- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخــطــبـة الأولــى :
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أمناء دعوته وقادة ألويته و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
رحلة الحج هي عبادة العمر :
أيها الأخوة الكرام، لا شك أنكم متيقنون أن الموضوع عن الحج، لأننا على مشارف عرفات، فالحج كما تعلمون هو الفريضة البدنية المالية الشعائرية، وهي في حقيقتها ظاهرها أن تسافر إلى بيت الله الحرام، وأن تطوف وتسعى، وأن تقف في عرفات، لكن حقيقتها رحلة قلوب لا رحلة أبدان، رحلة نفوس لا رحلة أشباح، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُون ﴾
الصلاة من أجل أن تتصل بالله، والصيام من أجل أن تتصل بالله، والزكاة من أجل أن تتصل بالله، والحج من أجل أن تتصل بالله، لكن الصلوات الخمس يومياً، وخطبة الجمعة أسبوعياً، ورمضان من عام إلى عام، أما عبادة العمر هي رحلة الحج.
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( أنا دعوة أبي إبراهيم ))
﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ ﴾
(( وبشارة أخي عيسي ))
﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) ﴾
(( ورأت أمي حين حملتني أنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى ))
عظمة الدين الإسلامي أنه كلما كوفح ازداد قوة :
والله أيها الأخوة، هناك مؤامرات على هذا الدين من ألف وخمسمئة عام تنهد لها الجبال، ومع ذلك بقي الدين شامخاً، وكل الفرق الضالة في الوحل، الفرق الضالة تؤله الأشخاص، وتخفف التكاليف، وتعتمد على نصوص ضعيفة أو موضوعة، ثم إنها ذات نزعة عدوانية، أربع صفات تجمع كل فرقة ضالة ظهرت، أين القرامطة ؟ آلاف الفرق الضالة جاءت وأرادت تحويل هذا الدين العظيم تلاشت واندثرت، وبقي هذا الدين شامخاً، وعظمة هذا الدين أنه كلما كافحته يزداد قوة، كان من الممكن أن يكون الكفار في كوكب آخر، الله عز وجل على كل شيء قدير، وكان من الممكن أن يكونوا في قارة أخرى، أو في حقبة أخرى، ولكن شاءت حكمة الله وهذا قراره الحكيم أن نعيش معاً، ومعنى أن نعيش معاً أن هناك معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل، لماذا ؟ لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي، كلما تحديته ازداد قوة، ولأن الحق لا يستحق أهله الجنة إلا بالبذل والتضحية هذا الحديث الرائع:
(( أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة أخي عيسي ، ورأت أمي حين حملتني أنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى ))
مناسك الحج من شعائر الله :
مناسك الحج من شعائر الله، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾
قال بعض العلماء: أداء الشعيرة شيء وتعظيمها شيء آخر:
﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾
من تعظيمها أن يؤديها الحاج كما فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، من تعظيمها أن تؤديها على شوق وطيب نفس، من تعظيمها ألا تتأفف وألا تتململ منها، من تعظيمها أن يؤديها الحاج وأن يتمنى أن يؤديها كل عام.
الغاية الكبرى من الحج أن يعود الإنسان نقي القلب صافي النفس :
أيها الأخوة، الشيء المؤسف أشد الأسف أن الحاج يأتي من الحج تقام له الزينات، يحدثك عن كل شيء إلا الحج، إلا عن هذه المشاعر، هي مشاعر مقدسة معنى مقدسة أنها بوتقة ينصهر بها قلب المؤمن حتى يتخلص من أدرانه ويعود طاهراً كيوم ولدته أمه، يعود نقي القلب، صافي النفس، تلك هي الغاية الكبرى من الحج، أرقى عبادة كأنها مستوى جامعي كبير.
الحج يُقوّم حياة المسلم و قيمه و مبادئه :
أيها الأخوة الكرام، يقول ربنا جلّ جلاله:
﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ﴾
تقوم حياتهم، يقوم إيمانهم، تقوم مبادئهم، تقوم قيمهم:
﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ﴾
معرفة الله عز وجل علة خلق السماوات و الأرض :
دقق الآن:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ﴾
﴿ لِتَعْلَمُوا ﴾
علة خلق السماوات والأرض أن تعلم أي أن تعرف الله:
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
من عَلِمَ أن الله يعلم و سيحاسب و سيعاقب استقام على أمره :
أنت حينما تعلم أن الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب تستقيم على أمره، بالضبط حينما توقن أن الله يعلم، وسيحاسب، وسيعاقب، لا يمكن أن تعصيه، أنت لا تعصي إنساناً من بني جلدتك هو أقوى منك، وعلمه يطولك، وقدرته تطولك، مستحيل، أبسط مثل تقف على الإشارة الحمراء والشرطي واقف، شرطي آخر على دراجة، ضابط مرور في السيارة، وأنت مواطن عادي، هل يمكن أن تتجاوز الإشارة ؟ لأنك موقن أشد اليقين أن علم واضع القانون يطولك من خلال هذا الشرطي، وأن قدرته على سحب الإجازة وإيقاع أشد العقوبات تطولك، بحسب فطرتك، أنت حينما توقن أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك، تستقيم على أمره، وهذا الحج:
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ (97) ﴾
من أجل ألا تتحرك بعد أن تأتي من الحج إلا وأنت موقن أن هذه الحركة يعلمها الله، هل عندك جواب لله لما غضبت ؟ لما رضيت ؟ لما وصلت ؟ لما قطعت ؟ لما سالمت ؟ لما عاديت ؟ لما طلقت ؟
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ (97) ﴾
﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(16) ﴾
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :
أيها الأخوة الكرام، من أدق ما قاله المفسرون: إن المسلم بحجِ بيت الله الحرام، وتعظيمِ شعائر الله، وعقدِ العزم على طاعة الله، واتباعِ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، تقوم وتتحقق مصالحه في الدنيا والآخرة، وعندئذ تتوقف المعالجة الإلهية لقوله تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
هذا الكون سخره الله تسخير تعريف وتكريم، تعريف:
((هلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ))
أي شيء أمامك له وظيفتان ؛ وظيفة نفعية أتقنها الغرب، ووظيفة إرشادية أتقنها المسلمون الأوائل، وينبغي أن تجمع بين الوظيفتين، أن تنتفع بما خلق الله عز وجل، وأن تكون هذه الأشياء دليلاً إلى عظمة الله والإيمان به.
من آمن بالله و شكره حقق الهدف من وجوده :
يقول الله عز وجل:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
لأن هذا الكون مسخر لك تسخيرين، تسخير تعريف وتسخير تكريم، ردّ فعل التعريف أن تؤمن، وردّ فعل التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك.
يخلع الحاج ملابسة المَخيطة والمُحيطة، ولا يعرف الإنسان قيمة هذه الثياب المخيطة والمحيطة إلا إذا ارتدى ثياب الإحرام، والتي تعبر بشكل أو بآخر عن دنياه، عن حجمه المالي، عن مرتبته الاجتماعية، عن مرتبته الوظيفية ، بل عن درجته العلمية، والدينية، هذه الملابس جزء من دنيا الإنسان، لو كان بالسلك العسكري يضع النياشين، لو كان مدني ثياب من أغلى الأنواع، الثياب تعبر عن مالك، وعن مرتبتك، وعن علمك أحياناً، هناك ثياب خاصة لمدرسي الجامعات، للقضاة، هذه الثياب تعبر عن دنياك، عن مكاسبك، عن مرتبتك، عن حجمك المالي، أمرك الله أن تخلعها وكأنك بهذا خلعت الدنيا كلها، فيستوي في الطواف وفي السعي وفي عرفات أغنى الأغنياء وأفقر الفقراء، يستوي أقوى الأقوياء وأضعف الضعفاء.
توحيد الثياب في الحج لإذابة الفروق بين البشر و العودة إلى الفطرة السليمة :
أيها الأخوة، هذه الملابس المَخيطة والمحيطة، تعبر عن نوع انتمائه إلى أمةٍ، هناك ثياب للهنود، ثياب للباكستانيين، تعبر عن انتمائه إلى أمة، إلى شعبٍ، إلى قبيلةٍ، إلى عشيرةٍ، فلو بقي المسلم بلباسه لبقي ملتصقاً بدنياه، أو بقبيلته، أو بطبقته، أو بمَنْ على شاكلته، ولكن الإسلام لحكمةٍ كبيرة شرع اللون الواحد، ثياب ليست مَخيطة ولا محيطة والتصميم واحد، حتى تختفي الهوية الشخصية، ويبدو البشر كياناً واحداً، ومن ثم تتعامل معهم بدافع إنساني خالص، بعدما ذابت الفروق الطبقية، والهويات الإقليمية، والانتماءات المتعددة، ليبرز هذا اللباس لوناً واحداً هو الإنسان على فطرته السليمة في مواجهة خالقه الواحد الديان.
وبعد أن يخلع الحاج ثيابه المَخيطة والمحيطة، ويرتدي الإحرام الموحد، يدخل في أفق الممنوعات، ففي باطنه ممنوع أن يفكر في شيء يؤذي الحرم، تفكير، ممنوع أن يفكر في شيء يؤذي الحرم، ومع الناس، فلا رفث، ولا فسوق، ولا جدال في الحج ، ومع الحيوان، فلا يُصطاد، ولا يقتل، ومع النبات فلا يقطع، ولا يشوه، ومع الحجر فلا يكسر، ولا يقتلع، هذه الممنوعات التي هي من لوازم الإحرام، ليكون الحج سلاماً دائماً إلى كل الخلائق، لذلك رأى النبي عليه الصلاة والسلام جنازة فقال :
(( مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟ قَالَ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ))
هؤلاء الطغاة الذين يقصفون، ويدمرون، ويحتلون، وينهبون، إذا مات أو انتهت ولايته كلاهما سيان، يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ، جماد نبات حيوان إنسان، هذه التقسيمات الأصلية.
ما يُحظر على الحاج المحرم في الحج :
أيها الأخوة، الحاج المحرم يُحظَر عليه لُبسُ المخيط من الثياب، ويُحظر عليه التطيُّبُ بكل أنواع الطيب، ويُحظر عليه الحلقُ والتقصيرُ، ويُحظر عليه مقاربةُ المُتَعِ التي أُبيحت له خارجَ الحج، كلُّ ذلك ليُحْكِمَ اتصالَه بالله، أحياناً بالفيزياء حتى نعلم أثر عامل واحد نجمد بقية العوامل، نسكنها، لو أن الحج في مكان في سويسرا فرضاً، يختلط الحاج مع السائح، لو كان على مدار العام ما في ازدحام، في بلاد جميلة، هواء لطيف، مناظر خلابة، وديان خضراء، بحيرات رائعة، الله عز وجل جعل الحج في وادٍ غير ذي زرع، لا يوجد منظر ممتع لكن في صلة بالله، جمد لك كل عوامل اللذة والسعادة في الدنيا وحرك عاملاً واحداً هو الاتصال بالله عز وجل.
حكمة الحج :
لذلك حكمة الحج:
﴿ لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ (37) ﴾
بعيداً عن كل مداخلة من متع الأرض، ليتحقَّق الحاجُّ أنه إذا وصل إلى الله وصل إلى كلِّ شيء، هذه السكينة التي يقذفها الله في قلب المؤمن يسعد بها ولو فقد كل شيء، سعد بها إبراهيم وهو في النار، وسعد بها يونس وهو في بطن الحوت، وسعد بها النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الغار، وسعد بها أصحاب الكهف وهم في الكهف، تسعد بها ولو فقدت كل شيء وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، الإنسان إذا وصل إلى الله وصل إلى كل شيء:
(( ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
لذلك الحاج وقد امتلأ قلبه سعادة ورضاً وصلة بالله عز وجل لسان حاله يقول: يا رب، ماذا فَقَدَ مَن وجدك ؟ وماذا وَجَدَ مَن فَقَدَكَ ؟..
إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
أيها الأخوة الكرام، الحج بهذه الممنوعات، وبهذه المناسك التي لا تظهر حكمتها للوهلة الأولى، لا يلبي هذه الحاجة الفطرية إلى الطيب، إلى قص الشعر، إلى الاستمتاع بما أباحه الله له خارج الحج، من أجل أن يجمد الله كل المتع الحسية ويحرك سعادة الاتصال به، لذلك سيدنا عمر يقول: تفقهوا قبل أن تحجوا.
فالعبادة في حقيقتها تعني خروج العبد من مراده إلى مراد ربه.
فضل يوم عرفة :
أيها الأخوة، أما عرفة، يوم عرفة من الأيام الفضلى، تجاب فيه الدعوات، وتقال العثرات، ويباهي الله فيه الملائكة بأهل عرفات، وهو يوم عظَّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، وهو يوم فيه إكمال الدين، وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النار، إنه يوم اللقاء الأكبر بين العبد المنيب المشتاق وبين ربه الرحيم التواب، بين هذا الإنسان الحادث الفاني المحدود الصغير وبين الخالق المطلق الأزلي الباقي الكبير، وعندها ينطلق الإنسان من حدود ذاته الصغيرة إلى رحاب الكون الكبير، من حدود قوته الهزيلة إلى الطاقات الكونية العظيمة، من حدود عمره القصير إلى امتداد الآباد التي لا يعلمها إلا الله.
فيوم عرفة يوم المعرفة، ويوم عرفة يوم المغفرة، ويوم عرفة يوم تتنزل فيه الرحمات على العباد، من خـالق الأرض والسماوات، وقد قيل: من وقف في عرفات ولم يغلب عـلى ظنه أن الله غفر له فلا حج له.
من كمال العطاء أن يغفر الله لك، وأن يلقي في روعك أنه قبلك، أظن جازماً أنه من وقف في عرفات مخلصاً ألقى الله في روعه أنه قد غفر الله وعاد كيوم ولدته أمه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة، فقال رجل: هــن أفضل أم من عدتهن جهاداً في سبيل الله ؟ قال: هن أفضل من عدتهــن جهاداً في سبيل الله، وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينـزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، يقول انظروا عبادي جاؤوني شعثاً غبراً ضاحين، جاؤوني من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم يُر يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة))
إكرام الله عز وجل الحاج بمغفرة ذنوبه :
أيها الأخوة، النبي عليه الصلاة والسلام في يوم عرفة قبل أن تغيب الشمس يقول:
(( يا بلال، أَنصِت لي الناس، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنصت الناس، فقـال عليه الصلاة والسلام: معشر الناس أتاني جبريل آنفاً فأقرأني من ربـي السلام، وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر الحرام، وضمن عنهم التبعات، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله هذه لنا خاصة، قال: هذه لكم، ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة، فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير الله وفاض ))
(( ما من يوم أكثـــر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ماذا أراد هؤلاء ؟ انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً، اشهدوا أني غفرت لهم ))
أيها الأخوة الكرام، إن الله يغفر للحاج، ومبالغة في إكرام الحاج، لمن يستغفر له الحاج، يعني أي خدمة تقدمها للحاج قبل سفره أو بعد مجيئه، أي خدمة تقدمها له والحاج امتلأ قلبه امتناناً منك واستغفر لك هذه عند الله ثابتة.
التوحيد أفضل شيء يصل إليه الإنسان في الحج :
أيها الأخوة:
(( ما رئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر، ولا أدحر، ولا أغيظ منه من يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام ))
(( قال خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخيـر ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))
أفضل شيء تصل إليه في الحج هو التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، ألا ترى زيداً أو عبيداً، القوة الكبيرة، الأمة الطاغية، الجهة المتغطرسة، ألا ترى مع الله أحداً:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
(( وخيـر ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))
الحج هو الرحلة قبل الأخيرة استعداداً للرحلة الأخيرة :
أيها الأخوة، موقف عجيب في عرفات، يغطيه نبات بشري، مختلف ألوانه، أغصانه تلك الأيدي المرفوعة بالدعاء إلى رب الأرض والسماء، يرى الحاج بين يديه صورةً مصغَّرةً للمحشر العظيم يوم القيامة، وعليه أن يستعدَّ له منذ الآن، لأن رحلة الحج يعود منها الإنسان إلى وطنه، ولكن المحشر العظيم يوم القيامة لا يعود منها الإنسان إلى وطنه، إنها الرحلة قبل الأخيرة، محشر لا يوجد به أي تمايز، بشر من كل الملل، والنحل، والشعوب، والأقطار، والأمصار، أغنياء وفقراء، أقوياء وضعفاء، علماء وجهلاء، كلهم في مكان واحد يرفعون أيديهم إلى الله عز وجل.
إنها الرحلة قبل الأخيرة من أجل أن نستعد للرحلة الأخيرة، الناس جميعاً بلباس موحد، وبدعاء موحد، وبابتهال موحد، كلهم ضعاف، كلهم فرادى، نموذج مصغَّر للرحلة الأخيرة، لقد كان الحج الرحلة قبل الأخيرة استعداداً للرحلة الأخيرة.
بعض الأسرار من رمي الجمرات :
أيها الأخوة الكرام، وفي رمي الجمرات بعض الأسرار ؛ فلنبدأ بالجمرة الكبرى قال بعض العلماء: هذا تكثيف وحشد في لغة العسكريين، ابدأ بمواجهة الأكبر، وكان عليه الصلاة والسلام يخص الجمرتين الأولى والوسطى بتطويل الوقوف عندها للدعاء، إنها ثلاث جمرات، وبينهما مسافة، ليظل المؤمن واعياً تماماً، لا ينام حتى لا يسقط سلاحه، بينما العدو منه على مرمى حجر، وعليه أن يعلم أن المعركة مع الشيطان متعددة المواقع، ومستمرة، وممتدة مع عمره، لذلك ينبغي أن تُرمى ثلاث جمرات في ثلاثة أيام، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه
يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى وهذه أخطر كلمة : لا يحصل إرغام أنف الشيطان في أثناء رجمه إلا بطاعتك للرحمن، فإذا عاد وعصى ربه هل تصدقون من الذي رجم الآخر ؟ إبليس هو الذي رجم الإنسان، لا يرغم أنفه إلا بطاعة الرحمن، ومن عاد بعد الحج إلى ما كان عليه من المعاصي والآثام فليعلم علم اليقين أن الشيطان هو الذي رَجَمه.
أنت في كل طواف تقف عند الحجر الأسود وتشير إليه وتقول: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، واتباعاً لسنتك، وعهداً على طاعتك.
الحج عبادة زُيِّنت بمحاسن وآداب :
أيها الأخوة، لقد استقطب البيت الحرام المؤمنين من قارات الدنيا الخمس، فجاؤوا نوعيات مختلفة، تحمل كل جماعة هموم مجتمعها، جاؤوا ليعبدوا ربهم في هذا المكان، جاؤوا ليعودوا في البعد الزماني إلى ماضي هذه الأمة، وفي البعد المكاني إلى الأرض التي نزل فيها الوحي، جاؤوا ليعودوا إلى المكان الذي ضمّ هذه الرسالة الخالدة، للتزود بالدروس المفيدة التي تعينهم على صلاح دنياهم وفق منهج ربهم، وصلاح دينهم الذي هو عصمة أمرهم.
أيها الأخوة، الحج عبادة زُيِّنت بمحاسن وآداب، وإذا كان الحج ارتفاعاً عن شهوات الحياة الدنيا ومادياتها، وتدريباً للعبد على التخفف منها، والاكتفاء باليسير، فلا يليق بالمتلبس بهذه العبادة أن ينشغل عنها بما نهى الله تعالى، إنه لا يكفي منك أن تُعرِض عن هذه المنهيات فحسب، بل عليك أن تكون آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، إن حسن الخلق، وطيب الكلام، وإطعام الطعام، من أعظم القربات إلى الله عز وجل في الحج.
حقائق في جمل :
أيها الأخوة، حقائق في جمل:
لا يُعقل، ولا يُقبل أن يعود الحاج من أداء هذه الفريضة كما ذهب.
لا يُعقل، ولا يقبل أن يُوجد الحاج في المشاعر المقدسة دون أن يشعر بأية مشاعر مقدسة، أنت في المشاعر المقدسة لا تشعر بشيء من المشاعر المقدسة ؟!
لا يعقل، ولا يقبل أن يتحرى الحاج سنةً أو مستحباً، ويرتكب من أجلها معصية، أو أن يتجاوز فريضة، تقبيل الحجر سنة، أيعقل أن تدفع أخوانك وأن تؤذيهم وصيانتهم فرض من أجل سنة ؟
لا يُعقل، ولا يُقبل أن يحدثك الحاج عن كل شيء في الحج إلا الحج.
لا يُعقل، ولا يقبل أن يرمي الحاج الجمرات تعبيراً عن معاداته للشيطان، ويعود إلى بلده ليكون أُلعوبة بيدي الشيطان.
أعرف صاحب مطعم ذهب إلى الحج، وتاب إلى الله، وعاد الغلة هبطت إلى العشر فعاد إلى بيع الخمر، وبعد عشرة أيام توفاه الله، هذا الحج أعظم العبادات.
لا يُعقل، ولا يُقبل أن يقتصر أمر الله في هذه الفريضة على أن يأتي الحاج من بلاد بعيدة ليجلس في المشاعر المقدسة، يأكل، وينام، ويتكلم في شؤون الدنيا.
والله في بعض الحجاج بعرفات حديث دنيوي، جئت من أقصى البلاد ودفعت مئات الألوف من أجل أن تجلس وتتحدث.
إن أمر الله في هذه العبادة ليس كذلك، وهو أعظم وأجلّ من أن يكون كذلك، أن تأتي إليه من بلاد بعيدة، لتحقق وجودك المادي في مكان، تمضي هذا الوقت في غير ما أمرت به، وليس هذا المستوى من الحج هو الذي تقوم به مصالح المسلمين في دنياهم وأخراهم.
حقوق العباد مبنية على المشاححة و حقوق الله مبنية على المسامحة :
أيها الأخوة، يجب أن نعلم العلم اليقيني بأن الحج وهمٌ كبيرٌ شاع بين معظم الناس، أنك إذا عدت من الحج عدت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك، هذا صح، ولكن فيما بينك وبين الله، أما فيما بينك وبين العباد، لابدّ من أن تؤدى الحقوق، هذا وهم كبير، الحج لا يكفر الذنوب التي لم يتب منها صاحبها، فالمقيم على ذنب ولم يتب منه، وهو مستمر فيـه، فإن الحج لا يكفر هذا الذنب، إنما الحج كفارة وأجر للعبد التائب منه، الراجع إليه، الراجي رحمته وعفوه، والذي أقلع عن ذنوبه إقلاعاً لا رجعة بعدها، والدليـل على ذلك ما رواه الإمام مسلم بإسناده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال أناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( يا رسول الله: أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال صلى الله عليه وسلم: أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها، ومن أساء أخذ بعمله في الجاهلية والإسلام ))
إنسان له جاهلية ذهب إلى الحج إذا تاب توبة نصوحة غفر الله له هذه الجاهلية، فإذا عاد لما كان عليه حاسبه الله على ما كان منه قبل الحج وبعد الحج، يغفر للحاج كل ذنب ما كان بينك وبين الله، أما ما كان بينك وبين العباد لا يغفر إلا بالأداء أو المسامحة، وهناك دليل قوي جداً:
(( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ))
الشهيد بذل حياته لله، الدين لا يغفر، أحد الصحابة توفاه الله، خاض مع النبي عليه الصلاة والسلام الغزوات كلها، فقال عليه الصلاة و السلام:
(( أعليه دين ؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، ولم يصلِ عليه ))
فهذا الوهم يرتكب المعاصي ما شاء يقول بعد ذلك أذهب على الحج ويتوب الله عليّ، حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة.
أحاديث في أهمية الحج : أيها الأخوة:
(( تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ))
(( تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلا الْجَنَّةُ ))
(( الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ ))
(( جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ))
(( الْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ ))
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ))
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
* * *
الخــطــبـة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى صحابته الغر الميامين، و على آل بيته الطيبين الطاهرين.
الأضحية : أيها الأخوة، الأضحية واجبة مرة في كل عام على المسلم الحر البالغ العاقل المقيم الموسر، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا ))
1 – الحكمةُ من الأضحية:
وحكمتها أن المسلم الموسر يعبر بها عن شكره لله تعالى على نعمه المتعددة، ومنها نعمة الهدى، ومنها نعمة البقاء على قيد الحياة من عام إلى عام: وفي الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ:
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ))
ومنها نعمة السلامة والصحة، ومنها نعمة التوسعة في الرزق، وهو تكفير لما وقع من الذنوب في هذا العام، وتوسعة على العيال وأقربائه وأصدقائه وجيرانه وفقراء المسلمين.
2 – شروط وجوبها:
من شروط وجوبها اليسار، الموسر هو مالك نصاب الزكاة زائداً على حاجاته الأساسية، أو هو الذي لا يحتاج إلى ثمن الأضحية أيام العيد فقط، أو هو الذي لا يحتاج إلى ثمن الأضحية خلال العام كله، على اختلاف بين المذاهب في تحديد معنى الموسر.
3 – شروط صحة الأضحية:
وينبغي أن يكون الحيوان المضحى به سليماً من العيوب الفاحشة التي تؤدي إلى نقص في لحم الذبيحة، أو تضر بآكلها، فلا يجوز أن يضحي بالدابة البين مرضها، ولا العوراء، ولا العرجاء، ولا العجفاء، ولا الجرباء، ويستحب في الأضحية أسمنها وأحسنها، وكان عليه الصلاة والسلام يضحي بالكبش الأبيض الأقرن.
4 – وقت نحر الأضحية:
وقت نحر الأضحية بعد صلاة عيد الأضحى، وحتى قبيل غروب شمس اليوم الثالث من أيام العيد، على أن أفضل الأوقات هو اليوم الأول ما بعد صلاة عيد الأضحى، وقبل زوال الشمس.
5 – أنواع الأضحية التي تصح للذبح في العيد:
يكره تنزيهاً الذبح ليلاً، ولا تصح الأضحية إلا من النعم من الإبل والبقر والغنم، من ضأن ومعز، بشرط أن يتم الضأن ستة أشهر، وأن تتم المعز سنة كاملة عند بعض الأئمة.
6 – كم أضحية يذبح المسلم ؟
ويجزئ المسلم أن يضحي بشاة عنه، وعن أهل بيته جميعاً المقيمين معه، والذين ينفق عليهم هم جميعاً مشتركون في الأجر.
7 – مندوبات الأضحية:
ومن مندوبات الأضحية أن يتوجه المضحي نحو القبلة، وأن يباشر الذبح بنفسه إن قدر عليه، وأن يقول: بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك وإليك، اللهم تقبل مني، ومن أهل بيتي، وله أن يوكّل غيره، وعندها يستحب أن يحضر أضحيته لقول النبي عليه الصلاة والسلام لفاطمة:
(( قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لك عند كل أول قطرة دم من دمها ))
8 – ماذا يفعل المسلم بلحم الأضحية ؟
ويستحب أن يوزعها أثلاثاً، فيأكل هو وأهل بيته الثلث، ويهدي لأقربائه غير الفقراء الثلث تمكيناً للعلاقات الاجتماعية وأصدقائه وجيرانه، ثم يتصدق بالثلث الأخير على الفقراء والمسلمين، لقوله تعالى:
﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ (36) ﴾
قال تعالى:
﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) ﴾
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.