- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠3برنامج حياة المسلم 3
مقدمة :
المذيع:
يا ربنا صل وسلم ، أنعم وأكرم ، على نور الهدى ، على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، سلام الله عليكم مستمعينا أينما كنتم تتابعونا عبر الأثير ، أثير إذاعتكم حياة fm ومن يتابعنا بالبث المباشر المرئي والمسموع عبر الفيس بوك ، حياكم الله ، وأهلاً بكم ، نلتقي بحول الله تعالى في حلقة جديدة مع فضيلة العلّامة المربي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله شيخنا وأستاذنا الكريم ، اهلاً بكم .
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع:
أكرمكم الله دكتور .
شيخنا الكريم ، مستمعينا الأكارم ، عنوان حلقتنا لهذا اليوم : "وفي السماء رزقكم" ، وهذا العنوان مستمدٌ من قول الخالق سبحانه وتعالى :
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾
وقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم :((عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أَنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : لو أنَّكم كنتم تتوكلون على الله حقَّ توكلهِ لَرُزِقْتُمْ كما تُرْزقُ الطَّيْرُ تَغْدو خماصا وتَرُوحُ بِطانا ))
نتحدث اليوم عن الرزق ، عن أسبابه ، عن موانعه ، عما يربطه بالعبادة ، وكثير من هذه التفاصيل ، لأهمية هذا الموضوع في حياتنا ، في ظل كثرة الصعوبات المادية والمالية التي يعيشها الناس في هذه الأيام .شيخنا الفاضل حياكم الله ، وأهلاً بفضيلتكم .
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع:
حياكم الله شيخنا الكريم ، حينما نقرأ في قول الخالق عز وجل :
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ﴾
هل الرزق مكتوب بغض النظر سعى الإنسان أم لم يسعَ ؟الإنسان كائن متحرك تحركه حاجات ثلاثة :
الدكتور محمد راتب :
أنا مضطر إلى مقدمة ؛ هناك قوانين تنظم الحياة في الأرض ، قوانين فيزيائية ، كيمائية ، فلكية ، بيولوجية ، هذه القوانين في أصلها علاقةٌ مقطوعٌ بها بين متغيرين ، تُطابق الواقع عليها دليل ، هذا القانون ، ونهاية العلم القانون ، التمدد يحل مليون مشكلة ، إن لم نأخذ احتياطاً للتمدد كل شيء يخرب ، فالقوانين ثابتة كلها قطعاً ، لتنظيم الحياة ، إلا أنه يوجد شيئان متبدلان ، الصحة والرزق ، الله عز وجل جعل من هذين القانونين أداةً لتربية عباده ، إما مكافأةً ، أو عقاباً ، فالصحة والرزق بيد الله عز وجل ، مهما كان ذكياً ، هناك ورم خبيث انتهت حياته ، مهما كان ذكياً ، أحياناً رزق محدود جداً ، لذلك الآية الدقيقة الدقيقة في هذا الموضوع :
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾
على منهج الله ، على أمر الله ، على تعليمات الصانع﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾
وفيراً .﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً ﴾
الأصل في هذا اللقاء الطيب هذه الآية :﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾
ماذا تعني استقم ؟ تحرك ، لا تقل لإنسان واقف : استقم ، أبداً ، بالبديهة تحرك ، الإنسان لِمَ يتحرك ؟ يتحرك ليأكل ، يتحرك ليتزوج ، يتحرك ليتفوق ، هناك حفاظ على بقائك كفرد تحتاج إلى الطعام والشراب اليومي ، وبعدما نضج الإنسان وأخذ شهادة عنده رغبة بالزواج ، هي حاجة إلى بقاء النوع ، الطعام والشراب إلى بقاء الفرد ، أما الزواج فلبقاء النوع ، من دون أن يشعر ، الشابة تتمنى أن يأتيها خاطب ، والشاب يبحث عن زوجة ، بعدما أكل وشرب ، وتزوج وأنجب ، عنده حاجة ثالثة ، الحاجة إلى التفوق ، الحاجة إلى بقاء الذكر ، يكون الطبيب الأول ، الداعية الأول، التاجر الأول ، فعنده حاجة لبقاء جسمه بالطعام والشراب ، وحاجة دون أن يشعر لبقاء النوع بالتزاوج ، وحاجة لبقاء الذكر بالتفوق ، هذه الحاجات الثلاثة محققة في منهج الله بشكلٍ مذهل ، الحاجات الثلاثة .المذيع:
سيدنا ؛ اسمح لي أن أتوقف مع فضيلتكم أن كل شيء في العلم هو بالنهاية يخضع إلى قوانين ، إلا الرزق والصحة ، فإنها لا يجب أن تخضع لقوانين ، وقد تكون فيها متغيرات بقدرة الله .
خضوع كل شيء في العلم إلى القوانين :
الدكتور محمد راتب :
هذا قانون ، أنا عندي بحث طويل من ثلاثين حلقة عن قوانين القرآن الكريم ، القانون أي علاقة قطعية ، عندنا ظن ، أو وهم هو ثلاثون بالمئة ، الشك خمسون بالمئة .
الوهم ثلاثون بالمئة ، الشك خمسين بالمئة ، الظن سبعون بالمئة ، غلبة الظن تسعون بالمئة ، القطع مئة بالمئة ، القانون قطع ، القوانين مبنية على القطع ، علاقةٌ بين متغيرين - الحرارة والتمدد هما متغيران - مقطوعٌ بها ، تُطابقُ الواقع عليها دليل ، لو ألغينا الدليل صار تقليداً ، الله قال :
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ(19)﴾
ما قال : قلد ، ما قال : فخذ ، قال :﴿ فَاعْلَمْ ﴾
الآن لو لم تطابق الواقع صارت جهلاً ، أي فكرة تخالف الواقع هي جهل ، علاقةٌ بين متغيرين ، مقطوعٌ بها ، تُطابقُ الواقع ، عليها دليل ، الآن يوجد عندنا مئات الآيات هي قوانين .المذيع:
مثل ؟
الدكتور محمد راتب :
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ﴾
المذيع:غير هذه الآية شيخنا حتى تتضح فكرة القوانين القطعية ؟
الدكتور محمد راتب :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97)﴾
كل آية فيها فعل شرط ، وجواب الشرط قانون .المذيع:
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88) ﴾
مثلاً .الدكتور محمد راتب :
أبداً ، كل آية فيها وعد ، أو فعل شرط وجواب شرط .
المذيع:
سبحان الله ، جميل ! إذاً كل شيء يخضع لهذه القوانين هو في علاقة ثابتة ، لكن قضية الصحة والرزق قد تتبدل كما تفضلتم ، يسعى الإنسان ويكون ذكياً .
الحكمة من تبدل الصحة والرزق :
الدكتور محمد راتب :
الله أراد من هاتين الناحيتين أن يؤدب عباده ، أو أن يكافئهم .
المذيع:
مثلاً إنسان حافظ على صحته فلا يمرض ؟
الدكتور محمد راتب :
لا ، أبداً .
المذيع:
قد يمرض .
الدكتور محمد راتب :
أما هنا
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ﴾
المكافأة﴿ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾
غزيراً﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
المذيع:طبعاً المقصود بالماء هنا شيخنا مجازاً ليس ماء بمعنى الماء ، وإنما الرزق .
الدكتور محمد راتب :
تقريباً .
المذيع:
سيدنا ؛ من النقاط التي لابد من ذكرها ، ولكن ذكرناها في حلقات سابقة ، أن بعض الأشخاص يستقيم على شرع الله ، من ضمنهم سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم ، كان أستاذنا وسيدنا في الاستقامة ، لكن مرت عليه فترات في حياته كان الرزق فيها قليلاً .
بطولة الإنسان أن ينجح في الابتلاء :
الدكتور محمد راتب :
نحن هنا يجب أن نفهم فهماً آخر ، الفهم الآخر ، علة وجودنا في الدنيا الابتلاء ، هو :
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)﴾
الابتلاء هو الامتحان وحيادي ، قد تنجح ، مثلاً : سيدنا يوسف أبتُلي بامرأة العزيز ، لكنه نجح ولم يرسب .﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾
بينما الآخر قد يرسب ، فلذلك الابتلاء علة وجودنا ، والدليل :﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
فالبطولة ليست ألا أُبتلى ، بل أن أنجح في الابتلاء ، الإمام الشافعي سُئل ندعو الله بالتمكين - غنى ، قوة ، صحة - أم بالابتلاء ؟ بالتمكين أم بالابتلاء ؟ قال له الإمام الشافعي : لن تمكن قبل أن تُبتلى :(( أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت علي ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))
فالبطولة ليست ألا تُبتلى ، لكن البطولة أن تنجح في الابتلاء ، أنا أقول كلمة باللغة الدارجة : لن نشم رائحة الجنة من دون ابتلاء ، يؤكدها الإمام الشافعي ، ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ قال : لن تمكن قبل أن تُبتلى ، والابتلاء من الأنبياء ونازل .المذيع:
لكن ما يفهم شيخنا من الآية :
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾
أنه بمجرد استقامتك على شرع الله سيكون حظك من الرزق وفيراً في الدنيا ؟الدكتور محمد راتب :
إلا إذا كانت تقتضي حكمة الله عز وجل : إن من عبادي لا يصلح إيمانه إلا بالغنى فإذا أفقرته أفسدت عليه دينه .
هناك إنسان على الغنى يتجاوز الحدود ، وإنسان على الفقر يصبح معه يأس .
المذيع:
إذاً سيدنا نفهم من هذا الكلام أن الأصل لمن يستقيم أن يوسع الله عليه بالرزق لكن بحكمة .
الدكتور محمد راتب :
هناك حالات استثنائية ، بحكمة الله .
المذيع:
استأذنكم شيخنا ، فاصل ونعود بعد إذن حضرتكم ، الوقت كله لفضيلتكم ، نستأذنكم شيخنا الكريم ، ومستمعينا الكرام ، أن نقف إلى فاصل قصير ، ونعود بعد ذلك لنواصل حلقتنا مع فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي ، وعنوانها : "وفي السماء رزقكم" .
عدنا من جديد ، عدنا إليكم على الهواء عبر أثير إذاعتكم حياة fm .
عنوان حلقتنا لهذا اليوم
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ﴾
نرحب مرةً أخرى بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور المربي محمد راتب النابلسي ، حياكم الله شيخنا ، وأستاذنا .الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع:
شيخنا قبل الفاصل كنتم تتحدثون أن القانون القرآني والأصل أن من يستقيم فإن الله يوسع عليه برزق الدنيا ، لكن حكمة الله تقتضي في بعض الحالات أن يستقيم وأن يبتليه ، أي يمتحنه الله بقلة الرزق .
الابتلاء أحد أسباب وجودنا :
الدكتور محمد راتب :
والابتلاء أيضاً أحد أسباب وجودنا ، والدليل القوي :
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾
اللام لام التعليل﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ(30)﴾
آيتان ، فالابتلاء علة وجودنا ، وغاية وجودنا ، والبطولة ليست ألا نُبتلى ، بل أن ننجح في الابتلاء ، ندعو الله بالتمكين ؟ قال : لن تمكن قبل أن تُبتلى .المذيع:
الله يفتح عليكم ؛ شيخنا من يلاحظ اليوم واقع الأمة الإسلامية لو تحدثنا مثلاً على الصعيد الدولي ، فإن أغلب الدول الإسلامية والعربية وضعها المالي أقرب إلى الضعيف ، ليس الاستثناء ، الأغلب اليوم وضعه ضعيف لماذا ؟
التربية الإلهية نعمة للإنسان وليست نقمة :
الدكتور محمد راتب :
أنا أستعين بالمثل : مريضان عند طبيب كبير ، الأول معه التهاب معدة حاد يجبره على حميةٍ قاسيةٍ جداً ، ستون يوماً على الحليب فقط ، التهاب المعدة الحاد يشفى شفاءً تاماً بالحليب فقط ، الثاني معه سرطان منتشر بكل أنحاء جسمه ، قال له الثاني : ماذا آكل ؟ قال له : كُلْ ما شئت .
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44)﴾
ما قال : باب ، قال : أبواب ، ما قال : أبواب شيءٍ ، قال :﴿ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
أي أوسع استقصاء﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
فإذا إنسان كان الله عز وجل يعالجه فليتفاءل ، معنى هذا أنه يوجد أمل كبير ليكون إنساناً كاملاً ، قال له : أنت كُل ما شئت ، المصاب بالسرطان ، أما الثاني فحمية قاسية جداً ، هذا هو التأديب الإلهي ، هذه هي التربية الإلهية .﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(28)﴾
المذيع:ونعم بالرحمن ، سيدنا نعود إلى الآية ، ألا وهي عنوان الحلقة :
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾
تفسير الناس العامة لها أن رزقك مخبأ بالسماء ، لا تتعب ، أو لا تخف ، أنت قُدر رزقك بمقدار وقدر معين قبل أن تولد وتخلق ، هل هذا هو التفسير الصحيح للآية دكتور ؟الرزق علاج للإنسان :
الدكتور محمد راتب :
لا ، الآية :
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا ﴾
لو أن الله عز وجل قدر له رزقاً محدوداً ليدفعه إلى التوبة فلما تاب اختلف الأمر .المذيع:
يمكن أن يزيد ؟
الدكتور محمد راتب :
نعم ، هو قدر له علاجاً ، أنت مريض عنده ، تحتاج إلى مسكن ، الألم انتهى ما من داع للمسكن .
المذيع:
في العامية أيضاً يقولون : الأرزاق بيد الله .
الدكتور محمد راتب :
بيد الله طبعاً .
المذيع:
ما المراد من هذا دكتور ؟
على الإنسان ألا ينافق أو يجامل أحداً لأن رزقه بيد رب العباد :
الدكتور محمد راتب :
عفواً ؛ إذا شخص عافاه الله من كل الأمراض الخبيثة يكون برزق محدود يكفيه ، غلطة واحدة ، يحتاج إلى تحاليل ، إلى مرنان ، شيء غير معقول ، فإذا شخص عافاه الله عز وجل من الأمراض الوبيلة ، الرزق القليل يَكفي ، نحن الآن الناس يتنافسون على الترف ، ليس على الحاجات الأساسية ، الأساسيات مؤمنة تقريباً .
المذيع:
معنى هذا أن الأرزاق بيد الله ، أن الإنسان لا ينافق ، أو يجامل أحداً ، لأن رزقه بيد رب العباد .
الدكتور محمد راتب :
كلمة الحق لا تقطع رزقاً ، ولا تقرب أجلاً ، الإنسان يموت بحالة واحدة ، إذا انتهى أجله ، فقط .
المذيع:
وهل هذا يُقاس على الرزق ، أنه يتوقف رزقه إذا ربنا كان يقدر عليه ، لا يمكن لأحد من البشر أن يقلل عليه رزقه ؟
الدكتور محمد راتب :
أبداً ، هو المعطي ، وهو المانع ، المعطي والمانع ، والرافع والخافض ، والمعز والمذل .
المذيع:
المعطي والمانع سبحانه تعالى ، من أسماء الله الحسنى .
الدكتور محمد راتب :
لذلك الدعاء النبوي :
((عن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري رضي الله عنه أَن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه : ' اللَّهمَّ ارزُقني حُبَّكَ ، وحُبَّ مَنْ يَنْفَعُني حُبُّهُ عندَك ، اللَّهمَّ ما رَزَقْتَني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ قُوَّة لي فيما تُحِبُّ ، وما زَوَيْتَ عني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ فَرَاغا لي فيما تُحِبُّ))
رزقتني مالاً يا ربي أنفقه في سبيلك ، زوجة صالحة حجبها يا رب ، علمها الدين ،(( اللَّهمَّ ما رَزَقْتَني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ قُوَّة لي فيما تُحِبُّ ، وما زَوَيْتَ عني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ فَرَاغا لي فيما تُحِبُّ ))
دعاء دقيق جداً :(( اللَّهمَّ ما رَزَقْتَني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ قُوَّة لي فيما تُحِبُّ وما زَوَيْتَ عني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ فَرَاغا لي فيما تُحِبُّ ))
المذيع:الله يفتح عليكم دكتور ، سيدنا أنتقل مع فضيلتكم ، لحديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( لو أنَّكم كنتم تتوكلون على الله حقَّ توكلهِ لَرُزِقْتُمْ كما تُرْزقُ الطَّيْرُ ، تَغْدو خماصا وتَرُوحُ بِطانا))
المعنى الصحيح للتوكل :
الدكتور محمد راتب :
التوكل مفهوم فيه خطأ كبير ، التوكل أي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذه ليست سهلة إطلاقاً ، ذاهب إلى العقبة ، تراجع العجلات ، المحرك ، الزيت ، المكابح مراجعة كاملة ، وبعد المراجعة الكاملة من أعماق أعماقي: يا رب أنت المسلم ، أنت تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
هناك ملمح دقيق جداً للنبي الكريم : في بدر رفع يديه إلى السماء حتى سقط الثوب - العباءة تقريباً - فسيدنا الصديق قال له بعض المناشدة : يا رسول الله إن الله ناصرك ، أي هل من الممكن أن يكون الصديق إيمانه أقوى ؟ لا ، النبي خاف أن يكون أخذه بالأسباب أقل مما ينبغي ، الفكرة دقيقة ، الصديق يطمئنه ، وهو سيد الخلق ، النبي خاف أن يكون أخذه بالأسباب أقل مما ينبغي .
لذلك الكلام الدقيق : ينبغي أنت تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، الغرب أخذ بالأسباب بأعلى درجة ، واعتمد عليها ، وألهها ، وقع في وادي الشرك ، والشرقيون لسبب جهلهم لم يأخذوا بها أصلاً ، وقعوا في وادي المعصية ، الغرب أخذ بها ، وألهها ، واعتمد عليها ، ونسي الله ، فوقع في وادي الشرك ، أول حرب عالمية ، والثانية والآن الثالثة قادمة .
المذيع:
الأزمات المالية .
الدكتور محمد راتب :
والقتل ، أما المؤمن فيأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
المذيع:
وإذا انتقص واحدة من الاثنتين يكون فيه خلل ، إما عدم الأخذ بالأسباب ، أو عدم التوكل .
الدكتور محمد راتب :
أبداً ، هناك قوانين بالدين .
المذيع:
الله يفتح عليكم سيدنا ، بدايةٍ اسمح لي شيخنا أن ننوه لمستمعينا الأكارم الراغبين بطرح أسئلتهم في هذا الموضوع ، موضوع الرزق .
شيخنا تتمة الحديث في قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( تَغْدو خماصا وتَرُوحُ بِطانا ))
هل هذا هو أخذ الأسباب من قبل الطير ؟الدكتور محمد راتب :
نعم .
المذيع:
أنه خرج .
الدكتور محمد راتب :
طبعاً ، الطير رزقه محدود ، لكن قال له : طر ، أي الطائر يجب أن يروح يبحث عن رزقه .
المذيع:
هذا الأخذ بالأسباب ، إذا قسناها على البشر ؟
الدكتور محمد راتب :
أنا يجب أن آخذ بالأسباب ، شخص لا يوجد لديه عمل ، يعاني من البطالة ، اسأل الناس ، اقرأ مثلاً عن الوظائف الشاغرة ، لابد من أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
المذيع:
الله يفتح عليكم شيخنا ، ويكرمكم ، سيدنا أنتقل مع فضيلتكم أيضاً إلى قول الخالق سبحانه وتعالى :
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(37)﴾
هل ربنا قدر على البعض أن يُقدر عليه أن يقل رزقه ، والبعض يوسع عليه في رزقه .تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :
الدكتور محمد راتب :
طبعاً لحكمة بالغة ، انظر سيدي ؛ عندنا قاعدة أقولها كثيراً دائماً : كل شيء وقع بالقارات الخمس من آدم ليوم القيامة أراده الله ، لا تعني أنه أمر به ، ولا تعني أنه رضيه ، ولكن سمح به ، حتى أوضحها تماماً ، أب طبيب تفوق بعمله جداً ، ودخله كبير جداً ، تزوج ولم ينجب، بعد عشر سنوات أنجب طفلاً آية في الجمال ، تعلق به تعلقاً مذهلاً ، ثم اكتشف الطبيب الأب أن مع ابنه التهاب زائدة ، يسمح بتخديره ، وفتح بطنه ، واستئصال الزائدة ، فكل شيء وقع أرده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، أي الذي وقع لو لم يقع لكن الله ملوماً ، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، والإرادة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، لا يوجد بالكون شر مطلق لأنه يتناقض مع وجود الله ، هناك شر موظف للخير.
المذيع:
الله يفتح عليكم ، في قول الله تعالى :
﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ(71)﴾
كيف يكون التفضيل بين الناس في ملف الرزق دكتور ؟ليس في الإمكان أبدع مما كان :
الدكتور محمد راتب :
إنسان دخله محدود ، إنسان دخله كبير جداً ، أما الدخل المحدود فهو يوم القيامة قال تعالى :
﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(10)﴾
هناك نقطة دقيقة جداً أريد أن أشرحها : أنت مكلف أن تكون صادقاً ، أميناً ، زوجاً مثالياً ، مكلف بمليون تكليف ، لكن أنت ما اخترت أمك وأباك ، ما اخترت مكان ولادتك ، ما اخترت كونك ذكراً أم أنثى ، ما اخترت قدراتك العامة ، هي القدرات العامة ، مكان ولادتك ، وأمك وأبوك ، تكتشف يوم القيامة ، أو قبل يوم القيامة ، أنه كما قال الإمام الغزالي : ليس في الإمكان أبدع مما أعطاني ، كونه إنساناً ولد بالشرق الأوسط ، من أبوين مسلمين ، يكشف ذلك يوم القيامة ، أكمل شيء ليس في الإمكان أبدع مما كان ، بتعبير آخر : ليس في الإمكان أبدع مما أعطاني ، لذلك :﴿ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ(8)﴾
يرضى عن الله .المذيع:
جعلنا الله منهم ، أكرمكم الله دكتور .
vأم بشر تفضلي ، أهلاً بكِ .
المستمعة :
السلام عليكم ، الله يعطيك العافية ، الله يزيد فضلك يا رب ، أنا أريد أن أتكلم مع الشيخ راتب ، أطال الله عمره ، أنا يا شيخ من سوريا ، نحن من الشام ، نحن دائماً نتابعك ، بارك الله لنا بك ، والله يا شيخ الحمد لله رب العالمين يجب ألا يكون تفكيرنا محدوداً بالأرزاق فقط بالمال ، مثلما قلت : بطولتنا تربية أولادنا ، يجب أن نربي ، هذا أجمل الأرزاق ، هذا بنظري ، تربية الولد الصالح على القرآن ، وعلى الشيء الجيد ، نزرع بأولادنا كل شيء جيد ، والحمد لله رب العالمين هذا أكبر رزق .
الرزق ليس المال فقط هو شامل لكل نعمة :
الدكتور محمد راتب :
بارك الله ، يوجد تعليق دقيق جداً لتأكيد كلام الأخت الكريمة .
﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ(82)﴾
معنى هذا أن التصديق رزق ، أن تعرف الله رزق ، تأتيك زوجة صالحة رزق .المذيع:
الرزق ليس فقط المال دكتور ؟
الدكتور محمد راتب :
لا ،
﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾
علاقتك بهذا الدين أنك تكذبه - لا سمح الله - كل شيء يُملك رزق ، فالزواج رزق ، والأولاد رزق ، وتكون من أب راق رزق ، من أم صالحة رزق ، ببلد آمن رزق ، ببلد مسلم رزق ، تأتيك زوجة صالحة تخاف الله رزق ، الأرزاق لا تعد ولا تحصى ، أقل ما فيها الطعام والشراب﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾
.ثلاث نعم من حصّلها ما فاته من الدنيا شيء :
أنا لي كلمة دقيقة أحب أن أقولها : يوجد ثلاث نعم إن تحققت ما فاتك من الدنيا شيء .
أول نعمة نعمة الهدى ، تعلم يقيناً أن هناك إلهاً عظيماً ، هناك خالق ، ورب ، وإله، بيده كل شيء ، السعادة بيده ، الشقاء بيده ، الرزق بيده ، الصحة بيده ، المرض بيده ، نجاح الزواج بيده ، الأولاد أبرار بيده ، التوفيق بيده ، الإيمان بالله خالقاً ، مربياً ، مسيراً ، هذه أول نعمة ؛ أن تعرف الله ، ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .
هذه واحدة ، ثاني أكبر نعمة الصحة ، لا يوجد خثرة بالدماغ ، ولا تشمع بالكبد ، ولا فشل كلوي ، ولا مشكلة بالصحة ، لا يوجد شيء ، ولا ابن معاق ، عندك أولاد أسوياء ، وزوجة صالحة ، هذه النعمة الثانية ، نعمة الهدى والعافية ، الآن الثالثة نعمة الكفاية .
(( أبو هريرة رضي الله عنه : قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : ' اللَّهمَّ اجعَل رِزقَ آلِ محمدٍ قُوتا' . وفي أخرى : ' كَفَافا' ))
اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً ، ليس معناها فقير ولا غني ، لأنه يوجد مال يفسد ، يتلف الأعمار ، شخص اشترى فندقاً بباريس من ثمانين طابقاً ، وهو ممتلئ دائماً، في اليوم الثاني لم يتمكن أن ينقل ملكيته ، أصيب بجلطة ومات ، المؤمن بعناية الله عز وجل .المذيع:
الله يفتح عليكم شيخنا ، أكرمكم الله وجزاكم كل خير ، سنستأذنكم شيخنا ، نقف من جديد إلى فاصل قصير ، ومعكم مستمعينا الكرام من بعدها بحول الله تعالى نعود لنواصل حلقتنا مع فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي ، وفي السماء رزقكم .
شيخنا الكريم ، أيضاً من الآيات الكريمة المرتبطة في قضية الرزق ، في قول الخالق سبحانه وتعالى :
﴿ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58)﴾
بداية هذه الآيات شيخنا قوله عز وجل :﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56)﴾
﴿ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ ﴾
ما الرابط ؟العبادة علة وجود الإنسان الوحيدة :
الدكتور محمد راتب :
علة وجودك الوحيدة العبادة ، طاعة الله .
المذيع:
لماذا ربطت الآيات العبادة والرزق دكتور ؟
الحكمة من ربط العبادة بالرزق :
الدكتور محمد راتب :
يقول لك : أنا دخلي قليل ، مضطر أن أعمل بعمل فيه حرمة ، حتى لا يحتج بحاجته للرزق بعمل محرم ، لا يوجد شركة ربوية ، عمل لا يرضي الله فيه اختلاط ، عمل فيه فساد ، عمل لا يقدر أن يفعله .
المذيع:
أي خوفي على رزقي لا يبرر أن أقع بالحرام .
الدكتور محمد راتب :
أبداً ، كلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تقرب أجلاً .
المذيع:
الله يفتح عليكم شيخنا ، في قول الخالق سبحانه وتعالى :
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى(132)﴾
الرابط بين الصلاة .العلاقة بين الصلاة والرزق :
الدكتور محمد راتب :
إذا الزوجة طلبت شيئاً لا يرضي الله ، أنت أمرتها بالصلاة ، صلاتها صلة بالله عز وجل ، ما دام لا يوجد لها صلة تريد كل شيء ، تريد سهرة مختلطة ، أشياء ليست ضرورية جداً.
المذيع:
vلم ذكرت الصلاة تحديداً دون باقي العبادات في هذه الآيات ؟
الدكتور محمد راتب :
لأن العبادات الأربعة الأخرى تلغى أحياناً ، الصيام يسقط عن المريض ، والحج عن الفقير ، والزكاة عن الفقير ، الأربعة يسقطون إلا الصلاة ، الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال .
المذيع:
اسأل حضرتكم شيخنا سؤالاً بطريقة عكسية لهذه الآيات ، لو أن رجلاً يعاني من قلة الموارد المالية ، التزم بالصلاة وأمر زوجته وصليا معاً ، هل يمكن أن يكون هذا مفتاح لرزقهما معاً ؟
مفتاح الرزق عبادة الله والأخذ بالأسباب :
الدكتور محمد راتب :
لا ، يجب أن يأخذ بالأسباب معها .
المذيع:
مع الأخذ بالأسباب .
الدكتور محمد راتب :
أن يعبد الله ، وأن يأخذ بالأسباب ، سأل عن فرص عمل ، أخذ جريدة ورأى أين يوجد فرص عمل ، يجب أن يسعى ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء .
المذيع:
الله يفتح عليكم شيخنا ، إلى مزيد من مشاركات مستمعينا الأكارم .
أم تامر ، أهلاً بك معنا ، تفضلي .
المستمع:
السلام عليكم ، نفع الله بكم وبعلمكم شيخنا ، وجزاك الله خيراً يا أخي على هذا البرنامج القيّم ، شكراً جزيلاً لكم ، أريد أن أسأل الدكتور ، الله سبحانه وتعالى رزقنا ، ونريد أن نشكره .
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ(7)﴾
فما هي الطريقة المثلى لشكر الله سبحانه وتعالى ، أي ماذا أفعل حتى أشعر أنني أنا فعلاً شكرت الله كما يجب ؟الطريقة المثلى لشكر الله عز وجل :
الدكتور محمد راتب :
سؤال مهم جداً جداً ، الشكر له ثلاثة أركان ، امتنان من الداخل ، امتنان ؛ يا ربي لك الحمد ، رزقتني ، عندي بيت ، ساكن ببيت لست مشرداً ، عندي أولاد ، عندي زوجة صالحة، امتنان من الداخل ، وتعبير باللسان يا ربي لك الحمد ، غمرتنا بفضلك ، بتوفيقك ، الثالثة أهم واحدة .
﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ(13)﴾
قابل هذه النعم بخدمة الخلق ، أول نعمة امتنان داخلي .المذيع:
أي أن تؤمن أن الله هو الرزاق .
الدكتور محمد راتب :
من أعماقك ، يا ربي فضلت عليّ ، غمرتني بفضلك ، غمرتني بسترك ، برحمتك ، بزوجة صالحة ، بأولاد أبرار ، لا يوجد عندي مشكلة ، لست خائفاً ، أسكن ببيت .
المذيع:
ثم باللسان .
الدكتور محمد راتب :
باللسان يا ربي لك الحمد ، بالصلاة ، وبغير الصلاة ، وبالطريق ، ركب سيارة يا ربي لك الحمد مثلاً .
المذيع:
والثالثة دكتور أن يسير في خدمة خلق الله .
الدكتور محمد راتب :
الآن يجب أن يرد على هذا الجميل بجميل مثله ، الامتنان داخلاً ، والتعبير باللسان:
﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً ﴾
هذا مفعول مطلق ، أي عملك هو امتنان من الله عز وجل ، أخدم العباد .المذيع:
الله يفتح عليكم شيخنا ، إلى مزيد أيضاً من مشاركات مستمعينا .
بشر أهلاً بك ، تفضل ، بشر أنت معنا على الهواء ، تفضل .
عبد الله معنا باتصال جديد ، تفضل أخي عبد الله .
المستمع:
السلام عليكم ، نحن نرحب بالشيخ الفاضل ، أنا لا يوجد عندي سؤال لكن أريد أن أقول للشيخ إننا نحبه بالله ، وكنا نحضر دروسك بالمسجد هنا في خلدة ، أنا شخصياً كنت آتي من الزرقاء كي أحضر دروسك ، الآن مع كورونا توقفت الدروس ، هل تعود الدروس إن فتحت المساجد إلى نفس الوقت السابق ؟
محبة الناس الكبيرة للدكتور النابلسي :
الدكتور محمد راتب :
ترجع إن شاء الله ، أريد أن أقول لك كلمة دقيقة : المحبة والاحترام والشوق لا يكون هذا من طرف واحد .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(54)﴾
المستمع:أكرمك الله ، شيخنا نحن نفتخر أن مثلك موجود في بلادنا .
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بك .
المذيع:
شكراً أخي عبد الله ولمشاركتك معنا .
شيخنا الكريم ، من سورة التوبة الآية الثامنة والعشرون ، في قوله عز وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( 28)﴾
ما المقصود ؟الرزق من لوازم خلق الإنسان :
الدكتور محمد راتب :
شخص تزوج ، الدخل قليل ، والرزق غال ، لا يريد أن ينجب أولاداً ، هذه لا تصح ، مادمت أنت أنجبت ولداً هذا معه رزقه .
المذيع:
ممكن تشرحها شيخنا ، كيف الطفل يولد ومعه رزقه ؟
الدكتور محمد راتب :
الله عز وجل ليس من الممكن أن يخلق إنساناً إلا معه رزقه سلفاً ، الرزق من لوازم خلق الإنسان ، فأنت عندما تؤمن بالله إيماناً حقيقياً ، هذا الطفل معه رزقه ، أول شيء الحليب ، هذا الحليب شيء لا يصدق ، حليب الأم هذا بالمجان ، كلما اتقى الإنسان الله أكثر يأتيه شيء يغطي حاجاته ، الله موجود لأنه هو معنا ، هو رب العالمين ، إذا أب متمكن وابنه بحاجة إلى دراجة ألا يشتريها له ؟ بحاجة إلى هدية لأستاذه ألا يشتريها له ؟
المذيع:
لكن المقصود شيخنا أن الإنسان يولد ويولد معه رزقه ، بمعنى أن ربنا مقدر له رزقه.
الدكتور محمد راتب :
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ(22)﴾
الله وعدنا بالرزق .المذيع:
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾
الدكتور محمد راتب :﴿ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾
سيدي ؛ زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده لعباده .المذيع:
ولكن حتى يستنزل الإنسان هذا الرزق .
الدكتور محمد راتب :
يحتاج إلى أسباب .
المذيع:
وتوكل على الله .
الدكتور محمد راتب :
نعم التوكل يحتاج إلى أسباب ، وأدق أدق عبارة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على وكأنها ليست بشيء .
المذيع:
جميل ، شيخنا هل هنالك موانع للرزق ؟ هنالك بعض الأخطاء التي يمكن أن يقترفها الإنسان فيمنع الله سبحانه وتعالى وصول رزقه إليه ؟
موانع الرزق :
الدكتور محمد راتب :
طبعاً إذا غش ، النبي قال :
((أبو هريرة رضي الله عنه : أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ في السوق على صُبْرَةِ طعامٍ ، فأَدْخَلَ يده فيها فنالتْ أَصابعه بَلَلاً ، فقال : ' ما هذا يا صاحب الطعام ؟ ' ، قال : يا رسول الله أَصابته السماء ، قال : ' أَفلا جعلتَه فوقَ الطعام حتى يراهُ الناسُ ؟ ! ' ، وقال : ' مَن غَشَّنا فليس منا ))
لكن يوجد أبلغ من هذا ، قال :(( عثمان بن عفان رضي الله عنه : أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ' مَنْ غَشَّ العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي ))
لو غششت شخصاً غير مسلم(( ليس منا ))
لو غششت شخصاً كافراً ملحداً(( ليس منا ))
المذيع:هذه قد تمنع الرزق ، وتقلل الرزق .
الدكتور محمد راتب :
انظر إلى الحديثين
(( من غشنا ))
كمسلمين ، الأبلغ :(( من غَشّ ))
لو غششت شخصاً كافراً سيحاسبك الله .المذيع:
هل يمكن أن يكون مثلاً شيخنا تبذير المال والإسراف فيه مانعاً من موانع الرزق ؟
الدكتور محمد راتب :
لا ، نحن عندنا إسراف ، وعندنا تبذير ، الإسراف في المباحات ، عنده ثلاثون بذلة، لماذا ؟
المذيع:
نعم .
الدكتور محمد راتب :
أما التبذير بالمعاصي فالمؤمن لا يبذر ، حتى لو كان مباحاً ، هناك أناس عندهم مثلاً ثلاثون بذلة ، أو أربعين .
المذيع:
يعتبر إسرافاً .
الدكتور محمد راتب :
نعم .
المذيع:
هذا الإسراف أو التبذير شيخنا ، هل يمكن أن يكون مانعاً لرزقه أو يقلل عليه الرزق؟
الدكتور محمد راتب :
يؤدب بذلك ، إلا إذا كان هذا الرزق هو أدى زكاة ماله ، برئ من الشح من أدى زكاة ماله .
والشيء الثاني : لا يتباهى ، التباهي ، اشترى بيتاً عبارة عن أربعمئة وخمسين متراً، كلما جاءه ضيف تعال لأريك البيت ، لماذا ؟ يجلس تاجران وثلاثة وعشرون موظفاً ، قال الأول إنه ذهب لألمانيا ، وقد كلفته هذه الرحلة ثلاثمئة ألف دولار ، لماذا هذا الكلام ؟
المذيع:
إذاً المعاصي والغرور ، والكبر والإسراف ، تكون موانع للرزق .
الدكتور محمد راتب :
أحياناً الافتخار ، والبذخ ، والتعبير عن البذخ هذا مرض كبير .
المذيع:
إذاً كلها قد تكون موانع للرزق .
الدكتور محمد راتب :
أنا أقول : الحديث يكون للنعم العامة ، نعمة الشمس ، نعمة الهداية ، نعمة الدين .
المذيع:
شيخنا فيما تبقى من الوقت ، هذا بالنسبة لموانع الرزق ، النقطة الأخيرة شيخنا كيف يمكن أن يسعى الإنسان ليزيد من رزقه ، ماذا يفعل ؟
كيفية زيادة الرزق :
الدكتور محمد راتب :
بالعمل الصالح :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97)﴾
المذيع:فقط العمل الصالح لا يزيد بالأسباب أيضاً بالرزق ؟
الدكتور محمد راتب :
نعم
﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
هذا الطيب منهج الرزق الوفير ، من شروطها رزق معقول ، لن أقول : وفير بل معقول .المذيع:
يزيد الإنسان من رزقه كلما عاش مستقيماً أكثر مع الله ؟
الدكتور محمد راتب :
لا ، يوجد بالزيادة موضوع الصدقة ، الصدقة تزيد الرزق ، الشكر والصدقة ، الصدقة تزيد الرزق .
المذيع:
سبحان الله ! مع أن الظاهر أن الصدقة تقلل الرزق .
الدكتور محمد راتب :
لا بالعكس ، أنت أقرضت إنساناً قرضاً حسناً ، مئة ألف لسنتين ، أرجعهم بعد سنتين ، لكن بالمئة فرق العملة بالمئة عشرون .
المذيع:
قلّت .
الدكتور محمد راتب :
أكيد قّلت ، أنت أقرضت قرضاً ربوياً ، قدمت مئة ألف أخذت مئة وعشرين ألفاً ، الله ماذا قال :
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(276)﴾
الآية عكس الآلة الحاسبة ، القرض الحسن ينمي الرزق ، والربوي يخفف الرزق .المذيع:
الله يفتح عليكم شيخنا ، نختم الحلقة بالدعاء .
الدعاء :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان .