- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠29برنامج درس تلفزيوني - قناة سوريا الفضائية
أعزائي المشاهدين أخوتي المؤمنين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فنحن في رمضان شهر التقوى، شهر التوبة والغفران، شهر الطاعة والإحسان، شهر الذكر والقرب، شهر التقوى والحب، لقد فرضه الله علينا الصيام في كل عام، ليكون موسماً يرقى فيه عباده الطائعون، وفرحة لعباده الصالحين، وفرصة يتوب فيه عباده المسيئون، ويصطلحون فيه مع ربهم.
والتوبة أيها الأخوة:
إنما شرعها الله سبحانه وتعالى، لتكون صوناً للهداية، وسبيلاً للنجاة، فهو جل جلاله، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
ويا أيها الأخوة الأكارم:
التوبة في حقيقتها مخرج النجاة للإنسان حينما تحيط به خطيئاته وهي صمام الأمان حينما تضغط عليه سيئاته، وهي تصحيح للمسار حينما تضله أهواؤه، وهي حبل الله المتين، حينما تغرقه زلاته وهي الصراط المستقيم حينما تنحرف به شهواته.
قال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف عبد ـ أي خاب وخسر أدرك رمضان فلم يغفر له، إن لم يغفر له فمتى ؟ إن الله سبحانه وتعالى لأفرح بتوبة عبده المؤمن من الضال الواجد، والعقيم الوالد والظمآن الوارد.
كيف لا والله جل في علاه ؟ وقال في الحديث القدسي: وعزتي وجلالي إن أتاني عبدي ليلاً قبلته، وإن أتاني نهاراً قبلته وإن تقرب مني شبراً، تقربت منه ذراعاً، وإن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، وإن مشى إلي، هرولت إليه، وإن استغفرني غفرت له، وإن استقالني ألقلته، وإن تاب إليّ قبلته، وإن أقبل عليّ تلقيته من بعيد، وإن أعرض عني ناديته من قريب، ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد، ومن استعان بحولي وقوتي ألنت له الحديد، ومن أراد مرادي أردته ما يريد، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل طاعتي أهل كرامتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لطهرهم من الذنوب والمعايب، أشكر اليسير من العمل وأغفر الكثير من الذلل، رحمتي سبقت غضبي، وحلمي سبق مؤاخذتي، وعفوي سبق عقوبتي، وأنا أرحم بعبدي من الأم بولدها.
والآن تعالوا يا أيها الأخوة:
لنرى ثمار التوبة اللامعة، إنها الطمأنينة والأمن، فلا خوف ولا حزن، ولا قلق، ولا هم، فالإنسان حينما يلبي نداء فطرته السليمة فيؤمن بخالقه ومربيه وينطلق في طريق طاعته، والإحسان إلى خلقه عندئذٍ تتصل هذه النفس التائبة المنيبة بربها، فإذا كل طمأنينتها وسعادتها بالقرب منه.
قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾
أيها الأخوة الأكارم:
أي قلق يبقى ؟ إذا كان الله وليك، وأي خوف يستحوذ عليك إذا كان الله معك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويارب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ ابن أدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء.
أيها الأخوة الأكارم:
التائب ينفذ توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم ينفذ توجيهاته السديدة، في شأن الدنيا، وهموم المعاش فالنبي عليه الصلاة والسلام أمين وحي السماء، ومبعوث العناية الإلهية وهو الرحمة المهداة والنعمة المزجاة...
يقول عليه الصلاة والسلام في ما رواه الترمذي: من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا أكبر همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبته الهموم، لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك.
وقد ورد في الأثر: أن خذ من الدنيا ما شئت، وخذ بقدرها هماً، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر وإن أسعد الناس في الدنيا أرغبهم عنها، وأشقاهم فيها، أرغبهم فيها.
أيها الأخوة الأحباب:
لقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام: أن يستعينوا بالله في النجاة من هموم الحياة الضاغطة ومقلقاتها الساحقة.
قال أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: دخل النبي عليه الصلاة والسلام المسجد ذات يوم، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامه، فقال: يا أبى أمامه، ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة ؟ قال يا رسول الله: هموم لزمتني وديون، قال عليه الصلاة والسلام: أفلا أعلمك كلاماً إن قلته أذهب الله همك وقض دينك ؟ قلت بلى يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم: إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت فأذهب الله همي وقضى ديني.
يا أيها الأخوة الأكارم:
طوبى لمن عرف ربه، عرفه قبل فوات الأوان، طوبى لمن تاب إليه قبل أن لا تكون توبة، طوبى لمن أطاعه مخلصاً، طوبى لمن أحسن إلى خلقه مخلصاً، طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وكملت علانيته، وعزل عن الناس شره طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)﴾
اللهم علمنا ما ينفعنا، وأنفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.