وضع داكن
19-11-2024
Logo
المؤلفات - كتاب الله أكبر – الفقرة : 03 - من حدود الذات إلى رحاب الكون
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

العبادات الشعائرية، ومنها الحج، وسائل ينتظر أن ينعقد خلالها اتصال بين هذا الإنسان، الحادث الفاني، المحدود، الصغير ؛ وبين الأصل، المطلق، الأزلي، الباقي، الذي صدر عنه هذا الوجود، وعندها ينطلق الإنسان من حدود ذاته الصغيرة، إلى رحابة الكون الكبير ؛ ومن حدود قوته الهزيلة، إلى عظمة الطاقات الكونية، ومن حدود عمره القصير، إلى امتداد الآباد، التي لا يعلمها إلا الله.
هذا الاتصال لا ينعقد إلا بشرط أن يكون الإنسان ملتزماً بالمنهج التعبدي، فيما بينه وبين الله، وبالمنهج التعاملي، والأخلاقي، فيما بينه وبين الخلق.
هذا الاتصال هو جوهر الدين، فالصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين.
فمن ثمار هذا الاتصال أنه يطهر الإنسان من عوامل انحطاطه، وشقائه " الصلاة طهور "، وأنه ينور قلب المتصل بنور علوي، يريه حقائق الأشياء، فلا ينخدع بصورها " الصلاة نور " وأنه يسعد المتصل سعادة، تنبع من ذاته، فالمتصل بالله، طاهر السرير، مستنير البصيرة، منغمس في سعادة، لا تستطيع سبائك الذهب اللامعة، ولا سياط الجلادين اللاذعة، أن تصرفه عنها.
هذا الاتصال يتفاوت كماً ونوعاً، وأمداً، من عبادة إلى أخرى.
ففي الصلاة يشحن المصلي شحنة روحية، تطهره، وتنوره، وتسعده إلى الصلاة التي تليها.
لكن فريضة الجمعة، وخطبتها، ينبغي أن تشحنه شحنة، أكبر وأطول، ينبغي أن تشحنه إلى الجمعة التي تليها.
أما الصيام فقد أراده الله ثلاثين يوماً، يترك فيها الصائم طعامه وشرابه لتكون الشحنة الروحية كافية لعام كامل.
وأما الحج فهو عبادة تؤدى في العمر مرة واحدة فرضاً، وهو عبادة شعائرية مالية، بدنية، تؤدى في أوقات معلومة، وأمكنة مخصوصة، لذلك تحتاج إلى تفرغ تام من تعلقات الدنيا، كالوطن، والأهل، والأولاد، والعمل ؛ وتفريغ كامل من كل الحجب، والأقنعة التي تبعد النفس عن خالقها، فلا بد للحاج من أن يخلع ثيابه التي تعبر بشكل أو بآخر عن دنياه، ولابد أن يبتعد عن أكثر المباحات التي تشده إلى الدنيا... كل هذا من أجل أن يشحن المؤمن في الحج شحنة روحية كبيرة، تكفي لأن يلتزم بمنهج الله، وأن يقبل عليه، وأن يعمل للدار الآخرة إلى أن يلقى ربه.

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور