- التربية الإسلامية / ٠4تربية الأولاد في الإسلام
- /
- ٠2تربية الأولاد 2008م
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الأخوة الكرام ، مع الدرس الثالث عشر من دروس تربية الأولاد في الإسلام ولازلنا في التربية العقلية .
العلم قيمة كبيرة تجعل المسلمين في المستوى الأعلى :
بادئ ذي بدء : الآيات التي تضمن التفكر ، والعقل ، والعلم ، في القرآن الكريم تقترب من ألف آية ، لأن الإنسان كرّمه الله بالقوة الإدراكية ، وحينما يبحث عن الحقيقة يؤكد حاجته العليا ، ويؤكد إنسانيته ، وأحياناً ، ومع أن الدرس يتجه إلى التربية ، إلى تربية الأولاد في الإسلام ، من حين إلى آخر يتجه إلى الكبار ، إلى الآباء كي يقتنعوا بقيمة العلم .
شريحة كبيرة جداً من المسلمين يرى أن العلم لا يجدي ، ولا يطعم خبزاً على حدّ تعبيره ، فإذا أبقى ابنه جاهلاً ، كلكم يعلم الآن إنسان لا يحمل أي مؤهل ، في أي معمل راتبه لا يزيد عن سبعة آلاف ، بينما أي إنسان يحمل شهادة عليا ذات اختصاص دقيق دخله يزيد عن مئتي ألف ، إلى متى نرى المسلم مستخدماً ؟ ضارب آلة كاتبة ؟ موظفاً بسيطاً ؟ يشكو الفقر ، هذه مشكلة ، المال قوام الحياة .
فأنت حينما تهيئ لابنك مستوىً تعليمياً راقياً أنت ترفع من سرية المسلمين ، تجعل المسلمين في المستوى الأعلى .
اعتماد القرآن الكريم على قيمتي العلم و العمل للترجيح بين البشر :
أنا أحياناً لابدّ من تبيين قيمة العلم ، أولاً المجمع عليه في القرآن والسنة أن القيم التي اعتمدها الناس للترجيح فيما بينهم قيم لم يعترف بها القرآن إطلاقاً ، لم يعترف بقيمة الغنى ، ولا قيمة الذكاء ، ولا قيمة الوسامة ، في القرآن الكريم اعتمد قيمتين ، لا ثالث لهما اعتمد قيمة العلم ، فقال :
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
وقال :
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
فأعلى مرتبة عند الله مرتبة العلم ، بل الآية التي تلفت النظر :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
إله عظيم يقول فضله عليك عظيم إذا كنت عالماً ،
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
أنواع العلم :
أخوتنا الكرام ، هذا يستدعي أن تُكتب لوحة في أقدم ثانوية في دمشق عندما تدخلها : رتبة العلم أعلى الرتب .
الذي أتمنى أن يكون واضحاً أن هناك علماً متعلقاً بكسب الرزق ، هذا لا يزيد عن حرفة ، لأن هناك علموزو آخر متعلقاً بالحلال والحرام ، هذا أصل في العبادة ، هناك علم بخلقه ، أصل في صلاح الدنيا ، وهناك علم بأمره أصل في العبادة ، وهناك علم به وهو العلم الذي أراده الله جلّ جلاله في القرآن ، وأراده النبي عليه الصلاة والسلام في السنة .
هناك علم ممتع غير نافع ، الذي عنده ميل أدبي إذا قرأ قصيدة الإلياذة ، والأوديسة لهوميروس ، قد يستمتع بها ، قصيدة طويلة جداً ، وفيها ذكر الآلهة ، وعقائد الإنسان القديم ، ومشكلات الإنسان القديم ، وهناك علم ممتع ، وليس نافعاً .
هناك اختصاص يدر على صاحبه أموالاً طائلة ، هذا علم ممتع نافع ، لكنك إذا عرفت الله ، وعرفت منهجه ، وتقربت إليه هذا علم ، ممتع ، نافع ، مسعد .
الجهل هو العدو الأول للأمة الإسلامية :
لذلك الكلمة الرائعة التي قالها الإمام علي كرم الله وجهه : يا بني العلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلو يزكو على الإنفاق .
إنسان ثري ذهب إلى إيطاليا ، وفي أثناء الليل طُرق بابه ، وفتح الباب ، وارتكب الفاحشة ، واستيقظ على كلمات كتبت على مرآة : مرحباً بك في نادي الإيدز فانتحر ، جاهل ظنها مغنماً ، فإذا هي مغرم كبير .
أي لو درست الأمر جلياً لا تجد مشكلة في الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن تعليمات الصانع الخالق ، لو حللت كل مشكلة ، بسبب خروج عن منهج الله وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان .
والله أيها الأخوة ، نحن ألفنا في الثقافة المعاصرة أنه هناك أعداء تقليديون الاستعمار والصهيونية ، العدو الأول للأمة الإسلامية هو الجهل ، الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
الآن لو درست المشكلات الزوجية ، من دون استثناء بسبب الجهل ، جهل الزوج أو الزوجة ، أو كليهما .
(( مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا ))
وأنت اسأل ، هل هناك من مشكلة مررت بها إلا بسبب أن الحكم الشرعي غاب عنك ؟ لم تأخذ إيصالاً ، الله قال لك :
﴿ فَاكْتُبُوهُ ﴾
واثق ، توفي فجأة بحادث ، الابن ما اعترف راح لك مليون ، تتألم ، تندم ، الله عز وجل قال :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾
ما من مشكلة تصيب الإنسان إلا بسبب خروج الإنسان عن تعليمات الصانع :
لو إنسان في عنده وقت ، وعنده نفس طويل ، حلل أي مشكلة على الإطلاق في العالم بسبب خروج الإنسان عن تعليمات الصانع ، وما من خروج عن تعليمات الصانع إلا بسبب الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان ، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به ، وهل من عقاب أشد من أن يكون الإنسان في النار إلى أبد الآبدين ؟ .
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
يا أخي الكريم ألا تحب نفسك ؟ ألا تحب سلامتك ؟ ألا تحب سعادتك ؟ ألا تحب سلامة وجودك ؟ كمال وجودك ؟ استمرار وجودك ؟ اطلب العلم ، وعلم من حولك ، وأقرب الناس إليك أولادك .
من تعلّم ينفق وقته إنفاقاً استثمارياً لا استهلاكياً :
أنا أرى أُناساً كثيرين يقنع أن ابنه إذا عمل بسن مبكرة يصبح شيئاً مذكوراً ، لابدّ من أن تطلب العلم ، لك ولأولادك .
الآية الأولى :
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
حتى أنه قد قيل : العالم شيخ ولو كان حدثاً ، والجاهل حدث ولو كان شيخاً .
أحياناً بالمؤسسات ، بالشركات ، تجد شاباً يحمل شهادة عليا عمره بالخامسة والعشرين ، بالثالثة والعشرين ، بالثمانية والعشرين ، تحت يده أشخاص بالسبعين ، بالستين ، بالخامسة والأربعين ، كلهم كبار في السن لكن لم يتعلموا ، أنا أرى أن هذا الدين دين العلم ، الدليل أن أول كلمة في أول آية ، في أول سورة :
﴿ اقْرَأْ ﴾
تعلم ، في نقطة دقيقة جداً : أنت حينما تتعلم لا تنفق الوقت إنفاقاً استهلاكياً ، بل إنك تنفق الوقت إنفاقاً استثمارياً ، لأن التعلم يضمن لك نجاحات كبيرة في الحياة .
من علا شأنه و ذاع سيطه و لم يكن مستقيماً يعقب هذا الارتفاع انهيار مفاجئ:
لذلك : أنا أرى أن الأب الذي يهمل تعليم أولاده ، يهمل تعليمهم التحصيلي ، وتعليمهم الديني ، وتعليمهم الأخلاقي ، نحن أحياناً الأب يهمه أن يأخذ ابنه شهادة فقط ، صلى ما صلى ، عرف الله ، لم يعرف الله ، أهم شيء أنه أخذ علامات دخل بها كلية الطب ، هذا خطأ كبير ، لما الإنسان لا يعرف الله يرتكب أخطاء فاحشة ، والأخطاء الفاحشة قد تهلكه في الدنيا قبل الآخرة .
ومرة ثانية : ما من مشكلة تصيب الإنسان إلا بسبب جهل في طاعة الله عز وجل .
أيها الأخوة ، يعني لما الله عز وجل يقول :
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴾
الإنسان لو علا شأنه ، وذاع سيطه ، ولم يكن مستقيماً على أمر ربه ، أي لم يعرف ربه كي يستقيم على أمره ، هذا الارتفاع المفاجئ قد يعقبه انهيار سريع .
دائماً وأبداً خط المؤمن البياني خط صاعد صعوداً مستمراً ، والموت نقطة على هذا الخط ، والصعود مستمر بعد الموت ، بينما الإنسان حينما يتألق في الدنيا بماله ، أو بمنصبه ، قد يصعد صعوداً حاداً ، ويسقط سقوطاً مريعاً ، فالبطولة أن تستمر .
العطاء الإلهي عطاء مستمر يبدأ في الدنيا ويستمر إلى أبد الآبدين :
بالمناسبة : العطاء الإلهي عطاء مستمر يبدأ في الدنيا ، ويستمر إلى أبد الآبدين ولا يليق بكرم الله أن يعطيك عطاءً ينتهي عند الموت .
أيها الأخوة ، لذلك :
﴿ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾
الآن معظم الناس تعنيهم الدنيا فقط ، استقام ، لم يستقم ، عرف الله ، لم يعرف الله ، كان دخله حلالاً ، حراماً ، بنى مجده على أنقاض الآخرين ، بنى غناه على إفقارهم ، بنى قوته على ضعفهم ، مستقيم ، غير مستقيم ، معتدٍ ، غير معتدٍ ، المهم أن يصل إلى ثروة تجعل حياته مريحة ، وهذا الذي دخل الشاعر من أجله السجن ، ببيت قاله :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
* * *
من طلب العلم سلم و سعد في الدنيا و الآخرة :
أيها الأخوة ، النقطة الدقيقة الآن : إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، الذين يحكمون العالم من حولهم ؟ خبراء ، لا يتخذون القرار إلا باستشارة خبرائهم ، ففي النهاية الذي يحكم العالم هم العلماء ، الذين هم خبراء عند أصحاب القرار ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً .
أنا مرة إنسان شكا إلي مشكلة في بيته خطيرة جداً ، هي خيانة زوجية ، وبكى سألته مع من ؟ قال لي : مع جارنا ، كيف عرفت الجار ؟ قال لي : كان جارنا في البيت يزورني ، قلت لزوجتي : تعالي واجلسي معنا ، مثل أخيكِ ، من هنا بدأت المشكلة ، قلت له : لو كنت تحضر دروس العلم ، وتعلمت أن الاختلاط محرم ما وقعت في هذه الورطة .
دقق ما من مشكلة تقع في المجتمع إلا بسبب مخالفة لتعليمات الخالق ، وهذه المخالفة بسبب الجهل ، فأنت حينما تحضر درس علم ، وتعرف ما ينبغي ، وما لا ينبغي ، ما يجوز ، وما لا يجوز ، ما يصح ، وما لا يصح ، ما هو محرم ، وما هو محلل ، ما هو الخير ، وما هو الشر ، ما هو الجمال ، وما هو القبح ، عندئذٍ الثمرة الأولى أنك تسلم وتسعد .لذلك : جامعة دمشق لها شعار ، تحت الشعار كُتب :
﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾
من عرف الله عرف كل شيء :
لا أنسى هذه الآية التي ينبغي أن يخفق قلب المؤمن لها ،
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
حتى إن الله عز وجل حينما قال :
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾
بعض العلماء قال :
﴿ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾
سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله الله ، والله أكبر ، يعني إذا سبحته ، وإذا كبرته ، وحمدته ، ووحدته ، فقد عرفته ، وإن عرفته عرفت كل شيء ، وإن فاتتك معرفته فاتك كل شيء ، والله أحب إليك من كل شيء .
الآية الأولى :
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
القيمة الوحيدة التي اعتمدها القرآن للترجيح بين خلقه قيمة العلم .
الآية الثانية :
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
هذه الآية الثانية التي تؤكد أن القيمة الأولى في التفاضل بين الناس هي قيمة العلم .
عندنا قيمة ثانية ، أساس الترجيح وهي العمل ، قال تعالى :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
العلم ما عُمل به فمن تعلم أصبح العلم حجة عليه لا حجة له :
لكن بادئ ذي بدء : لا يمكن أن يكون العلم في الإسلام مقصوداً لذاته ، العلم ما عُمل به ، فإن لم يُعمل به كان الجهل أولى ، الذي تعلم أصبح العلم حجة عليه ، لا حجة له .
لذلك قالوا :
وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن
* * *
ما معنى قوله تعالى :
﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾
﴿ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾
هم الذي عرفوا وانحرفوا ، والضالون هم الذين لم يعرفوا وانحرفوا ، هناك إنسان ينحرف وقد علم ، و إنسان ينحرف ولم يعلم .
أيها الأخوة ، دققوا في هذا الحديث ، أنت جئت من مكان بعيد ، وتجشمت ركوب عدة مركبات ، وفي ازدحام ، وقد يستغرق الوقت لحضور هذا الدرس ساعة أو ساعتين يقول عليه الصلاة والسلام :
(( وَمَن سلكَ طريقا يَلْتَمِسُ فيه عِلْما سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طريقا إِلى الجنَّةِ ))
يعني أنت جالس في البيت ، ومرتاح ، ولك مقعد وثير ، أمامك زوجتك ، أولادك ، كل حاجاتك مؤمنة ، فأنت قمت من هذا المكان المريح ، وارتديت الثياب ، وركب المركبات ووصلت إلى المسجد ، وجلست على الأرض ، وضيافة ما في ، وانتهى الدرس ، وعدت بساعة ثانية ، في ثلاث ساعات تقريباً ، لوجه الله ، هذا الوقت الذي تنفقه في طلب العلم ليس استهلاكاً للوقت ، ولكنه استثمار له ، أي إذا تركت شيئاً محرماً نجوت ، إذا عملت عملاً صالحاً فزت وتفوقت ، لذلك :
(( وَمَن سلكَ طريقا يَلْتَمِسُ فيه عِلْما سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طريقا إِلى الجنَّةِ ))
من لم يعمل بالعلم الذي تعمله فالجهل أولى له :
أنت لاحظ بالمعاني المادية المحدودة ، إنسان دخل كلية الطب ، وعانى ما عانى في السنوات السبع ، مدرسون أشداء في الامتحانات ، كلفوا الطلاب بأعمال صعبة جداً ، يعني معاناة سبع سنوات مع الأساتذة ، والمدرسين ، وكتابة الأطروحات ، والامتحانات الشفهية ، والكتابية ، ثم نال شهادة طب ، وتابع دراسته ، وحصل على شهادة عليا ، وفتح عيادة ، دخله وفير ، هذا الدخل الوفير بالمعنى المادي ، هيأ له بيتاً مريحاً ، هيأ له مركبة مريحة ، هيأ له مكانة اجتماعية ، الآن كلما مرّ أمام الجامعة يشكر هذه الجامعة على أنها نقلته من إنسان عادي ، إلى إنسان ذو مكانة جيدة في المجتمع .
وأنت أيها المؤمن حينما تطلب العلم ، وتعرف الحلال والحرام ، وتحسن تربية أولادك ، وتنشئهم على طاعة الله ، وكانوا قرة عين لك ، تحمد هذه الأوقات المديدة التي أمضيتها في معرفة الله .
أي لا يوجد علم لذاته ، علم للعلم ، بالإسلام غير وارد ، العلم ما عُمل به ، فإن لم يُعمل به كان الجهل أولى ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( الدُّنيا مَلعْونَةٌ ))
أحبّ البلاد إلى الله مساجدها و أبغض البلاد إلى الله أسواقها :
مرة ذكرت ببعض الأحاديث :
(( أحب البلاد إلى الله مساجدها و أبغض البلاد إلى الله أسواقها ))
لأن المسجد ينقلك إلى الله ، إلى الدار الآخرة ، إلى طلب العلم ، إلى التوبة ، إلى الطاعة ، إلى السعادة ، الأسواق بضائع جميلة جداً ، وغالية جداً ، ولك دخل محدود ، فكنت أضرب هذا المثل مداعباً الأخوة الكرام ، يأتي مع امرأته إلى المسجد تسمع حقوق الزوج فتزداد طاعة لزوجها فيحبها ، ويسمع حقوق الزوجة فيزداد إكراماً لها فيحبها ، فالمجيء إلى المسجد متن علاقة الزوجين ، يذهب معها إلى السوق تطلب منه حاجة فوق دخله يتشاجروا .
(( أحب البلاد إلى الله مساجدها و أبغض البلاد إلى الله أسواقها ))
لذلك :
(( الدُّنيا مَلعْونَةٌ ، مَلْعُون ما فيها ، إِلا ذكرُ الله ، وما والاهُ ))
معنى ملعونة تبعدك عن الله ، تبعدك عن طريق الجنة .
لقطتان رائعتان من سيرة النبي الكريم :
هناك لقطتان رائعتان من سيرة النبي :
رأى النبي صلى الله عليه وسلم شاباً يتعبد الله في وقت العمل ، قام سأله من يطعمك ؟ قال : أخي ، فقال عليه الصلاة والسلام : أخوك أعبد منك ، الذي يعمل هو العابد أكثر ،الذي كانت يده هي العليا ، لم يكن عالة على أحد ، لم يتكفف الناس .
(( ولا فتح عبد بابَ مسألة ، إلا فتح الله عليه بها باب فقر ))
الآن مشهد آخر ، شريكان ، أحدهما طالب علم ، فالشريك الآخر الذي يعمل شكا للنبي شريكه الذي يقدم جهداً أقل من جهده ، باللقطة الأولى قال النبي الكريم : أخوك أعبد منك الذي يعمل ، ومن ينفق عليك أعبد منك ، الثاني شيء آخر ، قال : لعلك ترزق به ، اختلف الموضوع ، اختلف الحكم ، أو اختلف 180 درجة ، الأول كان عابداً ، الذي يعبد الله لنفسه ، أما الثاني كان طالب علم ، يطلب العلم لغيره ، فالنبي طمأن الشريك أن أحد أسباب رواج هذه الشركة ، وتقدمها ، هو أنك تسمح لشريكك أن يطلب العلم ، لعلك ترزق به .
الفرق الكبير بين أن يموت الإنسان ويستريح الناس منه وبين أن يتألم الناس عليه :
المؤمن الذي عرف الله ، إذا توفاه الله ، ماذا قال الله في حقه ؟ قال في حق الكافر :
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ ﴾
العلماء أكدوا أن هناك معنى مخالف معاكس ، المؤمن إذا مات ماذا يقول ؟ بكت عليه السماء والأرض ، فرق كبير بين أن يموت الإنسان ويستريح الناس منه ، وبين أن يكون الإنسان ويتألم الناس أشد الألم .
لذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم جنازة فقال :
(( مستريح ، أو مُسْتَراح منه ، فقالوا : يا رسول الله ما المستريحُ ، وما المستَراح منه ؟ فقال : العبد المؤمنُ يستريح من نَصَب الدنيا ، والعبد الفاجرُ : يستريح منه العبادُ والبلادُ ، والشجر والدواب ))
هؤلاء الطغاة إذا ماتوا تستريح منهم البلاد ، والعباد ، والشجر ، والدواب .
الأب المؤمن هو الأب الذي ربى أولاده على طاعة الله :
الآن الأب الذي يُعلم أولاده ، لنرسل له هذا الحديث الشريف :
(( إنَّ الله وملائِكَتَه ، وأهْلَ السماوات والأرضِ ، حتى النَّملةَ في جُحْرِها والحيتان في البَحْرِ ، لَيُصَلُّون على مُعَلِّم الناس الخيرَ ))
يعني الأب حينما يعلم أولاده تصلي عليه الملائكة ، والنملة في جحرها ، والحيتان في البحر ، الأب المعلم أب عظيم ، أنا أقول دائماً : لك أب أنجبك ، هذا أبوك النسبي ، ولك أب زوجك ، هذا عمك ، ولك أب دلك على الله ، والبطولة أن تكون أيها الأب أباً أنجبته ، وأباً دللته على الله ، الأب المؤمن الذي ربى أولاده على طاعة الله أب مقدس .
حجم الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح وأعظم عمل صالح تربية الأولاد :
إخوانا الكرام ، سامحوني بهذه الكلمة : الثقافة الإسلامية بثقافة بلادنا كل أب محترم ، هكذا العادات والتقاليد ، لكن ما كل أب يُحب ، إذا كنت محسناً ، إذا دللته على الله ، تكون أباً محترماً بحسب الثقافة العامة ، ومحبوباً بحسب توجيهك لهذا الابن .
أنا أقول دائماً : الأب البطل يكون العيد في بيته إذا دخل ، والأب المخفق يكون العيد في بيته إذا خرج ، فالعيد متى يكون ؟ بدخولك أم بخروجك ؟ .
شيء آخر يا إخوان : بعد أن تعرف الله ، علة وجودك العمل الصالح ، وأعظم عمل صالح بشكل مطلق من دون استثناء تربية أولادك لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( أفضل كسب الرجل ولده ))
خير اسم تفضيل ،
(( أفضل كسب الرجل ولده ))
لذلك :
(( إذا مات الإنسان انقطع عمله ))
علة وجودك في الدنيا بعد أن تعرف الله العمل الصالح ، لأنه العمل الصالح ثمن الجنة ، وأنت في الأصل خلقت للجنة ، علة وجودك في الدنيا ، بعد معرفة الله العمل الصالح بل حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، وأعظم عمل صالح تربية أولادك ، لأنهم أقرب الناس إليك ، يعني الآخر أنت له ، وغير له ، أما أولادك من لهم غيرك ؟ .
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ : إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ـ الشاهد ـ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))
والله الذي لا إله إلا هو كلما رأيت أباً ربى ابناً صالحاً ، ومات الأب ، أقول بأعماقي : الأب لم يمت ، لأنك في الأصل مفطور على حبّ وجودك ، وعلى حبّ سلامة وجودك ، وعلى حبّ كمال وجودك ، وعلى استمرار وجودك ، سلامة وجودك بطاعة الله ، وكمال وجودك بالعمل الصالح ، واستمرار وجودك بتربية أولادك .
هل تعتقد معي أيها الأب أنه في شعور أمتع ، وأشد إسعاداً للإنسان من أن ترى ابنك صالحاً ، ابنك يصلي ، سمعته طيبة ، ناجح في عمله ، ناجح في زواجه ، يربي أولاده .
(( أو ولد صالح يدعو له ))
طريق معرفة الله التفكر في خلق السماوات والأرض :
أيها الأخوة الكرام ، مرة ثانية : هناك علم به ، هو الأصل ، أن تعرف الله ، إنك إن عرفت الله ، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا لم تعرف الله ، وعرفت الأمر تفننت في التفلت من الأمر ، إنك إن عرفت الله ، فالعلم به أصل في الدين ، كيف ؟ في التفكر في خلق السماوات والأرض .
كلكم يعلم أنك إذا قرأت آية في كتاب الله تتحدث عن الجنة ، ما موقفك منها ؟ أن تسعى إلى الجنة ، وإن قرأت آية في كتاب الله تتحدث عن النار ، ما موقفك منها ؟ أن تفر منها ، وإذا قرأت آية فيها أمر إلهي ما موقفك منه ؟ أن تأتمر ، وإذا قرأت آية فيها نهي إلهي ما الموقف الكامل ؟ أن تنتهي ، وإذا قرأت قصة أقوام سابقين أهلكهم الله عز وجل ما الموقف من هذه الآية ؟ أن تتعظ ، وإذا كان بالقرآن آيات كثيرة جداً تقترب من ألف آية عن الكون ما الموقف منها ؟ أن تتفكر ، لأن طريق معرفة الله التفكر في خلق السماوات والأرض .
لذلك : كلما ازددت تفكراً في خلق السماوات والأرض ، ازددت مع التفكر معرفة بالله جلّ جلاله ، أصل الدين معرفة الله ، العلم به لا يكفي ، أنت حينما تعرف إنساناً وتتمنى أن تتقرب إليه ، تبحث عن أوامره ، يأتي علم الشريعة ، التفكر في خلق السماوات والأرض ، أو التفكر في أفعال الله ، في أفعاله التكوينية ، أو التفكر في كلامه ، أو التدبر هذا طريق معرفته .
الاستقامة على أمر الله و القيام بالأعمال الصالحة طريقا الإنسان للتقرب من الله :
الآن طريق التقرب منه بشيئين أن تستقيم على أمره أولاً ، وأن تعمل الأعمال الصالحة ثانياً هذا علم بأمر الله .
لكن حتى تكون مواطناً صالحاً ، وتملك مهنة راقية ، تدر عليك دخلاً معقولاً يجب أن تتعلم علماً متعلقاً بخلقه ، طبيب ، مهندس ، مدرس ، فروع الجامعة ، فيزياء ، كيمياء ، رياضيات ، في اختصاصات ، فأنت ينبغي أن تسعى إلى أن تتعلم وأن تُعلم أولادك ، علماً به ، وعلماً بأمره ، وعلماً بخلقه ، كي تجمع المجد من كل أطرافه .
أحياناً تجد إنساناً يحمل أعلى شهادة لكن في الدين أُمي ، لا يفرق بين الحلال والحرام .
إنسان ذهب للحج ، لكن ضعيف في الثقافة الإسلامية ، ضعيف في الثقافة كثيراً ، قال لو عملوا الحج على خمس دورات ، ما كان في ازدحام ، بعيد عن روح الدين .
حتى جيء للمملكة بخبراء من أجل تنظيم السير ، فدرسوا الأمور دراسة مستفيضة ، وقدموا تقريراً ينصحون بأن يكون الحج على خمس دورات ، كل شهرين في موسم حج حتى يخف الازدحام .
فيكون الإنسان بعيد عن حقيقة الدين ، عن العبادات ، عن المعاملات .
العاقل من جمع بين مصالحه في الدنيا و مصالحه في الآخرة :
لابد من أن تعرف الله عز وجل من خلال خلقه ، ومن خلال كلامه ، ومن خلال أفعاله ، هذا العلم به ولابدّ من أن تعرف منهجه من خلال أمره ونهيه ، ولابدّ من أن تتعلم علماً كونياً يرقى بك إلى خدمة نفسك وأمتك ، فاجهد أيها الأب أن تعلمه علماً متعلقاً بالذات الإلهية ، وعلماً متعلقاً بالأمر والنهي ، وعلماً متعلقاً بشؤون الدنيا ، حتى يجمع الإنسان بين مصالحه في الدنيا وبين مصالحه في الآخرة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم من أدعيته :
(( اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إلينا مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ))
أيها الأخوة الكرام ، لازلنا في تربية الأولاد في الإسلام ، ولازلنا في التربية العقلية ، لأن الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وغذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب .