وضع داكن
28-03-2024
Logo
مختلفة - سوريا - الدرس : 35 - دير عطية - إضاءة قرآنية على الأحدالث الأخيرة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الأحباب: بادئ ذي بدء أشكركم من أعماق قلبي على هذه الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن ظنكم بي، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنكم.
 أيها الأخوة الأحباب سأحاول بفضل الله عز وجل وتوفيقه أن أضع اليد الأولى على جراح الأمة، وأن أتلمس باليد الثانية الدواء الناجح لما تعانيه أمتنا العربية والإسلامية.
 أيها الأخوة الكرام: ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، ومن مسلمات عقيدة التوحيد أن كل شيء وقع أراده الله، أي بمعنى سمح به فقط، لأن هوية الإنسان مخلوق مخير، ولكن ليس على حساب أحد.

﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49)﴾

(سورة الكهف)

 فكل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، ولا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد، أدركنا حكمة ما وقع أو لم ندرك، لأن الذي وقع قد وقع أراده الله، وإرادة الله يعني أنه سمح بالذي وقع أن يقع، إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة أن الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً يوم القيامة

 

﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً﴾

 

(سورة القصص)

 والرسول هنا بمعنى الشدة التي يسوقها الله لعباده، وإرادته متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.

 

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾

 

(سورة آل عمران)

 من السهل جداً أن ينتهي إلى علمك الذي حدث، لكن ليس من السهل أن تملك قدرة على تحليل ما حدث، لكنك إذا قرأت كتاب الله قراءة متأنية متواعية أكثر آيات القرآن الكريم تعطيك دقيقاً لما حدث.
 أيها الأخوة: هناك نعم ظاهرة يعرفها كل الناس وهناك نعم باطنة لا يعرفها إلا من أوتي حكمة من الله عز وجل.
فسلبيات الذي حدث ليست خافية عن أحد، ولكن إيجابيات الذي حدث خطيرة جداً ومهمة جداً.
 أيها الأخوة: في ساحة القيم وساحة المبادئ كانت هناك قيم الشرق وقيم الغرب وكان الإسلام، بعد أن انهار الشرق بقيت قيمتان قيم الغرب وقيم هذا الدين العظيم، الغرب طرح قيم براقة ترتاح لها النفس، قيم الحرية السلام الديموقراطية حقوق الإنسان، فكان في ساحة القيم كتلتان للقيم، والقيم الغربية لأن أهلها أغنياء وأقوياء وأثرياء وأذكياء، مع هذه القيم الرائعة فالغرب خطف أبصار الأرض، وتطلع كل واحد أن يكون له مكان في بلادهم، بل إن الذي يأخذ موافقة الدخول لبلادهم كأنه دخل الجنة ! ما الذي حدث بعد الذي حدث ؟ هذا الغرب الذي طرح قيماً بقي قوة غاشمة ليس غير، وأن كل القيم التي طرحها أصبحت في الوحل وهذا أكبر نصر لهذا الدين، لم يبقى في ساحة القيم إلا هذا الدين الكبير.
أيها الأخوة الأحباب: عالم كبير من علماء أمريكا وقد شرفه الله بالإسلام زار بريطانية والتقى بالجالية الإسلامية هناك، أنقل لكم كلامه الحرفي نقلته من موقع معلوماتي يخاطب الجالية الإسلامية يقول: أنا لست واثقاً أنا في المدى المنظور أن يستطيع العالم الإسلامي أن يلحق بالغرب لاتساع الهوة بينهما، ولكنني متأكد أن العالم كله سيركع تحت أقدام المسلمين إذا فهموا دينهم فهماً صحيحاً، وطبقوا دينهم تطبيقاً صحيحاً وأحسنوا عرض دينه، نحن أمام فرصة أيها الأخوة ذهبية جداً بقي الغرب قوة غاشمة وانتهى كقوة حضارية، لم يبق في ساحة القيم والمبادئ إلا قيم الإسلام ومبادئ الإسلام هذه فرصة ذهبية، والعالم كله في ضياع، والإسلام وحده يقدم فلسفة متناسقة متماسكة عميقة شاملة متوازنة لحقيقة الكون والحياة والإنسان، فما علينا إلا أن نحسن فهم وتطبيق هذا الدين وعرضه لأن خلاص العالم متعلق بهذا الدين الذي وعد الله أن يجعله مهيمناً على الدين كله.
 أيها الأخوة الأحباب: لا تقلقوا على هذا الدين إنه دين الله، ولولا أنه دين الله لانهار من مئات السنين، لا تقلقوا على هذا الدين بل لنقلق جميعاً ما عن سمح الله لنا أو لم يسمح أن نكون جنوداً له، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

 

﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾

 

(سورة محمد)

 سمح لنا أن ننال شرف نصرته، هذه إيجابية من الإيجابيات التي حدثت.
 أيها الأخوة: سأعرض عن ذكر السلبيات فهي تحت أسماعكم وأبصاركم كل يوم، وما من إنسان في العالم الإسلامي والعربي إلا وقد وضع يده و رأى بعينيه سلبيات الذي حدث، وأنا أقول هذه الكلمة والله أرددها مئات المرات في هذه الأشهر: إن لم تكون طرفاً في مؤامرة قذرة هدفها إفقار المسلمين وإضلالهم وإفسادهم وإذلالهم وإبادتهم فأنتم في نعمة كبيرة إن لم تكن طرفاً، فكيف إذا كنت سبباً في هدايتهم ؟‍‍ ‍!
 الحقيقة الثانية: والله لا أصدق ولا يصدق أحداً من المؤمنين أن إنساناً ولو كان وحيد القرن بإمكانه أن يحول بين الله وبين هداية خلقه هذا شيء مستحيل.

 

﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾

 

(سورة الصف)

 بربكم لو وقف واحد في ساحة عامة وتوجه على الشمس ونفخ نفخة ليطفئها ماذا تحكمون على عقله ؟ بالخلل ‍‍! قال تعالى:

 

﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾

 

(سورة الصف)

 أنت لا تستطيع أن تؤثر بنور الشمس فكيف بنور الله عز وجل! ! لذلك ما ضر السحاب نبح الكلام، وما ضر البحر أن ألقى فيه غلام بحجر ولو تحول الناس إلى كناسيين ليثيروا هذا الغبار على هذا الدين ما أثاروه غلا على أنفسهم، ويبقى هذا الدين في عليائه وشموخه إنه دين الله، وقد وعد الله أن يظهره على الدين كله.
 أيها الأخوة: هذا بند من البنود التي حدثت، أو إيجابية من الإيجابيات التي شفت عنها الأحداث الأخيرة.
 الإيجابية الثانية والله ألمسها لمس اليد: التقارب بين المسلمين وإن بدى بطيئاً إلا أنه متنامي أدرك المسلمون أن مصالحهم الدنيوية والأخروية فالذي حدث بعد الذي حدث من تقارب بين المسلمين ومن إدراكهم أن الطرف الآخر يستهدفهم جميعاً من دون استثناء، وأنهم لا يستطيعون أن يقفوا أمامه غلا بفهم دينهم واستقامتهم على أمر بهم وتحقيق قوله تعالى:

 

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾

 

(سورة المائدة)

 وهذه إيجابية ثانية من الإيجابيات التي شفت عنها الأحداث الأخيرة.
 الإيجابية الثالثة: يقول الله عز وجل:

 

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾

 

(سورة آل عمران)

 وقد كشفت أوراق كل إنسان للملأ عامة وهذا أيضاً إيجابية ينبغي أن ندخلها في قائمة الإيجابيات، لكن الذي يثير اهتمام الجميع أن هذه الفريضة التي كانت معطلة مئات السنين والتي كان تعطيلها سبباً واضحاً من أسباب ضعفنا آمنا بها بكل قطرة في دمنا وكل خلية في جسمنا، هذه الفريضة التي فرضها الله علينا التي بها عزنا ومنعتنا وبها نرقى عند الله عز وجل كانت معطلة، فبدأ المسلمون يستنجدون بها، وهذا الذي حدث مؤلم جداً ولكن لا يستطيع الطرف الآخر أن يقطف ثمار فعله بشكل مبسط قريب.
 أيها الأخوة: الجهاد كلمة كان يتحاشاها كل الناس لكنها الآن هي الطريق الوحيد كيف ؟ لا يمكن أن تواجه نملة إذا كنت مهزوماً أمام نفسك، لذلك أبداً كيف أن هناك تعليم أساسي أبدأ بجهاد النفس والهوى، لابد من أن نجاهد أنفسنا ولا بد من أن ندفع ثمن جهاد النصر لنا، جهاداً للنفس والهوى، يؤكد هذا قوله تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾

 

(سورة العنكبوت)

 هذا الجهاد الأول هذا بينك وبين الله، ولا يستطيع أحد أن يمنعك أن تقوم به.
 المشكلة أيها الأخوة: أن من تلبيس إبليس على المسلمين أن الشيء الذي في متناول أيديهم وأن الشيء الذي هم قادرون عليه بإمكانهم أن يفعلوه من دون مسائلة ولا محاكمة ولا أخ فكرة هو أن يجاهد الإنسان نفسه وهواه، بربكم من يمنعنا جميعاً أن نكون صادقين ؟ من يمنعنا أن نكون أمناء أعفة وأن نتقن أعمالنا ونحسنها ونطورها في الدائرة التي وضعنا بها، من يمنعنا من تربية أولادنا ومن غض أبصارنا ؟ من يمنعنا من أن نلغي كل المفاسد في بيتنا؟ هذا في متناولنا، الشيء الذي في متناولنا ولا يستطيع أحد أن يسألك عنه إبليس يزهدنا به ويدفعنا إلا ما لا نستطيع.
 هناك مرض أيها الأخوة: أنا سأسميه مرض يطلب شيء مستحيل فإن لم يقع لا يفعل شيئاً ‍! مع أنه بإمكانك أن تقوم بمائة عمل وعمل إن لم تحقق أهداف الأمة الكبرى هذا الإسلام دين عظيم، سواء كان مطبقاً على المجموع أو لم يكن مطبقاً بإمكانك أن تطبقه وتقطف ثماره وتقيم الإسلام في نفسك وبيتك وعملك، فإذا فعلنا هذا نشأت قاعدة صلبة، هذه القاعدة تخرج قاعدة أخرى هكذا فعل الأنبياء.
 نبدأ بجهاد النفس والهوى ثم الجهاد البنائي هذا مصطلح، إذا كانت هذه الأمة تحتاج إلى واحد يموت من أجلها هي تحتاج لمائة واحد يعيش من أجلها ! أن تحمل هم المسلمين وتطور وتتقن عملك وتقدمه لأمتك بهذا تقوى الأمة، لكن هذا الجهاد البنائي لا نقطف ثماره بين ليلة أو ضحاها بل بعد عشرات السنين، لو أن كل واحد أتقن عمله وتعاون مع أخيه وحمل هم المسلمين وألغى ذاته للمصلحة العامة بعد حين تجد أمة إسلامية متماسكة تقف في وجه أعدائها هذا هو الجهاد الثاني البنائي.
 ثم الجهاد الثالث الجهاد الدعوي: سماه الله جهاداً كبيراً قال تعالى:

 

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾

 

(سورة الفرقان)

 أي بالقرآن، كيف تقف أمام عدو ولا تعرف أنت من أنت ولماذا خلقت ولا تعرف سرو غاية وجودك، فلابد من جهاد النفس والهوى ولا بد من جهاد بنائي لهذه الأمة ولابد من جهاد دعوي، وقد سمى الله الجهاد الدعوي جهاداً كبيراً فقال:

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾

 أيها الأخوة: إذا نجحنا في الجهاد البنائي وجهاد النفس والهوى ونجحنا في الجهاد الدعوي ينتظر أن ننجح في الجهاد القتالي.
 فلذلك أيها الأخوة: المعركة بين حقين لا تكون لأن الحق لا يتعدد، وبين حق وباطل لا تطول لأن الله مع الحق وبين باطلين لا تنتهي، فإذا أردنا لهذه المعركة بيننا وبين الطرف الآخر أن تكون حاسمة فلنصطلح مع الله عز وجل ولنعقد العزم على التوبة النصوح لأنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة، هذه سنة الله ماضية في عباده إلى يوم القيامة.
أيها الأخوة الأحباب: لابد من توبة نصوح ولكن قد يسأل سائل هذه الوعود الرائعة التي وردت في كتاب الله:

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

(سورة الروم)

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)﴾

(سورة النساء)

 لهم علينا ألف سبيل وسبيل

 

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾

 

(سورة النور)

 أين الاستخلاف ؟ والله لا استخلاف هذا واقع !!

 

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

 أين التمكين ؟ والله لا تمكين !!!

 

 

﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾

 أين التطمين ؟ والله لا استخلاف ولا تمكين ولا تطمين، مع أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.

 

 

﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87)﴾

 

(سورة النساء)

﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾

(سورة التوبة)

 فإن لم نتحقق هذه الوعود فالكرة في ملعبنا والمشكلة من عندنا وعلينا أن نتهم أنفسنا وإليكم الدليل " قال تعالى:

 

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

 أي دين وعد بتمكينه ؟ الذي يرتضيه، فإن لم يمكنهم، معنى ذلك أن الدين الذي هم عليه أو أن فهمهم للدين أو تعاملهم مع هذا الدين لا يرضى الله أبداً، فليس الدين عادات وتقاليد وثقافة، هل تصدقون أن القرآن قرء في باريس على أنه فلكلور شرقي، ليس الدين فلكلوراً ولا عادات ولا تقاليد ولا ثقافة ولكنه منهج قويم وعقيدة سليمة واتصال برب العالمين، إن العبادة طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، في هذا التعريف جانب معرفي هو السبب وجانب سلوكي هو الأصل وجانب جمالي وهو الثمرة.
 أيها الأخوة الأحباب: هذه إجابة:

 

 

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

 

 إجابة ثانية:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾

(سورة مريم)

 وقد أجمع علماء التفسير على أن إضاعة الصلاة لا يعني ترك الصلاة، ولكن يعني تفريغها من مضمونها،

 

(( ليس كل مصل يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي ولن يصر على معصيتي، وأطعم الجائع وكسى العريان ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي ))

 

(ورد في الأثر)

(( عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

(سنن ابن ماجة)

 أروع ما في المؤمن أن خلوته كجلوته، وأن باطنه كعلانيته وأن لسانه ينطق بما في قلبه يوجد توحد أما الازدواجية تسبب هذا، إنهم يصلون كما تصلون ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، هذه إجابة ثانية

 

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ﴾

 فرغوها من مضمونها

 

 

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾

 

(سورة العنكبوت)

 لكن صلاة هؤلاء لا تنهى عن ذلك.
 أيها الأخوة: إن من أدق آيات القرآن الكريم هذا الدعاء:

 

﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾

 

(سورة الممتحنة)

 فهذا المسلم حينما يقصر ويكذب ويحتال ولا يتقن عمله حجب الناس عن دينه، كان حجاباً بين الناس ودينه، لأن الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ولأن لغة العمل أقوى من لغة القول، ولأن الأمة الآن تحتاج لا إلى محاضرة بل إلى مسلم متحرك، كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ! نحن بحاجة لمسلم يمشي بيننا فحوى دعوة النبي كما قال سيدنا جعفر قال: أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الرحم ونسيء الجوار... أليست هذه في معظمها موجودة في مجتمع المسلمين اليوم ؟
 ( حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه إذا تحدث فهو صادق وإذا عاملك فهو أمين وإذا استثيرت شهوته فهو عفيف، هذه أركان الأخلاق.)

 

((عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ....... حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ.....))

 

(مسند الإمام أحمد)

 الإسلام فضلاً عن عباداته ألم يقل عليه الصلاة والسلام:

((بني الإسلام على خمس ؟))

 هذه الخمس على أركان الإسلام، لكنه بني فوقها، هو بناء أخلاقي بناء قيم ومبادئ، أما إذا توهمنا أن هذه الأعمدة هي الإسلام فقط هذا وهم كبير.
 الدليل الحديث الأول:

((وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

 أي أن الصلاة وحدها من دون استقامة على أمر الله ومن دون التزام بالمنهج الإلهي لا تقدم ولا تؤخر مع أنها فرض يجب أن نصلي في كل الأحوال لكنها لن نستطيع قطف ثمارها.
 الصيام من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
 الزكاة.

 

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53)﴾

 

(سورة التوبة)

 الحج إذا وضع الحاج رجله في الركاب وقد حج بمال حرام يناديه مناد أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك، هذه العبادات الخمس الأولى في الإسلام التي إن لم ترافقها استقامة والتزام لن تستطيع قطف ثمارها.
 أيها الأخوة:

 

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾

 من أروع ما قرأت في تفسير قوله تعالى:

 

 

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

 

(سورة الشعراء)

 قالوا: القلب السليم القلب الذي سلم من شهوة لا ترضي الله، وسلم من تصديق خبر يتناقض مع وحي اله وسلم من تحكيم وعبادة غير الله، هذا أكبر إنجاز يحصله إنسان على وجه اله، أن يلقى الله بقلب سليم سلم من شهوة لا ترضي الله من تحكيم غير شرع الله من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله من عبادة غير الله.
 الحل الأول: يجب أن يكون فهمنا للدين كما يرضي الله حتى نستحق وعد الله عز وجل.
 الحل الثاني: أن نأتي الله بقلب سليم ونصلي صلاة كما أراد الله أن نصلي لأنها عماد الدين، وغرة الطاعات ومعراج المؤمن على رب الأرض والسماوات، هي طهور ونور وحبور وعقل وعروج وذكر ومناجاة

 

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

 

(سورة طه)

 وهي قرب.

 

﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)﴾

 

(سورة العلق)

 وهي عقل.
 أيها الأخوة الأحباب: بقي آية كريمة لأنه كلام الله ولأن فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه يقول الله عز وجل:

 

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾

 

(سورة إبراهيم)

 بربكم قوى الأرض كلها هل تستطيع نقل جبل قاسيون إلى درعا ؟

 

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾

 دققوا الآن: مكرهم تزول منه الجبال يقول الله عز وجل تحملوا الصدمة:

 

 

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

 

(سورة آل عمران)

 التفوق بالسلاح وبالمكر وبالإعلان وبالاقتصاد، والله زوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق هذه الآية للمؤمنين:

 

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

 

 أرجو الله تعالى أن أضع بيد على جراح الأمة وأن أتلمس بالأخرى الدواء الناجح وهو الصلح مع الله، لا تنظروا إلى كل قوى الأرض.

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)﴾

(سورة آل عمران)

 إخواننا الكرام: الله عز وجل مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يسلمك لجهة أخرى يقول لك:

 

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

 

(سورة هود)

 ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه، هذا هو التوحيد.

 

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾

 

(سورة الزخرف)

﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)﴾

(سورة الكهف)

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

(سورة الفتح)

 هذا هو التوحيد، ألا ترى مع الله أحداً وتتعامل مع الله، اعمل مع وجه واحد يكفيك الوجوه كلها، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها.
 أيها الأخوة: قبل أن أختم محاضرتي دائماً وأبداً أقول: أن في القرآن الكريم مائة وثلاثمائة آية تتحدث عن الكون، وأن الله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار، وأن هذا الإنسان يتعرف إلى الله من خلال خلقه وأفعاله وقرآنه، فقرآنه يحتاج إلى تدبر وأفعاله تحتاج إلى نظر.

 

﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾

 

(سورة الأنعام)

 وخلقه يحتاج على تفكر.

 

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

 

(سورة آل عمران)

 أيها الأخوة: وقع تحت يدي بحث لطيف عن غشاء لطيف سماه علماء الطب الغشاء العاقل، هذا الغشاء موجود في المشيمة بالتعبير الشائع الخلاص الذي ينزل مع الجنين ويلقى في حاوية مباشرة، هذه المشيمة آية عظمة دالة على عظمة الله عز وجل، في المشيمة تلتقي دورة الأم الدموية بدورة الجنين الدموية، ولكل دم زمرة، ومع ذلك لا يختلط دم الأم مع دم الجنين ! لو أننا أعطينا إنساناً دماً آخر لانحل دمه ومات فوراً في المشيمة يجتمع دم الجنين مع دم الأم دون أن يختلطا، ولكل دم زمرة بينهما غشاء، هذا الغشاء يقوم بأعمال لو أوكلت لأعلم علماء الطب في الأرض لمات الجنين في نصف ساعة !!!! يقوم الغشاء المشيمي بأعمال غاية في الذكاء والدقة والحكمة لو أوكلت هذه الأعمال لأعلم علماء الأرض في الطب لمات الجنين في ساعة، بماذا يقوم ؟ هذا الغشاء يختار من دم الأم ما يحتاجه الجنين كل يوم بنسب جديدة بحسب نمو جسم الجنين، يختار المواد البروتينية والدهون والسكريات والفيتامينات والمعادن والبوتاس يختار اختيار متناسب مع حاجة الجنين يومياً، كل يوم يوجد نسب، لماذا سماه الأطباء الغشاء العاقل ؟ !! هو جهاز هضم.
 الآن ينقل من دم الأم لدم الجنين الأوكسجين كي تحرق المواد السكرية فتكون الطاقة هو جهاز تنفس، ثم إن هذا الجهاز العاقل ينقل من دم الأم إلى دم الجنين مناعة الأم كلها، إذاً هو جهاز مناعة مكتسب فكل المناعة التي تملكها الأم تنتقل إلى الجنين، هذا الغشاء الذي سماه العلماء الغشاء العاقل لا يسمح لمعظم الأمراض الجرثومية أن تنتقل من دم الأم على دم الجنين لا يسمح صوناً لصحة الجنين، يسمح بالمواد الغذائية وبالأوكسجين وبالمناعة ولا يسمح للأمراض الجرثومية التي تصاب بها الأم أن تنتقل لجنينها.
 الآن هذا الجنين في احتراق يأخذ نواتج الاحتراق ثاني أو كسيد الكربون وحمض البولة والمواد السامة كلها ينقلها لدم الأم كي تطرح في رئتيها وكليتها، لو أوكل ما يفعله الغشاء العاقل لأعلم علماء الطب لمات الجنين في ساعة وفضلاً عن ذلك هو بنكرياس للجنين، يطرح مواد تعين على احتراق السكر في الدرجة الاعتيادية " ذلكم الله رب العالمين " أهذا الإله يعصى ولا يعبأ بمنهجه ولا يخطب وده ؟

 

﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾

 

(سورة الذرايات)

 أيها الأخوة الكرام: أرجو أن لا أطيل عليكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

تحميل النص

إخفاء الصور