- ندوات تلفزيونية / ٠01برنامج ويتفكرون - قناة ندى
- /
- ٠1ويتفكرون 1
الإنسان هو المخلوق الأول رتبة عند الله :
أخوتي المشاهدون ؛ أعزائي المؤمنون ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، قيل : من عرف نفسه عرف ربه ، فمن أنت أيها الإنسان ؟ لا بد أن يعرف الإنسان حقيقة مهمته في الحياة الدنيا ، لماذا جاء الله به إلى الدنيا ؟ ما حقيقة الموت ؟ ماذا بعد الموت ؟ ما هي الدار الآخرة ؟ هذه كليات في حياة الإنسان ، فإذا أدركها وأدرك أبعادها انعكست على سلوكه ، وعلى سلامته ، وعلى سعادته .
فلذلك الإنسان في التعريف الدقيق هو المخلوق الأول عند الله ، الأول رتبة لأن الخلائق جميعاً كانت في عالم الأزل ، عالم التكليف ، وعرضت الأمانة عليها ، قال تعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾
وكأن كلمة السموات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون ، والكون ما سوى الله ، قال تعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
هذا الإنسان هو الذي قبِل حمل الأمانة في عالم الأزل ، فلما قبِل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبة ، رُكِّب الملَك من عقلٍ بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته كان أفضل الناس ، وإن سمت شهوته على عقله كان في السلم الأدنى من البشر .
مقومات حمل الأمانة :
1 ـ الكون :
أيها الأخوة الكرام ؛ الإنسان المخلوق الأول ، عرضت عليه الأمانة ، ووقف من هذا العرض مواقف متباينة ، فالذي قبِل حمل الأمانة ، وصدق في قبوله حمل الأمانة كان هو المؤمن ، فلذلك أعطانا الله مقومات هذا الإيمان ، وبكلمة أخرى أعطانا الله مقومات هذا التكليف لأنه كلفنا حمل الأمانة ، فلما كلفنا حمل الأمانة أعطانا مقوماتها ، ما مقومات حمل الأمانة ؟
أولاً : هذا الكون ، هذا الكون هو الثابت الأول ، لا يتبدل ، لا يتغير ، لا يستطيع كائن في الأرض أن ينكر وجوده وخصائصه ، هذا الكون يشف عن أسماء الله الحسنى ، وعن صفاته العلا ، هذا الكون يشف عن خالق عظيم ، خالق موجود واحد ، خالق موجود كامل واحد، هذا هو أصل الإيمان بالله عز وجل ، وحينما يتبع الإنسان منهج الله ، القرآن الذي أنزله الله على نبيه الكريم ، يتعرف إلى مكانته ، وإلى سرّ وجوده ، وإلى غاية وجوده ، وإلى كمال وجوده ، وإلى استمرار وجوده ، فلذلك من مقومات التكليف هذا الكون هو الثابت الأول .
2 ـ العقل :
ومن هذه المقومات العقل ، العقل أعقد جهاز في الكون ، العقل كي نعرف الله عز وجل ، العقل كي نرى طريقنا إلى الله عز وجل ، فلذلك هذا العقل أحد أكبر مقومات الإيمان، لكن هذا العقل جهاز حيادي فإذا وجهته نحو معرفة الحق وصلت إلى الحق ، إن وجهته نحو مصالحك اليومية وصلت إليها ، فهو جهاز حيادي ، فالبطولة أن تستخدم هذا العقل الذي أكرمنا الله به في معرفته ، ومعرفة منهجه ، وسر وجودنا في الدنيا ومصالحنا في الآخرة .
الكون أحد هذه المقومات ، يشف عن وجود الله ، وعن كماله ، وعن وحدانيته ، والعقل كأن فيه مبادئ ثلاثة ، مبدأ السببية ، و مبدأ الغائية ، و مبدأ عدم التناقض ، فالعقل لا يفهم شيئاً من دون سبب ، كما أنه لا يفهم شيئاً من دون غاية ، ولا يقبل هذا العقل البشري التناقض ، هذه سماها علماء المنطق مبادئ العقل الثلاثة ، هذه المبادئ الثلاثة متوافقة مع قوانين الكون ، فكما أن العقل لا يقبل شيئاً بلا سبب ، الله عز وجل هو مسبب الأسباب ، فكأن الله أخذنا بيده بلطف لمعرفته من خلال معرفة الأسباب التي بني عقلنا عليها ، هذا العقل البشري هذه خصائصه .
3 ـ الشهوات :
والشيء الثاني أعطانا فوق الكون والعقل أعطانا الشهوات ، والشهوات قوى محركة بالأصل ، بالأصح لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسموات ، كيف أن هذه المركبة فيها محرك ، وكأن المحرك هو الشهوة ، وكأن المقود هو العقل ، وكأن الشريعة هي الطريق ، فالبطولة من خلال المقود أن نبقي هذه المركبة المتحركة بقوة الشهوة على هذا الطريق الذي هو الشرع .
4 ـ الفطرة :
إذاً نحن أمام مقومات التكليف كون ، وعقل ، وفطرة ، إذا كان العقل مقياساً علمياً فالفطرة مقياس نفسي ، فأنت بفطرتك تعرف الحق من الباطل ، قال تعالى :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
ما من أمر أمرت به إلا وفطرت على محبته ، ما من أمر نهاك الله عنه إلا فطرت على كراهيته ، قال تعالى :
﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾
إذاً السر الذي يسعد الإنسان حينما يصطلح مع ربه أنه اصطلح مع ذاته ، مع فطرته .
5 ـ حرية الاختيار :
هناك شيء آخر أعطانا الكون ، أعطانا الفطرة ، أعطانا الشهوة ، أعطانا العقل ، ثم أعطانا الاختيار ، لولا الاختيار لما ثمن عمل الإنسان ، الإنسان حينما يأتي ربه مختاراً قال تعالى :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
حينما يأتي ربه مختاراً يثمن عمله الصالح .
طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة :
وهناك شيء آخر أن هذا الإنسان أودع الله فيه قوة إدراكية ، الجماد له حجم وطول وعرض وارتفاع ، والنبات يزيد عليه في النمو ، والحيوان في الحركة ، والإنسان يزيد على كل هذا بالتفكير ، أعطاه قوة إدراكية ، وهذه القوة الإدراكية مالم تلبَّ بطلب العلم هبط الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، لذلك طلب العلم فريضة على كل مسلم ، والعلماء قالوا ومسلمة ، أي على كل شخص مسلم .
أودع فينا قوة إدراكية ، هذه القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم ، لذلك أول كلمة في أول آية في أول سورة اقرأ ، اطلب العلم ، ابحث عن الحقيقة ، ابحث عن سرّ وجودك ، عن غاية وجودك ، عن الهدف من وجودك ، ابحث عن الله عز وجل من خلال هذا الكون ، من خلال هذه الكتب التي أنزلها على أنبيائه .
أنواع القراءات :
فيا أيها الأخوة الكرام ؛ الإيمان الحقيقي أن تعرف سرّ وجودك ، وغاية وجودك ، أعطانا الكون ، أعطانا العقل ، أعطانا الفطرة ، أعطانا الاختيار ، ثم أمرنا أن نطلب العلم ، قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
هذه قراءة البحث والإيمان ، اقرأ من أجل أن تؤمن ، هناك قراءة الشكر والعرفان ، منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، هذه القراءة الثانية ، والقراءة الثالثة اقرأ من أجل أن تعرف وحي الله ، الوحي والبحث عن هذا الوحي ، والقراءة الرابعة قراءة أهل الدنيا قراءة العدوان والطغيان ، فلذلك اقرأ أول كلمة في أول آية في أول سورة أمرنا الله بها أن نطلب العلم ، والإنسان ما لم يطلب العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بهذه الحقائق ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.