- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠29برنامج درس تلفزيوني - قناة سوريا الفضائية
التوحيد .
أعزائي المشاهدين أخوتي المؤمنين ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، تلك العقيدة التي هي لب الإسلام ، بل هي محور رسالات السماء .
الوحدانية .
قال تعالى :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
إله واحد ، خالق كل شيء ، ورب كل شيء ، له الخلق والأمر ، وإليه المصير ، في السماء إله ، وفي الأرض إله .
﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
هو وحده الجدير ، أن يعبد فلا يجحد ، وأن يشكر فلا يكفر ، وأن يطاع فلا يعصى .
روى الشيخان البخاري ومسلم : عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي :
(( يا معاذ ما حق الله على العباد ؟ وما حق العباد على الله ؟ ))
قلت الله ورسوله أعلم .
قال عليه الصلاة والسلام :
(( حق الله على العباد أن يعبدوه ))
لأن العبادة هي علة وجودهم ، قال تعالى :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
حق الله على العباد ، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً .
وحق العباد على الله ، أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً .
لوازم التوحيد :
أيها الأخوة المشاهدون :
تحدثت عن تعريف التوحيد ، وها أنا ذا أنتقل إلى لوازم التوحيد ، من لوازم التوحيد :
1- ألا يتخذ ربا سواه :
أن لا يتخذ الإنسان من دون الله رباً يعظمه كما يعظم الله ، قال تعالى :
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
فلو اعتقد أن جهة غير الله ، يمكن أن تعطي ، أو أن تمنع يمكن أن تخفض ، أو أن ترفع ، يمكن أن تعز أو تذل ، مستقلة عن إرادة الله فقد أشرك .
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
2- ألا يتخذ وليا سواه :
أيها الأخوة الأكارم ؛ ومن لوازم التوحيد أيضاً ، أن لا يتخذ الإنسان من دون الله ولياً ، يحبه كحب الله ، قال تعالى :
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾
3- ألا يتخذ حكما سواه :
أيها الأخوة الأكارم ؛ ومن لوازم التوحيد أيضا ، أن لا يتخذ الإنسان غير الله حكما ، يطيعه كما يطيع الله .
﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ﴾
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
ثمار التوحيد :
أيها الأخوة المشاهدون ؛ من ثمار التوحيد اليانعة :
1- أن التوحيد هو في الواقع تحرير للإنسان من كل عبودية ، إلا لربه الواحد الديان ، الذي خلقه فسواه وكرمه .
2- التوحيد تحرير لعقله من الخرافات والأوهام .
3- التوحيد تحرير لضميره من الخضوع والذل والاستسلام .
4- التوحيد تحرير لحياته من تسلط الأرباب والمتألهين .
ومن ثمار التوحيد اليانعة أيضاً :
5- أن التوحيد يعين على تكوين الشخصية المتزنة التي توضحت في الحياة وجهتها وتوحدت غايتها وتحدد طريقها ، فليس لها إلا إله واحد ، تتجه إليه في الخلوة ، والجلوة ، وتدعوه في السراء والضراء ، وتعمل على ما يرضيه ، في الصغيرة والكبيرة ، ففي القرآن :
﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾
وفي آية أخرى :
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
ومن ثمار التوحيد أيضاً :
6- أن التوحيد يملئ نفس صاحبه أمناً وطمأنينة فلا تسترد بها المخاوف التي تتسلط على أهل الشرك ، فقد سد الموحد منافذ الخوف التي يفتحها الناس على أنفسهم ، الخوف على الرزق ، والخوف على الأجل ، والخوف على النفس ، والخوف على الأهل والأولاد ، والخوف من الإنس ، والخوف من الجن ، والخوف من الموت ، والخوف من ما بعد الموت .
أما المؤمن الصادق ، الموحد فلا يخاف إلا الله ، ولا يخشى إلا الله ، ولهذا تراه أمناً إذا خاف الناس ، مطمئناً إذا قلق الناس هادئاً إذا اضطرب الناس .
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
وقال تعالى :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ من ثمار التوحيد اليانعة أيضاً :
7- أن التوحيد مصدر لقوة النفس إذ يمنح التوحيد صاحبه ، قوة نفسيةً هائلة ، حيث تمتلئ نفسه من الرجاء بالله تعالى ، والثقة به ، والتوكل عليه ، والرضى بقضائه ، والصبر على بلائه ، والاستغناء به عن خلقه ، فهو راسخ كالجبل ، لا تزحزحه الحوادث ، ولا تزعزعه الكوارث .
قال تعالى :
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
ومن ثمار التوحيد أيضاً :
8- أن التوحيد أساس الأخوة الإنسانية والمساواة البشرية ؛ لأن الأخوة والمساواة ، لا تتحققان في حياة الناس إذا كان بعضهم أرباباً لبعض ، أما إن كان الناس جميعاً عباداً لله ، والله فوق الخلق فيها وحده ، هو الخالق ، المربي ، المسير ، الرازق هو الحكم ، إليه المصير ، عندئذٍ تتحقق المساواة بين الناس ، ويأتلف بعضهم بعضاً .
وهذه بعض ثمار التوحيد ، وقد قيل :
ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
وقيل أيضاً :
نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل التقوى .
أيها الأخوة الأكارم ؛ أرجو أن تكونوا قد أفتم من موضوع التوحيد ، وشكرا لإصغائكم ، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته