لا أن تختار ما يعجبك، لا أن تؤمن ببعضهم وتكفر ببعضهم الآخر.
(لَّٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) النبي عليه الصلاة والسلام لا يظنّه الطرف الآخر نبياً، يظنونه عبقرياً، يظنونه مُصلِحاً اجتماعياً، يظنونه إنساناً ذكياً، هو رسول الله، هو نبي الله، كما أنَّ لهؤلاء الذين يُنكرون أنبياء، هو نبينا عليه الصلاة والسلام، لكن نبينا عليه الصلاة والسلام هو لكل الخلق، للناس كافة
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)﴾
الجاهل حينما يقبل أن يتعلم يصبح أحد أركان الدنيا:
(لَّٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) معنى ذلك أخطر شيءٍ نصف العِلم، نصف العالِم، لا هو عالِم فينتفُع بعلمه، ولا هو جاهلٌ فيتعلم، ألم يقل الإمام علي رضي الله عنه: << قوام الدنيا والدين أربعة رجال: عالمٌ مستعملٌ علمه، وجاهلٌ لا يستنكف أن يتعلم، وغنيٌ لا يبخل بماله، وفقيرٌ لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا ضيَّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره>> ، فالجاهل حينما يقبَل أن يتعلم أحد أركان الدنيا.
(لَّٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) كعبد الله بن سلّام رضي الله عنه، كان من أحبارهم، وقصته مشهورة، آمن بما أُنزل على سيدنا محمد، وطلب من النبي أن يخبئه في مكانٍ من حجراته، وأتى بقومه اليهود، "ما تقولون في عبد الله بن سلّام؟ قالوا: هو سيدنا، وابن سيدنا، وعالمنا، وابن عالمنا، ومدحوه مدحاً يفوق حدَّ الخيال، قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: لا نُصدِّق، خرج عليهم وقال: أنا أسلمت، قالوا: هو شرُّنا، وابن شرُّنا، وجاهلنا، وابن جاهلنا" ، هذا تعنت.
(وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ۚ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) .
الملف مدقق