- الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
- /
- ٠4الزكاة
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
باب من يجوز الدفع إليه ومن لا يجوز :
أيها الأخوة المؤمنون، لازلنا في موضوع الزكاة وننتقل اليوم إلى باب من يجوز الدفع إليه ومن لا يجوز، أي إلى موضوع مصارف الزكاة، الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
في هذه الآية توضيح وتفصيل لمصارف الزكاة، أي للجهات التي تستحق الزكاة، فهذه الأصناف التي احتوتها الآية الكريمة ثمانية أصناف، وقد سقط منها صنف وهم المؤلفة قلوبهم.
المؤلفة قلوبهم ثلاثة أصناف :
المؤلفة قلوبهم ثلاثة أصناف، صنف كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع لهم المال ليسلموا، وإذا أسلموا أسلم قومهم معهم، وصنف أسلموا ولكن على ضعف فكان النبي صلى الله عليه وسلم يريد بإعطائهم المال أن يزيد إيمانهم وأن يقوي ضعفهم، وصنف ثالث كان النبي عليه الصلاة والسلام يدفع لهم المال ليدفع شرهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنِ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ ))
هذه الأصناف الثلاث المؤلفة قلوبهم، منهم من يدفع له المال ليسلم، فإذا أسلمَ أسلم معه قومه، قال أحد زعماء هذه القبائل للنبي عليه الصلاة والسلام: لمن هذا الوادي – وهو واد من غنم - قال: هو لك؟ قال: أتهزأ بي؟ قال: هو لك، فقال: أشهد أنك تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وأسلمَ وأسلم معه قومه، فهذا من الذين إذا أسلموا أسلم قومهم معهم.
الصنف الثاني يدفع المال إليهم ليزداد إيمانهم أو ليقوى ضعفهم، والصنف الثالث يدفع المال إليهم ليدفع شرهم كما قلت قبل قليل:
(( إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنِ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ ))
هذه الأصناف الثلاث تنطوي تحت باب من أبواب مصارف الزكاة ألا وهو المؤلفة قلوبهم، وجمهور العلماء أجمعوا على أن الإسلام بعد أن انتصر على أعدائه وبعد أن أعزه الله فقد سقط هذا السهم، وبعض العلماء يرى أنه إذا ضعف الإسلام وكثر أعداؤه أمكن أن يدفع شر الأعداء، هذا اجتهاد.
على كلّ جمهور العلماء أجمعوا على أن هذا السهم من أسهم مصارف الزكاة قد سقط، والمسلمون الآن ولله الحمد في غنية عن ذلك لأن الله تعالى أعز الإسلام، وأغنى عنهم، وعلى هذا انعقد إجماع الأمة بسقوط هذا السهم من أبواب مصارف الزكاة.
مصارف الزكاة :
1 ـ الفقراء :
قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾
والفقير من له شيء ولكن دون النصاب، الشيء الذي له لا يكفيه، أي الفقير ليس الذي ترده اللقمة واللقمتان إنما الفقير الذي لا يجد حاجته، أي دخله دون حاجته الأساسية بكثير، أما الحاجات غير الأساسية فلا حدود لها، الإنسان يحتاج إلى مكيف لأن الحر شديد، ثمنه ثمانية آلاف، هذه حاجة ثانوية جداً، الفقير هو الذي دخله دون حاجاته الأساسية طعام وشراب ومأوى وسكن ولباس دخله دون ذلك، فهذا في نظر الفقراء فقير، قد يسكن بيتاً والبيت ملكه، البيت مستهلك كان البيت ثمنه عشرة آلاف الآن ثمنه مليون هو يستهلكه، نقول له: بع هذا البيت واسكن في الطريق؟ مستحيل.
2 ـ المساكين :
الفقير هو الذي لا يجد حاجته أي دون النصاب، والمسكين أدنى حالاً من الفقير هو الذي لا يملك شيئاً، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ﴾
يوجد قاعدة لهذه الآية أن الفقراء والمساكين إذا اجتمعا في آية واحدة تفرقا، صار الفقير له تعريف والمسكين له تعريف، فإذا افترقا اجتمعا، إذا ذكرنا أن الصدقة للفقراء أي للفقراء أو للمساكين، أما إذا قلنا: إنما الصدقات للمساكين أي للفقراء والمساكين، إذا اجتمعا تفرقا وإذا افترقا تجمعا، والمسكين هو الذي لا شيء له، وهذا مروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه، طبعاً في بعض الأقوال أنه العكس، الفقير هو الذي لا يملك شيئاً والمسكين هو الذي يملك بعض الشيء دون حاجته، على كلّ هناك صنف من الناس لا يملك شيئاً سمه ما شئت، وهناك صنف من الناس دخله دون حاجته سمه ما شئت، الصنفان يستحقان الزكاة.
3 ـ العاملون عليها :
قال تعالى:
﴿ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ﴾
والعامل يدفع بقدر عمله لا بقدر حاجته - لو أن هذا العمل يستحق ألف ليرة في الشهر وهو يحتاج إلى خمسة آلاف نعطي العامل على الزكاة بقدر جهده لا بقدر حاجته - أي ما يسعه وأعوانه بالوسط، لأن استحقاقه بطريق الكفاية ولهذا يأخذ وإن كان غنياً، مثلاً موظف والموظف الذي وقف وقته كله على تحقيق هذه الآية، جبيّ أموال الزكاة ثم صرفها إلى من يستحقها، هذا موظف يأخذ بقدر جهده وبقدر عمله، وإن كان غنياً، إلا أن فيه شبهة، الصدقة إذا كان غنياً صار في دخله شبهة، ولا ينبغي أن يأخذها العامل الهاشمي الذي ينتمي إلى بني هاشم تنزيهاً لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم.
4 ـ في الرقاب :
﴿ وفي الرقاب ﴾
أي المكاتبون الأرقاء الذين يسعون لنيل حريتهم عن طريق بذل مالهم، هؤلاء المكاتبون يعانون من أموال الزكاة.
5 ـ الغارمون :
والغارم من لزمه دين، أصحاب الديون هذا اشترى بيتاً، حاجة أساسية فالذي عليه دين لشيء أساسي هذا أيضاً يستحق من أموال الزكاة.
6 ـ في سبيل الله :
وفي سبيل الله منقطع الغزاة، أي هذا في سبيل نشر دعوة الله سبحانه وتعالى، أي للجهاد، الأموال التي تنفق في سبيل رفع كلمة الدين، في سبيل جعل كلمة الله هي العليا، هذا أيضاً في سبيل الله، وعند الإمام محمد منقطع الحاج، إما منقطع الغزاة أو منقطع الحاج، كلاهما يدخل تحت قوله تعالى:
﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
وقيل: في سبيل الله طلبة العلم، وفسره في البدائع أي بدائع الصنائع أي بجميع القرب التي تقرب من الله سبحانه وتعالى.
7 ـ ابن السبيل :
وابن السبيل من كان له مال في وطنه وهو في مكان لا شيء له فيه، وإنما يأخذ ما يكفيه إلى وطنه لا غير، حتى ولو كان معه ما يُوَصله إلى بلده من زاد وحمولة، إذا كان معه ما يوصله إلى بلده من زاد وحمولة لم يجز له أن يأخذ من أموال الزكاة، ابن السبيل له مال في بلده لكن هو في الطريق منقطع، إذا كان منقطعاً ولم يملك المال الكافي لكي يصل به إلى بلده يأخذ من أموال الزكاة، هذه الجهات قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
كل القربات إلى الله سبحانه وتعالى، أو القربات التعليمية، أو القربات الجهادية، أو منقطع الحال، هذه كلها في المذهب الحنفي جائزة، منقطع الغزاة، منقطع الحجاج، القربات إلى الله، طلبة العلم، هذه تحت قوله تعالى:
﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
وابن السبيل المنقطع في السفر.
وللمسلم أن يدفع إلى كل واحد من هؤلاء، أو أن يقتصر على صنف واحد، له أن يدفع زكاة ماله للغارمين، وله أن يدفع زكاة ماله في سبيل الله، وله أن يدفع زكاة ماله للفقراء والمساكين، وله أن يقسم هذا المال فيدفعه لكل هؤلاء الأصناف.
من تحرم عليهم الزكاة :
لا يجوز أن تدفع الزكاة إلى ذمي لأمر الشارع لردها في فقراء المسلمين، تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم، فلا يجوز أن تدفع الزكاة إلى ذمي، ولكن يجوز أن تدفع له الصدقة لقوله تعالى:
﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾
الأسير قد يكون مشركاً، أو ذمياً، من غير المسلمين، فالصدقة تدفع للذمي أما الزكاة فينبغي أن تدفع إلى المسلمين حصراً، ولا يبنى بها مسجد، ولا يكفن بها ميت، لأن الزكاة من أركانها التمليك، فالمسجد ليس فيه تمليك لأحد هو بيت الله، ولا يكفن بها ميت، الميت لا يملك وكفنه على ورثته، فبذلك لا يبنى بها مسجد، ولا يكفن بها ميت لعدم التمليك، ولا يشترى بها رقبة تعتق لأنها إسقاط، أي لا يجوز أن تشترى رقبة فتعتق، أما يعان المكاتب على تحرير نفسه من العبودية، ولا تدفع الزكاة لغني يملك قدر النصاب من أي مال كان فارغاً عن حاجته، ولا يدفع المزكي زكاته إلى أبيه ولا إلى جده، الأصل مهما علا ولا إلى ولده وولد ولده وإن نزل، الأصول والفروع هؤلاء لا يجوز لهم أن تدفع لهم الزكاة، والسبب بسيط لأنك إذا دفعت الزكاة إلى ابنك وفرت بالمصروف وكأنك ما دفعت شيئاً، إذا دفعت إلى أبيك كأنك ما دفعت شيئاً، لأن نفقة الأب على ابنه، ونفقة الولد على أبيه، فلذلك لا تجوز الزكاة للأصول ولا للفروع مهما علوا ومهما نزلوا، هنا في مذهب من المذاهب إذا الابن مستقل عن أبيه، الطفل الفقير الصغير غني بمال أبيه، أما الكبير فقد يكون أبوه غنياً وهو فقير استقل عنه، سكن بمفرده وهو فقير، وهذه فيها استثناء، الآن الأخت يجوز لها دفع الزكاة أما إذا كانت الأخت ساكنة عند أخيها وعلى أخيها نفقتها فلا يجوز، يوجد عندنا قاعدة الذي تنفق عليه لا يجوز أن تدفع له الزكاة، فإذا كانت الأخت التي يجوز دفع الزكاة لها في الأصل لو أنها في بيت أخيها وهو ينفق عليها عندئذٍ لا يجوز أن تدفع لها الزكاة، أما الابن ففي الأساس لا يجوز أن يدفع له الزكاة لأنه فرع، أما لو كان كبيراً متزوجاً ومستقلاً عن الأب في بيت قد يكون في حاجة ماسة بعض الفقهاء أجاز ذلك، ولا تدفع الزكاة إلى المرأة - أي إلى زوجته - لأن نفقتها على الزوج في الاشتراك في المنافع عادةً، ولا تدفع المرأة إلى زوجها عند أبي حنيفة، قال: تدفع إليه أي هناك مذهب لا يجيز ومذاهب أخرى يجيز أن تدفع زكاة مال الزوجة إلى الزوج الفقير طبعاً لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُجْزِئُ عَنِّي مِنَ الصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا أَجْرَانِ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الْقَرَابَةِ ))
امرأة غنية وزوجها فقير زكاة مالها لها أن تعطيه لزوجها فلها عندئذ أجران، أجر الصدقة وأجر الصلة، قال النبي ذلك لامرأة ابن مسعود، وقد سألته التصدق عليه، طبعاً الذي منع أن تعطي المرأة زكاة مالها لزوجها قال هذا القول - قول النبي عليه الصلاة والسلام -محمول على النافلة لا على الزكاة، أي إذا حملنا هذا القول على النافلة لا يجوز أن تعطي المرأة زكاة مالها لزوجها، فإذا حمل هذا القول على الزكاة الواجبة إذاً هذا دليل على دفع مال الزكاة إلى الزوج، ولا يدفع المزكي زكاته إلى مكاتبه - إلى عبده - لأن مال العبد لسيده أيضاً يوجد منفعة مشتركة، ولا إلى مملوكه بمقدار التمليك، المملوك أيضاً ماله لسيده، ولا إلى ولد غني هنا نقطة دقيقة لا يجوز أن تدفع الزكاة إلى ولد غني إذا كان صغيراً لأنه يعد غنياً بمال أبيه، بخلاف إذا ما كان كبيراً فقيراً لأنه لا يعد غنياً بيسار أبيه، الشاب الفقير لو أن له أباً غنياً، أحياناً بعض الجمعيات تقع في إشكال إن هذا واله غني، إذا كان الشخص كبيراً في السن ومستقلاً في البيت وله مصروف خاص وله أب غنيٌ شحيح وهو يستحق الزكاة.
ولا يعد الكبير الفقير غنياً بيسار أبيه وإن كانت نفقته عليه، قد يكون الأب شحيحاً، ولا تدفع الزكاة إلى بني هاشم لأن الله تعالى حرم عليهم أن يأخذوا من الناس شيئاً على سبيل الصدقات، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يقبل الهدية ولا يأكل من الصدقة، الصدقة ليست له، بنو هاشم هم آل علي رضي الله عنه، وآل عباس، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل الحارث بن عبد المطلب، هؤلاء بنو هاشم.
اختلاف الأئمة رحمة واسعة :
الآن يوجد عندنا حالات دقيقة قال أبو حنيفة ومحمد: إذا دفعت الزكاة إلى رجل تظنه فقيراً فبان أنه غني، أو إلى هاشمي تظنه من غير بني هاشم إذا هو هاشمي، أو تظنه مسلماً فإذا هو كافر، أو دفع في ظلمة إلى فقير ثم بان أنه أبوه، أو ابنه، أو امرأته، لا إعادة عليه لو دفعت الزكاة إلى غني وظننته فقيراً، أو إلى إنسان من بني هاشم، أو إلى إنسان كافر على سبيل الخطأ، فأبو حنيفة رضي الله عنه يقول: لا إعادة عليه لأن الوقوف على هذه الأشياء بالاجتهاد والخطأ فيبنى الأمر فيهما على ما يقع عنده، وقال أبو يوسف: عليه الإعادة لظهور خطئه بيقين مع إمكان الوقوف على ذلك، أي أبو حنيفة وتلميذه الإمام محمد يقول: ليس عليه إعادة، والإمام أبو يوسف يقول: عليه أن يعيد دفع الزكاة مرةً ثانية، أنت اختر أحدهما، أي اختلاف أمتي رحمة، اختلاف هذه الأئمة رحمة واسعة واتفاقهم حجة قاطعة.
عدم دفع الزكاة إلى من يملك نصاباً من أي مال كان :
ولا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصاباً من أي مال كان، ما هو النصاب؟ مال زائد عن حاجته الأساسية، أي آكل وشارب وساكن ونائم، يلبس، ومعه ثلاثون أو أربعون ألفاً زيادة، هذا الإنسان لا يجوز أن تدفع له الزكاة، هذا غني مالك للنصاب، لأن الغنى الشرعي مقدر به، والشرط أن يملك نصاباً فاضلاً عن حاجته الأساسية، ويجوز دفعها إلى من يملك أقل من ذلك وإن كان صحيحاً مكتسباً، رجل يملك أقل من النصاب وهو صحيح ومكتسب يجوز أن تدفع له الزكاة لأنه فقير، والفقراء هم المصارف، ولأن حقيقة الحاجة لا يوقف عليه فأدير الحكم على دليلها وهو فقد النصاب، ونحن لا يوجد عندنا إمكانية أن نعرف الحقيقة مئة بالمئة، كل إنسان لا يملك النصاب فهو في الإسلام فقير، والفقير يحتاج إلى مساعدة.
كراهة نقل الزكاة من بلد إلى آخر :
يكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر، يجب أن تدفع الزكاة في بلد كسب المال، هذه نقطة دقيقة جداً، أنت مقيم في دمشق، ولك تجارةٌ رابحة، وبعت واشتريت وربحت أموالاً، من الذي أربحك؟ هذا البلد وأهله والذين اشتروا منك، ففقراء هذا البلد أحق بزكاة مالك، فزكاة المال تدفع في بلد الكسب إذاً يكره ولا أقول لا يجوز، يكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر وإنما تفرق صدقة كل قوم فيهم تأخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم هم، ولما فيه من رعاية حق الجوار إلا أن ينقلها الإنسان إلى قرابته، لو فرضنا رجلاً من بلد أخرى مقيم في دمشق نقل زكاة ماله إلى قرابته الفقراء جداً هذا يجوز لما فيه من الصلة، وهناك قاعدة فقهية: لا تقبل صدقة الرجل وفي قرابته محاويج حتى يبدأ بهم فيسد حاجتهم، رجل له أخ، ابن عم، ابن خالة، له قريبة، عمة، خالة فقيرة جداً على أبواب الفقر، تدفع الزكاة إلى جهة أخرى، لا تقبل صدقة الرجل و في قرابته محاويج، هذا نظام التكافل الاجتماعي، كل أسرة يجب أن تتكفل بأعضائها حتى يبدأ بهم فيسد حاجتهم، ويجوز أن تنقل الزكاة إلى قوم هم أحوج من أهل بلده، لو كنت ببلد فيه بحبوحة، فيه غنى، تجارة، وأنت لست من هذا البلد لك أهل في بلد آخر أشد فقراً من هؤلاء يجوز لما فيه زيادة دفع الحاجة ولو نقلها إلى غيرهم أجزاه وإن كان مكروهاً لأن المصرف مطلق والمطلق على إطلاقه.
ملخص لما سبق :
أي ملخص هذا الموضوع أن الزكاة للفقراء الذين لا يملكون حاجتهم الأساسية، والمساكين الذين لا يملكون شيئاً، والمؤلفة قلوبهم وهم أصناف ثلاث سقط سهمهم بإجماع العلماء بعد أن أعزّ الله الإسلام بالنصر، والعاملين عليها - الموظفون المكلفون بجبي أموال الزكاة وتوزيعها على الفقراء- والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب المكاتبين من الأرقاء، والغارمين أصحاب الديون، وفي سبيل الله، أوسع معاني من معانيها كل القربات إلى الله في سبيل الله، أو منقطع الحجاج، أو منقطع الجهاد، أو طلبة العلم، وابن السبيل من كان له مال في وطنه وهو منقطع في طريق السفر ، ولا يجوز دفع الزكاة إلى ذمي، ولا إلى كاتب، ولا إلى هاشمي، ولا إلى الأصول مهما علت، ولا إلى الفروع مهما نزلت، ولا إلى غني يملك نصاب المال، ويكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد إلا لحالات اضطرارية، كأن يكون البلد المنقول إليه أفقر من البلد المجبى فيه زكاة المال، أو لقرابة، أو لعلة أخرى، وإذا دفعت الزكاة خطأً لخلاف هذه المصارف فعند أبي حنيفة والإمام محمد ليس عليه الإعادة، وعند الإمام أبي يوسف عليه الإعادة.
طبعاً بقي موضوع في الزكاة متعلق في أنصبة الزكاة في أموال الذهب والفضة وعروض التجارة إن شاء الله تعالى نتم هذا البحث في الدرس القادم.
* * *
مكانة المرأة في الإسلام و حرمة آل بيت رسول الله :
ننتقل إلى قصة من قصص التابعين رضوان الله عليهم، موضوع اليوم التابعي الجليل سالم بن عبد الله بن عمر، كان هذا التابعي الجليل من التابعين الأجلاء الذين تربوا على يد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلقوا بأخلاق الصحابة الكرام، وقد حدث أن عبد الرحمن بن الضحاك والي المدينة في خلافة يزيد بن عبد المطلب، وكانت فاطمة بنت الحسين رضي الله عنه ونضّر الله في الجنة روحها قد ترملت وانقطعت إلى أولادها، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( أول من يهز حلق الجنة أنا فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي فقلت من هذه يا جبريل؟ قال: هي امرأة مات زوجها وترك لها أولاداً فكرهت أن تتزوج من أجلهن))
أي هذه التي ترعى أولادها وتضحي بحظها من الحياة هذه لها عند الله مقام كبير، ففاطمة بنت الحسين رضي الله عنه ونضر الله في الجنة روحها قد ترملت وانقطعت إلى أولادها، فتقدم إليها ابن الضحاك والي المدينة وخطبها لنفسه فقالت: والله لا أبغي الزواج ولقد قعدت على بني ووقفت نفسي عليهم، فجعل يلح عليها وهي تحتال في الاعتذار إليه من غير مخاشنة خوفاً من شره، يبدو أنه كان شريراً فلما وجدها تأباه قال لها: والله لأن لم ترضيني لكِ زوجاً لآخذن أكبر بنيكِ ولأجلدنه بتهمة شرب الخمر، فاستشارت سالم بن عبد الله في أمرها، فأشار عليها أن تكتب للخليفة كتاباً تشكو فيه الوالي، وتذكر قرابتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورحمها في آل البيت، فكتبت الكتاب وأنفذته مع رسول لها إلى دمشق، وما كاد الرسول يمضي بالكتاب حتى جاء أمر الخليفة إلى ابن هرمز عامله على ديوان المال في المدينة، يوجد عندنا الوالي، ومدير المالية عامله على ديوان المال، بأن يقدم عليه ليرفع الحساب إليه.
فقام ابن هرمز يودع أصحاب الحقوق عليه فاستأذن على فاطمة بنت الحسين مودعاً وقال: إني ماض إلى دمشق فهل لك من حاجة؟ قالت: نعم، تخبر أمير المؤمنين بما ألقى من ابن الضحاك، وما يتعرض به إليها، وإنه لا يرعى حرمةً لعلماء المدينة وخاصة سالم بن عبد الله بن عمر، قال: هذا ابن هرمز لام نفسه على زيارتها إذ ما كان يريد أن يحمل شكواها على ابن الضحاك إلى الخليفة، موقف حرج، وصل ابن هرمز إلى دمشق في نفس اليوم الذي وصل فيه الرسول الذي يحمل كتاب فاطمة بنت الحسين فلما دخل على الخليفة استخبره عن أحوال المدينة، وسأله عن سالم بن عبد الله وصحبه من الفقهاء، وقال له: هل هناك أمر ذو شأن جدير بأن يعلم أو خبر ذو خطر حري بأن يذكر؟ فلم يذكر له شيئاً من قصة فاطمة بنت الحسين خوفاً من ابن الضحاك ولم يشر بشيء إلى موقف الوالي من سالم ابن عبد الله.
وفيما هو جالس عنده يرفع له حسابه إذ دخل الحاجب وقال: أصلح الله الأمير إن بالباب رسول فاطمة بنت الحسين فتغير وجه ابن هرمز وقال: أطال الله بقاء الأمير إن فاطمة بنت الحسين حملتني رسالة إليك وأخبره الخبر، فما إن سمع مقالته حتى نزل عن سريره وقال: لا أم لك، ألم أسألك عن شؤون المدينة وأخبارها أيكون لديك مثل هذا الخبر وتكتمه عني؟ فاعتذر إليه بالنسيان، ثم أذن للرسول فأدخل عليه، وأخذ الكتاب منه وفضه، وجعل يقرأه والشرر يتطاير من عينيه، وأخذ يضرب الأرض بخيزران كان في يده، وهو يقول: لقد اجترأ ابن الضحاك على آل رسول الله ولم يصغِ لنصح سالم بن عبد الله فيه، هل من رجل يسمعني صوته يعذب في المدينة وأنا على فراشي هنا في دمشق؟ فقيل له: نعم يا أمير المؤمنين ليس في المدينة إلا عبد الواحد بن بشر النضري، فوله إياه وهو مقيم الآن في الطائف، فقال: نعم والله نعم إنه لها، ثم دعا بقرطاس وكتب بيده من أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك إلى عبد الواحد بن بشر النضري السلام عليك أما بعد فإني قد وليتك المدينة فإذا جاءك كتابي هذا فتوجه إليها، واعزل عنها ابن الضحاك، وافرض عليه غرامةً مقدارها أربعون ألف دينار، وعذبه حتى أسمع صوته من المدينة لأنه اجترأ على آل رسول الله.
أخذ صاحب البريد الكتاب ومضى يحث الخطا نحو الطائف عن طريق المدينة، فلما بلغ المدينة لم يدخل على واليها ابن الضحاك ولم يسلم عليه، لأن معه قرار عزله فأوجس الوالي خيفةً في نفسه، وأرسل إليه، ودعاه إلى بيته، وسأله عن سبب قدومه فلم يبح له بشيء فرفع طرف فراشه وقال: انظر فنظر فإذا كيس قد ملأ بالدنانير فقال: هذه لك، ولك علي عهد إن أنت أخبرتني عن وجهتك وما في يديك لأدفعنها إليك، ولأكتمن عليك ذلك، فأخبره فدفع إليه المال وقال له: تريث هنا ثلاث ليال حتى أصل إلى دمشق ثم امض أنت إلى ما أمرت له.
ذم ابن الضحاك ركائبه وغادر المدينة لتوه، ومضى يحث المطايا نحو دمشق فلما بلغها دخل على أخي الخليفة مسلمةَ بن عبد الملك، وكان سيداً أريحياً صاحب نجدة فلما صار بين يديه قال له: أنا في جوارك أيها الأمير، فقال: أبشر بخير وما شأنك؟ فقال: إن أمير المؤمنين ناقم علي لهنة بدرت مني، فغدا مسلمة على يزيد وقال: إن لي لدى أمير المؤمنين حاجة فقال يزيد: كل حاجةٍ لك مقضية ما لم تكن في ابن الضحاك، فقال: والله ما جئتك إلا من أجله، فقال: والله لا أعفيه أبداً، فقال: وما ذنبه؟ قال: قد تعرض لفاطمة بنت الحسين وهددها وتوعدها وأرهقها، ولم يصغِ لنصح سالم بن عبد الله في أمره، فهب شعراء المدينة يهجونه وطفق صلحاءها وعلماءها يعيبونه، فقال مسلمة: أنت وشأنك معه يا أمير المسلمين؟ فقال يزيد: أمره أن يعود إلى المدينة لينفذ واليها الجديد أمري فيه، ويجعله عبرةً لغيره من الولاة، ففرح أهل المدينة أعظم الفرح بواليهم الجديد، وسرهم حزمه في تنفيذ أمر الخليفة بابن الضحاك، وزادوا تعلقاً به حينما وجدوه يذهب مذاهب الخير ولا يقطع أمراً من أمورهم إلا إذا استشار فيه القاسم بن محمد بن أبي بكر، وسالم بن عبد الله بن عمر.
هذه قصة تعلمنا أشياء كثيرة، تعلمنا أن للمرأة مكانتها في الإسلام، المرأة لها مكانة أي كتاب أرسلته إلى الخليفة لأن أحد الولاة قد تجاوز الحدود معها وأرهقها وهددها أن يعذب ابنها بتهمة ملفقة فما كان من الخليفة إلا أن عزله وأنزل به عقاباً أليماً جزاء تهجمه وتطاوله، ومنها موعظة أخرى هي أن لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمةٌ، لذلك أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه، وأحبوني بحب الله وأحبوا آل بيتي بحبي.