الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السادس والخمسين من دروس سورة النساء ومع الآيات التي تم تفسيرها في الدرس الماضي ثانية؛ لأن هذه الآيات تتصل أشد الاتصال بواقع المسلمين.
أيها الإخوة، المسلم من هو؟ آمن بالله رباً، آمن به رباً وإلهاً، الربوبية أنه خلقه وأمدّه، أما الألوهية أنه متصرف، بيده الأمر.
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً(10)﴾
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٌ وَفِى ٱلْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ(84)﴾
﴿ قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ ۖ لَهُۥ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِۦ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِۦٓ أَحَدًا (26)﴾
القرآن والسُّنة مرجع المؤمن:
﴿ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَآ إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍۢ فِى ظُلُمَٰتِ ٱلْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍۢ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَٰبٍۢ مُّبِينٍۢ(59)﴾
ورقة شجر إذا سقطت يعلمها! ما من عقيدة نحن في أمس الحاجة إليها الآن كعقيدة التوحيد، الله عز وجل خالقٌ وربٌّ وإله، موجود وواحد وكامل، بيده الخلق والأمر.
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62)﴾
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِىَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَآءً حَسَنًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(17)﴾
هذا المسلم الذي آمن بالله رباً، ثم آمن بالإسلام ديناً إنه دين الله ودين الحق، وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، جاء بالقرآن منهج الإنسان في سيره، وجاء في شرحه وتبيانه سنة الله في خلقه.
هذه أيها الإخوة من مُسلَّمات الإيمان، المسلم من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
الآن لا تجد مسلماً واحداً يحاول تفسير الذي حدث بعيداً عن القرآن والسنة، وإلا لم يؤمن بالله رباً ولا بالإسلام ديناً ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، الحد الأدنى من إسلام المسلم أنه يرجع إلى القرآن في تحليل ما حدث، يستنطق القرآن يا رب لمَ الذي حدثَ حدث؟ أين الخلل؟ وعدك حق، والنصر من عندك، والأمر بيدك، ولا رادّ لقضائك، الذي حدث لمَ حدث؟ المسلم الصادق لا يرجع لأي تحليل آخر إلا لتحليل القرآن، المسلم الصادق لا يصنع مَشاجِب يعلق عليها مشكلاته.
أكثر المسلمين يقول: الاستعمار، الصهيونية، الماسونية، أين الله؟ الخلل من عندنا والبطل هو الذي يعزو الخَلل لا إلى غيره بل إلى ذاته، المسلم يرجع إلى القرآن لفهم ما حدث، والمسلم يرجع إلى القرآن لتحليل ما حدث، ويرجع إلى القرآن يتلمّس طريق الخلاص مما نحن فيه، والمسلم يستشف من القرآن مصير المعتدين الظالمين، القرآن مرجعنا.
الله عز وجل لا يحابي أحداً :
أيها الإخوة، الله جل جلاله له سنن وقوانين لا تتبدل ولا تتغير، والإنسان مهما حاول أن يتجاوزها ويتجاهلها ويقلل من قيمتها هي مُحكّمة فيه.
أوضح مثلاً، قانون السقوط، هذا قانون كيف نستفيد منه؟ نستخدم المظلات، فالذي يريد أن يسلَم من هذا القانون يأخذ به، ويتأدب معه فيستخدم مظلة فيسقط إلى الأرض سالماً، أما الذي لم يعبأ به ولم يحترمه ولم يصدقه ونزل من دون مظلة عدم تصديقك وتوقيرك لهذا القانون لا يلغي فعله! الفكرة دقيقة! قانون واقع، إن آمنت به استفدت منه، وإن لم تؤمن به وقع مفعوله بك شئت أم أبيت، إلى متى لا نتعامل مع هذا الكتاب على أنه قوانين مُطَّردة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير ولا تُعدَّل ولا تُلغى ولا تُوقَف ولا تُجمَّد، سنة الله عز وجل ثابتة واقعة لا محالة.
الله عز وجل لا يحابي أحداً، في مجتمع البشر هناك محاباة فقد تسكت عن خطأ لزيد لأنه قريبك، وقد تبرر خطأ عُبيد لأنه شريكك، وقد تتعامى عن جريمة زيد من الناس لأنه من عشيرتك، هذا في بني البشر ولكن عند خالق البشر الله عز وجل لا يحابي أحداً.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)﴾
أيها الإخوة، هذا الذي حصل في العالم الإسلامي في كل بقاعه لا يسرّ عدواً فكيف بالصديق؟ فلا بد من صحوة ويقظة ومراجعة حساب ومسحٍ لتصوراتنا، هل هي مطابقة للكتاب والسنة أم هي مخالفة؟ لا بد أن نهتدي بتحليلات القرآن، أنا لا أسمي أحداً ولا جهة ولكن أتحدث عن قوانين الله عز وجل.
﴿ لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(123)﴾
هذا قانون وتلك سنة من سنن خالق الأكوان ﴿مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِ﴾ الذي عمل سوءاً ولم يُجزَ به سوف يُجزى به إلا إذا تاب، لا تقل مساكين أهل هذا البلد، وأي بلد آخر كان على شاكلته وفعل ما فعلوا لا بد أنه واقع به ما وقع بهم، هذه قاعدة عامة!
إن أردنا النصر فعلينا أن ندفع الثمن:
لذلك يا أيها الإخوة، لو رجعنا للقرآن الكريم:
﴿ وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍۢ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍۢ(30)﴾
﴿ أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ(165)﴾
النعامة دائماً تخفي رأسها بالرمل كي لا ترى الحقيقة، والإنسان غير المُوفَّق في حياته دائماً يبحث عن مِشجَب يعلق مشكلاته عليه فيتهم جهات أخرى وهي كافرة، والكافر واضح يريد أن يأخذ كل شيء ولا يبقي شيئاً، يريد أن يكون أقوى جهة في الأرض مهما كان الثمن، وأغنى جهة في الأرض مهما كان الثمن، لا يوجد قيم، عندهم قيمة في بلاد الغرب هي دينهم؛ القوة تصنع الحق فقط! أنت قوي إذاً على حق ولو كنت مجرماً وسفاكاً للدماء ولو كنت سبب بلاء أهل الأرض، ما دمت قوياً فأنت على حق هذا شأنهم، أما شأننا أن نطبق منهج ربنا.
لذلك أيها الإخوة، كأني بالمسلمين يعيشون التمنيات، يتمنون على الله الأماني، والتمنيات -كما قلت في درس سابق- بضائع الحمقى، فالأحمق يتمنى ويتسلى، ويقعد ولا يتحرك ويراقب ولا يستجيب، هذا واقع المسلمين، والحقيقة المرة -أقولها دائماً- أفضل ألف مرة من الوهم المريح، إنسان يستحق التأديب من الله يدعو بدعاء فصيح فيه سجع أو لا يدعو، العلاج لا بدّ واقع به، طبعاً الدعاء الصادق يرد القضاء أما الدعاء غير الصادق فلا يرد القضاء، ما لم يغيّر الله لا يغير، هذه حقيقة أتمنى أن تكون واضحة وضوح الشمس، كلّ واحد منا إن أراد لهؤلاء المسلمين انتصاراً وعزة، إن أراد أن يستمع لخبر يملأ قلبه فرحاً، إن أراد أن يفرح فرحاً حقيقياً بنصر من الله عزيز علينا أن ندفع الثمن، الثمن إسلام التزام لا إسلام مظاهر.
التأديب من فضل الله عز وجل:
الله عز وجل يقول: ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ﴾ هناك من المسلمين من يقول: يا رب أمرتنا فعصينا، نهيتنا فارتكبنا، ولا يسعنا إلا فضلك هذا النموذج المعاصر، الأمر معروف عنده والنهي معروف لا طبّق الأمر ووقع بالنهي، ولا يسعنا إلا فضلك هذا فضل الله، فضل الله التأديب، والله عز وجل يقول:
﴿ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ۖ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ(25)﴾
الفتن آتية إلى كل بلد، قبل حين في جيراننا من جهة الغرب والآن من جهة الشرق، وقبل حين من الجنوب، هذه الفتن كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً يَبِيعُ قَوْمٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ الْمُتَمَسِّكُ يَوْمَئِذٍ بِدِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ. ))
الكلام الذي يُلقى في العالم الإسلامي لا نهاية له، أما الكلام الذي ينبغي أن يُلقى بعناية فائقة هو أن كل واحد منا إن أراد لهذه الأمة النصر، وإن أراد ألّا يصاب بأزمة قلبية إذا استمع إلى الأخبار، حدثني طبيب قال لي: عشرات الأشخاص جاؤوا بمرض أزمة قلبية طارئة بسبب ما سمعوا من أخبار وما رأوا من مشاهد، هؤلاء كانوا يعيشون كما نعيش نحن فجأة حصل الذي حصل، فالله عز وجل إله عادل ونحن علينا أن نأخذ الحِيطة، فهذه الآية ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِ﴾ .
الدعاء من دون عمل لا يقبله الله:
إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر الله عز وجل ليُنزلَنّ بالمؤمنين عذاباً يدعونه فلا يستجيب لهم، هكذا ورد في بعض الأحاديث، فالدعاء من دون عمل لا يقبله الله عز وجل.
﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ كنت أقول دائماً: هانَ أمر الله على المسلمين فهانوا على الله، وكل واحد على مستوى تفكيره، إذا تاب إلى الله توبة نصوحاً، وإذا عقد العزم على طاعة الله، وإذا أصلح بيته وعمله، وربّى أولاده، يجد من الله معاملة جديدة لم يكن يعرفها من قبل، يجد توفيقاً ونصراً وثقة وأمناً وراحة، حينما لا تستطيع أن تقنع الناس بالتوبة إلى الله انجُ بنفسك، وتب إلى الله، وأصلِح ذات بينك، وأقم الإسلام في بيتك وعملك، وانصح بقية المسلمين أن يفعلوا كما تفعل، فلعل الله جل جلاله يزيح عنا هذه الغمامة السوداء.
﴿ وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرًا(124)﴾
الله عز وجل قال:
﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ(55)﴾
إيمانه عمل صالح.
المؤمن لا يضره كيد الكفار شيئاً:
قلت في مناسبة أخرى: أنّ خلاص المسلمين في كلمتين؛ لهذه الآية التي فيها كلمتان آية مقدِّمة قال تعالى:
﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ46)﴾
أي مكرهم يعلمه الله، الله جل جلاله يصف مكر الكفار بطريقة تقشعر منها الأبدان، لمكر الكفار تزول الجبال.
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ(47)﴾
هذا المكر الذي تنهدُّ له الجبال، ببساطة ما بعدها بساطة يمكن أن ننجو منه إن كان الله معنا، قال:
﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(120)﴾
أي أن المؤمن بحسب نص هذه الآية لا يضره كيد الكفار شيئاً، هذا المكر الذي تنهدَّ منه الجبال لا يتأثر به المؤمن إطلاقاً، لأن الله إذا كان معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ هناك رسائل من الله؛ عاصفة واحدة عطلت مئة وخمسين طائرة، لو استمرت عشرين يوماً أليس هذا في قدرة الله عز وجل؟ الأمر بيد الله فلا يخافَنَّ العبد إلا ذنبه ولا يرجُوَنّ إلا ربه.
لا يمكن أن ننتصر على عدونا إلا بطاعتنا لله سبحانه:
أيها الإخوة، وقت الكلام الطويل والخطابات انتهى، الآن وقت العمل، والله الذي لا إله إلا هو لو أن كل مسلم طبّق واحد بالعشرة آلاف مما يعلم لكنا في حال غير هذا الحال.
هذا أشد توحشاً، أنتم تلاحظون هذه المنكرات التي تواجهونها في الطرقات، هؤلاء الفتيات اللواتي يرتدين الثياب الفاضحة، أليس لهن آباء يرتادون المساجد؟ أليس لهن أمهات؟ أليس لهن إخوة؟ أين آباؤهم وأمهاتهم وإخوتهم؟ هذه منكرات، فحينما تكثر المنكرات لا سبيل لرد العدوان، تحدثت في الخطبة اليوم عن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله تعالى- كيف أنه استطاع أن يردّ سبعة وعشرين جيشاً أتَوا من بلاد النصارى! هذه الجيوش يقودها الملوك ردهم بإزالة المنكر قبل كل شيء، فنحن لسنا مُكلَّفين بغيرنا، إذا كل مسلم من رواد المساجد فقط؛ لو كل واحد عاد لبيته ودقق في بيته، في تصرفات زوجته وبناته وأولاده، وفي طريقة دخله، وطريقة كسب ماله، وإنفاق ماله، إذا أراد أن يوقع هذه الحركة وفق منهج الله فليطمئن إلى نصر الله وتوفيق الله، فكأنما زمن الكلام انتهى وليس للكلام من معنى بعد الآن، العمل، رأيتم مسيرات ملأت أطباق الأرض هل نفعت؟ استنكارات لا تعد ولا تحصى، شجب لا يعد ولا يحصى، تشديد على أن هذا العمل مخالف للشريعة الدولية، خيراً إن شاء الله! لم يحصل شيء! نريد الشيء الفاعل إن الله هو الفعال، وفعال لما يريد، والله عز وجل إذا سلط جهة على جهة ليس في الأرض قوة تمنعها من طغيانها لأن الله سلّطها، لكن هذه القوة الطاغية لمجرد أن يتوب العبد إلى الله تنحسر عنه، والأمثلة كثيرة جداً والتاريخ شاهد وينطق، فأنا أردت أن أبقى في هذا الدرس بهذه الآية: ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ﴾ إن أردتم أن تكحّلوا أعينكم بأخبار سارة في المعركة بين الحق والباطل أنتم المسؤولون بادئ ذي بدء عن أسباب النصر بطاعتكم لله، ولسيدنا عمر رضي الله عنه كلمة رائعة يقول: إنما ننتصر بطاعتنا لله ومعصية عدونا لله، فإذا استوينا في المعصية كان لهم النصر علينا لقوتهم، والحقيقة الفرق في طريقة الحرب والعتاد بين المسلمين وأعدائهم فرق كبير جداً، وهو في أطباق الجو العليا يرى المدينة بأكملها ملونة، فإذا رسم الهدف تقترب وتقترب حتى يرى المسبح في البيت، يكفي أن يضع إشارة الرادار على هذا الهدف ويضغط فإذا به يفجر، يوجد تقنية عالية جداً، أعدوا لنا ولم نعد لهم، أعدوا لنا قوة لا تُقابَل، وليس فوقهم إلا الله، ولكن الله فوق الجميع، إذا كنا معه كنا فوقهم، فإن لم نكن معه فهم فوقنا، وهذه حقيقة ثابتة.
التمنيات لا تقدم ولا تؤخر ولا بدّ من استجابة لله وللرسول:
قال تعالى:
﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ۘ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍۢ(212)﴾
إذا لم نكن مع الله عز وجل فهم فوقنا بقوتهم، لذلك هذه التمنيات؛ ماذا تعمل يا أخا العرب وجملُك أجرب؟ قال: يا أمير المؤمنين أدعو الله أن يشفيه، قال: ماذا ينفع الدعاء، هلا جعلت مع الدعاء قُطراناً؟
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَىْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ ۚ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(72)﴾
الهجرة حركة، إذا لا يوجد حركة لا يوجد شيء، قناعة وشعور وبكاء وتعاطف هذا انتهى، فهو لا يقدم ولا يؤخر، إنسان يحتاج لعملية جراحية يبكي، يترجّى، يبتسم، يتجشّم، يتجلّد، ينهار لا بد من عملية جراحية، فالبطولة الآن أن ندع الكلام.
والله أيها الإخوة، ما تمنيت في حياتي أن أصمت كما أتمنى الآن! تكلمنا كثيراً، فإن لم يكن هناك استجابة لله وللرسول إذا دعانا لما يحيينا فلا أمل في الحديث عن أي شيء.
﴿وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ﴾ يوجد أخبار طيبة جداً في هذه البلدة، وهناك بذل وعطاء لكن نحتاج لتوجيه وترشيد وبيان ليوضح الحقائق، هذا درس بليغ إن لم يُحدِث فينا موعظة فمصيبتنا في أنفسنا أكبر، تحدّثت في الخطبة اليوم أنّ صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله عز وجل- حينما فتح القدس لم يأخذ جنده حاجة من الأعداء إطلاقاً، بل إنهم اشتروا بعض حاجاتهم ودفعوا ثمنها كاملة، وهذا الذي يجري الآن لا يُصدَّق، أين البناء الإيماني؟ جامعات تُحرَق الآن، كل شيء يُنهَب ويُحرَق هذا مِن فعل مَن؟ يوجد تآمر كبير جداً.
آيات قرآنية كثيرة تحض على العمل:
يا أيها الأخوة، المصير أسود وليلة سوداء والله، وهذا المصير يُخطَّط له من سنوات طويلة، ولا أستبعد أن يكون كل بلد إسلامي ضمن خطة من هذا القبيل، فالقضية قضية صحوة والتزام وحركة وطاعة لله عز وجل وتعاون، وليست القضية قضية كلام ودعاء ورفع الصوت بالدعاء، الكلام كله على العمل ﴿مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِ﴾
﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا(112)﴾
له أجره عند الله، قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَٰلِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدًۢا(110)﴾
﴿ وَمَنْ أَرَادَ ٱلْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا(19)﴾
الآيات كلها على العمل لا يوجد آيات استماع فقط، آيات تفاعل نفسي، الآيات كلها عمل وأوضح آية:
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَىْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ ۚ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(72)﴾
معرفتنا لله توصلنا إلى محبته ومحبته توصلنا إلى طاعته:
يجب أن تأخذ موقفاً! قال تعالى:
﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ۗ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَٰبِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ(110)﴾
علة هذه الخيرية أنكم ﴿تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾ لو أننا عطلنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقدنا خيريتنا، أصبحنا أمة كأية أمة على وجه الأرض، لا شأن لنا عند الله عز وجل، وهذا مصداق قوله تعالى:
﴿ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ(18)﴾
الله عز وجل لم يقبل دعواهم أنهم أحبابه، ولو قبِل دعواهم لمَا عذبهم، ولأنه يعذبهم إذاً هم لا يحبونه.
﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(31)﴾
محبتنا لله دعوة، لو أننا أحببناه لأطعناه، ومن أعجب الأشياء أن تعرف الله ولا تحبه، ومن أعجب الأشياء أن تحبه ثم لا تطيعه، معرفة محبة طاعة، معرفة بلا محبة غير صحيحة، محبة بلا طاعة غير صحيحة، أنا أشك بالمعرفة إن لم يكن معها محبة، وأشك بالمحبة إن لم يكن معها طاعة، هذا الكلام.
خطوات عملية نحتاجها لتوصلنا لرحمة الله ونصره:
الخطوات عملية أيها الإخوة، إتقان العبادات، ذكر الله عز وجل، غض البصر، ضبط اللسان، التعاون، النُّصح، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضبط الأهل والبنات بالذات والبيوت والدخل والإنفاق هذه خطوات عملية ويمكن أن تكون سبباً لرحمة الله عز وجل ونصره.
﴿وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرًا﴾ قال تعالى:
﴿ ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ(17)﴾
لا تظلمون نقيراً ولا فتيلاً ولا قطميراً ولا حبة من خردل، قال تعالى:
﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنۢبِهِۦ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(40)﴾
والله عز وجل لا يظلم أحداً، حينما قال الله عز وجل:
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلْأَزْلَٰمِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ۚ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا ۚ فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍۢ لِّإِثْمٍۢ ۙ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(3)﴾
هذا الدين الذي ارتضاه الله لنا له تعريف دقيق، يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينًا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٌ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلًا(125)﴾
أنت أيها الأخ الكريم هل أنت مستسلم لما في القرآن والسنة ولا تقبل خلافهما مقولة تسمعها أو تقرؤها؟ معنى القلب السليم هو القلب الذي سلِمَ من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله، كلّ ما تعتقد وكل ما تتصور وفق الكتاب والسنة أم أن هناك تصورات تتصورها واعتقادات تعتقدها مخالفة لمنهج الله عز وجل؟ هذه واحدة.
الدين الحقيقي أن تتوجه لله وتأخذ من كتابه وسنة نبيه كل ما فيهما وتدع كل ما سواهما:
﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينًا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ﴾ جعل اعتقاده مطابقاً لمَا في كتاب الله، جعل ميزانه ميزان القرآن لا ميزان أهل الدنيا وهو محسِن وعمله طيب، وأنت أيها الأخ الكريم تعرف بفطرتك التي فطرك الله عليها الخطأ من الصواب، وكل واحد قادر أن يعرف الخطأ من الصواب ذاتياً من دون توجيه أو تبديل، فيا أيها الإخوة، الدين الحقيقي أن تتوجه لله وتأخذ من كتابه وسنة نبيه كل ما فيهما وتدع كل ما سواهما، هذا معنى: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينًا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ﴾ أما هذه المزاوجة، مسلم لكنه غير مقتنع بعدم الاختلاط، ويأتي بحجج واهية، هذا الذي لا يريد أن نكون مع بعضنا يفرق العائلة، كيف أنت مسلم ومصدق لما في كتاب الله، ومصدق لما قاله النبي عليه الصلاة والسلام:
[ البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر ]
ثم تجعل كل المناسبات فيها اختلاط، هذا لعب بدين الله عز وجل، كيف تقول أن الربا بنسب قليلة لا ضرر فيها؟ كيف ترتاح لفتوى قالها رجل في مصر من القطاع العام إرضاء لمَن يأمره وتصدقه بهذه الفتوى وتأخذ بها وكأنه شفيعك عند الله يوم القيامة؟ هذا حال المسلمين! أنا أضع يدي على مشكلات كبيرة جداً ولعلها هي سبب تخلي الله عنا.
﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينًا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٌ﴾ استسلام لله في العقيدة والتصور، وفي حقيقة الكون، والحياة الدنيا، والإنسان، وحقيقة اليوم الآخر، ثم في حقيقة النبوة، والكتاب، ثم العمل بكل ما اعتقده، ثم الإحسان للخلق، هذا هو الدين بلا تعقيدات، هناك من يعقّد هذا الدين، والذي يعقّده ليس فقيهاً به، هذا الدين كالهواء ينبغي أن يستنشقه كل إنسان ببساطة! لذلك البطولة في تبسيطه وتطبيقه والإخلاص في تطبيقه، بسِّطه وطبِّقه وكن مخلصاً.
ملكية الله عز وجل ملكية تامة خلقاً وتصرفاً ومصيراً:
قال تعالى: ﴿وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًاۗ﴾ حنيفاً أي محباً لله عز وجل ومائلاً إليه ومائلاً عما سواه ﴿وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًاۗ﴾ وقد ذكرت في درس سابق أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول:
(( أنا دعوةُ أبي إبراهيمَ وبُشرى عيسى عليهما السلامُ. ))
﴿ رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ(129)﴾
النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول: (أنا دعوةُ أبي إبراهيمَ وبُشرى عيسى عليهما السلامُ) .
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يَٰبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَىٰةِ وَمُبَشِّرًۢا بِرَسُولٍۢ يَأْتِى مِنۢ بَعْدِى ٱسْمُهُۥٓ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ(6)﴾
﴿وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلًا﴾ .
﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ مُّحِيطًا(126)﴾
الله عز وجل له الملك وله الحمد، هناك من يملك كما ترون كالطغاة ولا يُحمَدون، يملك ولا يُحمَد، وهناك من يُحمَد ولا يملك، لطيف لكنه ضعيف، فالإنسان يريد إلهاً عظيماً يملك ويُحمَد، له الملك وله الحمد وملكية الله عز وجل ملكية تامة، الله عز وجل يملك خلقاً وتصرفاً ومصيراً، قد تملك ولا تنتفع، وقد تنتفع ولا تملك، وقد تملك وتنتفع والمصير ليس إليك.
لله الخلق والأمر وبيده مقاليد السماوات والأرض :
لكن الله حينما يقول: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ ملكاً وتصرفاً ومصيراً.
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62)﴾
بيده مقاليد السماوات والأرض ﴿وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ مُّحِيطًا﴾ فيا أيها الإخوة الكرام: هذه الأحداث الجسيمة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية ينبغي أن توقِظنا وتَحفِزَنا على أن نفعل شيئاً، هذا الشيء هو رجوع إلى الله وإلى كتابه وسنة نبيه، كيف نمضي السهرات؟ دقق، هؤلاء الناس كيف يمضون سهراتهم؟ في طاعة أم في معصية؟ وبعض هذه المعاصي أن تنظر لامرأة لا تحل لك إن حقيقةً أو على الشاشة مثلاً، كيف يتحدثون؟ هل في حديثهم غيبة أو نميمة؟ كيف يكسبون أموالهم؟ هل في كسب أموالهم شبهات؟ كي يلتقون؟ هل في لقاءاتهم اختلاط؟ كيف يفرحون؟ هل في أفراحهم معصيات؟ ومعاصٍ كثيرة! كيف يحزنون؟ هل في أحزانهم مخالفات للسنة؟ القضية بسيطة جداً:
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِىٓ إِلَيْهِمْ ۚ فَسْـَٔلُوٓاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)﴾
كم من شيء حرام يفعله المسلمون وهم ساهون لاهون.
خطة الله عز وجل تستوعب خطة الكفار و لن يفلتوا من عقابه:
قال تعالى:
﴿ فَخَلَفَ مِنۢ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59)﴾
وقد لقي المسلمون ذلك الغَيّ! بربكم هل من غيٍّ أشد من الذي وقع؟ أراضٍ وثروات نفطية أكبر مخزون نفطي في العالم بأقل تكلفة، كلفة البرميل في بعض البلاد ثماني دولارات، كلفة البرميل في هذه البلاد ثمانين سنتاً فقط! خيرات لا يعلمها إلا الله واستولوا عليها كلها، وكل شيء من منجزات هذه الأمة أُحرِقت، وبُدِّدت، وأُتلِفت، ودُمِّرت، هل من إذلال فوق هذا الإذلال؟
أيها الإخوة، المصاب كبير وخطير وقريب، ولا ينفعنا إلا أن يكون بالتعبير المعاصر ثورة في حياتنا، وفي معتقداتنا، وفي علاقاتنا، وفي كسب أموالنا، وفي محبتنا لبعضنا.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِهِۦ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَٰنٌ مَّرْصُوصٌ(4)﴾
هذه الـ (أنا) الانتماء الفردي والانتماء لفقاعة صغيرة هذه ضعها تحت قدمك، أنت كمؤمن تنتمي لجميع المؤمنين وفق منهج الله، فلعل الله سبحانه وتعالى ينظر إلينا نظرة عطف ورحمة، لعله ينصرنا ويُرينا من قوته وبطشه بأعدائنا ما يثلج صدورنا إن شاء الله ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ مُّحِيطًا﴾ .
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ(59)﴾
الذي فعله الكفار لم يفعلوه بخلاف إرادة الله، إن خطة الله استوعبت خطتهم، ولن يتفلتوا من عقاب الله، ووعدت في خطبة سابقة أن أتحدث عما في القرآن الكريم من أخطار تنتظر الكفار، الله عز وجل أوعدهم بالدمار والخذلان، وهناك أقوام سابقة فعلوا ما فعل هؤلاء ودمرهم الله عز وجل.
الملف مدقق