وضع داكن
22-11-2024
Logo
ندوات مختلفة - قناة الجزيرة - الندوة : 4 - فقه التعامل مع وباء كورونا .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  للأسبوع الثاني على التوالي أغلقت المساجد أبوابها أمام صلاة الجمعة في معظم الدول العربية والإسلامية امتثالاً لفتاوى جواز وقف أداء صلاة الجمعة ليتقين الضرر من التجمعات ، وتنفيذاً للإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي فيروس كورونا .
 في كل جمعة اعتاد المسلمون حول العالم على تلقي زاد إيماني أسبوعي من خلال خطبة الجمعة ، وحتى لا نفقد هذه التغذية الروحية ينضم إلينا فضيلة الدكتور راتب النابلسي للحديث عن فقه المسلم بالتعاون مع الوباء ، وبالجوانب الإيمانية المصاحبة للأزمة .
 أهلاً بفضيلتكم دكتور محمد .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع:
 دكتور محمد ؛ لو تحدثت معك عن ما هي الرسائل التي أرسلها الله إلينا من خلال الوباء المتعلق بفيروس كورونا ؟

كل شيء وقع أراده الله والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة :

الدكتور راتب :
 إن شاء الله .
 الإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا سيد الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
 أخي الكريم ؛ الكلمات إذا تعددت تنوعت ، ولكن نقول : ليست هذه المأسات بسبب حجمها الكبير ، وانعدام الحلول الجاهزة لها .

﴿ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾

[ سورة النجم: 58]

 هذه الحقيقة المرة قد تكون أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، لكن هناك جزئيات مشكلة الفيروس اليوم لا تفهم ، إلا في ضوء كليات هذا الدين العظيم ، ومنها : أن كل شيء وقع أراده الله ، وأن كل شيء أراده الله وقع ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، لكن أراد هذه المأساة ، أو هذا الأمر ، ما فرضها الله لكن سمح بها هناك فرق ، يوجد أشياء لم تفرض ، ولن تكون إلا لعلة كبيرة جداً .

 

تناقض الشر المطلق مع وجود الله عز وجل :

 لذلك الشر المطلق - أنا أتكلم من منظور ديني - لا وجود له في الكون ، أي الشر للشر ، لأنه يتناقض مع وجود الله ، بيده الخير .

﴿ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾

[ سورة آل عمران: 26]

 ما قال والشر ، لذلك :

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 216]

 إذا شرد الناس عن الله فالله يرسل تنبيهات ليعودوا
أما الحكمة منها فطبعاً قال تعالى :

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى ﴾

[ سورة السجدة: 21]

 أي في الدنيا :

﴿ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ﴾

[ سورة السجدة: 21]

 أي في الآخرة :

﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 21]

 نحن خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض ، والدليل :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود: 119]

 فإذا شرد الناس عن الله لا بد من معالجات ، هذا مفهوم المصيبة بالإسلام ، لذلك أقوياء الأرض الآن خياراتهم على العباد محدودة ، أما خيارات الإله العظيم على عباده كلهم فهي غير كحدودة مطلقة ، لذلك الله ماذا قال :

﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾

[ سورة الأعراف: 54]

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة الزمر: 62 ـ 63]

 النقطة الدقيقة جداً :

﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾

[ سورة التغابن: 11]

 إلى حكمتها ، هكذا قال المفسرون ، والبطولة أن نتعرف إلى الله ، وأن نستقيم على أمره ، وأن نحسن إلى خلقه ، وعندئذٍ نسلم ونسعد في الدنيا والآخرة ، بعبارة أخرى ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة .
المذيع :
 في هذه النقطة ، دكتور محمد هذه النقطة مهمة لأن كثيراً من الناس يتساءل هل نضع وباء كورونا أو ما يحدث الآن من فيروس كورونا هو ضمن عقاب من الله عز وجل أم ابتلاء من الله عز وجل ؟

 

فيروس كورونا عقاب و ابتلاء بآن واحد :

الدكتور راتب :
 الشيئان ، عقاب ، وابتلاء بآن واحد ، عقاب وابتلاء ، الحقيقة الدقيقة : ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، أما الابتلاء فللكل ، النبي قال :

(( أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))

[الترمذي عن أنس بن مالك ]

 لذلك هذا الهرم البشري ، ثمانية مليارت إنسان يقع على رأس هذا الهرم زمرتان ؛ الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء عاش الناس لهم والأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، والأنبياء في غيبتهم ، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي.

 

الإسلام فردي و جماعي :

 النقطة الدقيقة الآن : هذا المنظور ديني طبعاً ؛ الإسلام فردي وجماعي ، بمعنى الإسلام فردي ، قال تعالى :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147 ]

 الله يعامل المؤمن معاملة خاصة
شاب أو شابة ، واحد أو واحدة ، مليارا مسلم إذا طبق هذا الشاب أو هذه الشابة أحكام الدين في دوائر ثلاثة ؛ نفسه دائرة ، في نفسه ، وفي بيته ، وفي عمله ، قطف كل ثمار هذا الدين الفردية ، في أي زمان ، في أي مكان ، في عصر ، في أي مصر ، والله قال :

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 88]

 لابد من إيجابيات وسلبيات ، لا بد من تفاؤل ، ولا بد من تشاؤم ، لا بد من مرغبات ، وتحذيرات ، لذلك أي مسلم ، شاب أو شابة ، طبقا أحكام هذا الدين في الدوائر التي يملكوها ، نفسه دائرة ، بيته دائرة ، عمله دائرة ، الله عز وجل له معاملة خاصة .

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 88]

 أما الإسلام الجماعي فهو إسلام الأمة :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

الإيمان بالله و الاستقامة على أمره حتى نستحق عطاءه:

 يوجد ملمح دقيق لغوي : إذا قلنا لشخص هل أنت جائع ؟ يقول لك : لا ، أما لو إنسان محترم جداً ، وقلنا له : هل أنت سارق ؟ يقول : ما كان لي أن أسرق ، دقق في هذه الآية :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

 أي مستحيل وألف وألف مستحيل أن يعذبهم :

﴿ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

 أي يا محمد ما دامت سنتك ، منهجك ، تعليمات الصانع ، قائمة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله ، هذا كلام عام ، يغطي كل الكرة الأرضية .

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

 فيروس لا يرى شل حركة البشر في القارات الخمس
لذلك نأتي بمثل بسيط : مدير عام كبير ، مؤسسة ، وزارة ، شركة ضخمة ، خياراته مع موظفيه محدودة ، مكافأة أو معاقبة ، أو لا مكافأة ولا معاقبة ، فقط ، أما خيارات الله جل جلاله ، خالق السماوات والأرض ، الذات الكاملة ، الفعال لما يريد ، فخياراته مع عباده لا تعد ولا تحصى ، الشيء الذي يلفت النظر ، أقسم لك بالله لسنوات طويلة لم أجد رسالة من الله لكل البشر ، الفيروس الذي لا يرى بالعين ، وهو من أضعف خلق الله تعالى ، ألغى حركة البشر ، ألغى أعمال البشر ، ألغى نشاطات البشر ، ألغى انتقال البشر ، ألغى كل إنجازات البشر ، في القارات الخمس ، منظر المدن ، نيونيورك ، واشنطن ، لندن ، باريس ، شيء لا يصدق ، مدن فارغة ، مدن أشباح ، هذا فعل الله ، الله عز وجل عنده جنود لا تعد ولا تحصى ، وهذا الذي حدث أحد جنود الله ، لابد من أن نؤمن بالله ، لابد من أن نتعرف عليه ، لابد من أن نستقيم على أمره ، حتى نستحق عطاء الله عز وجل .
 لذلك ألغى كل شيء وفي القارات الخمس ، أي ما مرّ معي مأساة عمت القارات كلها ، وفي معظم دول الأرض كهذه المأساة ، لذلك الله عز قال :

﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾

[ سورة الأنبياء: 23]

 لعدله المطلق .

﴿ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 23]

العناية بالصحة مترابطة ترابطاً وجودياً مع القوة :

 يوجد جانب إيماني بالموضوع ، من مسلمات الفكر الإيماني :

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلّ خير ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 لابد أن نعتني بصحتنا كي نكون مؤمنين أقوياء
أي المرض ضعف ، والضعف يضعف أداء الرسالة للمؤمن ، أنا أتمنى أن أخاطب المؤمنين في شتى أطيافهم ، القوي خيره كبير جداً، خياراته بالعمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، أخي الكريم نحن علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح ، ما الدليل ؟

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

[ سورة المؤمنون: 99 ـ 100]

 علة وجودنا الوحيدة في الدنيا العمل الصالح .
 شيء آخر :

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

 الشيء الثالث : هذا العمل الصالح لِمَ سميّ صالحاً ؟ قال : لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، لذلك النبي الكريم قال :

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلّ خير ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 لأن المؤمن القوي خياراته في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، ولأن علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح ، وسميّ صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما السنة .
 لذلك العناية بالصحة مترابطة ترابطاً وجودياً مع القوة التي تعطيك خيارات عديدة بالعمل الصالح ، الذي هو الطريق الوحيد لصلاح الدنيا وصلاح الآخرة .
المذيع :
 دكتور أريد أن أستفيد من وجودك ، كيف تابعت حالة الاحتفاء بالنبي صلى الله عليه وسلم محمد ، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقال الذي نشر ، الذي يتحدث أن لو اتبع العالم هذه الإجراءات ما انتشر هذا الفيروس في العالم .

 

طاعة الله و الصلح معه لأن كل شيء بيده :

الدكتور راتب :
 لابد من العودة إلى الله والصلح معه
سيدي أنا إيماني بكل خلية بجسمي ، وكل قطرة بدمي ، ما نزل بلاء إلا بذنب ، لا يوجد شيء بلا سبب ، إله حكيم ، بيده كل شيء ، كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، أي لا يوجد شر مطلق بالكون ، الشر للشر غير موجود ، لأنه يتناقض مع وجود الله ، البديل الطاعة لله ، لابد من عودة إلى الله ، لابد من صلح مع الله .

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ حديث قدسي ]

 طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية.
المذيع :
 دكتور محمد ؛ في النهاية سعدنا بوجود حضرتك معنا حبذا لو نرفع الأكف للتضرع لله عز وجل مع حضرتك ، وتدعو لنا وتدعو للأمة كلها .

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، اللهم اشفِ مرضانا مرضى المسلمين في شتى بقاع الأرض يا رب العالمين ، وأشفق علينا يا رب العالمين ، ليس لنا إلا أنت .
 هذا الدعاء مخ العبادة ، والدعاء هو العبادة ، والدعاء أنك مؤمن بوجود الله ، مؤمن بوحدانيته ، مؤمن بقدرته ، مؤمن بمحبته ، مؤمن بتنفيذ هذا الدعاء ، والدعاء هو العبادة .
 أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ أهل الأرض جميعاً من كل سوء ، والمسلمين بخاصة ، وهذه الأمة التي نحن منها بشكل أخص .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور