وضع داكن
07-11-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 2008 - الدرس : 07 - التربية الاجتماعية -2- ظاهرة الكلام البذيء
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السابع من دروس تربية الأولاد في الإسلام، ولازلنا في التربية الاجتماعية.

الأب البطل يعزو أخطاء أولاده إليه:

سبق أن تحدثنا عن الكذب كظاهرة اجتماعية خطيرة جداً في الأسرة، وكذلك السرقة، وقد ذكرت في الدرس الماضي الأسباب البعيدة التي تدعو الطفل إلى أن يأخذ من أبيه وأمه دون أن يستأذنهم.
واليوم ننتقل إلى الكلام، هناك كلام لا يليق بشاب يعتني أبواه به، كلام بذيء، كلمات ساقطة، كلمات سوقية، كلمات فيها لفظ العوارت، كلمات فيها سُباب، كلمات فيها لعن، هذه الظاهرة، ظاهرة الكلام البذيء، الكلام الفاحش، الكلام النابي، الكلام الذي يجرح المشاعر.
بادئ ذي بدء: انطلاقاً من مقدمة ذكرتها لكم كثيراً، أن الأب البطل يعزو أخطاء أولاده إليه، والأم كذلك، الكلام البذيء، والكلام الساقط، والكلام الفاحش، يعود إلى جو الأسرة، وجو الطريق، وجو المدرسة.
تصور بيتاً الأب منضبط، لا يوجد كلمة لا تليق، لا يوجد كلمة فاحشة، العورات لا تذكر إطلاقاً، الطُرف الساقطة لا تذكر إطلاقاً، ما دام هذا الابن نشأ في بيت منضبط، منضبط بالكلام، منضبط بالتعبير، أنى لهذا الطفل أن يتلفظ كلمات بذيئة ؟.

أهم الأسباب التي تدعو الطفل إلى أن يتكلم كلاماً بذيئاً:

جو البيت:

أيها الأخوة الكرام، الحقيقة الأولى أن السبب هو جو البيت

أب غضوب في ساعات الغضب يسب الدين أحياناً، فالطفل يستمع إلى أب يسب الدين، فإذا غضب يقلد أباه من السبب ؟ الأب، في ساعة المزاح الرخيص يسمي العورة باسمها، يستمع الطفل إلى حديث أبيه مع أصدقائه، فإذا أراد أن يقلد أباه استخدم العبارات نفسها.
أقول لكم بمنتهى الصراحة: البيت المنضبط في الأعم الأغلب أن الأولاد ينضبط لسانهم، وجزء كبير من الأخلاق ضبط اللسان، يا رسول الله وهل نؤاخذ بما نقول ؟ فقال عليه الصلاة والسلام لسيدنا معاذ:

(( ثكلتك أمك ! وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ؟ ))

[أخرجه الطبراني عن معاذ بن جبل ]

(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ))

[أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك ]

والله الذي لا إله إلا هو أعرف أشخاصاُ لو تعاشرهم خمسين عاماً لا يمكن أن يصدر منهم كلمة بذيئة واحدة، ولا فاحشة، هذا الذي نتمناه أن يكون واضحاً لدى الأخوة الآباء والأمهات والمعلمين.

ينبغي علينا دائماً أن تستخدم العبارات المهذبة جداً:

أيها الأخوة، لو دخلنا في التفاصيل، دخل النبي عليه الصلاة والسلام على ابنته فاطمة، وكانت مريضة، حمى أصابتها، فقال لها: ما لك يا بنيتي ؟ قالت: حمى لعنها الله قال: لا تلعنيها، فو الذي نفس محمد بيده لا تدع مؤمن وعليه من ذنب.
لا تعود نفسك تلعن أمام أولادك، الله يلعن الساعة التي عرفته فيها، هذه لعن الساعة، و لعن الأشخاص، ولعن الأولاد، عود نفسك ألا تلعن.

(( ليس المؤمن بطعَّان ولا لعَّان، ولا فاحش ولا بذيء ))

[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود ]

كلامه ما فيه لعن، لا تلعنيها، فو الذي نفس محمد بيده لا تدع المؤمن وعليه من ذنب، عود نفسك ألا تلعن شيئاً، في عبارات مهذبة، أين فلان ؟ في الحمام، يجدد وضوءه وفي عبارات أخرى، يقوم في البيت بثيابه الداخلية، الثياب الداخلية مهذبة، كلمة مهذبة، وفي كلمات أخرى لا تليق.
إذاً ينبغي أن تستخدم العبارات المهذبة جداً حتى في الأماكن التي لا يصح أن نذكر اسمها بالتفصيل.

على المؤمن ألا يستخدم كلمات تثير الشهوة:

شيء آخر: لا يستخدم النبي كلمة تثير الشهوة، أسماء دخلت عليه بثياب رقيقة فقال: يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم عظامك، كلمة عظم لا تثير الشهوة إطلاقاً، أي كلمة أخرى ممكن أن تثير الشهوة، يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم عظامك فقط.

﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾

( سورة النساء الآية: 43 )

هل من كلمة لطيفة معبرة دون أن تثير خيال طفل صغير

﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾

﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ﴾

( سورة النساء الآية: 43 )

﴿ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾

مفهومة، لكن الصغار لا يفهمون منها شيئاً، هذا قرآن.

﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ﴾

( سورة الأعراف الآية 189 )

كلمة

﴿ تَغَشَّاهَا ﴾

﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾

( سورة المؤمنون )

كل أنواع الشذوذ، والكلمات التي يذكرها معظم الناس بألفاظها القبيحة، دخلت بكلمة

﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾

﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾

( سورة المؤمنون )

امرأة تشكو زوجها (دقق في تهذيبها)، قالت: يا أمير المؤمنين، إن زوجي صوام قوام، في النهار صائم، وفي الليل قائم، سيدنا عمر يبدو كان منشغلاً قام قال لها: بارك الله لكِ بزوجك، قال له سيدنا علي: إنها تشكو زوجها، إنها لا تمدحه، تشكو زوجها، انظر إن زوجي صوام قوام، لا ينام معي مثلاً، إن زوجي صوام قوام.

إذا كانت الكلمات التي تلقى في البيت منتقاة فالطفل لا يتعلم إلا الأدب:

أيها الأخوة، إحدى زوجات الصحابة دخلت على السيدة عائشة بثياب رثة، فلما سألتها عن حالها، قالت: إن زوجي صوام قوام، موضوع ثانٍ، فالنبي استدعى زوجها وأمره أن يعطيها حقها، إن لزوجك عليك حقاً، في اليوم التالي جاءت هذه المرأة، ودخلت على السيدة عائشة، الكلمتين الدقيقتين عطرة نضرة، في نضارة، وفي عطر، قالت لها: ما الذي حصل ؟ استمعوا إلى أدب الصحابيات، قالت: أصابنا ما أصاب الناس.

والله يمكن أن نتعلم من أقوال الصحابة الذين عاشوا قبل ألف و أربعمئة عام أعلى درجات الأدب الرفيع، تكلموا عن كل شيء، لكن بألفاظ لطيفة، بكنايات لطيفة، مؤدبة، فإذا أنت كنت كأب، وأنت أيتها الأم كل الكلمات التي تلقى في البيت منتقاة، بأعلى درجات الأدب، أغلب الظن الفتاة الصغيرة، والابن الصغير لا يتعلم إلا الأدب.
أنا أقول لكم كلمة: مستوى الأب والأم لا في الشهادات التي يحملها بل مستواه في تربية أولاده، أحياناً تجد طفلاً يلفت النظر.
أنا قبل مرحلة ليست بالبعيدة كنت أوزع عقب خطبة الجمعة لكل طفل أتى مع أبيه قطعة حلوى، تشجيعاً له، لكن من خلال هذا التوزيع وجدت الأطفال أصناف، بعض هؤلاء الصغار يتأبى أن يأخذ هذه الحلوى، عنده تأبي، أو عنده اعتزاز، لا شكراً، أنا أجهد أن أعطيه هذه القطعة، أطلب من أبيه أن يعينني على إقناعه بأخذها، معناها تربى تربية عالية جداً في البيت، شيء جميل، طفل آخر يأخذها مني بسهولة، لكنه يشكرني عليها شكراً أستاذ، هذا نموذج ثانس، طفل ثالث قبل خمسة أمتار عينه على القطعة، لا ينظر لا إليّ ولا إلى أحد، إلى أن يأخذها ويمشي، هذا الثالث، في قسم رابع يأتي مرتين ثالثة، أما في قسم خامس أعاذنا الله من هؤلاء، أطول مني بكثير لكن ما في شيء، أين القطعة التي تخصني ؟ أما أول قسم يلفت النظر، أدب، وعفة، وتأبي، وقد يشتهيها مثل الآخرين، لكنه تربى تربية عفيفة.

من أراد محاورة إنسان ينبغي أن ينزل إلى مستواه و ألا يميز نفسه عليه بكلمة:

إخوانا الكرام، من أقوال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( سِبابُ المسلم فُسُوق، وقِتاله كُفْر ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود ]

أي ممكن أن تتحاور مع إنسان عشر ساعات، وما تسمعه كلمة قاسية، لا تفهم، لا هذه الكلمة قاسية، أرى خلاف ما ترى، أنا لي رأي آخر، ومعي له دليل، يمكن أن تحاور أخاك حواراً طويلاً دون أن تجرحه، أي أنت ممكن أن تحاور إنساناً عشر ساعات وتستخدم الكلام المهذب، أرى بخلاف ذلك، ومعي دليل، ولعلك توهمت الحقيقة كذا، أما لا تفهم، لا يصح.

تعلموا من الإمام الشافعي، حينما قال: أنا على حق، وقد أكون مخطئاً والآخر على الباطل وقد يكون مصيباً.
ألا تريدون منهج النبي في ذلك ؟ الذي علمه القرآن قال:

﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى ﴾

( سورة سبأ الآية: 24 )

يعني أنت حينما تحاور إنساناً إياك أن توهمه أنك أنت وحدك العالم و هو جاهل ينبغي أن تنزل إلى مستواه، و ألا تميز نفسك عليه بكلمة

﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى ﴾

﴿ أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

( سورة سبأ الآية: 24 )

يعني الحق كرة، قد تكون عندي، وقد تكون عندك، سوف نتحاور، أما أنا الذي أعرف، أنت لا تعرف.
قال شخص تركي، أحب أن يفسر القرآن، قال:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ﴾

( سورة الذاريات )

قال: السماء كل ما علاك فهو سماء، هذا نعرفه نحن وأنتم، أما

﴿ ذَاتِ ﴾

هذا شيء نعرفه نحن أما أنتم لا تعرفونه، هذه

﴿ ذَاتِ ﴾

قال أما

﴿ الْحُبُكِ ﴾

هذا شيء لا نعرفه لا نحن ولا أنتم، لا نحن العلماء فكيف أنتم الجهلاء ؟.

على كل إنسان أن يكون في مستوى من يحاور:

هناك توجيهات قاسية جداً، هناك تقييمات باطلة، هناك استعلاء، عود نفسك أن تجعل نفسك في مستوى مَنْ تُحاور، قال تعالى:

﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

( سورة النحل الآية: 125 )

أي إذا كان هناك ألف عبارة حسنة ينبغي أن تختار من كل هذه العبارات ما هو أحسن.

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾

( سورة النحل الآية: 125 )

أما في المجادلة

﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

المجادلة في خصومة، الأفكار مرتبطة بكرامة الإنسان فحاول أن تكون قرآنياً في هذا التوجيه

﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

في آية أخرى:

﴿ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

( سورة سبأ )

ما قولكم

﴿ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا ﴾

هل دعوة النبي جريمة

﴿ وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

الآية الأولى بمستوى واحد، أما الثانية فيها تواضع بالغ، هذا منهج القرآن في حوار الطرف الآخر، أما الاستعلاء والسُباب، والاتهام، والكلمات القاسية، هذه تثير فتناً لا تنتهي.

الإنسان كلما تواضع رفعه الله وكلما تكبر وضعه الله عز وجل:

ألا تحبون أن تروا أدب القرآن الكريم ؟ سيدنا يوسف حينما قال:

﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ﴾

( سورة يوسف الآية: 100 )

أين كان ؟ كان في الجب، وكان في السجن، أيهما أكثر خطراً ؟ الجب، الجب احتمال موته كبير جداً، أما السجن الحياة مضمونة، فقد حريته فقط، قال:

﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾

( سورة يوسف الآية: 100 )

لمَ لم يقل من الجب ؟ لأنه إذا قال من الجب ذكّر إخوته بعملهم السيئ، أراد أن يتجاوز عن أعمالهم، قال

﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾

ما قال من بعد ما تآمروا على قتلي، قال:

﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾

( سورة يوسف الآية: 100 )

يعني جعلهم بريئين، أما الذي أوقع بينه وبينهم الشيطان، والحقيقة ليست كذلك لكن تعلموا أدب الحوار، كلما الإنسان ارتقى تجد كلامه مهذباً جداً.
مرة أحد علماء مصر الكبار توفي رحمه الله، سافر إلى بريطانيا لإجراء عملية في عينيه، فجاءت رسائل بعشرات الألوف، شيء يلفت النظر، إذاعة لندن أجرت معه حواراً أنا سمعته، سُئل عن هذه المكانة التي حباه الله بها، فسكت، اعتذر، ضيع السؤال فلما ألح المذيع عليه، قال: لأنني محسوب على الله، عبارة مهذبة جداً، أنا عالم، لا هذه ثقيلة، أنا طالب علم مهذبة، طالب علم، الإنسان كلما تواضع رفعه الله، وكلما تكبر وضعه الله عز وجل.
فسيدنا يوسف كان في أعلى درجات اللطف مع إخوته

﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾

المسلمُ من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده:

(( إن من أكبر الكبائر، أن يلعن الرجل والديه ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

قَلّ ما تجد إنساناً يلعن والديه، أما حينما تسيء إلى الناس تسبب لعن والديك لذلك من أدق الأحاديث الأخلاقية:

(( المسلمُ من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده ))

[أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة ]

يعني سلمت سمعة المسلمين من لسانه ويده.

العاقل من فكّر في كل كلمة قبل أن يتكلم بها:

إخوانا الكرام، هناك أحاديث تقصم الظهر.

(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جنهم سبعين خريفاً ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

يعني أخ زار أخته بالعيد، الأخت تحب زوجها، وراضية عنه، ومن أسعد الزوجات بزوجها، البيت صغير، ما هذا البيت ! لمَ تقول هذا ؟ هي راضية، لمَ تثير حفيظتها ؟ تألمت، انتبهت، البيت صغير جداً، أخواتها في بيوت أكبر بكثير، فلما دخل زوجها إلى البيت كانت عابسة فسألها عن عبوسها سكتت فغضب وقعت مشكلة كبيرة، قد تنتهي بالطلاق أحياناً، هذا الذي تكلم بهذه الكلمة

(( لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جنهم سبعين خريفاً ))

أنا أقول لكم أبلغ، لو ذكرت امرأة أمامك.

(( إن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة ))

[أخرجه الطبراني والبزار عن حذيفة بن اليمان ]

(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جنهم سبعين خريفاً ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

بالجلسات، بالسهرات، يشرح الناس في هذه السهرة، فلانة ليست جميلة، مثلاً توصف بأردأ أوصافها، فالسيدة عائشة قالت عن أختها صفية: إنها قصيرة، قال: يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته، ما قولكم ؟ لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته.

الأب الصالح والأم الصالحة حديثهما يدور دائماً حول الكمال والأخلاق والدين:

إخوانا الكرام، يكون بالبيت عدة فتيات، فتاة لها شكل معين، فتاة لها شكل أقل من شكل أخوتها، الحديث المستمر عن فلانة بارعة الجمال، وفلانة ليست جميلة إطلاقاً هذا الحديث إذا زاد عن حدّه في البيت يصبح مقياس الفتاة جمال فقط، فالتي هي أقل من أختها تصاب بعقدة نفسية، أما الأب الصالح، والأم الصالحة ما في حديث إلا على الكمال والأخلاق والدين، والصلة بالله، والموقف الحكيم، الحديث الذي يُلقى في البيت حديث أساسه مكارم الأخلاق.
أنا أروي لكم نصاً عن أحد التابعين اسمه الأحنف بن قيس، كان قصير القامة أسمر اللون، مائل الذقن، أحنف الرجل، ناتئ الوجنتين، غائر العينين، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، إذا غضبَ غضب لغضبته مئة ألف سيف، لا يسألونه فيما غضب، وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه.
يعني في البيت الحديث عن البطولة، عن الاجتهاد، عن التحصيل، عن الأدب عن أداء الصلوات، عن قيام الليل، عن القرآن، إذا الحديث هكذا في بنات بأشكال متنوعة كلهم يلتفون حول أمهم وأبيهم، إذا الحديث عن الجمال فقط، والتي أقل جمالاً من أختها يصبح عندها عقدة كبيرة جداً، الأب ينتبه.

التساوي في العدل والمودة بين جميع الأولاد:


صدقوا أيها الأخوة

بكل بيت هناك أولاد، وقد يكون ابن أذكى من ابن، وقد يكون ابن له وجه صبوح أكثر من أخيه، الأب المؤمن، والأم المؤمنة، لا تميز ولا في النظرات، نظرة بنظرة، قبلة بقبلة، احتضان باحتضان، ما وجد الابن الأقل جمالاً أي معاملة أقل من أخيه، فنحن أعناه على أن ينتصر على نفسه، أما إذا في تفرقة، الأول يُبتسم له في وجهه، والثاني في عبوس، مع مرور الأيام تنشأ عقدة تنفسية.
أنا مصر إلى آخر سلسلة من هذه الدروس أن أخطاء الأولاد، وعقد الأولاد، وتقصير الأولاد، وانحراف الأولاد، وأمراض الأولاد، من أخطاء الآباء، والأبوة مسؤولية وبإمكانك أن تكون أباً وأمامك أولاد يتفانون في طاعتك.
قال: اشهد يا رسول الله أنني نحلت ابني حديقة، فسأله: ألك ابن غيره ؟ قال: نعم، هل نحلته كما نحلت هذا ؟ قال له: لا، قال: أشهد غيري فإني لا أشهد على جور.
العدل، والمودة، يجب أن تكون المودة لكل الأولاد بالتساوي، الابتسامة أحياناً تُقبل ابناً وتنسى الثاني، يتحطم الثاني، أحياناً تحمل ابناً و تنسى الثاني، أحياناً تبتسم في وجه ابن وتنسى الثاني، هذا الذي ينتبه لهذه النقاط الدقيقة يكون موفقاً توفيقاً كبيراً.

على كل معلم أن يغير أسماء طلابه في العام الدراسي إن أثار هذا الاسم ضحكاً:

لي كلمة خاصة بالمعلمين: أحياناً يكون هناك اسم يثير الضحك، بعض المعلمين ينادون مثل هؤلاء الطلاب بألقابهم، لا بأسمائهم، هناك أسماء غير جميلة.
أحد الصحابة دخل على النبي الكريم، قال له: ما اسمك ؟ قال له: زيد الخيل قال له: بل أنت زيد الخير.
أعرف معلمين كثيرين، يغيرون أسماء طلابهم بالعام الدراسي فقط، في كلمات في كثير من البيوت لها أسماء غير مقبولة، فأنت كمعلم غيّر هذه الأسماء إلى أسماء أخرى أو اكتفِ بالاسم الأول، أو بالاسم الثاني.
فالنبي من شمائله أنه كان يغير أسماء صحابته، ما اسمك ؟ قالت له: عاصية قال لها: بل طائعة، أنت طائعة.

من عدّ كلامه من عمله فقد نجا:

أيها الأخوة، حينما تعد كلامك من عملك تنجو، ما دام:

(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جنهم سبعين خريفاً ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ].

ينبغي أن تعد كلامك من عملك، كلمة واحدة، أحياناً يقول معلم لطالب أنت غبي بساعة غضب، لكن هذه الكلمة سمعها الطفل، قد تستمر معه عشر سنوات، قد تضعف معنوياته، قد تنشا عنده عقدة نفسية، خطأ، عود نفسك الكلام الجيد، المنضبط، وكلما ارتقى مستوى الكلام في البيت ارتقى مستوى الأولاد، فإذا حرصت أن يكون رفقاء أولادك من المستوى الراقي المهذب، وإذا ضمنت مدرسة لا يستمع بها الطفل إلى كلام بذيء تكون قد حققت نجاحاً كبيراً في تربية أولادك.

(( من هوي الكفر فهو مع الكفرة، ولا ينفعه علمه شيئاً ))

[أخرجه الطبراني عن جابر بن عبد الله ]

هناك تعليقات لاذعة، هناك حوار مكشوف، هناك أدب رخيص، هذا الأدب الرخيص والحوار المكشوف، والتعبيرات اللاذعة، وهناك طرف جنسية، أنا والله لا أصدق أن بيتاً مؤمناً فيه طرفة جنسية إطلاقاً، هذه الطرف الجنسية ليست للمؤمنين، للمتفلتين، للشاردين عن الله عز وجل، حتى لو سمعت طرفة من هذا النوع ينبغي ألا تضحك، إنك حينما لا تضحك تلقن من ألقى هذه الطرفة درساً لا ينسى.
والله مرة كنت بجلسة أي جلسة عمل، أحد الحاضرين تكلم بكلمة سيئة جداً الكل ضحكوا، أنا لم أضحك، بل أخذت موقفاً، فلما انتهى الاجتماع تبعني الذي ألقى الكلمة قال لي: أي خدمة ؟ قلت: شكراً، لكن أنا لقنته درساً بهذه الطريقة، إذا طرفة جنسية وضحكت، معنى ذلك قبلتها.

الكلمات التي ينطق بها الابن هي انعكاس لما يقوله الأب:

ابنك لك، تربيه تربية عالية على الكلام المهذب، على الكلام المؤدب، على الكلام الجاد، على اختيار الكلمة اللطيفة، اقرأ القرآن

﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾

اقرأ القرآن

﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ﴾

اقرأ القرآن

﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾

اقرأ السنة، يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم عظامك، ممكن تتكلم كلمات لكن كلها مهذبة، ولا تجرح شعور الإنسان.
الدرس الثالث في التربية الاجتماعية الكلمات التي ينطق بها الابن، هي انعكاس لما يقوله الأب، أي بشكل أو بآخر في أوعية توضع في المركبات للماء لها فتحة من الأعلى ولها صنبور من الأسفل، الذي يوضع في أعلاها يؤخذ من الصنبور، صح هذا الكلام ؟ الآن كل ابن كائن له وعاء ثقافته من أين ؟ من كلام أولاد الشوارع، يتكلم كلاماً بذيئاً جداً في البيت، ثقافته من رفقاء السوء في المدرسة يسمعونه كلمات بذيئة جداً يتكلم بها بالبيت، إن سمع من أمه أو أبيه كلمات فيها طرف جنسية يرويها لأصدقائه، فهذا الإنسان كالوعاء الذي يأخذه من أعلاه يعطيه من صنبوره الأسفل، فلا تنتظر من ابن تغذيه أنت بالشاشة فقط وبمشاهد ليست ترضي الله عز وجل، وبحوار فيه إشارات جنسية، لا تنتظر من هذا الطفل أن يكون مهذباً أبداً.

أبرز نقاط التربية الاجتماعية للصغار أن تعلمهم الصدق و الأمانة:


الابن غالٍ، والابن المربى لا يقدر بثمن

فلذلك هذا اللقاء الثالث في التربية الاجتماعية متعلق بالكلام، البيت لا يوجد فيه كذب، ولا سرقة، ولا كلام بذيء، أبرز نقاط التربية الاجتماعية للصغار أن تعلمهم الصدق، وأن تعلمهم الأمانة، وأن تعلهم الكلام المنضبط.

(( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا، الآن الشاهد، بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ))

[ أخرجه الإمام أحمد عن أم سلمة أم المؤمنين ]

إذاً أيها الأخوة الكرام، يجب أن يكون واضحاً في أذهانكم أن الكلام الذي ينطق به الأب والأم، في اللقاءات، والسهرات، والاحتفالات، وفي الزيارات، وفي النزهات هذا الكلام إذا كان منضبطاً أعطى الأولاد القدوة في الكلام المنضبط.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور