الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
إذا حاورت إنساناً فابْدَأ بحجةٍ قويةٍ لا ردَّ عليها:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس السادس والثمانين من دروس سورة البقرة، ومع الآية الثامنة والخمسين بعد المئتين، وهي قوله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)﴾
يُعَلِّمنا ربنا عز وجل أنك إذا حاورت إنساناً ابْدَأ بحُجةٍ قويةٍ لا ردَّ عليها، سيدنا إبراهيم بدأ بهذه الحجة، ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ جاء الملك برجلين -كما تروي الروايات-فقتل أحدهما وعفا عن الآخر، فالذي قتله أماته، والذي عفا عنه أحياه، هذا الملك المتألِّه تأوَّل الحياة والموت على طريقة شرحها لمَن حاجَّه، لإبراهيم عليه السلام، فمادام متأولاً الحوار لا ينتهي معه إلى يوم القيامة، الحوار بين متأولين لا ينتهي إلى يوم القيامة، أنا أقصد بكذا كذا، فأجابه الثاني قال: أنا أقصد بكذا كذا، انتهى، نقاش مستحيل، الطريق مسدود، لما تأوَّل هذا الملك المُتألِّه أنَّ الإحياء هو العفو، والموت هو القتل، سيدنا إبراهيم لم يقصد هذا، قَصَدَ أنّ واهبَ الحياة هو الله، وأنّ الذي يُنهي الحياة هو الله، فالموت يحتاج إلى خلق، قال تعالى:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾
فالحياة تحتاج إلى خَلق، والموت يحتاج إلى خَلق، والله جلّ جلاله الحيُّ القيوم هو حي باقٍ على الدوام، يَهَبُ الحياة لكل مخلوق، إنّ ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ .
النبي إبراهيم عندما رأى الملك متأولاً جاءه بموضوعٍ غير قابل للتأويل:
هذه الشجرة مَن أوْدع فيها الحياة؟ تكون في الشتاء يابسةً، فإذا جاء فصل الربيع وسقاها الله بالمطر العميم اهتزت وربت، أزهرت فأورقت فأثمرت، هذه الحياة، هذه البقرة مَن وهَبهَا الحياة؟ تأكل هذا الكلأ تعطيك حليباً هو الغذاء الأول للإنسان، لكن حينما تموت البقرة تصبح جيفةً، ماذا فقدت؟ فقدت الحياة.
إذاً واهب الحياة هو الله، وخالق الموت هو الله، هذا الملِك المُتألِّه تأوّل الحياة على أنها عفوٌ عن مقتول، والموت إيقاع القتل بالإنسان، ماذا فعل هذا النبي الكريم؟ لما رآه متأوِّلاً ترك الموضوع، وجاءه بموضوعٍ غير قابل للتأويل، ﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ قال: ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ .
أيُّ مؤمنٍ لا يكون إيمانه قوياً إلا إذَا كانت معه حجة:
أيها الإخوة؛ حينما يقول الله عز وجل:
﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)﴾
إبراهيم ذو حُجَة، قياساً على هذه الآية أيُّ مؤمنٍ لا يكون إيمانه قوياً إلا ومعه حجة، فإذا لم يستطِع المؤمن أنْ يحاور كافراً، أو مُدّعياً لنظرية ما، معنى ذلك أنّ إيمانه ضعيف، الإنسان الذي لا يصمد أمام كافر إيمانه ضعيف، لابد من أن تمتلك حجةً قوية، لابد من أن ترى الحقائق ناصعة، لابد من أن تمتلك إجابة عن كل سؤال تقريباً حتى تكون مؤمناً، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً، لو اتَّخذه لعلَّمه.
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ رجل كان من علماء الرياضيات المُلْحدين في أمريكا، له قصة عجيبة، عكف على القرآن الكريم فقرأه، وبعد حوارٍ طويل مع نفسه أعلن إسلامه، وهو الآن داعية، أما بعد أن أسلم صار يصلي في مسجد، رآه صديقٌ له ليس مسلمٍ، قال: ما هذه الصلاة التي تصليها؟ إنك تستمع إلى قراءة باللغة العربية وأنت لا تفقه هذه اللغة فما معنى صلاتك؟ فأجابه: هذا الطفل الذي وُلِد لتوِّه، يشعر بنشوةٍ حينما تضمُّه أمُّه إلى صدرها، ماذا يفهم من لغة أمِّه؟ لا يفهم شيئاً، لكن المؤمن إذا أوى إلى المسجد، وإذا أوى إلى الله عز وجل كما يأوي هذا الطفل الصغير إلى صدر أمه، فأسكته بهذه الحجة، ثم رآه بعض أصدقائه يصلي في الصيف، والكتف إلى الكتف، فقال له زميل له معترضاً: الدنيا حارٌّ لِمَ هذا الالتصاق ببعضكم بعضاً؟ تباعدوا؟ قال: إن الله عز وجل يحب أن نكون متصلين به، وفي الوقت نفسه نشعر بمَن حولنا، أنْ يعيش الإسلامُ مع المجتمع.
أنا ما قصدت من هذين المثلين أن يكونا مثلين صارخين، ولكن مستحيل أن يؤمن الإنسان إيماناً حقيقياً إلا ويهبه الله عز وجل الحُجة، يهبه الحجة القوية، أي إنسان لا يصمد أمام مبتدع؟ أمام مُنكر؟ أمام إنسان شارد؟ ليس معه حجة؟ ما هذا الإيمان؟!! أنت مع الله، أنت مع العليم، أنت مع الحكيم، لابد من أن تكون لك حجة تُدلي بها.
الله عز وجل علّم الإنسان كيف يجري الحوارَ بالبحث عن حجةٍ لا تُؤَوَّل:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ التقيت مرة بإنسان من اليابان، حدثته عن هذا الدين، قال: إن الله ظلمنا، هكذا، لأن هذا الدين باللغة العربية، ونحن ولدنا في اليابان ولا نفقه من هذه اللغة شيئاً، إذاً نحن قد ظُلِمنا، قلت له: لماذا تعلمت اللغة الإنجليزية؟ قال: من أجل التجارة، قلت: إذا أردت الحقيقة، وأن تصل إلى الجنة تعلَّمْ اللغة العربية كذلك، من أجل كسب المال تعلَّمتَ لغة أخرى.
إنسان يقول لك: هناك مفتٍ أفتى لي بهذا الموضوع، أقول له: لو أن عندك بيتاً هل تبيعه لأول دلال أم تسأل أناساً كثيرين؟ لماذا اكتفيت بهذه الفتوى؟ ما مِنْ حجة يأتي بها أهل الدنيا إلا وهناك حجة تدحضها، تردُّها.
أيها الإخوة؛ على كلٍّ علّمنا الله عز وجل كيف نجري الحوارَ، ابحث عن حجةٍ لا تُؤَوَّل، عن حجة لا تُرَدُّ، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ .
قال الله عز وجل:
﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)﴾
قال المفسرون: إنه سيدنا العزير أحد أنبياء بني إسرائيل، مرّ على قرية وقالوا: هي القدس، وهي خاوية على عروشها، دُمِّرت هذه المدينة وهجرها أهلها، ولم يبق منها إلا الهياكل، أنقاض، فقال سيدنا العزير: ﴿قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ أي قرية مهدمة، أنقاض، بيوت متداعية، كيف يُعاد بناءُ هذه القرية؟ فقال الله عز وجل: ﴿فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ قالوا: إنه مات بعد شروق الشمس، وبعثه قُبيل غروبها، ﴿فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ﴾ حسب ما تصور نام بعد الشمس، واستيقظ قبل غروب الشمس، ﴿قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ قال: لبثت يوماً، فلما رأى الشمس لم تغب بعدُ، قال: أو بعض يوم، وقد لبث مئة عام.
الآية التالية من آيات الدالة على عظمته:
قال الله له: ﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ أي طعامك الذي كان في حوزتك، وشرابك الذي كان في حوزتك هو هو؛ طازجٌ بخضرته، وزهوته، وطراوته، وكل صفاته التي تركته عليها.
﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ حمارهُ كومةٌ من العظام، ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ﴾ عظام الحمار ﴿كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً﴾ هذه العظام تجمَّعتْ، وتشكَّلتْ، وتراكبت فكانت هيكلاً كاملاً، ثم جاء اللحم فكساها، وجاء الجلد فكسا هذه العضلات، وهذه آية من آيات الدالة على عظمته.
إخواننا الكرام؛ في مناسبة هذه الآية لابد من توضيح، هذا الكون كون مُعْجِز بوضعه الراهن، وفق قوانينه، وفق سُننه، وفق مُعطياته، كون معجز، وهو يدل على الله عز وجل دلالة ما بعدها دلالة، ولكن لحكمة أرادها الله عز وجل يَجعلَ بعض آياته في خرق هذه القوانين، هذا الكون من دون أن تُخْرق قوانينه معجزة، هذا الكون في وضعه الراهن معجزة، وإذا خُرِقت قوانينه معجزة، ولكن الإنسان في المألوف خرق العادات لا يُقْبَل عادةً، لكن يُقبل عقلاً، لأن الذي خلق هذه القوانين هو الله، والذي قنَّنها هو الله، والله عز وجل في أيّة لحظةِ يُعَدِّلها أو يُبدِّلها أو يُغيِّرها..
المعجزة غير مألوفة عادةً لكنها مقبولة عقلاً:
هذا ماء، قوامه سائل، هذه الطاولة صُلبة، قِوامها صلب، هذا الهواء الذي نتنفسه غاز قوامه مرن، أي يتشكل في أي مكان، حجمه متغير، كتلته متغيرة، لو شاء الله أن يجعل هذه الطاولة هواءً لكان، لأنه على كل شيء قدير، ولو شاء الله أن يجعل هذا الماء بخاراً لكان، صلباً لكان، نحن بالتبريد نجعله صلباً، وبالغليان نجعله بخاراً، هذا أكبر مثَل، فتحوُّلُ المواد من طبيعة إلى طبيعة قضية عند الله كن فيكون.
بل إن من أغرب ما قرأته في الفيزياء أنّ بعض العناصر يكون قوامه صلباً، والعنصر الذي يليه في الترتيب البنائي أي كل عنصر له نوية وكهروب يدور حولها، كهروبان عنصر ثانٍ، ثلاثة كهارب عنصر ثالث، رُتبت العناصر في الأرض أكثر من مئة عنصر، بالتسلسل؛ كهروب، اثنان، ثلاثة، بين عنصرين متناقضين أحدهما غاز والثاني صلب كهروب واحد، إلكترون واحد ( + أو - ) يقلبه من غازٍ إلى صُلب، فكلمة كن فيكون، لما ضرب سيدنا موسى عليه السلام البحر فأصبح طريقاً يبساً، كن فيكون، سائل، أعطاه الله أمراً: كن صلباً فكان.
فعقلاً المعجزة مقبولة، لأن الذي غيّرها هو خالقها، الذي غيّر هذا القانون هو الذي قننه، الذي غيّر هذه السنة هو الذي سنّها، أما عادة غير مألوفة، عادة البحر بحر، والطريق طريق، فبعض الناس حينما يُنكرون بعض المعجزات يُنكرونها بفعل العادة، ما أَلِف الناس أن النار لا تحرق، ولكن الله عز وجل حينما أُلقي إبراهيم في النار:
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)﴾
وقد وقف العلماء عند هذه الآية: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْداً﴾ لو قال الله عز وجل: يا نار كوني برداً فقط، لمات إبراهيم من البرد، قال: ﴿كُونِي بَرْداً وَسَلامَاً﴾ لو اكتفى الله عز وجل بأنه قال: كوني برداً وسلاماً، ولم يقل على إبراهيم، لبطل مفعول النار إلى يوم القيامة، لكن: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ فقط:
﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)﴾
المعجزة أجراها الله على يد بعض أنبيائه لتكون أداة تأييدٍ لهؤلاء الأنبياء:
إذاً الله عز وجل قادر أن يجمع هذه العظام، وأن يجعلها متراكبة، وأن يجعلها هيكلاً، ثم يكسوها لحماً، ويكسوها جِلداً، ويعود الحمار حيّاً كما كان، لكنْ لم يألف الناسُ هذا، إذاً هو معجزة أجراها الله على يد بعض أنبيائه لتكون أداة تأييدٍ لهؤلاء الأنبياء، ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ﴾ طبعاً هذا يذكِّرنا أن الإنسان يوم القيامة حينما يستحق النار يُسأَل: كم لبثت في الأرض عدد سنين؟ ماذا يقول؟ لبثنا يوماً أو بعض يوم، من أجل يوم أو بعض يوم يستحق الإنسانُ النارَ إلى أبد الآبدين؟! من أجل أيام تمضي! الإنسانُ زمن، إنسان عاش كذا سنة، ثم توفاه الله عز وجل، وصار خبراً، كان رجلاً فصار خبراً، الأشخاص زمن، إنسان عاش كذا سنة، توفاه الله عز وجل، صار خبراً، كان رجلاً فصار خبراً، كان شخصاً فصار رقماً، كان ملء السمع والبصر فصار تحت التراب، كان فوق التراب يهابه الناس فأصبح تحت أطباق الثرى، كان إذا نظر نظرةً خاف الناس، إذا هو الآن مُسجىً في النعش، هكذا.
الكون وحده معجزة بكل ما في هذه الكلمة من معنى:
﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ أي لم يفسد، على ما هو عليه، طعام مضى عليه مئة عام هو هو، طازج، بلونٍ زاهٍ، طريّ، ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ من آيات الله الدالة على عظمته، طبعاً حماره رآه كومة من العظام، ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ أي نركبها بعضها فوق بعضٍ، ﴿كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ لكن الإنسان إذا ضَعُف إدراكه احتاج إلى خرقٍ للعادات، أما إذا كان مفكراً يقظاً كفاه الكون على أنه معجزة، وقد ورد في الأثر: "أنْ حسبكم الكون معجزة" ، الكون وحده معجزة بكل ما في هذه الكلمة من معنى.
اليقين الاستدلالي واليقين الشهودي:
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)﴾
الحقيقة إبراهيم مؤمن، ومؤمن إلى درجة اليقين، ولكن اليقين أنواع؛ نوع استدلالي، ونوع شهودي، أنت إنْ رأيتَ دخاناً وراء جدار، تقول: لا دخان بلا نار، أنت تأَكّدت من وجود النار خلف الجدار، هذا يقين استدلالي، فإذا وقفت في الطرف الآخر من الجدار، ورأيت النار بعينك، هذا يقين شهودي، فسيدنا إبراهيم متيقنٌ يقيناً استدلالياً، لكنه الآن يريد اليقين الشهودي، ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ بعضهم تأوَّل هذه الآية بأن هذا النبي الكريم من شدة محبّته لله أراد أن يرى أثر فعل الله عز وجل، وكأنه تمنَّى أن يرى عظمة الله من خلال هذه الآية، ليس شاكّاً في قدرة الله، ولا في علم الله، ولا في حكمة الله، ولكنه تطلَّع إلى أن يرى أثر قدرة الله عز وجل، ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ أي لأنتقل من يقينِ الاستدلال إلى يقين المعاينة، من يقين الاستدلال إلى يقين الشهود.
معجزة النبي عليه الصلاة والسلام معجزةٌ مستمرةٌ إلى يوم القيامة:
﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ أي قطعهن قطعاً قِطعاً، ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً﴾ طاووس، ودجاجة، أربعة أنواع من الطيور، قطعها قطعاً قطعاً، وجعل على كل قمة جبل بعض هذه القطع، قال: ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ فلما دعاهن تراكبت هذه الأعضاء، والتحم بعضها ببعض، وطرن إليه خاضعين لأمر الله عز وجل.
مرة ثانية هذه المعجزات وقعت مرة واحدة، ولن تقع مرة ثانية، شبَّهها بعض علماء التوحيد كعود الثقاب تألق مرة واحدة ثم انطفأ، فأصبح خبراً يصدقه مَن يصدقه، ويُكذّبه مَن يُكذّبه، ولكن أي مؤمن يقرأ كلام الله عز وجل مؤمن إيماناً راسخاً أن هذا الخرق قد وقع، وهناك مَن يُكذِّب بهذا على أنه ما عرف أن الله عز وجل إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، رأى أن هذا غير مألوف عادةً فأنكره، ولكن الشيء الذي كرّمنا الله به هو أن معجزة النبي عليه الصلاة والسلام معجزةٌ مستمرةٌ إلى يوم القيامة، فهذا الكتاب بين أيدينا، فيه آيات كثيرة جداً لا يمكن أن تُفسَّر إلا بحالةٍ واحدة أنها آيات من عند الله.
في الآيات التالية إشارة إلى إعجاز القرآن الكريم:
مَن هذا الذي صعد إلى الفضاء الخارجي، وضاق نَفَسه؟ الله جلّ جلاله أخبرنا:
﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)﴾
بعد أن ركب الإنسان الطائرة، لو أن طائرة تركبها، وجهاز ضخ الهواء فيها تعطل، هبط الضغط إلى الثمن، عندئذٍ يخرج الدم من أنف الإنسان ويختل ضغطه، ويشعر بضيقٍ لا يُحتمل، الطائرات التي نركبها الآن مضغوطة ثمانية أضعاف،

ليكون الضغط على ارتفاع أربعين ألف قدم مساوياً للضغط على الأرض، لو أن جهاز الضغط تعطل لأحسَّ الركاب بضيقٍ في نَفَسهم لا يحتمل، هذا عرفناه الآن بعد اختراع الطائرة، لكن كيف جاء ذِكره في القرآن الكريم؟
﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ .
بعد أن اخترعنا أشعة الليزر، وقسنا غور فلسطين رأيناه أعمق نقطة في الأرض،

الآن قبل عشرين سنة أو عشر سنوات، لكن حينما يقول الله عز وجل:
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)﴾
والمعركة تمت في غور فلسطين: ﴿غُلِبَتْ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ هذا أيضاً إشارة إلى إعجاز هذا القرآن الكريم.
حينما يقول الله عز وجل:
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)﴾
الآن عرف العلماء أن في اللقاء الزوجي يخرج من الرجل خمسمئة مليون حوين، وحوينٌ واحدٌ فقط يدخل إلى البويضة فيلقّحها،

اقرأ الآية:
﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى*مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى﴾ نطفة واحدة.
والمعنى الثاني: أن الذي يحدِّد الذكر والأنثى ليست البويضة ولكنها النطفة،

وهذا من إعجاز القرآن العلمي، أي نظام الذرة كنظام المجرة، وهذه أيضاً آية من آيات الله الإعجازية.
موقع معلوماتي يُمَثل أعظم محطة فضاءٍ في العالم، وفيها مرصد عملاق اسمه
(هبل) ، التقط صورةً لنجمٍ يبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية، بينما أقرب نجم ملتهب إلى الأرض يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، ونحتاج إلى أن نصل إلى هذا الكوكب إلى خمسين مليون سنة، أما هذا النجم اسمه: عين القِط، يبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية، انفجر هذا النجم، فالتقطت صورة انفجاره، لو نظرت إلى الصورة لرأيت وردة جورية حمراء داكنة،

ذات أوراق خضراء زاهية، في الوسط كأسٌ أزرق اللون، لا تتردد ثانية واحدة في أن هذه الصورة صورة وردة، لو قرأت القرآن الكريم:
﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)﴾
لو قرأت كل التفاسير لا تجد تفسيراً يشفي غليلك، أما هذه الصورة فهي تفسير هذه الآية.
القرآن الكريم فيه إعجازٌ مستمر:
حينما اختُرعت مركبات الفضاء، والتقطت منها صور للأرض، وجدوا في بعض الصور خطاً بين كل بحرين، هو خط تمايز ألوان، فعجبوا، البحر الأحمر بلون والعربي بلون، البحر الأسود بلون ومرمرة بلون، الأبيض المتوسط بلون والأطلسي بلون، علماء البحار أرادوا أن يتأكدوا من صحة هذه النظرية،

فنزلوا إلى أعماق البحار، وجاؤوا بقُصاصات من الورق كثيرة جداً، ووضعوها في منطقة التماس، فلم تنتقل وريقةٌ واحدة إلى البحر الآخر، ترجع، أما حينما قرأنا قوله تعالى:
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)﴾
نحن أردنا أن نُخَزِّن ماء الفيجة لهذه المدينة الطيبة، عندنا خزان يكفي دمشق خمسة أيام فقط، أما حجمه ففلكي، وقد بُنِي تحت الأرض بأربعمئة متر، بُعْد الخزان عن سطح الأرض أربعمئة متر نحو العمق،

من أجل أن يُقلدوا تخزين الله للماء، قال تعالى:
﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)﴾
حتى نقلِّد تخزين ربنا للماء؛ ماء يبقى في الجبل سنوات وسنوات لا يتأثر، لا تنمو فيه الطحالب، لا يتغير طعمه، ضع ماء في وعاء أياماً عديدة يتغيّر طعمه، من أجل أن يبقى هذا الماء بطعمٍ طيب، وفيه معادن، خزّنه الله تخزيناً عظيماً،

فنحن إذا قلَّدنا تخزين ربنا احتجنا إلى أن نبني مستودعاً للماء يبعد عن سطح الأرض أربعمئة متر تقريباً.
فيا أيها الإخوة؛ هذا الكتاب فيه إعجازٌ مستمر.
كل التقدم العلمي لم يستطع أن يهز آية واحدة لأنها من عند خالق الأكوان:
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ هذه معجزةٌ حسية، وتلك حمار سيدنا العزير معجزةٌ حسية، ولكن هذا القرآن كله معجزة عقلية بيانية، فبإمكانك أن تكتشف كل حين أن هذا كلام الله عز وجل لأن البشر لا يستطيع أن يأتي بهذا الكلام، تقرأ أنت:
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)﴾
إنسان عاش قبل ألفٍ وأربعمئة عام؛ هناك الخيل، والبغال، والحمير، لو أن هذا القرآن كلام بشر لكانت الآية: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ أما إنسان يعيش في هذا العصر؛ هناك طائرات، هناك طائرات عملاقة، هناك بواخر، هناك حوَّامات، هناك قطارات، هناك مراكب فضائية، قال تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ إذاً هو كلام الله عز وجل، كل التقدم العلمي لم يستطع أن يهز آية واحدة، لأن هذه الآيات من عند خالق الأكوان، الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
كلما تقدَّم العلم كشف جانباً من إعجاز القرآن الكريم:
أيها الإخوة الكرام؛ حينما نبحث في إعجاز القرآن العلمي كأننا نضع أيدينا على معجزاتٍ رائعة، مرة قرأت هذه الآية:
﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)﴾
يوجَد في رأسِ الإنسان دماغ، ونسبةُ هذا الدماغ إلى الجسم أعلى نسبة في المخلوقات قاطبةً، لو أخذنا دماغ الحوت الأزرق، نسبة وزن الدماغ إلى وزن الحوت قليلة، لو أخذنا دماغ الفيل، دماغ وحيد القَرن، دماغ الكركدن، نسبة وزن دماغ أي حيوان إلى جسمه نسبة ضئيلة،

أما أعلى نسبة على الإطلاق فهي نسبة وزن دماغ الإنسان إلى الإنسان، هذا الدماغ فيه فصّ جبهي، وهو أضخم الفصوص، في هذا الفص الجبهي تتم المحاكمة،

ويتم الحكم، ويتم الاستنباط، ويتم الاستنتاج، ويتم اليقين هنا، والإنسان هنا يتحرك، تتم الإرادة هنا، إنسان أراد أن يسرق، تبدأ السرقة من فصه الجبهي، أراد أن يزني، يبدأ الزنا من فَصِّه الجبهي، يُقرر فيفعل، هذا الفص الجبهي اسمه: الناصية، ناصية الرأس مقدمه، قال الله عز وجل:
﴿كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ*نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ أي الكذب من الفص الجبهي، والخطأ من الفص الجبهي، والحديث عن معجزات القرآن الكريم العلمية حديث طويل، بل كلما تقدَّم العلم كشف جانباً من إعجاز القرآن الكريم.
العقل أودعه الله فينا كمقياس علمي والفطرة جبلنا عليها كمقياس انفعالي:
أيها الإخوة الكرام؛ ليس هناك من مانع أن نتأثر بالمعجزات الحسية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم كقوله تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ولا مانع من أن نتأثر بالغ التأثُّر بقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ وليس هناك من مانعٍ أيضاً أن تقرأ عن إعجاز القرآن العلمي فتشعر أن هذا الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل القرآن، وأن هذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومستحيلٌ وألف ألف مستحيل أن تأتي حقيقةٌ علمية تنقض آية في القرآن الكريم، لأن هذا القرآن كلامه والكون خلقه، والعقل أودعه فينا كمقياس علمي، والفطرة جُبلنا عليها كمقياس انفعالي، وهكذا نجد أن القرآن الكريم كلام الله المعجز إلى أبد الآبدين.
الملف مدقق