- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠69ندوات مختلفة - قناة الجزيرة
مقدمة :
المذيع :
سلام الله عليكم وبركاته؛ أسعد الله صباحكم بكل خير، وأهلاً بكم إلى لقائنا الإيماني المتجدد صبيحة كل جمعة، وساعة الصباح التي تدور اليوم حول معاني الاستقامة وعلامتها وضوابطها في ضوء قوله سبحانه وتعالى:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ*وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾
للحديث حول هذا الموضوع نرحب بفضيلة الداعية الإسلامية الدكتور محمد راتب النابلسي أهلاً بكم دكتور محمد مع المباركة.
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم.
المذيع :
دكتور في البداية هذه الآية وردت في سورة هود والحديث حول الاستقامة، قال تعالى:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾
هل الحديث خاص بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن تاب معه من الصحابة أم للأمة كلها؟
أيّ أمر موجه إلى النبي موجه إلى مجموع المؤمنين أيضاً :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، و أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
في الحقيقة لو أنني قلت: هل يمكن أن تضغط أو أن تلخص التجارة كلها في الأرض من آدم إلى يوم القيامة بكلمة؟ التجارة هي مليون نوع، مليون مستوى، أنا أقول: يمكن، إنها الربح، فإن لم تربح فلست تاجراً، فكما أنني تمكنت أن أضغط أو ألخص التجارة كلها في العالم وفي كل الثقافات والأزمنة بكلمة واحدة، أنا أقول لك: هذا الدين العظيم ممكن أن يلخص بكلمة واحدة، هذه الكلمة عنوان هذا اللقاء الطيب: إنها الاستقامة، فإن لم تستقم لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، لو أن هناك دياًن بلا استقامة صار فولكلوراً، تراثاً، عادات، تقاليد، لا يقدم ولا يؤخر، فنحن وكأني وضعت يدي على المشكلة الأولى في العالم الإسلامي، الأمور واضحة الصلاة والصوم والحج والزكاة، والصدق والأمانة، ولعدم التطبيق فقدنا كل موجبات النصر، فقدنا المكانة عند الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾
لكن بلاغة القرآن الكريم أن المؤمنين وجهوا إلى الاستقامة بمعية رسول الله تطييباً لقلوبهم، أي أمر موجه إلى النبي وحده فيما يبدو هو في الحقيقة موجه إلى مجموع المؤمنين، فهذا من باب تطييب قلب الصحابة، فيا أيها المؤمن ينبغي أن تستقيم، ويا أيها النبي ينبغي أن تستقيم، صار هناك تطييب قلب بهذا المعنى.
المذيع :
لماذا قال الله عز وجل ومن تاب معك في الآيات الأخرى:
﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾
دائماً معه، وفي هذه الآية :
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾
الفرق بين المعية العامة و المعية الخاصة :
الدكتور راتب :
لكن النقطة الدقيقة في قوله تعالى:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
هذه سماها العلماء: معية عامة، الله مع كل مخلوق حتى مع الكافر، هذه معية علم، هذا الإنسان إذا تكلم الله يسمعه، إذا أضمر شيئاً الله يعلمه، إذا تحرك الله يراه، هذه المعية العامة، هذه ليس فيها تقييم لمن يراقب، أما المعية الخاصة فقد قال تعالى:
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
معهم بالتأييد، و النصر، والحفظ، والرعاية، فرق كبير بين المعية العامة والمعية الخاصة، العامة الله مع الكفار، معهم بعلمه، بحركاتهم، بسكناتهم، بخططهم، بمكرهم، بخداعهم، معية عامة، لكن الله عز وجل مع المؤمنين معية خاصة، معهم بالحفظ والرعاية والتأييد والنصر، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟ الحقيقة:
(( ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته، فتكيده السموات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السموات بين يديه ))
الاستقامة يمكن أن يلخص بها الدين كله، ولن نستطيع أن نقطف من ثمار الدين شيئاً إن لم نستقم على أمر الله.
المذيع :
في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال لأحد الصحابة:
((..قل: آمَنْتُ بالله ثم استقم ))
هل نفهم من هذا أن الاستقامة تأتي بعد الإيمان، هي درجة بعد الإيمان أم مصاحبة للإيمان؟
نعمة الأمن نعمة كبيرة ينعم بها المؤمن فقط :
الدكتور راتب :
والله أنت ينبغي أن تسألني هذا السؤال لم جاءت ثم؟ ثم للترتيب على التراخي، بينما الفاء للترتيب مع التعقيب، نقول: دخل الوزراء فالمدراء، أي بعدهم مباشرة، دخل الوزراء ثم المدراء بعد حين للترتيب على التراخي، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾
أن تقول ربنا الله ليست كلمة بحث، دراسة، تعمق، استطالة، الإيمان يحتاج إلى جهد كبير، الإنسان عندما يكتب إلى جانب اسمه حرف دال، أي معه دكتوراه، معنى هذا أن معه شهادة ابتدائية، ومتوسطة، وثانوية، ولسانس إن كان في الآداب، وبكالوريوس إن كان في العلوم، دبلوم عامة، دبلوم خاصة، ماجستير، دكتوراه، كل هذه المراحل وقد تصل إلى عشرين عاماً ملخصة بالدال، الإنسان عندما يستقيم معنى هذا أنه حقق جزءاً مهماً في الدين، الآن ممكن أن يتلقى من الله النفحات الإيمانية، التأييد، النصر، قضية دقيقة جداً، قال تعالى:
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
إنكم إن صليتم فالصلاة ذكر، إن صليتم أديتم واجب العبودية لي، لكنني إذا ذكرتكم ما الذي يحصل؟ إن ذكرك الله يمنحك نعمة الأمن، وهذه النعمة لا يمكن أن ينعم بها إلا المؤمن، قال تعالى:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
أي وحدهم، قال تعالى:
﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
أي أنت إذا قلت في الصلاة: نعبد إياك غلط، إذا قلت: نعبد إياك لا تمنع أن نعبد غيرك، أما إذا قلت: إياك نعبد، حصر وقصر، الله ما قال: أولئك الأمن لهم، الأمن لهم ولغيرهم، أما: أولئك لهم الأمن، أي لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن، وفي قلب المؤمن من الأمن لو وزع على أهل بلد لكفاهم.
المذيع :
إذاً الأمن معنى داخلي في قلب كل مؤمن أم معنى خارجي؟
الأمن و السلامة :
الدكتور راتب :
الخارجي بالسلامة، أنا قد أعيش سنة لا أعاني من أي مشكلة صحية، ولا اجتماعية، ولا مالية، أنا في سلامة، أما الأمن فهو عدم توقع المصيبة، توقعها مصيبة أنت من خوف الفقر في فقر، ومن خوف المرض في مرض، توقع المصيبة مصيبة أكبر منها، الأمن شيء آخر، الأمن هو السلامة، عدم وقوع مصيبة، سلامة الأمن عدم توقع المصيبة، لذلك قال تعالى:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
لنا ولم يقل علينا، ليس أمام المؤمن إلا الخير، يطمئن، مرة كنت في مدينة عربية، أركب بالسيارة وجدت لاقطاً دخل إلى السيارة من النافذة قال لي أحدهم: نريد منك كلمة أستاذ، قلت: ماذا أقول لك؟ قال: كلمة، قلت له: أنت مستقيم على أمر الله؟ في بيتك، في عملك، لا تغير لا يغير، مادمت مستقيماً أقمت الإسلام في نفسك أولاً، وفي بيتك ثانياً، وفي عملك ثالثاً، وفي علاقاتك الاجتماعية، مادمت على المنهج ووفق المنهج لا تغير لا يغير، حتى لا يكون هناك قلق أقول لك كلمة دقيقة: القلق مرض العصر، عندنا دكتور في الجامعة في علم النفس بمستوى عال جداً، قال: نسب الكآبة في أوربا مئة و اثنان و خمسون بالمئة، هذه النسبة أنا استغربتها، قال: مئة معهم كآبة واثنان وخمسون معهم كآبتان، الكآبة هي معاقبة الفطرة لذاتها، إذا شخص دخل إلى البيت وأمه جائعة، طلبت طعاماً تلكأ في تأمين الطعام، يجوز أمه سكتت لكن عنده إحساساً داخلياً أنه كان غير مقبول عند الله، لأنه قصر في رعاية أمه، الحقيقة الفطرة شيء دقيق جداً.
الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط :
بالمناسبة أنا أرى الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، وخط العقل الصريح، وخط الفطرة السليمة، وخط الواقع الموضوعي، ما هو الحق؟ جاء به وحي السماء، أو شرحه نبي الأنبياء، ما الحق أيضاً؟ أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، وخط العقل الصريح، هناك عقل تبريري، حينما يأتي بلد قوي جداً يستعمر دولة الشيء المعلن جئناكم من أجل الحرية، أما الحقيقة فنحن جئنا من أجل البترول، فهناك عقل صريح وعقل تبريري، وفطرة سليمة وفطرة منطمسة، وواقع موضوعي وواقع مزور.
الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، وخط العقل الصريح، وخط الفطرة السليمة، وخط الواقع الموضوعي، والحق قديم فالإنسان جبل جبلة عالية، ما معنى فطرة؟ قال تعالى:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ ﴾
أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هذا ما جبلت عليه، وهذا ما فطرت عليه، فلو خالفت مبادئ فطرتك دخلت في عذاب نفسي، أنا أقول: الكآبة عقاب النفس لذاتها، شعر بالتقصير، أضرب مثلاً آخر، لو دخل إلى البيت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وأمه مريضة، وبحاجة إلى دواء مسكن، وطلبت منه هذا الدواء، قال لها: الكل مغلق الآن، لكنه يعلم في قرارة نفسه أن هناك صيدليات مناوبة، هو ينام منقبضاً، عذبته فطرته، أمه تحتاج إلى دواء، قال لها: الآن لا يوجد صيدليات تفتح أبوابها، لكنه يعلم في أعماق نفسه أن هناك صيدليات مناوبة، لو ذهب إلى هذه الصيدليات والدواء لم يجده ورجع لا يشعر بشيء، أما حينما لم يذهب عذبته نفسه، فلما ذهب والدواء لم يجده ارتاح، في الحالتين أمه لم تأخذ الدواء، لكن في الحالة الأولى هناك تعذيب للنفس، فالإنسان إذا أصغى إلى صوت فطرته، يكون إنساناً بطلاً، هذه الكآبة أنا هذا الذي أراه الآن مرض العصر، هناك تقصير وهناك كآبة معه.
المذيع :
في الحديث حول الاستقامة هناك كثيرون يؤدي الصلوات، ويصوم رمضان، ويزكي، ويحج، ويرى نفسه أنه على طريق مستقيم، هل الاستقامة لها معيار؟ لها مقياس؟ لها سبل لمعرفة هل أنا أنفذ أمر الله عز وجل بالاستقامة أم لا؟
معيار الاستقامة أن يتعامل الإنسان مع نفسه بشكل فطري :
الدكتور راتب :
أنا الجواب عندي قول الله عز وجل:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
بإمكانك بذكاء أن تقدم تبريرات للتقصير، لكن نفسك تعلم علم اليقين ما إذا كانت مقصرة أو غير مقصرة، فالإنسان إذا تعامل مع نفسه بشكل فطري ينجو، الإنسان يعلم قال تعالى:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
لذلك قيل: يمكن أن تخدع بعض الناس لكل الوقت، ويمكن أن تخدع كل الناس لبعض الوقت، أما أن تخدع الله ونفسك ولا ثانية، قال تعالى:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
عفواً لو فرضنا طبيباً يعالج مريضة، طبعاً من حقه أن ينظر إلى مكان المرض، إلى عضو فيه مرض، لو اختلس النظر إلى مكان آخر لا تشكو منه، من يكشف هذه المخالفة في الأرض؟ ولا جهة، لكن الله يعلم، قال تعالى:
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
المذيع :
الآية تقول:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ﴾
ما علاقة الطغيان بالاستقامة؟
حرص الإنسان على سلامة و كمال و استمرار وجوده :
الدكتور راتب :
الاستقامة أن تلزم طريق الحق، أن تلزم وحي السماء، أن تلزم تعليمات الصانع، أنت أعقد آلة في الكون، ولهذه الآلة بالغة التعقيد، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، أعقد آلة في الكون، ولهذه الآلة بالغة التعقيد صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرصك اللا محدود على سلامتك، ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع، الآن أخي الكريم؛ على وجه الأرض سبعة مليارات ومئتا مليون إنسان، أقول لك كلمة دقيقة: السبعة مليارات والمئتا مليون إنسان حريصون على أشياء ثلاثة، على سلامة وجودهم، وكمال وجودهم، واستمرار وجودهم، سلامة الوجود باتباع تعليمات الصانع، بالاستقامة على أمر الله، وكمال الوجود بالعمل الصالح، عطاء، لو أنك ذكرت الاستقامة والعمل الصالح، الاستقامة سلبية، أنا ما أكلت مالاً حراماً، أنا ما غششت، أنا ما اغتبت، أنا ما آذيت أحداً، كلها فيها ماءات، إذا قلنا الاستقامة تغطي الاستقامة بالمفهوم السلبي والعمل الصالح، أما إذا قلنا استقامة وعمل صالح، الأولى سلبية والثانية إيجابية، العمل الصالح أنفقت من مالك، من علمك، من جاهك، من قوتك، من خبرتك، هناك عطاء، لذلك أنا أرى أن هؤلاء البشر السبعة مليارات والمئتا مليون، يقع على رأسهم زمرتان كبيرتان، الأقوياء والأنبياء.
المذيع :
كيف الإنسان يستقيم وهو لا يعرف الله عز وجل؟
من عرف الآمر ثم عرف الأمر تفانى في طاعة الآمر :
الدكتور راتب :
إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر، هذه من النهاية، أنت لو فرضنا موظفاً بدائرة، وفيها مدير قوي جداً، عنده معلومات دقيقة جداً، وعنده إدارة حديثة، فأنت لا تخالف أمره، مثل أبسط راكب سيارتك، والإشارة حمراء، والشرطي واقف، وزير الداخلية أصدر قانون السير، وهذا الشرطي ينقل لوزير الداخلية المخالفات، لأنك تعتقد أن واضع قانون السير علمه يطولك من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك من خلال غرامة كبيرة مالية، لا يمكن أن تعصيه، ليقينك أن علمه يطولك، وأن قدرته تطولك، هذا قانون، مواطن عادي ليس له أية ميزة، والإشارة حمراء، والشرطي واقف، والشرطي يبلغ بضبط أنت لا يمكن أن تعصيه لأنك موقن أن واضع قانون السير علمه يطولك، وقدرته تطولك.
أنت حينما تستورد بضاعة وهناك نسخة من هذا الاستيراد تذهب إلى المالية، هل بالإمكان أن تخفي هذه الصفقة عن المالية؟ مستحيل لأن الموكل بذلك علمه يطولك.
المذيع :
إذاً المعرفة اليقينية..
الدكتور راتب :
اسمع القرآن الكريم:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
كأن الله عز وجل بهذه الآية سيلخص القرآن كله، قال تعالى:
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
علمه يطولك، وقدرته تطولك.
المذيع :
لو بدأنا من علي من الجزائر، علي يقول: مرض السرطان أصيب به أكثر من أحد من أسرته، وهو يخاف من هذا المرض، هل معنى شعوره بالخوف وكنت حضرتك تتحدث عن الأمن هل يتعارض هذا مع الأمن؟
الخوف المرضي ينقل الإنسان إلى اليأس و القنوط :
الدكتور راتب :
نحن عندنا خوف مرضي، وخوف طبيعي، سيدنا موسى قال عنه الله عز وجل:
﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾
فالخوف من طبيعة البشر، ولكن عندنا خوف مرضي حينما ينقل الخوف الإنسان إلى اليأس أو إلى القنوط أو إلى الكفر هذا الخوف المرضي، أما الأنبياء فيخافون.
(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال))
نحن عندنا في علم النفس أحوال، فالخوف جزء من أحوال الإنسان، ولكن عندنا خوف طبيعي، وخوف وبائي، فالإنسان يمكن أن يخاف، لكن الحكمة الإلهية الدقيقة الدقيقة قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
نقطة ضعف في أصل خلقه، تصور آلة غالية جداً، ثمنها خمسون مليوناً، فيها قطعة ضعيفة في الوصل اسمها الفيوز، لو جاء التيار أقوى مما ينبغي لأحرق الآلة، فهذه القطعة الضعيفة إذا جاء التيار عالياً تسيح، وإذ ساحت انقطع التيار فسلمت الآلة، أنا أقول الخوف هناك حكمة بالغة منه، لو لم يكن هناك خوف لا يوجد استقامة أساساً، ممكن الخائف يخاف فيشعر أن مصاب بورم خبيث فيتوب إلى الله ويستقيم على أمره.
المذيع :
السؤال دكتور محمد هل الإنسان يستقيم بالخوف من الله أم حباً بالله عز وجل وطمعاً في رحمته؟
ضرورة الاستقامة على أمر الله بصرف النظر عن أسبابها :
الدكتور راتب :
نحن نريد أن يستقيم بصرف النظر عن أسباب الاستقامة أولاً، فإذا استقام حقق الهدف من وجوده، لكن إن استقام بدافع الخوف فمقبول، وأن ينقطع إلى الله أرقى، أذكر أن مسيلمة الكذاب قبض على صحابيين، قال للأول أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما سمعت شيئاً فقتله مسيلمة، سأل الثاني: تشهد أني رسول الله؟ قال: أشهد أنك رسول الله، ماذا قال النبي لأصحابه؟ والله شيء لا يصدق، قال: أما الأول فقد أعزّ دين الله فأعزه الله، قال: وأما الثاني فقد قبل رخصة الله.
الله وضعك بين حدين؛ حد أدنى وحد أعلى، الأدنى مقبول، حتى في الجامعة ينال خمسين ناجحاً، بمرتبة مقبول، والذي أخذ خمساً وتسعين بدرجة شرف، الشرع وضعك بين حد أدنى وحد أعلى، أما الأول فقد أعزّ دين الله فأعزه الله، هذا مستوى عال، والثاني قبل الله منه ذلك، هذه الرخصة، فأنت بين الحد الأدنى والحد الأعلى، الأعلى بطل، والأدنى مقبول.
المذيع :
محمد من تونس يتحدث عن الدعوة إلى الله عز وجل وكيف نعين الناس على فكرة الاستقامة؟ كيف ندعوهم للاستقامة؟
تعليم الناس بالقدوة :
الدكتور راتب :
أنا أقول كلمة دقيقة، استقم يستقم بكم، الناس يريدون إسلاماً يمشي أمامهم، هناك تعليق لطيف: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي قرآن يمشي، أنا آخذ من الثالثة ما لم ير الناس إسلاماً يمشي أمامهم، إن حدثكَ فهو صادق، وإن عاملته فهو أمين، وإن استثيرت شهوتهُ فهو عفيف، حينما نرى أشخاصاً أمامنا مستقيمين، هذا يدعم الاستقامة، الاستقامة كفكر ليس لها قيمة في الكتب، أما أنا حينما أرى إنساناً أمامي كيف أن النبي قرآن يمشي، أنا الآن أريد إسلاماً يمشي أمامي، تحدث صادق، عاملك أمين، في موطن الشهوات عفيف، هذا الذي يدعم هذا الدين، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾
عندنا تعليم بالكلام، وتعليم بالقدوة، القدوة أبلغ، نحن نقول دائماً: القدوة هي حقيقة مع البرهان عليها، قد يقول لك: هذا كلام خيالي، كلام غير واقعي، هذه مثاليات، أما حينما يرى إنساناً قدم كل ما يملك في سبيل مبدئه، هذا أعطاك واقعاً، أنا أقول: بدلاً من المثالية التخيلية، والواقع المرير، هناك مثالية واقعية، وهناك واقع مثالي عاشه الصحابة الكرام.
المذيع :
أبو الحسن يقول: هل الاستقامة هي معنى معنوي أم معنى حسي؟ وكيف أضبط أنني على الطريق المستقيم؟
من لوازم الربوبية أن الله إذا أحبّ عبداً يلقي محبته له في روعه :
الدكتور راتب :
أولاً أنا أطمئن هذا السائل الكريم، لا يمكن أن تخطب ود الله، لا، يخطب الله ودك حينما يلقي في روعك أنه يحبك، قالوا: " من وقف في عرفات، ولم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له".
من لوازم الربوبية العالية أن الله إذا أحبك يلقي محبته لك في روعك، في كيانك، أنت كأب لو جاءك ابنك آخر العام معه جلاء، آخذ علامات تامة، ألا تعمل شيئاً إطلاقاً؟ ألا تضمه؟ ألا تقبله؟ ألا تؤمن له دراجة؟ إنسان عادي، فالله عز وجل حينما يرى من عبده ورعاً واستقامة وإخلاصاً ومحبة أيضاً هناك من الله ما يطمئنك، لذلك حينما تستقيم يلقي الله في روعك أنه يحبك، وهذا شيء من اللوازم، والدليل:" من وقف في عرفات فلم يغلب على ظنه أن الله غفر له، فلا حج له" .
المذيع :
دكتور محمد الاستقامة وعلاقتها بالعبادات، أي الصلاة، هل الاستمرار على الصلاة والحفاظ عليها دليل على الاستقامة؟
الاستمرار على الصلاة والحفاظ عليها أكبر دليل على الاستقامة :
الدكتور راتب :
طبعاً، قال تعالى:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
فالصلاة ذكر، إنك إن صليت أديت واجب العبودية، الله إذا ذكرك منحك الحكمة، منحك الأمن، لكن حينما قال الله عز وجل:
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
الآية دقيقة جداً، إنك إن أديت الصلاة فقد ذكرت الله، لكنك إذا ذكرت الله الله يذكرك، ذكر الله لك يمنحك نعمة لا يتمتع بها إلا المؤمن، الأمن، قال تعالى:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
هذه النعمة بنص الآية لا يتمتع بها إلا المؤمن، الأمن، بل في قلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، إن الله إذا ذكرك منحك الحكمة، الحكمة أعظم عطاء إلهي، الإنسان إذا أوتي الحكمة يسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، من دون حكمة يشقى بزوجة من الدرجة الأولى، بالحكمة يكفيه المال المحدود، من دون حكمة يبدد المال الكثير، بالحكمة يجعل العدو صديقاً، من دون حكمة يجعل الصديق عدواً، يكاد يكون أكبر عطاء إلهي، الحكمة لا تؤخذ، قال تعالى:
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾
الحكمة لا تؤخذ، لا يوجد كان حكيماً، قال تعالى:
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾
فأكبر عطاء إلهي الحكمة، تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، هذه الحكمة عطاء إلهي كبير من خلال الصلاة.
المذيع :
دكتور إقامة الصلاة أياً كان شكل إقامة هذه الصلاة، يسأل البعض يدخل إلى الصلاة ويخرج منها وعقله مشغول بالعمل والأولاد، هل هذا المقصود من إقامة الصلاة؟
على الإنسان أن يجهد في فهم معاني الآيات :
الدكتور راتب :
والله الإنسان يجب أن يجهد، أن يفكر في معاني الآيات التي يقرؤها، هذا ليس صعباً إطلاقاً، الحمد لله رب العالمين متعه بصحة، وعنده بيت، وعنده زوجة وأولاد، وعنده دخل يكفي مصروفه، الحمد لله مادام تأمل في معاني الآيات لن يكون غافلاً، أحياناً تأتيه نفحة إيمانية فيبكي في الصلاة، إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها، أنا أعرض نفسي لنفحة إلهية، فإن لم تكن أنا أديت ما عليّ أداء كاملاً وعلى الله الباقي، أدّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك.
المذيع :
ربما يأتي أوقات للإنسان يكون عنده همة لموضوع الاستقامة سواء في أداء الصلوات أو الأعمال الصالحة، ثم يأتي عليه وقت فيبعد، هل هذا دليل على أنه ليس على طريق الاستقامة؟
كلّ إنسان يؤدي ما عليه في الشّدة إنسان معذور في النوافل :
الدكتور راتب :
أنا لي رأي دقيق، لا سمح الله ولا قدر اكتشف الأب أن ابنه معه التهاب سحايا، فإذا انشغل الأب بابنه وقلق له، أو له والد أصيب بمرض عضال، أو عنده مشكلة مالية كبيرة، تأتي الآية تقول:
﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾
كأن الله عز وجل عذرك أنك مشغول بمرض ابنك، مشغول بالعناية بوالدك، فهناك مصائب الإنسان بالمصائب يؤدي الفرائض، لكن إذا كان مرتاحاً فمع الفرائض نوافل، فلذلك الإنسان في الشدة قد يؤدي الفرائض، وأدى الذي عليه، لكن الإنسان ضعيف، قال تعالى:
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾
النقطة الدقيقة جداً كما قلت قبل قليل: نقطة ضعف بالآلة إذا جاء التيار قوياً أحرقها، هذه النقطة تقطع التيار، الإنسان خلق هلوعاً، وخلق ضعيفاً، وخلق عجولاً، لو خلق مهولاً ليس له أجر باختيار الآخرة، خلق عجولاً يريد شهوة أمامه، فأعرض عنها وانتظر وعد الله عز وجل، لأنه عجول ارتقى بهدف بعيد، لأنه عجول ارتقى بالشهوة الآنية، غض بصره امرأة لا تحل له، خالف طبيعته.
المذيع :
الآن ما يحدث في سوريا الآن كيف يشعرون بالأمن؟ فيما فهم أنك تحدثت عن الأمن، لأن الاستقامة تؤدي إلى الأمن؟
ما من شدِّة إلا بعدها شدَّة إلى الله :
الدكتور راتب :
أنا إيماني وهو في كل كياني أرى أنه ما من محنة إلا بعدها منحة من الله، وما من شدة إلا بعدها شدة إلى الله، هذا من حسن الظن بالله، نحن ننتظر وعد الله بالنصر والمؤمن يصبر وينتظر وعد الله.
المذيع :
أخونا منذر يتحدث عن التوبة، يقول التوبة لها شروط.
شروط التوبة :
الدكتور راتب :
التوبة أولاً إقلاع عن الذنب، فإن لم يقلع عن الذنب لم يتب، الشرط الثاني أن يعقد العزم ألا يعود له مرة ثانية، الشرط الثالث أن يندم والندم توبة، أنت حينما تندم على ما فعلت وتبتعد عن هذا الذنب وأن تعقد العزيمة على تركه هذه هي التوبة.
المذيع :
الإنسان إذا فعل ذنباً هل يحتاج إلى أن يجلس مع نفسه ويأتي بهذه الشروط؟
الدكتور راتب :
لا هذه عفوية، مادام ندم على فعل هذا الذنب، وعقد العزم على ألا يعود إليه مرة ثانية هذه التوبة، ندم وعقد العزم ألا يعود له مرة ثانية، الندم توبة، فيها ترك، فيها عزم، فيها ندم، ندم عما مضى، ترك حالياً، عزيمة في المستقبل، عندنا ثلاثة أزمنة ماض حاضر مستقبل، بالماضي ندم، بالحاضر أقلع، بالمستقبل عزم.
المذيع :
بالعودة إلى الآيات وهي في سورة هود حديث مشهور على الألسنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( شَيَّبَتْني هودٌ ))
ما هو الشيء الذي في سورة هود جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك؟
ضرورة ضبط النفس بسبب تألق الشهوات و كثرة العقبات :
الدكتور راتب :
موضوع الحلقة، قوله تعالى:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾
المذيع :
هل هذا يجعل الإنسان يشيب؟
الدكتور راتب :
الإنسان له شهوات، أحياناً النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم عن ذاته عن أمته، فهناك شهوات، والشهوات ضاغطة في هذا العصر، الشهوات فتن، فالإنسان عندما يضبط نفسه:
((اشتقت لأحبابي، قالوا: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان، القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجرهم كأجر سبعين، قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون))
شيء طبيعي.
المذيع :
هل نحن في هذا الزمن؟
الدكتور راتب :
نعم، لأن الشهوات متألقة، والعقبات كثيرة، والصوارف أكثر، عصر شهوات تمشي في الطريق، بالسيارة، بالجريدة، بالمجلة، بالشاشة، هناك أشياء لا ترضي الله عز وجل، الشهوات متألقة، والعقبات كثيرة، والصوارف أكثر، شهوات، فتن، صوارف، عقبات، الأجر أكبر.
((اشتقت لأحبابي، قالوا: لسنا أحبابك؟ قال : لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر..))
المذيع :
معنى الجمر؟
اتباع الهوى وفق هدى الله عز وجل :
الدكتور راتب :
صعوبة، هناك تكليف فيه كلفة، التكليف فيه كلفة، عفواً الإنسان جبل على متابعة الجمال، فإذا غض بصره عاكس طبعه، الإنسان طبع على حب المال فإذا أنفقه عاكس طبعه، طبع على أن يملأ عينه من محاسن النساء، فإذا غض بصره خالف طبعه، لذلك:
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها...))
فإذا خالف طبعه قال تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
له طبع يحب المال، يحب محاسن المرأة، يحب الجاه والعظمة، هذه كلها طباع وضعت فيه، لهذه الطباع قنوات نظيفة طاهرة، الكلمة الدقيقة جداً، ما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة، والدليل الأقوى قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
عند علماء الأصول المعنى المخالف: الذي يتبع هواه- أي شهوته، غريزته- وفق هدى الله لا شيء عليه، ليس في الإسلام حرمان، في الإسلام تنظيم.
المذيع :
ما هي المعينات للإنسان إذا قام بغض البصر وجمع المال من حلال؟
ضرورة توافر حاضنة إيمانية لكل مؤمن تعينه على ضبط نفسه :
الدكتور راتب :
المعينات أن تعيش ضمن حاضنة إيمانية:
(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))
كعلاقة حميمة، يوجد علاقات عمل طبيعية كلها، يجب أن تكون مع المؤمنين، والدليل قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾
لا بد من حاضنة إيمانية، لا بد من مجتمع مؤمن في العلاقات الحميمة، كلامي دقيق، أما علاقات العمل فشيء طبيعي.
هناك شيء ثان؛ عندنا لعبة شدّ الحبل إن صاحبت أخوة وشدوك إلى معصيتهم ابتعد عنهم، أما إذا تمكنت أن تشدهم إليك ابق معهم، أحياناً إنسان يصاحب صديقاً هذا الصديق غير منضبط، فإذا شدك إلى بعض المعاصي ابتعد عنه، أما إذا تمكنت أن تقنعه أن يصلي، ابق معه، لعبة شدّ الحبل إما أن تشدهم إليك فابق معهم وإما إن شدوك إليهم فابتعد عنهم.
المذيع :
ربما الإنسان في لحظة من اللحظات يجد أن قلبه يهوى شيئاً، وهذا الشيء يجد فيه مخالفة لله عز وجل، أو يبعده عن طريق الاستقامة، كيف يتخلص القلب من حب هذا الشيء؟
محاسبة الإنسان على عمله فقط :
الدكتور راتب :
أنا أطمئن الأخوة المشاهدين، لا تحاسب إلا على العمل فقط، لو إنسان تصور معصية كبيرة لكن ما فعلها لا يحاسب، لكنني أنصح لو جاءت الخواطر بمعصية إن ابتعد عنها أضمن له، أما هو فمتى يحاسب؟ على العمل فقط أما الخواطر والتصورات فلا تحاسب عليها مبدئياً، لكنك إذا تبعتها قد تنقلب إلى عمل.
المذيع :
في قول الله عز وجل:
﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾
ما معنى الركون؟ ومن الظالمون؟
في العلاقات الحميمة على الإنسان أن يصاحب من يزيده إيماناً :
المذيع :
الظلم معنى واسع جداً، هناك من يظلم نفسه يبتعد عن منهج الله، يعطيها شهواتها، يعطيها غرائزها، هذا الإنسان إذا صاحبته قد يشدك إليه، أنا أقول بالعلاقات الحميمة نزهة خمسة أيام تأخذ معك مؤمناً، يوجد غض بصر و حجاب، أما إذا كان الإنسان متفلتاً فليس لك مصلحة أن تخرج معه، أنا أقول: عندنا علاقات لا يوجد عليها إشكال إطلاقاً، العلاقات الحميمة أن تكون مع المؤمنين.
المذيع :
الرجل الذي يدخل بيتك وتدخل بيته وتصاحبه وتسافر معه وتأكل معه؟
الدكتور راتب :
هذه علاقة حميمة، هذا يجب أن يكون على شاكلتك، على قيمك، هذا يزيدك إيماناً إذا صاحبته إذا كان على منهجك.
المذيع :
نختم الحلقة ونريد نصائح سريعة للمشاهدين سواء في موضوع الاستقامة أو غيرها من الموضوعات، كيف الإنسان يتقرب إلى الله عز وجل ويرى بنفسه خيراً عند تعامله مع الله؟
نصائح حول كيفية تقرب الإنسان من الله عز وجل :
الدكتور راتب :
والله أنا مرة كنت في مدينة عربية ساحلية فرأيت بناء من أربعة عشر طابقاً، قال لي صديقي: هذا البناء له قصة، أعرابي بعيد عن المدينة المنورة حوالي أربعين كيلو متراً، فلما توسعت هذه المدينة اقتربت من أرضه، فباعها بثمن بخس لأنه يجهل قيمتها الحقيقية لمكتب عقاري فيه ثلاثة شركاء، هذا المكتب اشترى هذه الأرض بثلث ثمنها، وأنشأ عليها فندقاً من أربعة عشر طابقاً، فندق رأيته بعيني، هم شركاء ثلاثة، أول شريك وقع من أعلى البناء فنزل ميتاً، والثاني دهسته سيارة، أما الثالث فربط بين موت شريكيه مع الاحتيال على هذا الشخص صاحب الأرض، بحث عن صاحب الأرض ستة أشهر، حتى عثر عليه، فأعطاه ثلاثة أضعاف حصته، فقال له هذا البدوي: ترى أنت لحقت حالك. ونحن جميعاً ما دام القلب ينبض باب التوبة مفتوح، هذه كلمة دقيقة جداً، قال تعالى:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
رحمة الله عز وجل، كل إنسان له مشكلة بماضيه، عنده قضية معينة يجب أن يتوب، وأن يصلح، عليه ذمة مالية يؤديها، وعندئذ الله عز وجل يغفر له، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
ما القلب السليم؟ هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، والقلب السليم هو القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، والقلب السليم هو القلب الذي لا يعبد غير الله.
المذيع :
في نهاية هذه الحلقة نرجو منك فضيلة الدكتور ونحن في يوم جمعة ولعلها ساعة استجابة أن تدعو لنا وللمسلمين في حلب وفي غيرها.
دعاء للمسلمين في حلب و غيرها :
الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، احقن دماء المسلمين في كل مكان واحقن دماءهم في الشام وفي حلب على شكل الخصوص، يا رب انصرهم على أعدائهم، أكرمهم يا رب العالمين، أعطهم ولا تحرمهم، أكرمهم ولا تهنهم، أرضنا وارض عنا يا الله، اجعل هذا اللقاء الطيب منطلقاً لعودتنا إليك كي ترحمنا وتنقذنا مما نحن فيه، والحمد لله رب العالمين.
خاتمة و توديع :
المذيع :
بهذا ينتهي لقاء اليوم من ساعة صباح، نشكر ضيفنا في الأستديو فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، الداعية الإسلامي، كما نشكركم مشاهدينا على طيب المتابعة، نرجو لكم صباحاً جميلاً، وجمعة مباركة، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.