وضع داكن
19-04-2024
Logo
الزكاة - الدرس : 02 - من لا يجوز دفع الزكاة إليهم ...مصارف الزكاة.
  • الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
  • /
  • ٠4الزكاة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه ، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

تحرم الزكاة على :

1 ـ الكفار و الملاحدة :

 أيها الأخوة الكرام، الحديث عن مصارف الزكاة هو الذي وعدتكم به في الأسبوع الماضي، ولكِنَّني آثرتُ إضافة إلى هذا الموضوع أنْ أبدأ بِمَن تحرُم عليهم الزكاة.
 أوَّلاً: تحرمُ الزكاة على الكافرة والملاحدة، أيْ إنسان لا يُحَرِّم ولا يُحَلِّل، ولا يصلِّي، ومتفلِّت من الدِّين، وهمُّه شَهوتُهُ، وإن أعْطَيْتُهُ من مالك فسوف يستعين به على معْصِيَة الله تعالى، أو على محاربة الله تعالى ورسوله، فلا ينبغي أن تُعطى الزكاة له إطلاقًا، ولا الصَّدقة، وفي الحديث الشريف:

((بَعَثَ مُعَاذًا رَضِي اللَّه عَنْهم إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ))

[البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا]

 لو قال النبي عليه الصلاة والسلام: وتردّ على الفقراء، فهذه مطلقة، أما ضمير هم يؤكّد من المقصود بالخطاب، وهم المسلمون، فالفقير الملحد أو الكافر أو الفاجر لا يجوز أن ندفع له زكاة أموالنا، ولا صدقاتنا، ولا زكاة فطرنا.

استثناء من الذين تحجر عليهم الزكاة :

 لكن هناك استِثناء طفيفاً، إنسانٌ ليس مستقيمًا، ولكنَّه لا يناصبك العِداء لو أعْطَيتَهُ زكاة مالِكَ ربّما مال إليك، وربَّما حمله هذا الميل على التوبة وأن يُسْلِمَ، ويحسن إسلامه، فإن كان الأمر كذلك، وأنت وحدَكَ تُقدِّر ذلك فافْعَل، فهذا استثناء من الذين تحجر عليهم الزكاة، لأنَّه ينضوي تحت والمؤلَّفة قلوبهم، لذلك رجَّح بعض الفقهاء أنَّ هؤلاء إن كانت قلوبهم مؤلَّفة وإن كانوا بإعطاء الزكاة تجْلبهم إلى الإسلام لك أن تُعطيهم من زكاة التطوّع لا من زكاة الفرض، لأنّ زكاة الفرض نصَّ عليها النبي الكريم صلى الله عليه وسلّم؛ تؤخذ من أغنيائهم وترَدُّ إلى فقرائهم، وهناك الكثير من الأخوة المؤمنين لهم في حساباتهم الجارية باب الزكاة، وباب الصدقة أي باب زكاة التطوّع، ويجوز أن يُعْطَوا من صدقة التطوّع، هؤلاء غير المستقيمين إن غلب على ظنِّك أنَّك بإعطائهم تستجْلبهم للإيمان يجوز أن تعطيهم من زكاة التطوّع لا من زكاة الفرض لأنّ زكاة الفرض تؤخذ من الأغنياء وتردّ على الفقراء، من أين أخذنا ذلك؟ قال تعالى:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾

[ سورة الإنسان: 8 ]

 الأسير مشرك يُطْعم من الزكاة، ولكنَّها زكاة تطوّع.

 

2 ـ بنو هاشم :

 لكن البحث مُدْهش وهو أنَّ الكفَرة والملاحدة لا تحلّ لهم الزكاة، وبنو هاشم، فكيف جمع المؤلّف بين هذين الصِّنْفين؟! لأنّ بني هاشم من آل بيت النبي، ولا تجوز الصَّدقة لا على النبي صلى الله عليه وسلّم، ولا على آل بيته، لذلك لمَّا كان يُقدَّم للنبي طبق تمْرٍ صدقةً، لا يأكل منها أبدًا، وهذه كرامة من الله للنبي ولآله، ولذلك هناك أشخاص منسوبون إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فيجب ألا تُقدَّم إليهم الصَّدقة ولكن الهديَّة، والمراد بِبني هاشم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، وآل حارث، ويقول عليه الصلاة والسلام قَالَ:

(( إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ ))

[مسلم عن الزهري]

 أخذ الحسَنُ تمرةً من تمْرة الصَّدَقة فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أما شَعَرت أنَّا لا نأكل الصَّدَقة! وقال له: كَخْ وهي كلمة نبَويّة، فلا يحِلّ للنبي صلى الله عليه وسلّم، ولا لأهل بيته الطيِّبين الطاهرين.

3 ـ الأصول و الفروع :

 لا تجوز الصّدقة عامّة، والزكاة خاصّة، وبالأصحّ لا تجوز صدقة الفرض للآباء مهما علَوا، وللأبناء مهما نزلوا، أي الأصول والفروع، فالذي ينفق على هؤلاء كأنّه تهرَّب من دَفع الزكاة، لأنّ هذه النفقَة واجبة على ذِمَّته في حقِّه، ولكن هناك موضوعاً مهمّاً جدًّا، وهي أنَّه أحيانًا يكون الابن مستقلّاً عن الأب، الابن متزوّج، وله بيت، وعليه دَين، والأب معه نِصاب الزكاة، فلو دفعهم لابنه لجاز، لأنَّ المقصود بالابن من كان في حِجره، ومن كان في كفالته، ونفقته على الأب، أما إن كان الابن مستقلاً في نفقته، ففي مثل هذه الحالة يجوز أن تُدفع الزكاة إلى الابن، وهناك حالة ثانية، قلنا إنّ الذين تحرم عليهم الزكاة الأصول والفروع، أما الأخَوات فلم ينصّ الفقهاء على ذلك، فَمن كان في بيته أُختٌ له ينفق عليها لا يجوز أن يدفع لها الزكاة، ولو دفع لها الزكاة لكان دفعُهُ تهرُّبًا من دفع الزكاة، فالأُخت له أن يُعْطِيَها الزكاة إن كانت مستقلَّة عنه، أما إن كانت في حجره وهو ينفق عليها فدَفعُ الزكاة لها تهرّب من دفع الزكاة، فهاتان حالتان استثنائيَّتان.
 يروى أنّ النبي الكريم صلى الله عليه وسلّم رُفِعَت إليه شَكوى في أنَّ صحابيًّاً دفَعَ زكاة ماله لِصحابيٍّ آخر لِيُنفقَها بمعرفته، فما كان من هذا الصحابي المُوَكَّل إلا أن جزأً من زكاة مال الصحابي الأول إلى ابن الأوّل! فاحْتجَّ الصحابي كيف تُعطي ابني من مال الزكاة؟! فرفع أمرهما إلى النبي فأقرَّ فعلهما، قال: لك ما أعْطيتَ، وله ما أخذ! فيبْدو أنّ ابن هذا الصحابي ليس في حِجره، وهو مستقلّ عنه، وهو بِحاجة.

4 ـ الزوجة :

 الزوجة أيضًا لا يحلّ لك أن تُعْطِيَها شيئًا من زكاة مالك، فلو طلبتْ منك أونصة ذهبًا وكان معك عشرة آلاف ونصابها مثلاً ألفًا، فأعطيتها لِزَوجتك كي تشتري هذه الأونصة فهذا لا يجوز، وهو احتِيال، لا يجوز أن تُدْفع الزكاة للزوجة.
 الآن عندنا حالة أخرى، لو كان هناك زوج فقير ودَخله مَحدود، وزوْجة ورِثَت عن أبيها مبلغًا طائلاً، واستحقّ أداء المبلغ زكاة، فهل يجوز أن تعطي الزوجة زوجها؟ نقول لها: يجبُ أن تعطي زكاة مالك إلى زوجك لأنَّه أقرب الناس إليك، والعكس غير صحيح.

نهي النبي أن يشْتري الإنسان زكاة ماله :

 نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يشْتري أحدٌ زكاة ماله، كأن يعطي أحدهم فقيرًا خبزًا، ويضعُ فيه زكاة ماله، ثمّ يقول للفقير: أتَبيعُني هذا الخبز بعشر ليرات؟! فالفقير يبيعه لأنّ ليس معه مال، ولا يعرف ماذا يوجد بِداخله، هذا احْتِيال سخيف جدًّاً، كما أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم نهى المهاجرين عن العودة إلى مكّة، معنى ذلك أنَّ الإنسان إذا فعَل الخير فلا يتراجَع، والعائد في هِبَتِهِ كالعائِد في قيْئِهِ، استحباب إعطاء الزكاة للزوج والأقارب، كما قلنا قبل قليل.

((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّهم عَنْهم خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَوَعَظَ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ تَصَدَّقُوا فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ جَاءَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ زَيْنَبُ فَقَالَ أَيُّ الزَّيَانِبِ فَقِيلَ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ نَعَمْ ائْذَنُوا لَهَا فَأُذِنَ لَهَا قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ ))

[البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]

إعطاء طلبة العلم من الزكاة دون العُبَّاد :

 استحباب إعطاء طلبة العلم من الزكاة دون العُبَّاد، فالذي يطلب العلم يستحقّ الزكاة قبل العابد، لأنّ هذا خيرهُ محدود، يعبد الله، أما طالب فسوف ينشر علمه، ولا بدّ من طلب العلم إلى التفرّغ، والإمام أبو حنيفة يقول: والله لو كُلِّفْتُ شِراء بصلة ما تعلَّمتُ مسألة! فالعِلم يحتاج إلى تفرّغ، وهذا الذي يطلب العلم لِيَنشرَهُ هو أولى من أن يأخذ من زكاة الأموال، أما من أقْبل على نوافل العبادات، والكَسْبُ يمنَعُهُ منها، أو استغراق الوقت بها، فلا تحلّ له الزكاة بالاتِّفاق، فالذي يترك أهله يتكفَّفون، ويذهب إلى العبادة، تمنع عنه الزكاة، واليد العليا خير من اليد السفلى، ولا تسأل الناس شيئًا، لكنّ المشتغل بالعلم يجوز أن يأخذ من أموال الزكاة.

نقل الزكاة :

 هناك رأي دقيق في موضوع نَقل الزكاة، فالمال الذي جُمِعَ في دمشق ينبغي مبدئيًّا أن يُعطى لِفُقراء دمشق، لأنّ هذه المكاسب التِّجاريَّة تحقَّقَت في دمشق، ففُقراء دمشق أولى بها من غيرهم، ونقل الزكاة مكروه ولكن سألني أخ سؤالاً دقيقًا، فلو كان للواحد أقارب في تركيا فقراء جدًّاً، ولا أحد يقدِّم لهم المعونة، قلتُ له: اِدْفعها لهم، ولا إشكال في ذلك، فهذه حالات اسْتِثنائيَّة، لأنّ لا أحد يعرفهم، ولا يعينهم، وأنت أدرى بهم، ولكن بِشَكلٍ عام نَقلُ الزكاة من بلد إلى آخر ليْس مستحبًّا لأنَّ بعض الخلفاء نهى عن ذلك استِنباطًا لأنَّ هذا البلد أغنياؤُه يجب أن تردّ أموالهم إلى فقرائهم.
 ولكن هناك رأي دقيق، لا تجوز أن تُنْقل أموال زكاة بلد إلى بلد آخر إلا إذا اكتفى فقراء البلد الأوّل، فإذا اكتفوا يجوز نَقل الزكاة إلى البلد الثاني و إلا فلا.

مصارف الزكاة التي شرعها النبي عليه الصلاة والسلام :

1 ـ للفقراء و المساكين :

 أولاً: قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

[ سورة التوبة : 60]

 بعضهم قال: الفقراء والمساكين إن اجتمعا تفرَّقَا، وإن تفرَّقا اجتمعا، فإذا قال تعالى:

﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة البقرة: 273]

 أي الفقراء والمساكين، وإذا قال المساكين أيْ الفقراء والمساكين، أما إن قال للفقراء والمساكين فمعناه الفقراء شيء، والمساكين شيء آخر، والنبي عليه الصلاة والسلام فيما يُرْوى عنه يقول:

(( ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، ولا اللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 الحاجة هي المسكن، والمتْجر، وأدوات العمل، ودابة للنَّقل، فمن قلَّت عنه هذه الحاجات تجوز فيه الزكاة، فلو أنّ واحدًا يملِكُ بيتًا، ولكن عنده أولاداً، ودَخْلهُ قليل، فالشيء الذي أنت بِحاجة إليه هو ثمن مستهلك، ولا قيمة له، فبعض الجماعات يتشدَّدون، وهو أنّ الذي يملك بيتًا لا تجوز فيه الزكاة هل يبيعُ بيته؟

(( ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، ولا اللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف))

 أحيانًا يكون ابنه مريضًا، وأحيانًا نفقات استثنائيّة، لذلك للفقراء والمسكين، والفقير أو المسكين الذي أمرنا الله بإعطائه يحْسبُه الجاهل غنيًّاً من التَّعفّف، قال تعالى:

﴿ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة البقرة: 273]

 هناك نوع دقيق يقول سيّدنا عمر: إذا أعْطَيتُم فأغنوا! أيْ في الصَّدقة، إذا وزَّعتَ لحمًا مثلاً، فلابدّ أن تكثر من إعطاء، إذا أطْعمْت فأشْبِع، ورحم الله عمراً، ما رأيتُ أزْهد منه إذا أطْعم أشْبع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوْجع، وإذا مشى أسْرع، هكذا قالت السيّدة عائشة فهل يُعقل أن تعطي من يريد إكساء أولاده في العيد خمسين ليرة؟! فالعَطاء لا بدّ أن يكون معقولاً، وكافيًا.

العمل مهما كان قليلاً فهو عند الله شريف :

 النبي عليه الصلاة والسلام بالمقابل يقول:

((يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاَثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً))

[ مسلم عن قبيصة]

 لو فرضنا خطأ دهس إنساناً فحكموا عليه بِخمسين ألف ديّة! ولم يكن معه، وهذا فوق طاقته، فهذا الإنسان يحقّ له أن يسأل الناس:

(( ..... فحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ
حريق أذهب له كلّ ماله:

((....فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِى الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلاَنًا فَاقَةٌ))

 فلا بدّ أن يشهد أناسٌ أنَّه فقير، لأنّ هناك كثيراً من الناس عندهم دجل، وخبرة في الكذب، فقد جاءني أحدهم يطلب ستَّة آلاف لإجراء عمليّة في عَيْنِهِ، فجمعنا له المال، وإذا بأخٍ يهمس أُذني أنَّ هذا دجَّالاً، وكلّ يوم يذهب إلى مسجِد، فقلتُ له: ابْحَث عن مشفى لإجراء هذه العمليّة ونحن ندفع للطبيب، فقال: العمليّة في بلد أجنبي، فقلتُ له: هناك أطِبَّاء جيِّدون هنا، فأبى!! الشحاتة أصبحت عند بعضهم عادة، قال لي شخص: هل ترى هذا المحل؟ فقلتُ: نعم، فقال لي: هذا لا يرضى خمسمئة ليرة باليوم! كلّ واحد يأخذ منه ليرة ليرة! نسأل الله أن يُغنينا عن السؤال، قال عليه الصلاة والسلام:

(( لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ))

[البخاري عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِي اللَّه عَنْهم ]

 فالعمل مهما كان قليلاً فهو عند الله شريف، سيّدنا الصدِّيق كان راكبًا ناقة، فوقع منه زِمام الناقة، وحوله الصحابة الكرام، فنزل ليأخذ زِمام ناقته، فلما انتبَه الصحابة انْزعَجوا فقالوا: يا خليفة رسول الله نَكفيك ذلك؟ فقال: أمرني حبيبي ألا أسأل الناس شيئًا! فما دام هناك قوّة فما عليك إلا أن تشتغل وتتعب ثمّ تنفق مالك وإياك وسؤال الناس، لأنَّك إن فعلت فتح الله عليك باب الفقر، فالإنسان عندما يفكِّر بطلب الناس تتعقَّد الأمور.
 قال عليه الصلاة والسلام:

((إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها فأجْملوا في الطلب))

[ ابن ماجه وأبو نعيم والحاكم وابن حبان وأخرجه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي ]

 نحن نتكلّم عن الصدقة والإنفاق ولكن كلّما ترفَّع الإنسان كان إيمانه أقوى، فيُمكن أن تأخذ كيس باذنجان وتضعهُ على الرصيف وتبيعُهُ، وتشتري ما يمكن شراؤه، وأنت مرفوع الرأس وملِك، ولا تتذلّل الناس، قال:

(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))

[ البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود]

ملك الملوك إذا وهب  قم فاسألنّ عن السبب
الله يعطي من يشـاء  فقِف على حـدّ الأدب
***

 كان النبي عليه الصلاة والسلام يوزّع الزكاة فشاهد رجلين شابّين قويّين كأنهما يطلبان منه العَطاء، قال: فرفع فينا بصره وخفضه، فرآنا جَلْدَين فقال: إن شئتما أعْطيْتكما ولا حظّ فيهما لِغنيّ، ولا لِقَويّ مُكْتَسِب، فلو أنّ الإنسان حمل أغراض الناس أشرف مليون مرّة من أن يمدّ يده.

2 ـ العاملون عليها :

 العاملون على الزكاة، هؤلاء الذين يجمعون الزكاة وينفقونها لهم أن يأخذوا منها، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ ))

[أبو داود عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ]

 فالعاملون عليها، عمله جمْع الأموال وتوزيعها، ولم يشتغل شيئًا، فهناك جمعيات تعاونيّة خيريّة توكِّل إنساناً متفرِّغاً ليلاً نهاراً، فهذا له الحق في أخذ الزكاة لأنّه عامل عليها.

3 ـ المؤلفة قلوبهم :

 المؤلّفة قلوبهم إما أنَّهم مسلمون أو غير مسلمين، فإن كانوا مسلمين قال: قوم من سواد المسلمين لهم نظراء من الكفار إذا أُعطوا رجي الإسلام من ورائهم، فأنت إن أعْطيته نظيره يغار فيُسْلِم، فهذا يمكن أن تعطيه، أو الضعفاء من المسلمين يُعْطَوا لِتَثبيت إيمانهم، أما الكفار إن كان يُرْجى إيمانهم فيُعْطون من الزكاة، تأليفًا لِقلوبهم، وإن كان بهذا المال يُتَّقى شرّهم يُعْطَون من هذا المال اتِّقاءً لِشَرِّهم، فنحن عندنا أربعة أصناف من المسلمين وصنفان من الكفار، فهؤلاء يُعْطَون الزكاة إما تثبيتًا لهم، أو جَلبًا لهم، أو جلبًا لنظرائهم، أو رِعايةً لأعمالهم الشاقة، أو جَلباً للخير، أو اتِّقاءً للشرّ وهذه أهداف.

4 ـ في الرقاب :

 في الرِّقاب، وهو من يشتري العبد المؤمن ويُعْتِقَهُ في سبيل الله، وهذا الآن منتف.

5 ـ الغارمون :

 الغارمون من كانت عليهم دُيون تعذَّرَت عليهم أداؤُها، فهذا يُعْطى من الزكاة، قال لي أحدهم: باع شخص بيعةً، وهذا الشخص ضعف، وله محلّ تِجاري، وأصبح المحل يبيع ولا يشتري، وأنت لك معه ألفين أو ثلاثة، والوضع مؤلِم، وهو على فراش الموت والمحل أفْلس، فيُمكن هذا الدَّيْن الثابت لك عنده تُسامحُهُ فيه، وتحسبُهُ من الزكاة، لأنَّه غارِم له ديون ولا يستطيعُ أداءها.

6 ـ في سبيل الله :

 في سبيل الله وهذه أوْسع، فبعضهم قال: الطريق الموصِل إلى مرضاته من العلم والعمل، كلّ ما يتعلّق بالعلم؛ من طلبة العلم، وبإنشاء مدرسة، وبإنشاء مَيْتم، وبعضهم الغزو في سبيل الله، وبعضهم قال: توفير طريق الحج، فهذا الحاج في سبيل الله تعالى يحتاج إلى رعاية، وبعضهم قال وهو رأي نادِر: إنَّه إن كان هناك قرية ليس فيها مسجد، ولا يجد أهلها مكانًا يُصَلُّون فيه، في هذه الحالة النادرة يجوز أن يُنْفقَ من أموال الزكاة لِبِناء المسجد، لأنَّ المسجد مركز إشعاع.

7 ـ ابن السبيل :

 ابن السبيل هو المسافر المنقطع عن بلده يُعطى من الصَّدقة ما يستعين به على تحقيق مقصده.
 هناك سؤال دقيق، لو أنّ أحدًا زكاة ماله تقدر بخمسة وعشرين ألف ليرة مثلاً هل يُعطي زكاته على هؤلاء الأصناف؟ نقول له: اِفْعل هذا، وإن أعطيتها لِصِنف واحد.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور