وضع داكن
08-11-2024
Logo
ندوات مختلفة - قناة الجزيرة - الندوة : 1 - محاورة في الدين والعبادات وأحوال المسلمين اليوم .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 أهلا بكم مشاهدينا الكرام في حوار مباشر مع الداعية الإسلامي الدكتور محمد راتب النابلسي، نحاور الدكتور في الدين والحياة في العبادات والطاعات وأسرار تحقيق الطمأنينة وراحة النفس، لضيفنا بصمات عميقة في الإعجاز العلمي والتفسير والكثير من الدروس في التربية والمجتمع وتقبل الآخر ومواجهة المحن الحياتية، مجدداً أرحب بالداعية الاسلامي محمد راتب النابلسي، أهلاً بك فضيلة الدكتور.
الدكتور:
 بارك الله بكم ونفع بكم.
المذيع:
 لم نكن نود أن نبدأ بالسؤال الذي يثير الشجون والحزن لكن على ما يبدو أنه واقع أمتنا الإسلامية الآن، بماذا نصف هذا الواقع وأين موطن الداء برأيك؟

المحن في ظاهرها مؤلمة لكن نتائجها نتائج مثمرة :

الدكتور:
 أعتقد يقيناً أنه ما من محنة إلا بعدها منحة من الله، وما من شدة إلا بعدها شدة إلى الله، فهذه المحن في ظاهرها مؤلمة، لكن أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون نتائجها نتائج مثمرة.
المذيع:
 أي هي جمل مختصرة لكن بلاغتها ربما وصفت الحال، لكن تعلمنا فضيلة الدكتور من ساداتنا العلماء أن هناك مراحل منتظرة في الأمة أنبأنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم وقرأناها في أحاديث الفتن أن هناك مراحل ربما سيكون اليوم الذي مرّ هو أفضل من اليوم الذي يليه، وأن هناك مرحلة الدهيماء، هل هذه هي المرحلة التي لن يكون لها نور في نهاية النفق؟!

التوبة ترفع البلاء :

الدكتور:
 والله بالمنظور الديني بالنهاية يوجد نور، أما كبحث دنيوي مادي بعيد عن معطيات السماء قد نقول هذا الكلام. لأنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة، فالتوبة إن حصلت يرفع هذا البلاء، لأن الله عز وجل يقول:

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾

[سورة النساء:147]

 العذاب للعذاب غير موجود، هذا يتناقض مع وجود الله.

﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾

[سورة القصص:5]

 فلذلك هناك بشارة من الله للمؤمن إذا نزل به مصاب بسبب عقيدته.
المذيع:
 إذاً دكتور مرحلة الاستضعاف هذه ومرحلة الذل والهوان والتشرذم والألم والأحزان طالت فترتها فهل معنى ذلك أنه ليس هنالك في الأمة من تاب وأناب؟ ليس هناك في الأمة من مخلصين!؟!

 

الموقف الكامل للمؤمن أن يأخذ بالأسباب ثم يتوكل على الله :

الدكتور:
 هذا الكلام متعلق بشأن الله وحده، أما أنا فأقول: النبي الكريم وهو سيد الخلق وحبيب الحق وسيد ولد آدم يخاطبه الله فيقول:

﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾

[سورة يونس:46]

 أي قد لا يتاح لك يا محمد وأنت سيد الخلق أن ترى نتائج الظالمين، فنحن لابد من أن نؤدي الذي علينا ونطلب من الله الذي لنا، أدّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك. أنا ينبغي أن أئتمر بما أمر الله، وأنتهي عما عنه نهاني، وأن آخذ بالأسباب، الموقف الكامل للمؤمن أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
المذيع:
 هل معنى ذلك فضيلة الدكتور أن الانتصار في الدنيا ليس مرتبطاً بوجود الفئة المؤمنة؟

 

على الإنسان أن يؤدي الذي عليه و يطلب من الله الذي له :

الدكتور:
 الأقوياء قد ينتصرون لمرحلة مؤقتة، هذا ابتلاء من الله لنا وابتلاء لهم، قال الله تعالى:

﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾

[سورة يونس:46]

 فأنا عليّ أن أؤدي الذي عليّ، وأن أطلب من الله الذي لي، أذكر مرة أن أحد خلفاء بني أمية، آخر خليفة صعد المنبر ليخطب قبل صلاة العيد، فأمسكه أحد المصلين من طرف ثوبه وقال: هذا ما فعله النبي الكريم، الصلاة قبل الخطبة، فتابع الصعود فقال آخر: فأما هذا فقد أدى الذي عليه.
فأنا لا أملك النتائج، أملك أن أؤدي الذي عليّ، لذلك أدِّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك.
المذيع:
 إذاً مفهوم الانتصار في الإسلام، أي إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم، إعداد أسباب النصر، هناك من يقول: إننا أعددنا كل الأسباب للانتصار، ولكن لم ننصر حتى الآن فما هو مفهوم الانتصار إذاً؟

 

مفهوم الانتصار :

الدكتور:
 الحقيقة النصر له أسباب مدرجة في القرآن الكريم، فلابد من أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ولابد من أن نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، إنا إذا أخذنا بالأسباب وألهنا الأسباب واعتمدنا عليها ونسينا ربنا هناك مشكلة، فأنت إذا لم تأخذ بالأسباب عصيت الله، وإن أخذت بها واعتمدت عليها وألهتها وقعت في الشرك، فأحياناً الغرب وقع في الشرك، والشرق وقع في معصية عدم الأخذ بالأسباب، كل جهة لها نمط، الذي أخذ بالأسباب واعتمد عليها وألهها ونسي الله وقع في الشرك، والذي لم يأخذ بها وقع في المعصية، لذلك رأى سيدنا عمر أعرابياً يقود جملاً أجرب قال له: يا أخا العرب ما تفعل بهذا الجمل!؟ قال: أدعو الله أن يشفيه، فقال سيدنا عمر عملاق الاسلام: هلا جعلت مع الدعاء قطرانا.
 خذ بالأسباب وكأنها كل شيء وتوكل على الله وكأنها ليست بشيء. طبعا عدم الأخذ بالأسباب سهل، كسلاً وتوانياً وتأليه الأسباب شرك بالله، فالحقيقة دائماً العمل الصحيح بين تطرفين، بين ألا تأخذ بها تطرف، وبين أن تؤلهها تطرف آخر، فالبطولة أن نأخذ بالأسباب، أي أنا أُعد لمعركة، أُعد كل شيء وبعد أن أنتهي من إعداد كل شيء من أعماق أعماقي أقول: يا رب أنت الناصر، أنت الموفّق، الأخذ بالأسباب يضعف التوكل، والتوكل الساذج يضعف الأخذ بالأسباب كلاهما غلط، البطولة أن تأخذ بها وقد أخذت بها ثم أن تتوكل على الله، أخذت بها وكأنها كل شيء ثم توكلت على الله وكأنها ليست بشيء، الحياة فيها حركة من أجل أن تصل إلى أهدافك يجب أن تأخذ بالأسباب، الحقيقة أن الغرب تفوق علينا بهذا الموضوع لكنه أخذ بالأسباب واعتمد عليها وألهها، والشرق لم يأخذ بها أصلاً، طبعا هذا الكلام على مستوى الأمة الإسلامية، أنا لا أعمم.
المذيع:
 فضيلة الدكتور؛ كان سابقاً في تاريخ الأمة الإسلامية كان من السهل أن يتعرف الفرد المسلم البسيط على طريق الحق وطريق الباطل، فيتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود فيه، ويعرف تماماً إذا سار في هذا الطريق فهو كذا، وإذا سار في هذا الطريق فهو كذا، الآن الشباب كيف أساسا نتعرف على الحق إذا كان هذا عالم مشهود له بالعلم يقول: إن هذا هو الطريق، وآخر ربما يكون صديقه أو نفس منهاجه يقول عكس الطريق الآخر تماماً، كيف لي كمسلم بسيط أن أتبين الحق؟

 

على الإنسان ألا يقبل أو يرفض شيئاً إلا بالدليل :

الدكتور:
 أولاً: لا تقبل أي شيء مهما كبر إلا بالدليل، ولا ترفض شيئاً إلا بالدليل، الإنسان بفطرته السليمة يكتشف الدليل الصحيح، إن قال لك أحد افعل كذا: ما الدليل؟ إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم؛ ابن عمر دينك دينك إنه لحمك و دمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا؛ لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، افعل كذا، ما الدليل؟ أنت مؤمن معك كتاب وسنة، الأمر هو الدليل، أمر قرآني بالنص الفلاني، أمر نبوي حديث صحيح، هذا الدليل.
المذيع:
 يقدم كل منهم الدليل، ويؤول تفسير القرآن الكريم على علمه، وكما يرى هو من علمه، والآخر أيضاً يقدم الأدلة ويفسر، هذا يقول: لابد مثلاً أن يأمر الحاكم فيجاب له، وهذا يقول: لابد من جهاد ضد الحاكم لأنه طغى وتجبر.
الدكتور:
 أي أنت تريد كلما فتحت باباً تغلقه أمامي!؟
المذيع:
 أنا أريد أن نستغل هذه الفرصة الطيبة، هنالك فعلاً وفضيلتك تعرف نحن نرى على صفحات التواصل الاجتماعي شباباً يجاهرون بالإلحاد، أنا قرأت بنفسي لأحد الشباب سؤالاً طرحناه عندنا في الجزيرة، عنوان لمحاضرة تقول:"هل الإله موجود؟" فكانت إجابته قاطعة وبوضوح: " بالطبع غير موجود، لأنه انظروا الظلم البين من الطغاة للبشر والله لا يتدخل" معذرة هو قال ذلك، فأنا مهموم بهذا .

 

الإسلام دين الفطرة :

الدكتور:
 لكن هو حينما قال: هل الإله موجود؟ فهو مؤمن بالإله دون أن يشعر. الإنسان أودع الله فيه فطرة، النقطة دقيقة جداً قال تعالى:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[سورة الروم:30]

 أي أن تقيم وجهك للدين حنيفاً، هذا ما فطرت عليه أيها الانسان، هذا دليل فطري، والإسلام دين الفطرة، اي أمر أمرك الله به أودع في فطرتك محبته، وأي أمر نهاك عنك أودع في فطرتك كراهيته، فهذا الدليل الفطري هو أقوى دليل، فأقم وجهك للدين حنيفاً، فطرة الله أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هذا ما فطرت عليه.
المذيع:
 ما معنى هذا؟
الدكتور:
 سمِّها راحة نفسية، ارتحت لهذا الجواب، وافق الفطرة، وجدت فيه عدلاً، هناك صفات لله كاملة، هذه الصفات بمستوى عظمة هذا الإله العظيم، الجواب الصحيح ترتاح له، والجواب الغير صحيح لا ترتاح له بسبب الفطرة التي أودعت فيك:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

 فنحن يقال عن إسلامنا دين الفطرة؛ عفواً لو إنسان له أم جائعة جداً، وجاء بطعام وأكله وحده، لم يتلقّ توجيهاً دينياً واحداً بحياته ولا من أي دين، ألا يشعر بكآبة؟ هذه هي الفطرة، الله يحاسبنا على الفطرة والعقل، أعطانا عقلاً كافياً لمعرفة الله به، وأعطانا فطرة كافية لاكتشاف أخطائنا، لو لم يتلقّ أي درس ديني واحد بحياته ولا من أي جهة دينية العقل كاف أن تعرف الله من خلاله، "الأثر يدل على المؤثر، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدلان على الحكيم الخبير!؟"، " الماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، والبعرة تدل على البعير" لذلك الدليل فطري في الدين:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ﴾

المذيع:
 وإن أفتوك!!
الدكتور:
 استفت قلبك وإن أفتاك المفتون وأفتوك، والله أودع فيك حاسة سادسة وهي الحدس، تحس أن هذه الفتوى غير صحيحة؛ استفتاني أخ في مسألة فأفتيت له بالحرمة، قال لي: والله معي تسع فتاوى لست قانعاً بواحدة. الإنسان أعطاه الله فطرة، الفطرة السليمة تكشف الفتوى الصادقة، لكن طالب بالدليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، نحن ديننا مدلل، معه أدلة من الكتاب والسنة، أنت عندما تعود أخوانك أيها الداعية أن تعطيهم الدليل مع توجيهاتك أنشأت عندهم فكراً فقهياً، ابحث عن الدليل، طالب بالدليل، وأنا أنصح أخوتي المشاهدين أن يقتنوا كتاباً فقهياً مدللاً - معه أدلة - لا تكتفي هذا حرام وهذا حلال، لماذا هي حرام؟ أين حرمت بأي نص حرمت؟ أنت إذا بحثت عن الدليل اكتسبت فكراً فقهياً.
المذيع:
 فضيلتك ذكرت أن - أقم وجهك للدين حنيفاً - أي حيثما فعلت ذلك وجدت الفطرة، والفطرة مجبولة على أنها فطرة الله التي فطر الناس عليها، نحن نشاهد في مجتمعنا من يقيم العبادات، قائم زاهد راكع ساجد مشهود له بين الناس على مستوى الفرد، على مستوى الجماعة، لكن تجده مثلاً يشمت في دماء مسلم، تجده مثلا يشارك ظالماً في الظلم، أين موطن الداء هنا؟ لماذا؟ إذا كان هذا الرجل يؤدي هذه العبادات كيف يتفق مع ما قلته؟

 

برمجة كل إنسان على معرفة الحق من الباطل :

الدكتور:
 كل إنسان يستطيع أن يحفظ العقيدة السليمة، وكل عنده فكر نقدي، أما حينما يرى شيئاً مخالفاً للفطرة لا يقبله إطلاقاً، والدليل القوي تقبله بفطرتك، أنا أقول لك قطعاً: الإنسان مبرمج على معرفة الحق من الباطل، مبرمج لأن هذا الحق قديم في الإنسان، خلقه وأعطاه الحق، فالحق حينما تكتشف أن الدليل قوي ترتاح له، الراحة النفسية شرط أساسي في الدليل، إذا كان هناك إخلاص طبعاً، لو ألغينا الإخلاص يصبح الموضوع كبيراً جداً، صار هناك متاجرة في الدين.
المذيع:
 أي ما بين الحين والآخر من الممكن أن أعرض على فضيلتك بعض الاسئلة التي ترد علينا عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وهذه بعض الأسئلة التي وردت إلينا قبل الدخول على الهواء مباشرة، هل يجوز لنا كمسلمين الفرح واللهو وخاصة في رمضان بهدف الترويح عن النفس ونحن نعيش كل يوم على أخبار قتل وموت إخواننا في كل مكان؟ وبماذا تنصحنا في مثل هذه الظروف؟

 

حدود الفرح :

الدكتور:
 كلمة فرح واسعة كثيراً، ما حدود الفرح؟ إذا ابنك نجح بتفوق وعندنا مصاب عام تفرح طبعاً، شيء طبيعي، الولادة تمت بيسر وعندنا موقف عام سيئ جداً تفرح طبعاً بالسلامة، هناك أشياء الفرح طبيعي جداً لا يوجد عليها مشكلة إطلاقاً، أما أن تفرح بأن ينزل مصاب بمؤمن! قطعاً هذا الإنسان منافق:

﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾

[ سورة التوبة: 50 ]

﴿ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾

[ سورة آل عمران: 120 ]

 الإنسان عندما يفرح بمصاب نزل بمؤمن يصنف مع المنافقين قطعاً، وعندما يتألم لألم أخيه المؤمن يصنف مع المؤمنين، هذا التجاوب، المشاركة الوجدانية.
المذيع:
 إذاً مكان الفرح وهدف الفرح وأسلوب الفرح هو الذي يتحكم أن هذا الفرح محمود أو مذموم.

 

فرح الإنسان بطاعة الله و إنجاز الأعمال الصالحة :

الدكتور:

﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾

 إنسان وفقه الله لعمل صالح، أنقذ أسرة من الهلاك، أنقذ إنساناً كان ملحداً، يفرح قطعاً، هذا فرح راق، عندما تحقق إنجازاً اجتماعياً، إنجازاً دينياً، حينما تختار زوجة صالحة تنجب لك أولاداً أبراراً، تفرح بهذه الزوجة الصالحة، هذا الفرح مشروع يجب أن تفرح، الله قال:

﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾

[سورة يونس:58]

 افرح بطاعة الله، افرح بعمل صالح أجراه الله على يديك، افرح بدعوة منتشرة في الآفاق، افرح بزوجة صالحة تسرك إن نظرت إليها، تعتني بهندامها وتحفظك إذا غبت عنها، وتطيعك إذا أمرتها، افرح بابن بار، متفوق بدراسته، أخلاقه عالية، متدين، يصلي:

﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾

 يجب أن تفرح بالإنجازات، بالطاعة لله، بإنجاز عمل عظيم، فالإنسان قد يكون عمله محدوداً جداً، اما حينما يكون طموحاً، حينما يدخل في الشأن العام، حينما يقلقه وضع المسلمين، حينما يؤلمه ما يصيبهم، حينما يتمنى لهم القوة والنجاح، هذه مشاعر إيمانية جماعية، ما لم تنتقل من الشأن الخاص؛ بيتك فقط، دخلك، نزهاتك، ما لم تنتقل من الشأن الخاص إلى الشأن العام لن ترتقي، اذا انتقلت إلى الشأن العام ترقى عند الله، فالإنسان حينما يبقى في شأنه الخاص، ما دامت مصالحه محققة لا يعنى بالشأن العام، وهذا ذنب كبير وقعت فيه شعوب كثيرة، فاستحقت عقاب الله، حينما تهتم بالشأن الخاص، عنده معمل أرباحه طائلة، تجارته رابحة، لم يعد يهتم بالشأن العام، فعندما أغفل الشأن العام جاء العقاب على الانسحاب من الشأن العام، حينما تنسحب أمة او بلد أو قطر من الشأن العام، الأقوياء والأغنياء يدفعون الثمن باهظاً.
المذيع:
 الانتماء للشأن العام مفهوم من المفاهيم الإسلامية التي يعلمنا العلماء والدعاة عليها، الشباب الآن يبحثون عن دور الشباب المؤمن، ومازال في هذه الأمة شباب مؤمنون كما دائماً تبشرون هذه الأمة أن فيها الخير حتى تقوم الساعة، لكن هو لا يعرف هذا الدور.

 

الدين توقيفي لا يضاف عليه ولا يحذف منه :

الدكتور:
 كلمة دقيقة، الدين توقيفي لا يضاف عليه، إن أضفنا عليه اتهمناه بالنقص وهو كلام الله، الدين توقيفي لا يحذف منه، إن حذفنا منه اتهمناه بالزيادة، أين التجديد في الدين؟
 هناك من يقول: لا تجديد في الدين، انا أقول: هناك تجديد في الدين، هناك تجديد في الخطاب الديني، هناك تجديد آخر أن تنزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه، هذا تجديد، هناك خرافات، و زيادات، و شطحات، و تشدد غير منطقي، هذه كلها زيادات تنفر من الدين، ولعل هناك فكراً بعيد المدى يخطط لكراهية الدين من خلال بعض التشدد غير المعقول إطلاقاً، هذا مدروس أيضاً، قال الله تعالى:

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾

[سورة إبراهيم:46]

 أو نقدم لك نماذج لا تحتمل تفسد الذوق العام، موقف استفزازي نقول هذا الدين، فأنت إذا أردت أن تحارب شيئاً إما أن تلغيه، فإن لم تستطع تحاول أن تفجره من داخله، فحينما تأتي نماذج تعلن الشعائر بشكل صريح جهري وتفسد السلوك، هذه عملية تشويه للدين، قال الله تعالى:

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾

[سورة إبراهيم:46]

المذيع:
 الشباب يبحث عن دور، هناك من يرى أن الدور الآن أن يصلح نفسه فقط، أي يصلي ويصوم ويقوم وينفذ ما قلت عليه من العبادات التوقيفية في الإسلام، هناك من يرى أن هذا وقت الجهاد وينضم إلى تنظيمات جهادية، هناك من يرى أنه لا بد من عملية سياسية ودمج الدين بالسياسة، كيف يهتدي الشاب إلى الطريق المثلى ليعبر عن انتمائه لهذا الدين؟

 

كيفية اهتداء الشاب إلى الطريق المثلى ليعبر عن انتمائه لهذا الدين :

الدكتور:
 أولاً: سأنتقل إلى المسؤولية الفردية، أنا متى أحاسب؟ أنا ينبغي أن أقيم الإسلام في نفسي أولاً، أن تصح عقيدتي، فساد العقيدة خطير جداً، العقيدة إن فسدت فسد معها كل شيء، أن أصحح عقيدتي أولاً، أن أقيم الإسلام في نفسي، وفي بيتي، وفي عملي، وتنتهي هنا مسؤوليتي، أما أن أشارك في الدعوة لله، أصلح بين متخاصمين، آمر بالمعروف، أنهى عن المنكر، هذا كله طيب جداً، أما الشيء الذي يحاسب عليه الإنسان فهو إقامة الإسلام في نفسه، وطلب العلم، عفواً، حتى الإنسان يضع دالاً بجانب اسمه سيحمل شهادة ابتدائية ومتوسطة وثانوية وبكالوريوس ودبلوم وماجستير ودكتوراه من أجل حرف الدال بجانب اسمه، من أجل كلمة مؤمن تستحق جنة الله؟ ألا تحتاج الجنة إلى جهد؟؟ ألا يوجد طلب علم للدين؟ فالدين ليس عشوائياً، محاضرة، ندوة، درس في جامع، لكن لا يوجد طلب مركز، طلب منهجي وفق منهج، فلا بد من طلب العلم الديني طلب صحيح وله مصادر صحيحة جداً، فأنا أقول: موضوع أن تعرف الله معرفة تحملك على طاعته، أن تعرف الدار الآخرة معرفة تمنعك من أن تؤذي مخلوقاً.
المذيع:
 وكيف أعرف الله؟
الدكتور:
 من خلال طلب العلم، هناك مؤسسات علمية مشهود لها بالصلاح، هذا شيء يعرف بالفطرة أيضاً، لابد من طلب العلم، هناك مؤسسات دينية، و كليات شريعة، و أزهر، هناك طبعاً انحرافات بسيطة لكن لا تغير جوهره.
المذيع:
 نرى طلاب علم على درجة عالية من العلم يتبنون مثلاً العنف والجهاد المسلح، وهناك طلبة علم ينكرون ذلك تماماً، وهناك طلبة علم يرتكبون أخطاء .

محاربة الغرب للدين و مؤسساته :

الدكتور:
 أي أنا مضطر لاستخدام مصطلح جديد:" معه أجندة "، هو أداة وليس حراً، أداة طبعاً، أي هناك جهات تحاول محاربة الدين عن طريق تقديم نماذج لا تحتمل، تخرج من جلدك من تصرفاتها باسم الدين، هذه أكبر دعوة مضادة للدين، أن تقدم نموذجاً لا يحتمل، هناك ذكاء كبير جداً في هذا الموضوع، أنت أحياناً قد لا تسطيع أن تلغي الدين، إذا تعمد إلى تفجيره، هذا الدين ما مؤسساته؟ كلامي دقيق جداً، الأسرة: فإذا هدمت الأسرة وترك الأولاد للخدم يربونهم انتهت الاسرة، المدرسة: إن أعطيت المعلم أقل راتب بالدولة، من سيأتي ليعلم؟ نصف جاهل، غير منضبط، قد يدخن أمام الأولاد مثلاً، أنت تسلم فلذة كبدك إلى إنسان جاهل، فأنت عندما أهملت التعليم وأهملت الأسرة وطعنت بالمرجعيات الدينية، أنت حطمت ثلاث مؤسسات تتولى تربية النشء .
المذيع:
 لو سلمنا بنظرية المؤامرة على أمة الإسلام، لكن كل هذه الـأمور تحدث من داخل الدول الإسلامية نفسها، بسياسات قياداتها، بسياسات أنظمتها، فماذا على المسلم أن يواجه؟ كيف يواجه هذه الأنظمة؟ كيف يقوم بدوره معها؟

 

على الإنسان مراعاة الأولويات في حياته :

الدكتور:
 أولاً مثلما قلت قبل قليل: أنا عندي أولويات؛ أنا يجب أن أهتم بنفسي أولاً، ثم بأولادي، ثم بزوجتي، ثم ببيتي، ثم بعملي، هذه كلها دوائر تملكها أنت، قيل :" أقم أمر الله فيما تملك يكفك ما لا تملك "، أنا مهمتي أن أقيم الإسلام في نفسي أولاً، أن أتكلم كلاماً صحيحاً، أن أتكلم كلاماً منضبطاً، أن أتصرف في البيت تصرفاً صحيحاً، وأنا أربي زوجتي وأولادي على الإسلام الصحيح، وفي عملي عندي ثلاث مؤسسات: نفسي مؤسسة، بيتي مؤسسة، وعملي مؤسسة، الآن بعد هذه النشاطات الأساسية أطمح أن يكون جاري كما ينبغي، وصديقي كما ينبغي، تتسع الدعوة؛ الجار، الزميل، القريب، من يعمل عندك في المحل التجاري مثلاً، بعد ذلك يصبح الواحد عنده دعوة مختصة، ينشر العلم في الأجهزة، في التلفزيون، في الإذاعة، في الصحف، إلى آخره ....
المذيع:
 سؤال دائماً يطرحه الشباب، وهو أين تكمن خيرية هذه الأمة في ظل ما نراه على خريطتها من شرور؟ من مذابح؟ من قتل لبعضهم البعض؟ البأس الشديد الذي بات بينهم أين هي الخيرية ؟ وربما تحدث أخ يقول: ماذا تقول في الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم من ذلّ وهوان؟ لماذا بؤر التوتر كلها موجودة في العالم الاسلامي؟ لماذا القتل والذبح موجود في عالمنا الإسلامي؟ والغريب أن جلّ الذبح والقتل هو بأيدي مسلمين لبعضهم، أين الخيرية إذاً!؟

خيرية الأمة الإسلامية في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :

الدكتور:

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾

[سورة آل عمران:110]

 ما معنى كنتم ؟؟ العلماء قالوا: أصبحتم بهذه الرسالة خير أمة أخرجت للناس، هذا كلام القرآن، ما علة هذه الخيرية؟ "تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " فإن ترك المسلمون الأمر بالمعروف و تركوا النهي عن المنكر نزعت الخيرية، الخيرية معللة، الخيرية مشروطة بالأمر بالمعروف، لذلك :

(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر، قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً؟ ))

[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة]

 هذا تبدل القيم، مثلاً أهجى بيت قالته العرب على الإطلاق:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها  واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***

 هذا شعار كل إنسان الآن، مادام دخله كبيراً، بيته جيداً، سيارته فارهة، أولاده أمامه، يذهب كل أسبوع نزهة والناس تموت، والناس تقتل، والناس تعذب، عندما تنفصل عن الشأن العام، عندما تعكف على شأنك الخاص، أنت ابتعدت عن الشأن العام وهذا ذنب كبير . من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم .
المذيع:
 وكيف ستكون هناك معادلة متوازنة بين ما ذكرته فضيلتك في البداية أن الإنسان مسؤول عن نفسة مسؤولية مباشرة عن نفسه وأسرته ثم يتدخل بالشأن العام؟

 

اهتمام الإنسان بالشأن العام و القيام بواجبه لتنهض الأمة :

الدكتور:
 إذا أتقنت عملك أنت دخلت بالشأن العام، ممكن ألا يدرس المعلم إلا بصورة شكلية، أما إذا أعطى الدرس بدقه بالغة، وحضره تماماً، وتابع أمور الطلاب، وتابع وظائفهم، أنت حينما تؤدي العمل الذي ترتزق منه أداءً صحيحا أنت ساهمت في الشأن العام، أنت موظف جاء إنسان من مكان بعيد تقول له: تعال غداً، ممكن أن تنحل مشكلته بتوقيع بدقيقة، اضطر أن ينام بفندق، أنت حينما تقدم خدمات للمواطنين تكون قد ساهمت بالشأن العام، فإذا إنسان أتقن عمله إتقاناً جيداً، علّم تعليماً جيداً، هناك حرف كثيرة لا يستطيع الشخص العادي أن يكتشف الخطأ، أي إذا دواء انتهى مفعوله قد يباع بالصيدلية، هذا ارتكب بحق الأمة جريمة، وفي هذا الموضوع مليون خطأ يرتكبه أصحاب الاختصاص دون أن يشعروا، فهذه هي المشكلة، فنحن بالمناسبة أنا زرت الصين أبلغوني أن سور الصين يرى من القمر، البناء الوحيد الذي يرى من القمر سور الصين، خمسة آلاف كيلو متر، استغرق بناؤه خمساً وعشرين سنة، الصين غزيت ثلاث مرات رغم السور، كيف؟ أفسدوا الحراس، فاستنبطوا استنباطاً كبيراً أن بناء الإنسان أهم بكثير من بناء الجدران، تريد مواطناً مبنياً بناء صحيحاً، إذا المادة فاسدة دفع له رشوة لا يمكن أن يرضى بها ولو كانت ملايين، هناك دواء فاسد دخل البلد مثلاً، فأنا أرى أول شيء يجب أن نهتم به هو بناء الإنسان، هذه مهمة كبيرة جداً، أن تبني مواطناً صالحاً، مواطناً مؤمناً، لا يزور، ولا يرتشي، لا يغير، ولا يبدل، يقوم بواجبه، كل إنسان إذا قام بواجبه تنهض الأمة، أما إذا كل إنسان فرغ عمله من حقيقته أصبح شكلياً .
المذيع:
 أين تكمن مشكلة الأمة الإسلامية؟ هل تكمن في كونها لا تعود ربها، هناك أمم ليس بينها وبين الله أي علاقة وأي صلة وهي متقدمة وتحكم العالم، هل مشكلة الأمة الإسلامية في العلوم الشرعية أم العلوم الكونية!؟

التقاء العمل العبادي والعمل الذكي بالنتائج واختلافهما في البواعث :

الدكتور:
 أنت تستقيم على أمر ما، إما بطاعتك لربك أو بذكاء منك، أي العمل العبادي يلتقي مع العمل الذكي بالنتائج، مثلاً عينا مدير معمل إنسان مؤمن إيماناً عالياً جداً، فوضع كل إنسان في محله الصحيح، عدل بين الموظفين، أصحاب الكفاءة رفعهم، نراقب سلوكه خلال سنة، سنتفاجأ مفاجأة كبيرة أنه لو عينا إنساناً معه دكتوراه بإدارة الأعمال مثله تماماً، فالعمل العبادي والعمل الذكي يلتقيان بالنتائج، لكنهما يختلفان في البواعث، المؤمن يبتغي رضوان الله وجنته، الآخر يبتغي بقاءه في المنصب، فالغرب أتقنوا الدنيا إتقاناً كبيراً جداً ملكوها، قال الله تعالى :

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾

[سورة الأنبياء:105]

 ما معنى الصالحون؟ أي الصالحون لإدارتها، الصالحون لإدارتها، فالغرب صالح لإدارة البلاد، فقوي بهذا، حينما تضع كل إنسان في مكانه الصحيح، حينما تعترف بالكفاءات، حينما تجعل التفوق مبنياً على معايير صحيحة، حينما نحل المقياس الموضوعي محل المقياس الانتمائي نتقدم، وأي أمة تحل المقياس الانتمائي مكان الموضوعي تتخلف.
المذيع:
 إذاً من يتحكم في أمر هذه الأمة؟ مترفوها، مترفوها يتحكمون بما يشاؤون، هم يختارون النظام وأدواته ويختارون الموظفين ويختارون الكفاءات، ماذا أنا فاعل؟

 

دور الشعب في أمر الأمة :

الدكتور:
 أنا لا أتمنى أن تلغي دور الشعوب، أنا مقتنع أن للشعب دوراً كبيراً، والدليل هذا الذي يجري أليس حركة شعوب!؟ هناك حركات لم تكن من قبل، حركة شعوب، فالشعب لا يلغى دوره إطلاقاً، لكن قد يتأخر، لابد أن يقف الشعب وقفة منطقية إن شاء الله .
المذيع:
 مسألة التأخر هذه هل ممكن أن تكون صفة من صفات المؤمن؟ أي فهمه لموضوع تأخر النصر وتأخر علو الأمة واستعادة مجدها مرة أخرى؟

ضرورة الأخذ بالأسباب :

الدكتور:
 أنت أمام شيء، أن تأخذ بالأسباب لتحقيق شيء ما، أنت لست مكلفاً بالنتائج، مكلف بالأخذ بالأسباب، لذلك أنا أقول: أدِّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك .
المذيع:
 أراك متفائلاً كثيراً من أحاديثك وأنا أتابعها، دائماً مبتسم، دائماً تضحك، متفائل، مع العلم أن حال الأمة لا يدل على ذلك، هذا التفاؤل نريد أن نصل منبعه، لأن المفروض أن نقتدي بعلمائنا .

 

تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :

الدكتور:
 نعم، إذا كان هناك شخص يجرى له عملية جراحية سبع ساعات، وابنه الصغير صار يبكي، الابن الأكبر يعرف أن العملية ناجحة جداً وسوف يعافى من هذا المرض معافاة تامة، فالابن الكبير الواعي لا يبكي أما الصغير فيبكي، فأنت إذا رأيت أن يد الله تعمل وحدها بحكمة بالغة بالغة بالغة والدليل مقولة أقولها آلاف المرات: كل شيء وقع بالقارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة أراده الله، ما معنى أراده؟ الكلمة خطيرة جداً، لا تعني أنه أمر به، ولا تعني أنه رضيه، كيف؟ طبيب تزوج ولم ينجب، بعد عشر سنوات أنجب ابناً غاية في الجمال، تعلق الأب به تعلقاً مذهلاً، ثم اكتشف الأب الطبيب أن ابنه مصاب بالتهاب الزائدة، فيسمح بتخديره تخديراً كاملاً، وشق بطنه، واستئصال الزائدة، فكل شيء وقع في الخمس قارات من آدم إلى يوم القيامة أراده الله، أي سمح به، وكل شيء أراده الله وقع، عكسها وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، فالذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، بالكون لا يوجد شر مطلق، الشر المطلق يعني الشر للشر، هذا يتناقض مع وجود الله، هناك شر موظف للخير، والدليل :

﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾

[سورة القصص:4-5]

 فنحن عندما نرى أن يد الله تعمل وحدها هناك حكمة بالغة من أعماله، نحن نصلح أنفسنا أولاً، ونرضى بقضاء ربنا ثانياً، وعندئذ تنزاح هذه المشكلة، لابد من رؤية ايمانية، أنا حينما أرى المصائب رؤية دنيوية فقط أرى أن فيها آلاماً، وفيها يأساً منقطع النظير، أما حينما أنظر إلى المشكلة من زاوية ربانية، من زاوية دينية، إله رحيم وحكيم ساق لنا هذه المشكلة كي يشفينا من أمراض كثيرة، لأنه مثلاً إنسان عنده ثلاثة أولاد، ولد منغولي لا يوجد أمل منه، وولد ذكي ومتفوق وممتاز، و ولد ذكي ومقصر، ترك المتفوق لأنه حقق الهدف، وترك المنغولي لأنه لا يوجد أمل منه، يعالج من؟ الولد المتوسط، عندنا خير، عندنا ماض عريق، عندنا تأصيل ديني قوي، هناك تقصير بحياتنا، تفلت من بعض الأوامر، نحن نعالج، إنسان معه التهاب معدة حاد قد يخضع لحمية طويلة، وإنسان معه ورم خبيث سأل الطبيب: ماذا آكل؟ قال له: كُل ما شئت، هناك كُل ما شئت، وهناك حمية قاسية، وهناك إنسان صحيح يأكل ما يشاء، فنحن أنا أظن و لله المثل الأعلى أننا بالمنتصف، عندنا خير، عندنا أصالة، نحب الله، لكننا مقصرون .
المذيع:
 على الخريطة فضيلتك نورنا وبصرنا أين الخير الذي في خريطة الأمة ؟

 

السعادة الحقيقية في الدين :

الدكتور:
 والله أنا أرى ولعلي مخطئ أو مصيب، حينما أفلست النظم الأرضية كلها، لا الشرق أسعد الناس ولا الغرب، لا النظم الاشتراكية ولا الرأسمالية، حينما أفلست النظم الوضعية بإسعاد الناس السعادة الحقيقية، لم يبق إلا الدين، هناك عودة إلى الدين بالعالم كله، وهذا شيء عندي واضح جداً، أنا سافرت إلى معظم بلاد العالم، هناك عودة إلى الدين، لكن للنخبة رأوا أنه لم يبق إلا هذا الإسلام، والإسلام عظمته أنه دين فردي وجماعي بآن واحد، ما السبب؟ لو طبقته وحدك، وحدك فقط ببيتك، تقطف ثماره الفردية وتسعد بها، لو طبقته الأمة تقطف ثماره الجماعية، الآيات:

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾

[سورة النساء:147]

 أيها المسلم أنت حينما سخر الله لك ما في الكون تسخير تعريف فآمنت، وسخر لك ما في الكون تسخير تكريم فشكرت، أنت حينما تؤمن وتشكر حققت الهدف من وجودك، وعندئذ تتوقف المعالجة الإلهية، أما كأمة :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾

[سورة الأنفال:33]

 يا محمد ما دامت سنتك- منهجك- قائماً في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله، عندنا معاملة للجماعة، المجتمع الإسلامي، وعندنا معاملة للفرد الإسلامي، فديننا دين فردي وجماعي بآن واحد، قطفته أنت وحدك ببيتك تقطف كل ثماره فردياً، أما لو طبقته الأمة قطفت ثماره الجماعية .
المذيع:
 في موضوع العبادات خاصة ونحن مقبلون على شهر رمضان المعظم، والهمة فيه تعلو، والإيمانيات تزداد، وهذا معلوم عند الجميع، العبادات معلوم لدينا كمسلمين بسطاء أن العبادات تلم شتات الفرد الذي تحدثت عنه، وتجمع شمل الأمة، لكن رمضان بعد رمضان والصلوات بعد الصلوات والحج بعد الحج، وسلوكياتنا هي نفسها ومجتمعنا هو نفسه بسلوكياته بعاداته، المشكلة أين؟؟

 

مشكلة كل إنسان في هذا الزمان عدم فقه حكمة العبادة :

الدكتور:
 رمضان ينبغي أن يكون درجاً، صمت هذا العام شهر رمضان، نقلت نفسك نقلة إيمانية نوعية، وتابعتها في جميع أشهر العام، جاء رمضان الثاني، انتقلت نقلة نوعية ثانية، ثم ثالثة، ثم رابعة، وهكذا، هذا الصيام الذي أراده الله، أما "رمضان ولى هاتها يا ساقي " اختلف الموضوع، بعد رمضان عدنا إلى ما كنا عليه قبل رمضان، سهراتنا واختلاطنا وتسيبنا وإهمالنا لعباداتنا .
المذيع:
 إذاً لماذا لم تؤثر فيه هذه العبادة؟
الدكتور:
 لأن العبادة لم نفقه حكمتها.
المذيع:
 ماهي ؟
الدكتور:
 توهمناها ترك الطعام والشراب، وأقل ما في الصيام ترك الطعام والشراب، الحقيقة الصيام شهر عبادة، إذا أفطر الإنسان وانتظر المسلسلات حتى السحور، صار رمضان ولائم ومسلسلات، صار شهراً اجتماعياً، شهر ولائم، كل يوم عند واحد، ومسلسلات، وطرح المسلسلات خطير جداً، تطرح فكراً مناقضاً للدين، المشكلة بالمسلسل ليست مشكلة مشاهد صارخة، لا، المشكلة أعمق بكثير، تطرح فكراً، تطرح قيماً أخرى تتناقض مع الدين.
المذيع:
 هل لديك أمثلة تذكرها؟
الدكتور:
 تجد إنساناً دخله غير مشروع، ويرتكب بدخله أخطاء فاحشة، ترى بيته قصراً فخماً، الخدم والحشم، وهذه رسائل ضمنية، وترى شيخاً متواضعاً بيته ضيق جداً ومشكلته كبيرة، يعرضون لك نماذج لا تحتمل، والحقيقة الآن إن أردت أن تهاجم شيئاً أنت في غنى أن تهاجمه، قدم له نموذجاً لا يحتمل تنهيه .

خاتمة و توديع :

المذيع:
 في النهاية فضيلة الدكتور، إذا قلت لك: نريد دعاء تحب أن تدعوه لهذه الأمة فما هو هذا الدعاء ؟
الدكتور:
 اللهم أصلح شأن هذه الأمة، وألهمنا الصواب، والسداد، والرشاد، وردها لدينك رداً جميلاً، واجمع شملها على كلمة واحدة إن شاء الله.
المذيع:
 آمين يارب، جزاكم الله خيراً، شكراً جزيلاً فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور