- التربية الإسلامية / ٠4تربية الأولاد في الإسلام
- /
- ٠2تربية الأولاد 2008م
ؤؤالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
التفرقة بين الأولاد وعدم العدل بينهم يخلق فيهم الحسد و العقوق:
أيها الأخوة الأكارم مع الدرس التاسع عشر من دروس تربية الأولاد في الإسلام، ولا زلنا في التربية النفسية، وقد بينت لكم أن الشعور بالنقص، والعقد النفسية، وما إلى ذلك من أمراض نفسية تنشأ عند الصغار هي بسبب التفرقة بين الأولاد، وعدم العدل بينهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( سووا بين أولادكم في العطية ))
(( رجل كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه، وجاءته بنت له فأجلسها بين يديه ـ الابن في حجره، والبنت بين يديه ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا سويت بينهم ))
إذا أجلست ابنك على فخذك الأيمن فأجلس ابنتك على فخذك الأيسر، إن ضممت ابنك ضمّ ابنتك، إن قبلت ابنك قبل ابنتك، هلا سويت بينهم، حتى في القبل، حتى في الابتسامة، حتى في الضم، حتى في الشم، أنت حينما تعدل بين أولادك تعينهم على برك، وعندما لا تعدل بينهم تعين الشيطان عليهم بالعقوق، إن عدلت بينهم أعنتهم على الشيطان وإن لم تعدل بينهم أعنت الشيطان عليهم في العقوق.
لذلك من أروع الأحاديث الشريفة:
(( رحم الله والداً أعان ولده على بره ))
أي سوى بين أولاده، لم يفرق واحداً عن واحد، عدل بينهم فأعانهم على بره:
(( رحم الله والداً أعان ولده على بره ))
لذلك أنت حينما لا تعدل بين أولادك تخلق فيهم الحسد، الحسد الشديد الذي قد يؤدي إلى الأذى، وقد يؤدي إلى الجريمة.
فلذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إيَّاكْم والحَسدَ، فَإنَّ الحَسَدَ يَأُكُلُ الْحسنَاتِ كما تأُكُلُ النَّارُ الْحَطَب ))
مستويات الحسد:
وقد بينت لكم أيضاً، هذا ملخص الدرس الماضي، أن الحسد مستويات ثلاث إما أن تتمنى زوال نعمة عن أخيك كي تتحول إليك، هذا مستوى، هناك مستوى أسوأ، أن تتمنى زوال نعمة عن أخيك دون أن تتحول إليك، الأسوأ والأسوأ أن تكتب تقريراً، أو أن تفسد، أو أن تتحرك لسلب نعمة عن أخيك، هذه أصبحت جريمة، الحسد ذنب كبير، أما أن تتحرك، أن تشي به، أن تعطي خبراً كاذباً عنه، كي يغلق محله، هذه جريمة، الحسد يأتي من التفرقة.
أذكركم ببعض كتب الحديث، تأتي الأحاديث مرتبة وفق الترتيب الهجائي.
براءة النبي الكريم ممن فرق بين الآخرين:
من أدق الأحاديث مجموعة لا بأس بها من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تبدأ بكلمة ليس منا، كلمة ليس منا ما سيأتي بعدها يُعد من الكبائر، نفى انتساب هذا الإنسان إلى النبي ليس منا.
(( ليس منا من غَشَّ ))
فالغش كبيرة، من غشّ مطلقاً.
(( لَيْسَ مِنا مَن لم يَرحَمْ صغيرَنا، ويُوِّقرْ كَبيرنا ـ ولم يعرف لعالمنا حقه ـ ))
(( ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية ))
(( لَيسَ مِنَّا مَنْ دَعا إِلى عَصبيَّة، وليس منا من قاتل عصبيَّة، وليس منا من مات على عصبيَّة ))
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرأة على زوجها ))
أفسدها، ليس منا من فرق بين أخ وأخيه، بين أخت وأخيها، بين شريك وشريك، بين أم وولدها، بين أب وولده، ليس منا من فرق، وليس مني إلا عالم أو متعلم، وليس مني اللعان ولا الطعان، كل إنسان يتهمه باتهام، لا يحلو له إلا أن يلقي تهمة ظالمة على إنسان تألق، ليس مني لا اللعان، ولا الطعان.
(( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به ))
هذه مجموعة أحاديث تبدأ بـ ليس منا، أما الحديث الذي يقصم الظهر:
(( ليس مني ذو حسد ))
الذي يحسد ليس منا.
ألا قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعلـه كَأَنَّك لَمْ تَرْضَ لِي مَا وَهَبْ
ملك الملوك إذا وهــب لا تسألن عن الــــسب
* * *
خطأ:
ملك الملوك إذا وهــب لا تسألن عن الــــسبب
* * *
لأن الله عادل:
الله يعطي مــــن يشاء فقف على حِّــــد الأدب
* * *
من كان مؤمناً و لم يفرح لعطاء أصاب أخاه فهو على ثلمة من النفاق:
لذلك أيها الأخوة التفرقة بين الأولاد تسبب حسداً شديداً قد ينتهي بأذى أو بقتل أريد أن أبين حقيقة هي مقياس دقيق:
لك صديق مؤمن، لك أخ من أمك وأبيك، لك شريك، لك جار، لك ابن عم، لك قريب، لك زميل بالعمل، هؤلاء جميعاً لو أن واحداً اشترى بيتاً، أو اشترى مركبة، أو نال شهادة، أو أسس عملاً ونجح في عمله، إن كنت مؤمناً وكان مؤمناً إن لم تفرح بهذا العطاء لأخيك فالعلم والكلمة قاسية جداً أنك على ثلمة من ثلم النفاق، لأن من شان المنافق:
﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾
أقسم لك بالله لك أخ نال الدكتوراه، إن فرحت له من أعماق قلبك فأنت مؤمن ورب الكعبة، أنت حينما فرحت بهذه الشهادة التي نالها، أو بهذا الزواج الذي أكرمه الله به، أو بهذا البيت الذي اشتراه، أو بهذا المحل الذي عمل به، أو بهذه الوظيفة اللطيفة التي قُبل بها، إن فرحت هذه علامة إيمانك.
(( ليس مني ذو حسد ))
علامة إيمانك أن تفرح بنعمة ساقها الله لأخيك:
ما بعد ليس مني من الكبائر، لكن الأب الذي يعين ولده على بره و ذلك بالعدل بين أولاده ينطبق عليه الحديث الشريف:
(( رحم الله والداً أعان ولده على بره ))
والأب الذي يفرق بين أولاده هو يعين الشيطان على عقوق أولاده، أقسم لكم بالله زارني شاب مؤمن، يملك والده (وقد توفي من أيام) ألف مليون، باسم هذا الشاب ما يقترب من ثمانمئة مليون، محاضر، وله ابن يعمل على سيارة أجرة، يأكل كل يوم من جهده وعرق جبينه، أما هذا الابن الأول الذي باسمه ثمانمئة مليون وزع ما باسمه على إخوته وعلى الورثة بحسب الحكم الشرعي، فكان بطلاً.
لذلك فرحك بنعمة ساقها الله لأخيك علامة إيمانك، وحسدك لنعمة ساقها الله إلى أخيك تتمنى أن تزول عنه وتأتي إليك، أو تتمنى أن تزول عنه دون أن تأتي إليك، أو توقع به، هذه علامة النفاق، هذه كلها علامات، النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( من حمل سلعته فقد برئ من الكبر ))
(( برئ من الشح من أدى زكاة ماله ))
(( من أكثر من ذكر الله فقد برئ من النفاق ))
مجتمع المؤمنين الكل لواحد والواحد للكل:
أنا أتصور أن مجتمع المؤمنين الكل لواحد، والواحد للكل، هذا مجتمع المؤمنين، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا ))
والله هناك عداوة، وأحقاد بين الأسر، وبين أفراد الأسرة الواحدة، وبين أفراد الأسرة الكبيرة، وبين أبناء قرية، وبين أبناء مصلحة.
والله أعرف رجلاً مستقيماً في عمله، لكن ناجح جداً، يؤدي زكاة ماله، يستقيم على أمر الله تماماً، مبيعاته ارتفعت إلى مستوى عالٍ جداً، جاره يصلي في المسجد علم أن عنده مخالفة بالبناء قدم شكوى ضده، والآن قريب على أن يدفع مليون ليرة، حتى يعيق نجاحه بالتجارة، هذا إيمان ؟ لا والله.
(( ليس مني ذو حسد ))
والأب الذي يعدل بين أولاده يعين أولاده على بره، والأب الذي لا يعدل بين أولاده يعين الشيطان كي يقوى على أولاده في العقوق.
أحد أسباب غضب الطفل أن حاجاته الأساسية غير جاهزة:
درسنا اليوم عندنا ظاهرة، ظاهرة الغضب، ولد غضوب، ردود فعله قاسية جداً، ينفجر لأتفه الأسباب، يعلو صوته على أمه وأبيه، قد يضرب أخوته الصغار ضرباً مبرحاً، قد يسب، قد يشتم، هذه الظاهرة، ظاهرة الغضب، ما أسبابها ؟ لا يوجد شيء ليس له سبب.
أيها الأخوة، هذه الحالة العدوانية الانفجار، الغضب الشديد، الصوت المرتفع، الضرب المتسرع، هناك أطفال بالبيت هكذا، عندهم حاجات أساسية لم تلبَ، الأب مدعو إلى طعام مع الأم، والبيت لا يوجد فيه أكل، ماما دبروا حالكم، لا يوجد شيء بالبيت، وجاء جوعان، لا يوجد أكل، الأب والأم ما عندهم مشكلة هم بدعوة، والابن ؟.
أنا لي كلام عندكم، اطلعت على بحث حول المطاعم في بلاد بعيدة، يعني مطاعم خمس نجوم، صار في تفتيش مفاجئ للمستودعات، كلام دقيق جداً عُرض بتحقيق رسمي، جرذان، صراصير، أكل المطاعم ليس كطعام البيت، أنا أعتبر من نجاح الأسرة أن يكون فيها أكل منتظم، أنا لا أقول أكل مرتفع ثمنه أقول أكل منتظم، بمواعيد محددة، طفل وجد حاجته من الطعام أكل، سُر بالأكل، أحد أسباب هدوء الطفل تكون حاجته الغذائية مؤمنة، أما أحياناً لا يوجد طعام، يرى الطعام لا يحبه، علامة المؤمن أنه يأكل بشهوة أهله بينما الأب المتكبر يجبر من حوله أن يأكلوا بشهوته، اسأل أهلك ماذا تحبون أن تأكلوا ؟.
والله أعرف آباء لا يوجد طعام يأكله دعوة، أو وليمة، أو في مطعم عند الضرورة، أو عنده ضيف بالتجارة هيأ له طعاماً، هذا الطعام الذي أكله مع ضيفه يأتي به مساءً إلى البيت، ليأكل أهله كما أكل.
الأب العاقل الواعي يجمع أولاده ولا يفرقهم:
كلما شعر أهلك أنك جزء منهم، وأنك تحب لهم ما تحب لنفسك، وتشتهي لهم ما تشتهي لنفسك، وأن الأكلة التي طربت لها ينبغي أن تأتي بها إلى البيت ليأكلوا معك، يعني أنا أريد أسرة متماسكة، فيها حب، فيها تضحية، فيها إكرام، وهناك أسر كل واحد بجهة فالأب العاقل الواعي يجمع أولاده، أنا أقول لكم هذه نصيحة ثلاث وجبات منتظمة بالبيت نظيفة من صنع الأم، هذه أم صالحة، أضرب مثلاً يمكن أعدته مئة مرة:
أم تحب الله كثيراً، تصلي قيام الليل، الساعة الخامسة تعبت تعباً شديداً، فآوت إلى الفراش وطلبت من أبنائها أن يدبروا أنفسهم، الوقت شتاء، والغرفة باردة، الغرفة باردة جداً، والطعام غير جاهز، هذا أكل من الثلاجة مباشرة، هذا وضع طعام فيه زيت من دون كيس نايلون، انتقل الزيت للكتب والدفاتر، هذا صدريته وسخة، حذاؤه غير نظيف، الزر مقطوع، ولم يكتب وظيفته، الخمسة أولاد كلهم تلقوا ضرباً مبرحاً من أستاذهم، وهذا وظيفته لم يكتبها، وثيابه غير نظيفة، الشطيرة في محفظته نقلت الزيت إلى بقية الكتب، أنا أرى وهذا اجتهاد مني إن أصبت فمن توفيق الله، وإن أخطأت فمن تقصيري، أنا أرى أن هذه الأم التي صلت عشر ركعات قيام الليل، وبكت وسحت في البكاء، لو أنها استيقظت قبل الشمس بنصف ساعة، وصلت الفجر بوقته، ودفأت الغرفة، وهيأت طعاماً مرتباً، طعام الصباح مع شاي، تفقدت وظائف أولادها، تفقدت ثيابهم، نقلتهم إلى مجيء السيارة ثم ذهبت ونامت، أنا أرى أن هذه الأم أقرب إلى الله مليون مرة من التي صلت قيام الليل، ونسيت واجبها تجاه أولادها.
الأم المؤمنة تعبد الله فيما أقامها، أقامك أماً ؟ ينبغي أن تكوني أماً صالحة.
الدين ليس فقط أن نصلي و نصوم الدين في عملك و بيتك وعيادتك:
أنا أرى أن الجنة بحاجة إلى عمل، هذا العمل، الأم الصالحة في طريق سالك من بيتها إلى الجنة.
أنا صيدلي من الصيدلية للجنة، دواء ثمنه ألف و مئتا ليرة وانتهى مفعوله، تحك تاريخ الصلاحية، أنت ألغيت صلاتك، تحك بشفرة تاريخ الصلاحية، يأتي إنسان يطلب الدواء يعطيه إياه بألف و مئتي ليرة، هو انتهى مفعوله، وأنا كنت أتوهم أن الدواء الذي انتهى مفعوله لا يؤذي، ثبت العكس، الدواء الذي انتهى مفعوله يؤذي لأنه تفتت.
فهناك أعمال تلغي بها صلاتك، وصيامك، وحجك، وزكاتك، الناس فهموا الدين فهم طقوسي، جئنا إلى الجامع صلينا، وسمعنا خطبة، أما في غش بالبضاعة، في مادة محرمة، في مادة مبيضة، لكنها مسرطنة، في هرمونات مسرطنة، في إعلان كاذب، البضاعة ألمانية وهي شغل الصين، يظن الدين ما له علاقة، الدين في عملك، في بيتك، في عيادتك، في صيدليتك.
مرة زرت معملاً يبيع مادة غذائية أقسم لي بالله صاحب المعمل ـ أظنه صالحاً ولا أزكي على الله أحداً ـ يضعون بهذه المادة الغذائية مادة مسرطنة، تستخدم في الدهانات تبيض هذه المادة، إذا ابيضت ارتفع سعرها، وفلاحون يضعون هرمونات على النباتات تأتي الحبة كبيرة وقاسية وذات وزن، ويربح أرباحاً طائلة، والهرمون محرم دولياً ممنوع بيعه، وأي صيدلية تبيعه تُغلق فوراً، أنا أرى الدين بالحقل، والدين بالعيادة، والدين بمكتب المحاماة، والدين بقاعات التدريس، والدين بالبيع والشراء، الدين بالوظيفة، عندما أقول الدين خمسمئة ألف بند لا أبالغ، تبدأ أحكام الدين من أشد العلاقات خصوصية، من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية.
أحد أسباب غضب الطفل إذا حاجاته الأساسية غير جاهزة، الوقت برد شديد يحتاج لمعطف، ما في معطف، إذا في فقر موضوع ثانٍ، لكن لما الابن يرى من أبيه العناية، ثيابه جيدة، طعامه جيد.
العمل عبادة:
لذلك العمل عبادة أنا أعني ما أقول ولا أبالغ، إذا كان عملك في الأصل مشروعاً وسلكت به الطرق المشروعة، وابتغيت منها كفاية نفسك وأهلك، وخدمة المؤمنين، والناس جميعاً، ولم يشغلك عن واجب، ولا عن فريضة، ولا عن طاعة، انقلب عملك إلى عبادة، في عملك أنت في عبادة، نصحت المسلمين ما غششتهم، ما أوهمتهم، ما احتكرت بضاعتهم، ما دلست عليهم، في تدليس، يوهمك أن هذه البضاعة من منشأ معين، وهي ليست كذلك، لو صار تدقيق تجد نفسك مع الله دائماً، تدقيق في المعاملة ما في كلمة خطأ، ما في نظرة خطأ، ما في قرش تأخذه حراماً
إذا استقمت كما أراد الله انفتحت أبواب السماء، جاء التوفيق، جاء الدعم الإلهي، جاء التأييد، جاء النصر، جاء التفوق، جاءت السعادة، جاءت السكينة.
(( استقيموا ولن تُحْصُوا ))
على المؤمن أن يغضب إذا انتهكت حرمات الله عز وجل أما لنفسه فعليه أن يسامح:
النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن نغضب لله، أما لأنفسنا في تسامح، يعني زوجته بالشرفة بثياب فاضحة، والشرفة على الطريق لا تتحرك شعرة فيه، أما إذا الطعام ما كان جاهزاً تقوم الدنيا ولا تقعد، لا، أنت الآن تغضب لغير الله، تغضب لمصلحة لك، أما حينما تنتهك هذه الزوجة حرمات الله ولا تبالي هذه حالة مرضية، أما المؤمن يغضب، يغضب إذا انتهكت حرمات الله عز وجل، أما لنفسه في تسامح، هكذا علمنا النبي عليه الصلاة والسلام، لذلك هناك حديث مختصر جداً:
(( لا تَغْضَبْ ))
أي لا تضع نفسك في أسباب الغضب.
(( وإياك وما يعتذر منه ))
عمل يسبب لك إحراجاً شديداً مع مدير المدرسة، تأخرت نصف ساعة، فقسا عليك بالمعاملة أمام الطلاب، تبقى شهراً مزعوجاً، تغضب، تحاول تنتقم، أنت السبب وضعت نفسك في موضع تستحق اللوم، فلما جاءك اللوم لم تحتمل.
(( وإياك وما يعتذر منه ))
الشدة النفسية وراء معظم أمراض الإنسان:
أخوانا الكرام، لا أعتقد واحداً منكم يغفل عن هذه الحقيقة، الآن وراء معظم أمراض الإنسان وراء معظم أمراض الإنسان، الشدة النفسية تسبب قرحة، تسبب التهاب أعصاب، أمراض لا تنتهي، ضيق شرايين، عندنا تضيق اختلاجي، عندنا تضيق وعائي، الشدة النفسية تضيق شرايين القلب، تصبح أعراض الذبحة القلبية، الشريان ما فيه شيء، لكن مع التشنج ضاقت لمعته، هذا تضيق تشنجي، هناك تضيق وعائي، الشدة النفسية قد تجعل الشرايين تتقلص، صداع، آلام، قرحة، أمراض لا تعد ولا تحصى، تأتي من الشدة النفسية، والشدة النفسية أساسها ضيق في البيوت، الأب الهادئ، الذي يعمل عملاً جيداً، يكسب مالاً حلالاً، يحل مشكلات أولاده، مشكلات بناته، مشكلات زوجته، هذا إنسان في أعلى درجة من العبادة.
من كان مع الله كان الله معه:
طبعاً هذه حالة نادرة، أن هناك صحابي سُرقت بعض حاجاته، لكن هدوءه عجيب قال: يا رب هذا الذي سرقها إن أخذها عن حاجة فبارك له فيها، أنا أسامحه، وإن أخذها بطراً فاجعلها آخر ذنوبه، ما هذا الهدوء ! تجد المؤمن هادئاً، جبلاً راسخاً، لا يوجد شيء يزلزله.صحابي آخر، قالوا له: احترق دكانك، قال لهم: لا لم يحترق، يا أخي احترق، قال لهم: ما كان الله ليفعل، واثق، مؤدي زكاة ماله، فلما ذهبوا إلى الدكان وجدوا المحترقة دكان جاره، قال لهم: ما كان الله ليفعل.
أنت أيضاً غالٍ على الله، صعب الله يدمر بلا سبب، أنت في رعاية الله، وفي عين الله.
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
البيت السعيد بيت فيه طاعة لله و محبة له:
أخوانا الكرام والله هذا الشعور أنه أنت غالٍ على الله، والله عز وجل ما كان ليفعل معك ذلك، هناك مصائب ماحقة، هناك إنسان يُستدعى ليستلم ابنته من قسم الشرطة، وقد ضبطت في دار دعارة، مثلاً، هناك إنسان يستدعى ليأخذ ابنه من مركز شرطة متلبس بجريمة، هذه مصيبة، أما البيت الذي فيه تقوى، فيه صلاة، فيه قرآن، فيه هدوء، بيت سعيد، نحن عندنا توهم أن البيت السعيد الكبير، لا، ليس شرطاً، الدخل، ليس شرطاً، بأرقى أحياء دمشق، ليس شرطاً، البيت السعيد بيت فيه طاعة لله.
والله مرة أذكر زرت صديقاً يسكن بالجادة الأولى لكن من الشمال، أي عاشر جادة، حتى وصلت بشق الأنفس، البيت متواضع جداً، لا يوجد به بلاط فقط إسمنت والأثاث أشد تواضعاً، أقسم لكم بالله شعرت هذا البيت أنه قطعة من الجنة، فيه تقوى، فيه حب، فيه أب يحب الله ورسوله، زوجة صالحة، أولاد أبرار، صغار، بيت متواضع، البيت الذي فيه طاعة جنة، وهناك بيوت يقول لك: مئة و ثمانون مليوناً، لا يوجد به سعادة، ليس فيه طاعة لله.
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾
لذلك من أين يأتي الهدوء ؟ من معرفة الله، من التوحيد، من الخضوع لله عز وجل.
أكثر المعاصي أسبابها الغضب:
أيها الأخوة، بالمناسبة أكثر المعاصي أسبابها الغضب، المعصية يتوهمها الغضوب أنها تخفف توتره، النبي سأل عليه الصلاة والسلام:
(( ما تَعُدُّون الصُّرَعَةَ فيكم ؟ ـ الشدة، والقوة، البطولة ـ قالوا: الذي لا يصرعُه الرجال، قال عليه الصلاة والسلام: لا، ولكنَّه الذي يملك نفسه عند الغضب ))
لكن هناك حالات أخرى، حالات دم بارد، قال: دخل إنسان بريطاني على جسر وحيد الاتجاه، ودخل إنسان فرنسي على جسر والتقيا بمنتصف الجسر، كل واحد أبى أن يرجع، فالفرنسي أراد أن يغيظ البريطاني، فتح قاموس لاروس، هكذا سماكته، الثاني قال له: عندما تنتهي أعرني إياه.
أما في حلم، الحليم، قال: كاد الحليم أن يكون نبياً، الحلم سيد الأخلاق، تجد أباً هادئاً بالبيت، كله هادئ، لا يوجد كلمة قاسية، لا يوجد صوت مرتفع، يقول لك الجار: كأنه لا يوجد أحد بالبيت، كلامه بصوت منخفض، كل قضية تحل بشكل سلمي لطيف، بملاحظة، بعتاب بسيط، أما بيت سُباب، وشتائم، وخبط أبواب، ومسبات دين، كلما كنت مع الله كان البيت فيه تجلٍّ، فيه رحمات، بيت مرحوم.
من عصى الله عز وجل اختل توازنه و أصبحت ردود فعله قاسية جداً:
أنا أتكلم كلاماً دقيقاً، هناك بيوت فيها غضب شديد، ضرب، سُباب، صوت مرتفع، الإنسان عندما يكون عاصياً لله يختل توازنه، أحد ظوهر اختلال توازنه ردود فعل قاسية جداً، الروح المرحة من الإيمان، أنت تمشي بشكل صحيح، وعندك إحساس، والله يحبك، والأمر بيده كله، وأنت عليك أن تطيعه، وتطيعه، هذه المعاني تعمل لك هدوءاً، استقراراً، سكينة، تجلياً، سعادة، رضا، إذا الأب بهذه الحال، البيت كذلك، الزوجة كذلك، لا يوجد كلمة اعتذار، يوجد حب، يوجد حياء، يوجد خجل، يوجد أدب، لذلك قال تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ ﴾
قال لك قانون، معادلة رياضية
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ ﴾
يعني بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك.
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
أنت، أنت نبي ورسول، ويوحى إليك، ومعك القرآن، والوحي، معك معجزات، وسيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، وفصيح، قال له أنت، أنت مع كل هذه الخصائص
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
فكيف إذا شخص ما هو نبي، ولا رسول، ولا يوحى إليه، ولا معه القرآن، ولا فصيح اللسان، ولا جميل الصورة وغليظ، لماذا هذه
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
بطولة الأب لا أن يكون محترماً فقط بل أن يكون محبوباً أيضاً:
والله يا أخوان لي ملاحظة، أنا أتصور في ثقافة المسلمين ذكرتها سابقاً، بثقافة المسلمين الأب محترم، لكن بطولتك أيها الأب لا أن تكون محترماً فقط، أن تكون محبوباً والله هناك أب يدخل للبيت عيد بالبيت، الأولاد يتحلقون حوله، يُقبّلونه، ما حصل ؟ أب، أب رحيم، أب محب، أب حريص، أنا أرى أحد أكبر أسباب السعادة تكون أباً ناجحاً، تجمع الأسرة.
حدثني قريب، قل لي: أنا منذ خمس و ثلاثين سنة الغداء الساعة الثانية، وكل أفراد الأسرة على الطاولة، يجب أن تصر على وجبة طعام الكل يحضرها، و لتكن ساعة طعام وحديث، بابا أنت اليوم ماذا تكلم الأستاذ ؟ حدثنا، تجلس مع أولادك، تسمع منهم، يقال: أحد أسباب نجاح الزواج أن تصغي لامرأتك أقل شيء عشرين دقيقة، ماسك الجريدة، لا أترك الجريدة، اترك المجلة، اترك كل شيء وأصغ لها نصف ساعة، هذه النصف ساعة تمتن العلاقة بينك وبينها.
النبي الكريم على علو شأنه و مقامه كان من أحسن الناس مع أهل بيته:
لذلك النبي الكريم على علو شأنه، وعلو مقامه، كان يستمع للسيدة عائشة بحديث طويل، مرة حدثته عن أبي زرع، وعن أم زرع، القصة طويلة، كان أبو زرع شجاعاً، وكريماً، وشهماً، لكن تأسفت في نهاية القصة لأنه طلقها، فقال عليه الصلاة والسلام: أنا لك كأبي زرع لأم زرع ولكني لا أطلقك.
أصغِ، تدخل للبيت اجلس مع أولادك، مع زوجتك، تعبانة بالبيت، الله يعطيك العافية، ويخلي لنا إياك، نحن بدونكِ لا نساوي شيئاً، ماذا تكلفك هذه ؟ تعمل لها تألقاً، تعمل لها اندفاعاً لخدمتك، كلمة لطيفة، الله قال:
﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾
هذه زوجتك، أم أولادك، البيت نظيف، الأولاد مرتبون، كل شيء أحسنه، أين الأكل ؟ طول بالك، قل السلام عليكم، الله يعطيك العافية، الأب الناجح، كلام لطيف، الأسرة التم شملها.
أخطاء الآباء لها منعكسات عند الأبناء:
من أين يأتي الغضب ؟ من أب غضوب، من أين تأتي أمراض الصغار ؟
الأمراض النفسية ؟ من أب قاسٍ، من أب يسرع بالسُباب، والشتائم، والضرب، وهناك أب قناص، يتغافل عن كل ميزات أولاده، إذا أخطأ شخص تقوم الدنيا ولا تقعد، هذا ليس أباً، انظر إلى الآية ما أدقها:
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
وهناك آية:
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
خفض الجناح تواضع، إذا أنت مكلف أن تتواضع لمؤمن، والأمر للنبي موجه
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
فكيف بأهلك ؟ كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل إلى بيته واحداً من أهل البيت، يقول:
(( فإنهن المؤنسات الغاليات ))
أكرموا النساء فوالله ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً، من أن أكون لئيماً غالباً.
علامات نجاحك في الحياة نجاحك في البيت أولاً:
أنا أقول لكم بصراحة علامات نجاحك في الحياة نجاحك في البيت أولاً، قول النبي الكريم:
(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))
فالأب الحليم البيت هادئ، سُباب لا يوجد، شتم لا يوجد، إغلاق الباب بعنف لا يوجد، هناك كلمة طيبة، ابتسامة، شكر، تسامح، اعتذار، تجد الجو روحاني، الكل تجدهم بهدوء، بخضوع، ممكن إذا في خطأ بالبيت، الابن الصالح يصحح هذا الخطأ.
أيها الأخوة، أردت بهذا اللقاء الطيب أن أبين أن أخطاء الآباء لها منعكسات عند الأبناء، فهناك بيت كله اعتذار، لطف، مودة، أنا أقول لكم كل واحد منكم يريد أن يعمل بيته جنة، كل واحد منكم، يدخل يسلم على والدته، إذا كان في عنده طرفة سمعها يحكيها، يضحكهم، النبي كان يمزح، ولا يمزح إلا حقاً، لا تكن كهنوتياً، عبوساً، قمطريراً، كن مرحاً، وكان عليه الصلاة والسلام يمزح مع أصحابه.