وضع داكن
20-04-2024
Logo
مختلفة - سوريا - الدرس : 24 - دير عطية - وحدة المسلمين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الإخوة:
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نرحب بكم جميعاً بهذه الأمسية المباركة أيها الإخوة:
 عودنا الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي على أن يكون دائماً بيننا في مواسمنا الثقافية الدينية فجزاه الله عنا كل خير، ونرحب به ونستمع إلى محاضرته بعنوان وحدة المسلمين وليتفضل مشكوراً.
 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
 أيها الإخوة الأكارم:
 أشكر لكم دعوتكم الكريمة وأرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون عند حسن ظنكم فالإنسان بإخلاصه والإنسان بتوفيق الله له.
 أيها الإخوة الأكارم:
 لا أظن أن وقتاً من أوقات المسلمين هم في أمس الحاجة إلى الوحدة كهذا الوقت ذلك أن بين المسلمين اليوم من القواسم المشتركة ما لا يعد ولا يحصى ومع ذلك هم مختلفون قبل ثلاثة أسابيع ألقيت خطبةً في دمشق نقلت عبر الإذاعة كان موضوعها عالمية الإسلام وعولمة الغرب فسألني بعض الإخوة متعجباً كيف تقول عالمية الإسلام والمسلمون فيما بينهم مختلفون ؟ والمسلمون فيما بينهم متخاصمون بل والمسلمون فيما بينهم متقاتلون، الحقيقة أن نقص المعلومات وأن الجهل بحقيقة الدين هو سبب ذلك، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا قَالَ قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ....))

[ الترمذي، أبي داود، ابن ماجه، أحمد، الدارمي ]

 نحن في أمس الحاجة أن نبحث عن نقاط اللقاء ذلك لأن أعداء المسلمين يستهدفون جميع المسلمين من دون تفرقة.
أيها الإخوة الأكارم:
 بادئ ذي بدء ما الذي يمزق المسلمون ؟ اختلافهم الاختلاف بعضه طبيعي سببه نقص المعلومات وبعضه غير حميد سببه التنافس والحسد والبغي، قال تعالى:

 

﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 19]

 وبعضه حميد هو اختلاف التنافس كل واحد يرى أن الوسيلة التي تقربه إلى الله من هذا الطريق، هذا اختلاف حميد هذا اختلاف غنىً هذا اختلاف تنوع هذا اختلاف تنافس، أما الاختلاف الطبيعي فسببه نقص المعلومات فإذا جاءت الحقائق الحاسمة انتهى الاختلاف الأول أما أن تكون الحقائق حاسمة والكتاب واحد والسنة واحدة ومع ذلك يختلف المسلمون فهذا بسبب لا يرضي الله عز وجل.
 أيها الإخوة الأكارم:
 أضع بين أيديكم نموذجين دعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله هذه الدعوة تدعي أنها الفريدة إذاً لابد من الابتداع وقد قيل اتبع لا تبتدع اتضع لا ترتفع الدعوة إلى الذات المغلفة بدعوة إلى الله من خصائصها الابتداع لو اكتفينا بما في القرآن الكريم من حقائق وفق التفسير الأصولي وبما في السنة المطهرة الصحيحة من حقائق وفق التفسير الأصولي لاجتمع المسلمون ما الذي يفرقهم ؟ البدع والابتداع.
 فالخصيصة الأولى بدعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله الابتداع والتنافس غير الشريف وانتقاص الآخرين، أما الدعوة الخالصة إلى الله عز وجل أساسها الإتباع وأساسها الاعتراف بفضل الآخرين وأساسها الإخلاص لله عز وجل فكل من دعا إلى الله وأخلص في دعوته واعترف بما عند الآخرين من فضل هذه الدعوة تنجح وتتألق بل إن النبي عليه الصلاة والسلام له سنتان السنة الأولى افعل ولا تفعل والسنة الثانية كيف بلغ الدعوة إلى أصحابه ؟ كيف نقلها لهم بأي طريقة نقلها إليهم ؟ كيف عاملهم ؟ هذه سنة النبي الدعوية وأي داعية إلى الله عز وجل يتبع سنة النبي الدعوية يتألق وكل داعية يخالف منهج النبي عليه الصلاة والسلام يثير حوله جدلاً كبيراً.
 أيها الإخوة الأكارم:
 نحن في منهج البحث إن كنت ناقلاً فالصحة متبعاً فالدليل، حينما نربي طلابنا على أن لا يقبلوا شيئاً إلا بالدليل وأن لا يرفضوا شيئاً إلا بالدليل نكون قد قطعنا مراحلاً فساحاً في وحدة المسلمين لأن الأدلة واحدة فحينما نعتمد الدليل الصحيح والدليل الصحيح هو النص قطعي الثبوت وقطعي الدلالة لا يمكن ولا يقبل أن نختلف فيما علم من الدين بالضرورة لا يمكن ولا نقبل أن نختلف في نص قطعي الثبوت وقطعي الدلالة، هذه مسلمات الدين هذه قواسم مشتركة أما النص ظني الدلالة أو أن موضوعاً لا نص فيه، فيه اجتهادات قال بعض العلماء: ما اجتهاد بأولى من اجتهاد.
 لا يمكن أن ننكر على بعضنا اجتهاداً ولصاحبه وجهة نظر ومعه دليل فقبل كل شيء ينبغي أن نتعلم بما يسميه بعض العلماء المعاصرين أدب الاختلاف سيدنا موسى اختلف مع سيدنا هارون الصحابة اختلفوا في أسرى بدر، الاختلاف لا يفسد في الود قضية الإنسان مخير وطبيعته أنه يختلف مع أخيه فإذا قبلنا الاختلاف لا في نص قطعي الثبوت والدلالة ولا في موضوع علم بالدين بالضرورة هذا اختلاف طبيعي ينبغي أن نحافظ على وحدتنا وعلى مودتنا وعلى تواصلنا وعلى عطائنا وعلى محبتنا وعلى امتزاجنا ولو أن هناك في الفروع بعض الاختلاف، لكن من أين يأتي الاختلاف أيها الإخوة ؟
 حينما نأتي إلى فرع من فروع الدين ونجعله أصلاً وندعي أن هذا هو الدين والطرف الثاني يأتي بفرع آخر ويجعله أصلاً ويقاتل من أجله أما إذا اتفقنا على أن الأصل أصل والفرع فرع على أن الكليات كليات والجزئيات جزئيات عندئذ لا تسريب علينا لو اختلفنا في المساحة المسموح بها أن نختلف لذلك لا يمكن أن نضحي بوحدتنا من أجل قضية في الفروع من أجل قضية في الجزئيات من أجل قضية في الهوامش.
 أيمكن أن يؤتى بمريض يحتاج إلى عملية قلب مفتوح فوراً وحياته في خطر فننسى قلبه المريض ونلتفت إلى أظافره الطويلة فنبدأ بقص أظافره لابد من أن تقص الأظافر ولكن بعد عمليه القلب فحينما نظن أن الإسلام كله إسلام وأن الدين كله دين بفروعه وأصوله بكلياته وجزئياته ولكن هناك أولويات، أول أولويات حياتنا الدينية أن نكشف نقاط اللقاء مع الأسف الشديد الشديد أن الطرف الآخر يتعاون فيما بينه على خمسة بالمئة من القواسم المشتركة بينما المسلمون على أنهم على حق وعلى أنهم معهم وحي السماء وعلى أن القواسم المشتركة فيما بينهم لا تعد ولا تحصى يتقاتلون ويختلفون، والله الذي يؤلم القلب أنني سافرت إلى المشرق وإلى المغرب وجدت أمراض المسلمين التي في بلادهم منقولةً إلى شرقهم وغربهم فهذا المسجد لا يدخله هؤلاء لأنه ليس لهم لغيرهم ويجب أن يصوم المسلمون في غربي الدنيا متفرقين في أيام ثلاثة وقد عقدت مؤتمرات لتوحيد صيام المسلمين إذاً اختلاف المسلمين في منطقة فرعية ومنطقة جزئية هذه تضعضع وحدتهم وتضعف مكانتهم أمام الطرف الآخر.
 أيها الإخوة الأحباب:
 بادئ ذي بدء يعلمنا أدب الاختلاف أن نتثبت من قول الطرف الآخر، فكم من قول لا أصل له كم من قول منحول على صاحبه وأنا من جهتي اتخذت هذا المبدأ إذا نقل قول لإنسان أولاً مهمتي الأولى أن أتأكد من صحة نسبة هذا القول إليه فكم من أقوال أضيفت على أصحابها بعد موتهم وكم من أقوال مزورة عليهم ينبغي أن لا أحكم ابتداءً على إنسان من خلال نص عزي إليه افتراءً، فلو ثبت لي أن هذا النص له قطعاً أتساءل ما المعنى الذي قصده ؟ فإذا كان المعنى الذي قصده مخالفاً للكتاب والسنة أتسائل مرةً ثانية هل رجع عنه في آخر حياته ؟ فإن ثبت أن هذا النص له وقد أراد المعنى الذي خالف الكتاب والسنة ولم يرجع عنه في حياته إذاً فقد أخطأ ونحن نتعلم أن المعصوم الوحيد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب القبة الخضراء ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس وما جاءنا عن سواهم فنحن رجال وهم رجال.
 إذاً أول نقطة في أدب الاختلاف أن تتأكد من نسبة النص إلى قائله وأن تتأكد من المعنى الذي قصده وأن تتأكد من أنه لم يرجع عنه و بعدئذ احكم، والإمام علي كرم الله وجهه علمنا أننا نعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال.
 شيء آخر أيها الإخوة:
 أنت حينما ترى نصاً لم توافق عليه أو حينما ترى قولاً لم توافق عليه دعك من نية قائله لا تتهم النيات أنت حينما يبدو على أخوك الصلاح والتستر حينما تصح عقيدته ويصح سلوكه لا ينبغي أن تتهمه في نيته إنك إن اتهمته في نيته أجريت الحوار مجرىً آخراً لا يرضي الله عز وجل ينبغي أن تفترض أن كل إنسان صلح دينه وصحت عقيدته واستقام على أمر الله نيته طيبة، إحسان الظن بالآخرين جزء من الدين، العلماء الورعون يتهمون أنفسهم ولا يتهمون غيرهم يحسنون الظن بغيرهم ويتهمون أنفسهم والعلماء الورعون يأخذون بالعزائم ويفتون بالرخص لا العكس، هناك من يفتي بالعزائم ويأخذ لنفسه الرخص وهناك من يحسن الظن بنفسه ويسيء الظن بأخيه على كل قال تعالى:

 

﴿وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾

 

[ سورة المائدة: الآية 13]

 حظاً حينما نأخذ من الدين بعضه حينما نأخذ من الدين فرعاً من فروعه ونجعله أصلاً ننسى الحظ الآخر ونستفز الناس بتقييمهم من خلال هذا الرأي عندئذ الطرف الآخر يرد علينا باتهام آخر وندخل في متاهة لا تنتهي.
 شيء آخر أيها الإخوة:
 حينما يتحاور المؤمنون ينبغي أن يخلصوا النية، ليس العبرة أن يقهر الطرف الآخر ليست العبرة أن يحطمه ليست العبرة أن يستعلي عليه العبرة أن يأخذ بيده وقد علمنا القرآن الكريم كيف نتحاور قال تعالى:

 

﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)﴾

 

[ سورة سبأ: الآية 24]

 الحق كرة عندنا أو عندكم هذا علم الله النبي الكريم وهو المعصوم وهو سيد الخلق وحبيب الحق أن يكون هكذا.
 أيها الإخوة الأكارم:
 النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق سيد ولد آدم أوحي إليه آتاه الله المعجزات، كان من أفصح العرب:

 

خلقت مبرءاً من كل عيب  كأنك قد خلقت كما تشاء
***

 هذا النبي العظيم بقدره الجليل و تفوقه الرائع و مع كل ذلك قال الله له:

 

 

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 159]

 فكيف بإنسان ليس سيد الخلق و ليس سيد ولد آدم و لا يوحى إليه و ليس معه معجزات و لم يؤت الكمال الإنساني و مع ذلك يقسو بنصيحته، هذا شيء غير مقبول أبداً، من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، سمعت مرة أن أستاذاً سئل عن صلاة التراويح أهي عشرون ركعة أم ثمان ؟ و اختلف الناس في المسجد إلى درجة أدت إلى انشقاقهم، قال هذا الرجل أغلقوا المسجد لأن وحدة المسلمين فريضة بينما هذا الموضوع من السنة، فالأصل أن وحدتنا ينبغي ألا نفرط بها.
 أيها الإخوة الكرام:
 قلد الإمام الشافعي قال: أنا على حق، و قد أكون مخطئاً، و الطرف الآخر على الباطل و قد يكون مصيباً، ضع في احتمالك أنه قد تكون أنت مخطئاً، و ضع في احتمالك أن يكون الطرف الآخر مصيباً، الرجوع إلى الحق أيها الإخوة فضيلة، النبي عليه الصلاة و السلام معصوم لكن شاء الله أن يحجب عنه الموقع المناسب وحياً و اجتهاداً و استنباطاً فوضع أصحابه في بدر في مكان غير مناسب، جاءه الحباب بن المنذر و هو يقطر أدباً قال: يا رسول الله هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك أم هو الرأي و المشورة ؟ قال: بل هو الرأي و المشورة، قال: و الله يا رسول الله ليس بموقع، فالنبي عليه الصلاة و السلام أثنى عليه و على إخلاصه و على نصيحته و كان قدوة في الرجوع إلى الحق، لا تجرح مكانة العالم إذا قدمت له نصيحة مخلصة و استجاب لها، حينما نبدأ بالحوار ينبغي أن نعتقد أننا على حق و قد نكون مخطئين و أن الطرف الآخر ليس على حق لكن قد يكون مصيباً، هذا يسهل علينا أن نرجع إلى الحق، لكن قالوا: تعلموا قبل أن ترأسوا فإن ترأستم فلن تعلموا.
 أيها الإخوة الأكارم:
 ادخل إلى مناظرة و في نيتك أن تتبع الحق و لو كان مع الطرف الآخر، لذلك قالوا: استدل ثم اعتقد، هناك من يعتقد أولاً و يبحث عن الأدلة فإن رأى حديثاً صحيحاً يضعف اعتقاده يغفله، أو يبحث عن علة فيه، و إن رأى حديثاً ضعيفاً شديد الضعف يؤيده، يتمسك به و لا يتكلم عن ضعفه، و إن رأى آية لا تدعمه يغفلها، و إن رأى آية يعطيها معنى آخر، المسلمون لا يختلفون على ثبوت القرآن و لكن يختلفون على تأويله، لذلك أخطر شيء في الحياة أن تعتقد أولاً ثم تستدل ثانياً، ينبغي أن تستدل أولاً ثم تعتقد ثانياً.
 أيها الإخوة:

 

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:...الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ))

 

[ مسلم، الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]

 الحق قد يكون مراً و الحقيقة المرة كما أقول دائماً أفضل ألف مرة من الوهم المريح فالإنسان حينما يخضع للحق يعلو في نظر الناس، بل إن سقوط الإنسان من السماء إلى الأرض أهون من أن يسقط من عين الله، ألا ترون إلى هؤلاء الذين يكيلون بمكيالين ؟ ألا تحتقرونهم؟ دولة عندها مئتا رأس نووي لا تحاسب و لا تعاتب و لا تفتش، دولة أخرى على وهم أنها تملك سلاحاً شمولياً للتدمير، تحاسب و تقاطع و تقصف، ما من شيء أحقر في الإنسان من أن يكيل بمكيالين، النبي عليه الصلاة و السلام قال:

 

(( عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.... أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:...وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ))

 

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد، الدارمي ]

 شيء آخر أيها الإخوة:
 نحن حينما نعالج المشكلات لا من نتائجها بل من بدايتها نفلح و تتألف القلوب عثرت على نص أن بعض الأشخاص دخل إلى بستان أنصاري و أكل من ثماره، فضبطه صاحب البستان و ساقه إلى النبي عليه أتم الصلاة و السلام و قال: هذا السارق يا رسول الله ـ طبعاً أن تدخل إلى بستان ليس لك ممنوع شرعاً، و أن تأكل من ثماره من دون إذن ممنوع أيضاً ـ ماذا قال له النبي عليه الصلاة و السلام ؟ قال له:

((هلا علمته إذا كان جاهلاً و هلا أطعمته إذا كان جائعاً.))

 أراد النبي أن يعالج القضية من بدايتها لا من نهايتها و نحن مشكلتنا اليوم مع الأعداء يعالجون الإرهاب من نهايته، هذا الإرهاب له أسباب حملت أصحابه أن يضحوا بأنفسهم من أجل أن يزلزلوا كيان العدو، لا أرى أشد حمقاً و خطأ من الذي يعالج القضية من نتائجها، عالجها من أسبابها، إذاً هذا يقرب بين المسلمين.
 أيها الإخوة:
 لابد من أن تتفهم رأي الطرف الآخر، يقول بعضهم لم أرَ أشد صمماً من الذي يريد ألا يسمع، شيء رائع أن تستمع إلى الطرف الآخر، أن تعرف وجهة نظره، أن تبحث في أدلته فلعل بعض الأدلة أقوى من أدلتك، و لعل وجهة نظره أقوى من وجهة نظرك، أنا أقول دائماً الإنسان حينما يطلع أقول كلمة مبدئياً اقبلوها مني، يصغر يرى أورع منه و أقوى منه و أشجع منه و أكثر بذلاً و تضحية منه لكنه يصغر ليكبر، ما من شيء يضعف المسلم كعزلته عن بقية المسلمين بل إن المسلم إذا انتمى إلى مجموعة صغيرة هو عند الله عز وجل مخطئ أشد الخطأ كيف ؟ الله عز وجل يقول:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

 

[ سورة الحجرات: الآية 10]

 ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

 

[ سورة الحجرات: الآية 10]

 أما هذه الفقاعات الصغيرة التي ننتمي إليها و نعادي الناس من أجلها هذه حالة مرضية في حياة المسلمين.
 أيها الإخوة الكرام:
 كما علمنا القرآن أن نتواضع مع الطرف الآخر قال:

 

﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)﴾

 

[ سورة سبأ: الآية 24]

 يوجد آية تزداد في مدلولها عن الأولى، قال:

 

﴿لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)﴾

 

[ سورة سبأ: الآية 25]

 النبي في دعوته مجرم ؟ الطرف الآخر ينبغي أن تأخذ بيده إلى الله، مرة كنت في مولد نبوي في الشام و تكلم بعض السادة العلماء كلاماً طيباً لكن أحد الإخوة الكبار قال كلمة راقت لي قال:
 أيها الإخوة:
 نحن جميعاً طرف واحد، نؤمن بالكتاب و السنة لكن بطولتك لا أن تقنعني و أنا منك و إليك أن تقنع الطرف الآخر، الطرف الآخر يحتاج إلى منطق و تواضع و أدلة قوية، فكلما استطعنا أن نجلب الطرف الآخر إلينا قوي ديننا.
 جاء رجل من أمريكا و حج بيت الله الحرام و ألقى محاضرة في منى من بضع سنوات ماذا قال ؟ قال: نحن أقوى دولة في العالم، أنتم إذا أقنعتمونا بدينكم كانت قوتنا لكم الغرب لا يقنع بإسلام نظري، لا يقنع بإسلام في الكتب، لا يقنع بإسلام في الأشرطة، و لا في المحاضرات، يريد أن يرى مجتمعاً إسلامياً يقطف ثمار الدين، لذلك أنا الآن أقول لابد من الدعوة الصامتة، الدعوة الصامتة أبلغ من الدعوة الناطقة ذلك أن الدعوة الصامتة فيها الحقيقة و الدليل عليها، أما كل إنسان قد يتمكن من دعوة ناطقة، قد يكون فصيحاً لذلك الآن نسمع أن مفكراً إسلامياً لكن قد يكون غير ملتزم إ‍ذاً لا يؤثر، نحن نريد مسلماً متحركاً كيف أنه قيل الكون قرآن صامت و القرآن كون ناطق و النبي عليه الصلاة و السلام قرآن يمشي.
 شيء آخر النبي عليه الصلاة و السلام أثنى على من ترك الجدال و هو محق، ما هو الجدال ؟ الله عز وجل آتى الإنسان فكراً هذا الفكر إما أن يكون تبريرياً و إما أن يكون صريحاً، إذا قادك عقلك إلى الحقيقة فهذا العقل الصريح، أما إذا قدته أنت ليغطي انحرافك فهذا هو العقل التبريري، كنت أقول دائماً الحق دائرة يتقاطع فيها النقل الصحيح مع العقل الصريح مع الفطرة السليمة مع الواقع الموضوعي، إنها فروع من أصل واحد هو الله عز وجل، لابد نظرياً من أن ينطبق النقل الصحيح على العقل الصريح لا العقل التبريري، هذا عقل مسخر أسوأ أنواع التسخير، مسخر ليغطي انحراف الإنسان، ماذا قال فرعون ؟

 

﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)﴾

 

[ سورة غافر: الآية 29]

 أي سبيل رشاد يهديهم إليه فرعون ؟ هذا العقل التبريري، و الفطرة السليمة، و الآن قد تنطمس هذه الفطرة و الواقع الموضوعي هناك واقع مزور، أي كلما التقيت بغير مسلم اتهم الإسلام بالتعدد، مرة اطلعت خمسة بالمئة من الرجال متزوجون من اثنتين، و ثلاثة بالألف ثلاثة و واحد بالألف أربعة، هل هي نسب مرضية كما يدعي أعداء المسلمين ؟ فلابد من واقع موضوعي و لابد من فطرة سليمة و لابد من عقل صريح و لابد من نقل صحيح، هذه إذا تقاطعت في دائرة فهو الحق الصرح.
 أحياناً أيها الإخوة قد تكون اختلافاتنا اختلافات مصطلحات فقط، فلا بد من أن تعرف أن تحدد مصطلحاتك، و لابد من أن تسأل الناس عن مصطلحاتهم، فإذا تشابهت المصطلحات ابدأ بالحوار و لتكن النية طيبة و لتحسن الظن بنية الطرف الآخر، أحياناً ينبغي أن تكنشف هذه الحقيقة أنك إذا أنهيت النقاش و الحوار و حافظت على أخوة أخيك أولى ألف مرة من أن تنتصر عليه و تخسره، لذلك:

 

(( عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا...))

 

[ أبو داود ]

 آن الأوان أن نصحو، آن الأوان أن نغلب وحدتنا على اختلافاتنا في القضايا الفرعية آن الأوان على أن نغلب مصلحة المسلمين، آن الأوان على أن نحمل هم المسلمين، أنا أذكر أن حواراً حاداً جرى بين رئيسة وزراء بريطانيا تاتشار و بين ريغن رئيس أمريكا تلاسنا فهددها ريغن ـ قد لا تصدقون بإيقاف الحرب بين العراق و إيران، معنى ذلك هم يعيشون على مشكلاتنا، يغتنون على خسائرنا، آن الأوان أن نصحو الطرف الآخر لا يميز مسلماً من مسلم لا و الله، كلنا مستهدفون، آن الأوان أن نتعاون فيما اتفقنا و أن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا آن الأوان أن نتعاون فيما اتفقنا و أن ينصح بعضنا نعضاً فيما اختلفنا، آن الأوان أن نبحث عن القواسم المشتركة، آن الأوان أن نبحث عن محكمات الشريعة، المحكمات لاشك فيها لا تتبدل و لا تتغير و لا تعدل و لا تطور و لا اجتهاد فيها، كلها قطعية هذه قواسم مشتركة، أنا و الله أقول لإخوة كثر من الدعاة إلى الله، أقول له و الله إن إخوانك هم إخواني و إخواني هم إخوانك الدعوة واحدة، تصور منهجاً واحداً للغة العربية يدرس في القطر لكن كل مدرس له أسلوب، لا نختلف في المبادئ و لا في الأسس و لكن قد نختلف في الأساليب.
 أيها الإخوة:
 الأتباع لهم مشكلة كبيرة، الأتباع أحياناً يسيؤون الفهم، أو يسيؤون النقل، أو يسيؤون التصرف، يسيؤون فهماً و نقلاً و تصرفاً، أما هؤلاء رؤوس الدعوة إلى الله لو اجتمعوا، لو تواصلوا لعرف كل منهم الطرف الآخر و أثنى عليه، يجب أن تعتقد أن الطرف الآخر مخلص مثلك، محب لله مثلك، مجتهد مثلك، فاستمع إليه، خذ رأيه، ابحث في وجهة نظره اسأله عن الدليل و التعليل لعلك تنتفع به و الإنسان لا يكبر إلا إذا انتفع ممن حوله، هذا الذي يلغي المعارضة يلغى هو قبل أن يلغيها، حينما ترى من يشير إليك بتساؤل أصغ إليه و أجبه بتواضع فالله سبحانه و تعالى يحبنا أن نجتهد و قد قال عليه الصلاة و السلام:

 

(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ...))

 

[ الترمذي ]

(( قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ قَالَ السَّائِبُ يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ ))

[ النسائي، أبو داود، أحمد ]

 بل إن القرآن الكريم من معان لازمة قال:

 

﴿سَابِقُوا﴾

 

[ سورة الحديد: الآية 21]

 بربكم هل رأيتم في حياتكم إنساناً يدخل في سباق وحده ؟ سابقوا أي ينبغي أن تكونوا في جماعة، سابقوا و سارعوا تعني الجماعة، بل إن هناك عبادات جماعية:

 

(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، و من صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))

 قال:

 

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ..))

 

[ الترمذي، أبو داود، ابن ماجه ]

 ينبغي أن تتبع الجماعة، و ما من وقت عود على بدء ما من وقت، ما من مرحلة نحن في أشد الحاجة إلى الوحدة و التعاون كهذا الوقت لأننا مستهدفون، أنا أقول لكم بصراحة نحن في حرب عالمية ثالثة معلنة ضد الإسلام بعد الحادي عشر من أيلول، و قل هذا التاريخ كانت غير معلنة أما الآن معلنة، ردنا الطبيعي أن نتعاون، أن نتناصر، أن نتكاتف، أن نتضامن، فلعل الله سبحانه و تعالى ينصرنا، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
 شكراً كل الشكر لأستاذنا محمد راتب النابلسي جزاه الله عنا كل خير.

 

تحميل النص

إخفاء الصور