- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠29برنامج درس تلفزيوني - قناة سوريا الفضائية
أعزائي المشاهدين أخوتي المؤمنين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يطيب الحديث في رمضان عن القرآن لأنه أنزل فيه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يكثر فيه من تلاوته وتدبره، فالقرآن هو المنهج الأقوم، والطريق الأمثل، لسعادة الإنسان في كل زمان ومكان، فيه دعوة إلى الإيمان بالله من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض، حيث تتابع الأمر بالتفكر في سور القرآن، وعُد الأساس الأول لبناء العقيدة والإيمان.
قال تعالى:
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)﴾
وقال تعالى:
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)﴾
فالتفكر في خلق السماوات والأرض، عبادة من أرقى العبادات وقربة من أعظم القربات، من أرقى العبادات، وقربة من أعظم القربات، وهي باب لمعرفة الله، من أوسع الأبواب.
كيف لا ؟ وأصل الدين معرفة الله.
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾
بل إن أول آية نزلت في القرآن ترسم المنهج لمعرفته، وهي في قوله تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)﴾
أيها الأخوة الأحباب:
في صحيح بن حبان، عن عطاء، أن عائشة رضي الله عنها قالت: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلتي وقال: يا عائشة، ذريني أتعبد لربي عز وجل، فقام إلى القربة فتوضأ منها، ثم قام يصلي، فبكى حتى بل لحيته، ثم سجد حتى بل الأرض، ثم أضطجع على جنبه، حتى أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح، فقال: يا رسول الله ما يبكيك، وقد غفر الله لك، ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! فقال عليه الصلاة والسلام: ويحك يابلال ! وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
ثم قال عليه الصلاة والسلام: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها وقال عليه الصلاة والسلام: أمرت أن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرةً.
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: من لم يكن كلامه حكمةً فهو لغوُ، ومن لم يكن سكوته تفكراً فهو سهو، ومن لم يكن نظره عبرة فهو لهو.
أيها الأخوة المشاهدون: الحق جل وعلا، الذي خلق السماوات والأرض بالحق يقول:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾
والحق هو القرار والثبات، والسمو والعلو، ونقيضه الباطل وهو الزوال والزهوق، والتردي والعبث.. سنريهم آياتنا في الآفاق فأين هي آيات الله في الآفاق ؟..
ورد في بعض الأحاديث الشريف: أن عدد النجوم في السماء بعدد ما في الأرض من مدر وحجر، أي بعدد ذرات التراب والحجارة فعلماء الفلك أيها الأخوة في الماضي، كانوا يعدون النجوم بالألوف وبعد أن ارتقت كفاءة مراصدهم، صاروا يعدونها بالملايين، ثم وصلوا إلى المليارات ؛ أي ألوف الملايين، أما اليوم فإنهم يقدرون عدد النجوم في مجرتنا، درب التبانة، من خلال المراصد العملاقة بثلاثين ملياراً، علماً أن مجرتنا مجرة متوسطة في حجمها، وهي واحدة من عشرات ألوف الملايين من المجرات، التي لا يعلم عددها إلا الله، لقد صدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا﴾
هذا عن عدد النجوم، فماذا عن حجومها ؟!.. إذا علمنا أيها الأخوة أن حجم الأرض مليون مليون كيلومتر مكعب، وأن الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، وأن المسافة بينهما مائة وخمسون مليون كيلومتر، وأن نجماً من النجوم في برج العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، وأن نجماً أسمه منكب الجوزاء يزيد حجمه عن حجم الشمس بمائة مليون مرة... لقد صدق الله العظيم إذا يقول:
﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)﴾
هذا عن أعدادها وأحجامها، فماذا عن المسافات بينها ؟.. إن ما بينها من مسافات تقدر بالسنين الضوئية، فالضوء يقطع بالثانية الواحدة ثلاثمائة ألف كيلومتر، إذاً فهو يقطع في السنة عشرة آلاف مليار من الكيلومترات، فإذا علمنا أن القمر يبعد عنا ثانية ضوئية واحدة، وأن الشمس تبعد عنا ثمانية دقائق ضوئية، وأن المجموعة الشمسية، لا يزيد قطرها عن ثلاث عشرة ساعة ضوئية، وأن أقرب نجم ملتهب إلى الأرض، يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، ولكي نعلما ماذا تعني أربع سنوات ضوئية نقول:
لو اتجهنا إلى هذا النجم بمركبة تساوي سرعتها سرعة مركبة القمر، لاستغرقت الرحلة اكثر من مائة ألف عام، ولو ساوت سرعة هذه المركبة سرعة السيارة، لاستغرقت الرحلة هذه قريباً من خمسين مليون عام !!. هذا ما تعنيه أربع سنوات ضوئية !!.
فما القول في سديم المرأة المسلسلة، التي تبعد عنا مليون سنة ضوئية، بل ما القول في مجرة اكتشفت حديثاً، تبعد عنا ست عشرة ألف مليون من السنوات الضوئية، لقد صدق الله إذ يقول:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾
هذا ولم نتحدث عن حركات النجوم، وسرعتها العالية، ولا عن مداراتها الواسعة، ولا عن شدتها، ولا قوة إضاءتها، ولا عن قوى التجاذب التي تربطها، ولا عن توازنها الحركي، وما تفعل دقائق عشر في مثل هذا الموضوع وعلى كل فالعجز عن الإدراك إدراك قال تعالى:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾
أيها السادة الأعزاء:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾
فماذا عن الآيات التي في أنفسنا، أن من هذه الآيات، لبن المرأة الذي يعد مبهراً ومدهشاً، تعجز عن تركيبه بخصائصه، قوى البشر ولو اجتمعت، وأضخم المعامل ولو تظافرت، فتركيبه في تبدل مستمر، بحسب حاجات الرضيع، ومتطلباته، وبحسب احتمال أجهزته وأعضائه، وهو أكثر ملائمة، وأكثر احتمالا، وهو آمن طرق التغذية من حيث الطهارة والتعقيم ؛ إذا يأخذ من الحلمة مباشرة، دون التعرض إلى التلوث الجرثومي، وحرارته ثابتة خلال الرضعة الواحدة متناسبة مع حرارة الرضيع، ويصعب توافر هذا الشروط، في الإرضاع الصناعي، وفوق ذلك فهو لطيف الحرارة في الصيف، دافئ في الشتاء، وهو سهل الهضم، ولا تتجاوز فترة هضمه الساعة والنصف، بينما تزيد فترة هضم حليب القوارير عن ثلاث ساعات.
والطفل الذي يرضع من ثدي أمه، يكتسب مناعة ضد كل الأمراض ؛ لأن في حليب الأم كل مناعاتها، وفيه مواد مضادة للالتهابات المعوية والتنفسية، ومواد تمنع التصاق الجراثيم بجدر الأمعاء، ومواد حامضية لقتل الجراثيم، والإرضاع يقي في المرضعة أورام الثدي الخيبثة، ويقي في الرضيع الآفات القلبية والوعائية وأمراض التغذية والاستقلاب.
بل إن الفطام السريع يحدث عند الطفل، رضاً نفسياً وانحرافات سلوكية، وهو ـ أي حليب الأم ـ سهل التحضير ليلاً ونهاراً، في السفر والحضر، لأنه جاهز دائماً بالحرارة المطلوبة، وبالتعقيم المثالي والسهولة في الهضم، والمناعة الشاملة.
قال تعالى:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)﴾
قال عكرمة وابن المسيب النجدان هما الثديان.
يا رب تداركتنا باللطف في ظلمة الحشا وخير كفيل بالحشا قد كفلتنـا
وأسكنت قلب الأمهات تعط فاً علينـــا وفي القلبين أجريت قوتنــــا
وأنشأتنا طفلاً وأطلقت ألســــــناً تترجم بالقراري أنك ربنــــا
وعرفتنا إيـــاك فالحمد دائما ً لوجهك إذا ألهمتنا منــك رشدنــــا
اللهم علمنا ما ينفعنا، وأنفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وإلى لقاء آخر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.