- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠29برنامج درس تلفزيوني - قناة سوريا الفضائية
الصيام عبادةٌ من عبادات الإسلام :
أعزائي المؤمنين أخوتي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فصيام رمضان عبادةٌ من عبادات الإسلام ، والعبادات أيها الأخوة لا تتضح حقيقتها ، إلا إذا ربطت بأصول الدين .
حقيقة الإنسان :
لماذا وجدتُ ؟!.
وما مهمتي في هذا الوجود ؟!.
وماذا بعد الموت ؟!.
سؤال كبير ! واجب على كل إنسانٍ أن يطرحه على نفسه ، وأن يفكر ملياً في الإجابة عنه .
فإن كل جهل مهما عظمت نتائجه قد يغتفر ، إلا إن يجهل الإنسان سر وجوده ، وغاية حياته ، ورسالة نوعه .
فعليه إن يعرف ، من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ .
وأكبر عارٍ أيها الأخوة ؛ وأكبر عارٍ على هذا المخلوق الأول ، والمكرم (الإنسان ) الذي أوتي العقل ، والإرادة ، إن يعيش غافلاً ، يأكل ، ويتمتع كما تأكل الأنعام ، لا يدري شيئاً عن حقيقة نفسه ، ولا عن طبيعة دوره في الحياة .
قال تعالى :
﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾
ومعنى
﴿ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾
أي ما عرف قدرها .
وليست قصة الإنسان أيها الأخوة ـ كما يتوهم الماديون ـ أرحاماً تدفع ، وأرضاً تبلع ، والإنسان بين صرخة الوضع ، وأنة في النزع يعاني ما يعاني ، ولا خلود ولا جزاء ، يستوي في ذلك من أحسن غاية الإحسان ، ومن أساء كل الإساءة ، يستوي في ذلك من عاش عمره للناس على حساب شهواته ، ومن عاش عمره لشهواته على حساب الناس ، يستوي في ذلك من ضحى بحياته في سبيل الحق ، ومن اعتدى على حياة الآخرين في سبيل الباطل .
قال تعالى :
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾
وقال تعالى :
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾
وفي آية أخرى :
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
لماذا خلق الإنسان ؟
أيها الأخوة المشاهدون ؛ لقد خلق الله الإنسان ليكون خليفته في الأرض قال تعالى :
﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾
1- لمعرفة الله .
وأول شيءٍ في هذه الخلافة ، أن يعرف الإنسان ربه ، حق المعرفة .
قال تعالى :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
2- ليعبده .
وثاني شيءٍ في هذه الخلافة ، أن يعبد الإنسان ربه حق العبادة قال تعالى :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
فالماء للأرض ، والأرض للنبات ، والنبات للحيوان ، والحيوان للإنسان ، والإنسان لمن ؟ ..
الإنسان لله ، لمعرفة الله لعبادة الله ؛ ليسعد الإنسان بهذه المعرفة ، وتلك العبادة ، وذلك القرب لا ليعبد بشر ، ولا حجر ، ولا بقر ، ولا شجر ، ولا شمس ، ولا قمر ، ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .
يارب ماذا وجد من فقدك ؟ وماذا فقد من وجدك ؟ إذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا الله عليك فمن معك .
إن معرفة الله موجوداً وواحداً وكاملاً نهاية العلم ..
وإن طاعة الله والتقرب إليه نهاية العمل ..
وهاتان الحقيقتان هن فحوى رسالات الأنبياء جميعاً ... قال تعالى :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
معرفة الألوهية والعبودية لله عز وجل فحوى رسالات الأنبياء جميعاً .
حقيقة العبادة .
أيها الأخوة المشاهدون ؛ العبادة هي غاية الخضوع مع غاية الحب .
فمن خضع ولم يحب لا يكون عابداً ..
ومن أحب ولم يخضع لا يكون عابداً ..
تعصي الإله وأنت تظهر حبـه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعتـــه إن المحب لمن يحب مطيــع
الخضوع والحب هو ما فطر عليه الإنسان ، قال تعالى :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
لذلك أيها الأخوة ؛ نلمح في العبادة أمرين أثنين :
الأول :
الالتزام بما شرعه الله عز وجل ، أمراً ونهياً وتحليلاً وتحريماً ، فليس عبداً لله ، ولا عابداً له ، من أستكبر عن إتباع منهجه ، واستكبر عن أن ينقاد لشرعه ، وإن أقر بأن الله خالقه ورازقه ، وإن دعاه في الكربات ، واستغاثه في الشدائد .
أساس الخضوع أيها الأخوة ؛ أساس الخضوع لله هو :
الشعور الواعي بوجود الله ووحدانيته وعلمه ومحاسبته ، وبأنه وحده يملك النفع والضر والخير والشر والحياة والموت ، له الخلق والأمر ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، إليه يرجع الأمر كله فعبده وتوكل عليه ، والله يحكم لا معقب لحكمه ، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها .
وكلما أزداد ذلك الشعور الواعي عمقاٌ ، وأتساعاً ، قوي الاتجاه إلى الله ، والاعتماد عليه ، والسعادة بقربه .
الثاني :
أيها الأخوة ؛ أن يصدر هذا الالتزام ، عن قلباً يحب الله تعالى ، فليس في الوجود من هو أجدر من الله ، بأن يحب ، فهو صاحب الفضل والإحسان ، خلق الإنسان ، ولم يكن شيئاً مذكورا ، وخلق له ما في الأرض جميعا ، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنه ، خلق في أحسن تقويم ، وكرمه أعظم تكريم ، فضله على كثير من العالمين ، رزقه الطيبات ، ويسر له القربات ، استخلفه في الأرض ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، فمن عرف الله أحبه ، وبقدر درجته في المعرفة ، تكون درجته في المحبة ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ، أشد الناس حباً لله ، لأنه كان أعرفهم بالله ، وكانت قرة عينه في الصلاة ، لأنها الصلة المباشرة بين قلبه وبين الله ، قال عليه الصلاة والسلام : أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً .
فالصيام أيها الأخوة ؛ عبادة ، ومن لوازم هذه العبادة ، الخضوع لأمر الله في كل ما أمر ، وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات ، إلى جنات القربات ، واجعل صيامنا وقياماً ، خالصاً لك .
أيها الأخوة المشاهدون ؛ أشكر لكم إصغائكم وإلى لقاء آخر .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته