- الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
- /
- ٠4الزكاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، و أَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتباعه، و أرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
الزكاة :
أيها الأخوة الكرام، من الموضوعات التي تُناسب هذا الشهر الكريم موضوع الزكاة، وهذا الموضوع بِشَكل تفصيلي سوف نبْحثُه إن شاء الله تعالى بعد العيد، وقد أنْهَينا موضوع الصَّلاة، وموضوع الصّيام، ونبدأ بعد عيد الفِطر إن شاء الله تعالى موضوع الزكاة، ولكن لا بأس في هذا اللِّقاء بِبَعض القضايا الهامة في الزكاة، لأنَّ دَفع الزَّكاة في رمضان شيء مستحبّ كما سنَّه النبي عليه الصلاة والسلام.
(( ثلاثة أُقْسِم عليهنّ، وأُحدِّثكم حديثًا فاحْفظوه: عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ فَأَمَّا الثَّلَاثُ الَّذِي أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ فَإِنَّهُ مَا نَقَّصَ مَالَ عَبْدٍ صَدَقَةٌ وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ بِمَظْلَمَةٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عِزًّا وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ وَأَمَّا الَّذِي أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ فَإِنَّهُ قَالَ إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ حَقَّهُ قَالَ فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ قَالَ وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا قَالَ فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مَالٌ عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ قَالَ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ قَالَ وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ قَالَ وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ قَالَ هِيَ نِيَّتُهُ فَوِزْرُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ ))
ثلاثة أنا فيهنّ رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس: ما سَمِعتُ حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علِمتُ أنَّه حقٌّ من الله تعالى، فإذا سَمِعنا حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فينبغي أن نعلمَ عِلْم يقين أنَّه حق.
(( عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَلُ الصَّدَقَاتِ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا لِأَحَدِكُمْ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ أَوْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ وَقَالَ وَكِيعٌ فِي حَدِيثِهِ وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) (وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ) وَ ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ) ))
ألا تُحِبّ أنَّ شيئًا مِن مالِكَ يأخذهُ الله بِيَمينه؟ اِدْفَع زكاة مالِكَ.
خصال خمسة إذا أصابت المسلمين كانت بلاء عليهم :
و:
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمِ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ))
أي أعوذ بالله أن تَصِلوا إلى زمانٍ فيه هذه الخِصال الخمسة، فالفاحشة الزنا وملحقاتها من الشُّذوذ الجنسي، فهي إن مارسوها سِرًّاً ففي المجتمع بعض الخير، فإذا أعْلنوا بها حدَّثني رجل كان بِفرنسا قال لي: تُقْطع برامج التلفزيون لِتَظْهر إعلانات لِبَعض دور البِغاء، وحينما يفتخر الإنسان بِبَعض المعاصي والفواحش، ويقول: فعلتُ كذا وكذا، فهذه تحت كلمة حتَّى يُعلنوا بها، فاسْتَمِعوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام ماذا قال قبل ألف وأربعمئة عام؟ إلا فشا فيهم أوجاع من لم يكن في غيرهم، أليس مرض الإيدز أحد هذه الأوجاع الوبيلة التي لم تكن في أسلافهم؟ هذا الشَّبح وصل إلى أوربا، وأصبَح المجرم إذا لاحَقَتْهُ الشُّرطة يقول: إيدز فتهرب منه!! لِخَوْفِهِم من العَدوى.
ثمَّ إنقاص الميزان يوجب القَحط، منذ أربعين عامًا لم تشْهد دِمشق أمطارًا بهذه النِّسبة، ثمانون مليمتراً، ما يهطل في ليلة واحدة نزل في عامٍ بِكامِله، نحن على مشارف الصَّيف والأنهار في الحضيض، وشِدَّة المؤونة، وهي غلاء الحاجات، وجَوْر السُّلطان.
ومنْعُ الزكاة يوجب منْع القطر من السماء، فلولا شُيوخٌ رُكَّع وأطفال رُضَّع وبهائم رُتَّع صُبَّ العذاب عليكم من فوقكم صبًّاً.
ونقض عهد الله ورسوله يوجب تسليط العدوّ علينا، فالعدوّ ليس من المسلمين كاليهود.
وعدم حكم الأئمة بِكِتاب الله، إلا جعل الله البأس بيننا، فالبأس بينهم، وليس على عدوّهم، فهذا الحديث تعنينَا منه فقْرة واحدة؛ ولم يَمْنعوا زكاة أموالهم إلا مُنِعوا القَطر من السماء، يرْخص لَحْمُ البشَر، ويرتفِعُ سِعر لحم الضَّأن، نِساءٌ كاسِيات عاريات في رمضان، ومائلات مُمِيلات، بِهنّ يرتفع سِعر لحم الضَّأن.
على من تجب الزكاة ؟
كما قلتُ قبل قليل لن أدْخُل في تفصيلات الزكاة إلا بالقَدر الذي يَعنينا في رمضان ولنا عَودة بعض رمضان إن شاء الله لهذا البحث.
على من تَجِبُ الزكاة؟ تجِبُ الزكاة على المسلم الحُرّ، فالعبد لا تجب عليه الزكاة، المالِكِ للنِّصاب، فَعِشرون مثقالاً من الذَّهب، أو عشرون ديناراً من الذَّهَب، أو مئتا دِرهمٍ من الفضَّة، تقييم هذا النِّصاب يتراوح من ثمانية آلاف إلى عشرة، فَمَن ملَكَ هذا المَبلَغ، وحال عليه الحَوْل، وَجَب عليه دَفْعُ الزَّكاة، ويُشْترط في النِّصاب أن يكون فاضِلاً على الحاجات الضروريّة التي لا غِنَى للمرء عنها كالطعام والشراب، فإذا كان بيتك فيه مؤونة تَكفيك للأكل فهذا الطعام ليس عليه زكاة، والمَلْبس، والمَسكن، ولو كان ثمنه غاليًا لأنّه مستهلك، وكذا المركب، أما إن كانت لك مركبة أخرى تنوي بيعها فهذه عليها زكاة، وآلة الحِرفة، فهذه ليس عليها زكاة لأنَّها أموال غير نامِيَة ولكنها مستهلكة، ومعنى نامِيَة أيْ بإمكانك أن تبيعها فتأخذ الرِّبْح لكِنَّ إن كنت تسكُن بيتًا هل بإمكانك أن تبيعهُ؟ لا تستطيع.
الشرط الثاني: أن يحول على النِّصاب الحَول الهِجْريّ، فسَنة الزَّكاة ليْسَت شمْسِيَّة ولكن قَمَريّة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يدْفعُ زكاة ماله بِرَمضان، لذا انْتقَيْتُ لكم هذا الموضوع في هذه الأيام الفضيلة، وقد يقول أحدكم: أنا لم أقُم بِالجَرد الآن؟ أنا أقول له: اِدْفع دفعةً على الحِساب، موضوع الزكاة موضوع دقيق، ولا أحبّ أن تُلقي المال جُزافًا، ليس لك أجر، ولكن ممكن أن تبدأ من واحد شوال، بِدَفْع زكاة العام القادِم، فَمِن واحد شوال تفتح من حِساباتك حِساب الزكاة، فإذا مضى شوال وما دفعتَ شيئًا، بعد شوال بلغَك أنّ إنسانًا له ابن معه مرض عُضال، ومضطرّ لإجراء عَمَلِيَّة، فأعْطَيْتَهُ خمسة آلاف، أيَّدْت هذا المبلغ على نِيَّة الزكاة، وبعد شَهرين بلغك أنّ امرأة أرملة مقطوعة؛ دَفَعْت لها ألفاً، وسجَّلت ما دَفَعت، فأنت تَدفع طوال العام، فإذا جاء رمضان وجردْت مالك وكان مثلاً عشرة آلاف ترى أنت ما دفَعتهُ خِلال السنة، تنقص مثلاً ما دفعت وتدفع الذي بقي، فلو كان زكاة مالك عشرة آلاف، ودفعت أنت خلال السنة ستّة آلاف لم يبق عليك إلا أربعة آلاف، فالزكاة لا يجوز تأخيرها، ولكن يجوز دَفعُها مُقدَّمًا، فإذا حال الحَول الهِجريّ على المال يجب دَفعُ زكاة المال على الفَور عند معظم العلماء، و الأقربون أولى بالمعروف، لذا أنا أقول لك: اِدْفع زكاة مالك على مدار العام الهجري وبرمضان اِطرح المدفوع من الباقي، هذا ويُعتبر ابتِداؤهُ من يوم مُلْك النِّصاب، ولابدّ من كماله في الحول كلّه، وهناك عدّة آراء سنختار أوْجهها إن شاء الله.
هناك رأي، أنَّ عشرة آلاف ليرة سورية يجب أن تكون معك في رمضان إلى رمضان القادم، ويجب أن تبقى عشرة آلاف دائمًا، فلو نقصَت مئة ليرة سقطت الزكاة عن المبلغ فبعض الآراء فيها صعوبة أو فيها عُسْر.
هناك رأيٌ ثان وهو أنَّه يُشْترط في المال الذي تجِبُ الزكاة في عَيْنِهِ ويُعتبر فيه الحَول كالذَّهَب والفِضَّة وُجود النِّصاب في جميع الحَول، وهذا الرأي نفسه، فإن نقص النِّصاب في لحظة من الحول انقطع الحول، فإن كمُلَ بعد ذلك اسْتُأنِف الحول من حين يَكْمُل النِّصاب، فلو كانت معي عشرة آلاف في واحِد رمضان، ومضى الشهر والشهرين، وفي الشهر السادس اضْطررتُ أن أدفع ألف ليرة، سقَطَت الزكاة حينها، وهذا الرأي يُتيح التهرّب من الزكاة.
هناك رأيٌ أوْجه منه، قال أبو حنيفة رحمه الله: المُعْتبَرُ وُجود النِّصاب في أوَّل الحَول وآخرِه، ولا يضرّ النقص بينهما، فلو كان معي بِرَمضان عشرة آلاف، وبرمضان الثاني عشرة آلاف، هنا تستحقّ عليّ الزكاة، أما ضِمن السَّنة زادوا نقصوا لا يهمّ، والأرْيَح من ذلك إقامة الجَرْد كلّ سنة، معك في هذا اليوم عشرة آلاف، إذًا عليك زكاة، فالأمور باليُسْر أسْهل، فهذا رأي الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وهذا أوْجه الآراء.
وهناك رأي آخر يُعدّ حلاًّ وسَطًا، قاله العبدري: أموال الزكاة نوعان أحدهما ما هو نَمَاءٌ في نفسِهِ كالزَّرع، نحن عندنا موسم تفاح واحد، وموسِم شعير واحد، وموسِم عدس واحد، فلا توجد سَّنوات، فالحبوب والثمار تجب الزكاة فيها لِوُجودها فقط، والنوع الثاني ما يُرْصَد للنَّماء كالدراهم والدنانير، وعروض التِّجارة، والماشية، فهذا يُعْتبر فيه الحَول فلا زكاة في نِصابِهِ حتَّى يحول عليه الحَول.
الزكاة في مال الصبيّ والمجنون :
يجب على ولي الصبيّ والمجنون أن يؤدِّي الزكاة عنهما في مالهما إذا بلغ نِصابًا، سألني أحدهم سؤالاً فقال: لي شريك في أوروبا، وله مزرعة، فشَريكُه دينُهُ ضعيف، فما أعطاهُ تَوجيهًا في دَفْع الزَّكاة، الشريك المُقيم في سوريا يُديرُ له مزرعة، سألني: أأَدْفَعُ زكاة المال من دون علم شريكي؟ فقلتُ له: اِدْفَعْها، وهي حقّ، وهي دَينٌ في ذمَّته، إن كان هو لا يعلم، أو كان جاهلاً، وحُكمهُ كحُكْم المجنون!! كيف؟ النبي عليه الصلاة والسلام رأى في الطريق مجنونًا، فأراد أن يُعطِيَ أصحابَهُ درسًا بليغًا، قال: من هذا؟ قالوا: هذا مجنون! فقال: لا، هذا مُبْتَلى، ومُصاب ولكنّ المجنون من عصى الله، فالذي يقول لك: لا أدْفعُ زكاة مالي، هذا حُكمهُ حُكمُ المَجنون! لذلك أفْتيْتُهُ بهذه الفتيا.
((عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَلَا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَة ))
هذه نَظَرِيَّة اقْتِصادِيَّة مهمّة جدًّاً، فأنت إذا أردت خبئ مالَكَ، فإذا كان أفراد الأُمّة معهم أموال طائلة، وكلّ شيء مخبأ بالصناديق، والأمّة فقيرة لو أخذنا مئة ألف لِمَشروع، أيًّاً كان المشروع، الذي يرخص الأسعار قانون ثابت هو توافر البِضاعة، علِمْتُ من سَنَوات أنَّ سِعر البيض هبط عن التَّسْعيرة القانونيَّة، وأصبح سِعر الكرتونة تِسع ليرات، وهذا كلّه لِوَفْرة الإنتاج، فَوَفْرة الإنتاج هي العامل الوحيد في تنزيل أسعار السِّلَع، فَمِن عامٍ نشأتْ أزمة علَف فَسُمِح للناس جميعًا أن يستوردوا العَلف من دون قيد أو شرط، ففاجأني إعلان في الصحيفة أنّ المزرعة الفلانيّة تبيع العلَف بِكُلفتِهِ فقط، ما الذي أرخص الأسعار؟ توافر البضاعة، لذا إن كان مع شخص مليون ليرة عليه أن يدْفع عليها في كلّ سنة زكاتها، فالزكاة وحدها تَكفل أن تأكلها كلّها بعد أربعين عامًا، فأحد بواعث اسْتِثمار المال أنّ المال إذا بقيَ مُجمَّدًا تأكله الزكاة ويتلاشى، ولا بدّ من اسْتِثماره فإذا اسْتَثْمرتَهُ في أيّ مَشْروع ساهَمْتَ في وَفْرة الإنتاج، فإذا ساهَمْت في وَفرة الإنتاج هبطَت الأسعار، وحينها يعيش الناس في بحبوحة، لذلك قال المفسِّرون في تفسير قوله تعالى:
﴿ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ﴾
قال المفسِّرون: أيْ وَفْرة المواد، ورخص الأسعار، لماذا يُطالبك النَّجار بِمَبلغ باهظ لِغُرفة النوم؟ لأنّ المصروف غال، فلو هبط المصروف لقَنِعَ بِرِبْحٍ أقلّ، فهذه سلسلة متكاملة، لو أنّك طرحْت كمِّيَة بِضاعة، ساهم هذا الطَّرْح بِخَفض السِّعر، حينها تُساهم هذه البضاعة بِتَخفيض أسعار المواد الغذائيّة، التي تُساهم بِتَخفيض أسعار الخشب، فلمَّا نزل مستوى المعيشة قنع النَّجار بِدَخل أقلّ، فهذه العمليَّة صعود مستمرّ أو نزول مستمرّ وقد قال عليه الصلاة والسلام أيها الأخوة الكرام:
((... أَلَا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَة ))
لكنّ النبي عليه الصلاة و السلام كأنَّه يعيش معنا في الأسواق، وتاجر عريق، فهو صلى الله عليه وسلم نبيّ مُرْسَل، ولكن لا ينطق عن الهوى، قال: ولا تجعل ماله دون مالك! اُنظر إلى هذا المعنى الدقيق، فلو كنتَ تاجِرًا ووَصِيًّا على أيتام ومعك مئة ألف لِيتيم، وأنت معك خمسمئة ألف رأسمال شَخصي، وعرضوا عليك بِضاعة جديدة لا تعرف هل تُباع أم لا؟! تقول: سوف أضَع مال هذا اليتيم في هذه البضاعة! جرَّبْت فإذا بالبِضاعة لم تُبَع! فتقول: ليس لكم قِسمة، أما مالك فتضَعُهُ بالبِضاعة الرائِجَة وربْحها مضمون، ورأسمالك وضَعته هنا، أما هذا اليتيم المسكين فتمْتَحن البِضاعة بِماله، قال عليه الصلاة والسلام: "ولا تجعل ماله دون مالك" فلا تجعَل ماله كالدريئة تتَّقي به الأخطار! ليس هذا إنصافًا، وليس هذا إخلاصًا، وليس هذا وفاءً، فإذا كان معك مال اليتيم كان عليك أن تنْتقي البِضاعة الرائِجَة، والمعروف بيعُها، والذي يُعَدُّ بيعُها حقيقة ثابتة.
وكانت عائشة رضي الله عنها تُخرِجُ زكاة أيْتام كانوا في حِجْرها، أيْ مُلخَّص الموضوع إذا كان تحت إدارتك مال، اِدْفع عنه الزكاة، طبعًا دفع الزكاة للمؤمن أولى وللأقارب أولى وأولى، وإذا كان لا يعرف أو جاهل أو مجنون أو صبيّ فادْفع عنه الزكاة فإنّه حق عليه لا يسقط بالتقادم.
حكم المالك المدين :
المالك المدين: لو أنّ شخصاً يملك اثني عشر ألف ليرة، ولكن عليه دفع بعد شَهر ستَّة آلاف، أو خمسة آلاف، من كان في يده مالٌ تَجِب فيه الزكاة، وهو مَدينٌ، أخْرَجَ منه ما يفي بِدَيْنِهِ، وزكَّى بالباقي، معه ثمانية عشر ألفاً، وعليه ثمانية آلاف دَين، ويبقى عشرة آلاف فيَدْفع زكاة ماله من العشرة الباقية هذه، وهذا يُسمُّونه تقاص، تطرح ما عليك مِمَّا لك فالتفاضل تدفَعُ عنه الزكاة، فعلى مستوى محلّ تِجاري تجْرُد البضاعة، فمثلاً عندك بِضاعة بِثَمانية آلاف مثلاً، ولك بالصُّندوق ثلاثة آلاف، ولك دُيون مسْتحقَّة ثابتة؛ سِتَّة آلاف، وعليك ضريبة، وذِمم لِمُوَرِّدين فما عليك إلا أن تعمل تقاص؛ مِن وإلى، وهذه اللغة المُحاسبيَّة الموجودات والمطلوبات، فالزكاة على التفاضل والتقاص لا على كلّ المال، والذي يملك اثني عشر ألف ليرة بالصندوق، وعليه عشرة آلاف فلا شيء عليه لأنَّهم دون النِّصاب، قال عليه الصلاة والسلام:
(( لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى ))
((عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رَضِي اللَّه عَنْهم إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ))
دَين الله أحقّ بالقضاء :
ودَين الله أحقّ بالقضاء كما قال عليه الصلاة والسلام، ومن مات وعليه زكاة فإنَّها تَجِبُ في ماله، وتُقدَّم على الغرماء، والوصيّة، والورثة.
نحن عندنا قاعدة؛ إذا ماتَ الميّت أوَّل شيء يُجَهَّز ويُدْفن، فلا بدّ من دَفْع نفَقات الجنازة والدَّفن لكن باعتِدال، ليس أن تقيم غذاءً يُكلّفك عشرين ألف ليرة، هذا لا يجوز، فالنَّفَقات الضروريّة هذه تُحْسم أوَّلاً من المُتَوَفَّى، وبعد ذلك الدَّين الممتاز وهم الغرماء، ومنه مَهر الزَّوجة، وزكاة المال التي لم تُدْفع، ثمّ الدائنون وبعد ذلك تَنفيذ الوَصِيَّة، وبعد ذلك يأخذ الورَثة مِمَّا بقي، فمكان الزَّكاة مع الدَّين الممتاز، الذي يؤْخذ قبل كلّ شيء بعد تَجهيز الميّت:
((عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رجلاً جاء النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى))
نحن نأخذ الفقْرة الأخيرة؛ دَين الله أحق أن يُقْضى، هذه تُسحب على الزكاة.
النية من شروط الزكاة :
يشترط للزكاة النيّة، وذلك لكي يقصد المزكِّي عند أدائِها وجْه الله تعالى ويطلب بها ثوابه، ويجْزم بِقلبِه أنَّها الزَّكاة المفروضة عليه، واشْترط الإمام الشافعي النيّة عند الأداء، وعند أبي حنيفة أنَّ النيّة تجب عند الأداء أو عند عزل الواجب، ما هو عزل الواجب؟ لو كان لِشَخص مال بالصندوق، فحسَبهم ومسك مبلغ الزكاة ووضَعهم بِجانب، ونوى به الزكاة فهذا عزل مال الزكاة وهو ينتظر المال المناسب.
وجوَّز الإمام أحمد تَقديم النيَّة على الأداء زمنًا يسيرًا، فقبل الأداء، وممكن عند الأداء، وممكن عند العزل، فيجب إخراج الزكاة فَوْرًا عند وُجوبها ويحْرُم تأخير أدائِها عن وقت الوجوب إلا إذا لم يتمكَّن من أدائها فيَجوز له التأخير حتَّى يتمكَّن، كأن يكون مسافراً هذه حالة، ولكنَّني أنصحكم قبل كلّ شيء اِدفعوا سلفًا، وافْتح حساب الزكاة من واحد شوال، حينها يصبح الدفع سهلاً عليك، وقد روى أحمد والبخاري عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال:
((عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ فَقَالَ ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ تِبْرًا عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ))
أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يُعلِّمهم درسًا عمليًّا، فهو عليه الصلاة والسلام كرِهَ أن يبيتَ عنده، وروى الشافعيّ والبخاري عن عائشة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال:
(( ما خالطت الصَّدقة مالاً قطّ إلا أهلكتهُ ))
حديث مُخيف، فهذا المال مالك، وفي بِضع منه زكاة، أنت ما دفعتها، فهناك خطر أن يتلف المال كلّه، لذا اِعزِل هذا المال، وابحث عن مصْرفٍ له بِأسْرع وقتٍ ممكن قبل أن يأتي التأديب الإلهي، والحُبَيبي شرح هذا الحديث فقال: "يكون قد وجب عليك في مالك صدقة، فلا تُخرجها، فيُهْلك الحرام الحلال"
جواز تعجيل الزكاة :
يجوز تعجيل الزكاة وأداؤُها قبل الحَول ولو بِعامَين، فلك بَحبوحة، وادْفَع بِمَهلك فهناك نفقات مَوْسِمِيَّة، وأخرى في فتح رمضان، وأخرى عند فتح المدارس، وبعاشوراء، وأخرى طارئة كالعِلاج والمُداواة، فأنت اِدفَع بِمَهلك، لأنَّه قد يصْعب على الإنسان أن يدْفعَ مبلغًا كبيرًا دون اجتهاد، لأنّه يتضايق.
سئِل الإمام الحسن عن رجل أخْرج ثلاث سِنين دفعةً واحدة أَيُجزيه ذلك؟ فقال: يُجزيه دفْعُ مال مسبَّقًا، وهناك رأي آخر أنّه لا يجزئ حتَّى يحول الحَول، وهذا الخِلاف سببه أنَّ هذه الزكاة هل هي عبادة أم حق؟ واجب للمساكين، فمن قال إنّها عبادة وشبَّهها بالصلاة لم يَجُز إخراجها قبل الوقت، ومن شبَّهها بالحقوق الواجبة أجاز إخراجها قبل الأجل على جهة التطوّع، وقد احْتجّ الشافعي لِرَأْيِهِ بحَديث علي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم اسْتلف صدقة العباس قبل حُلولها، فلو أن واحدًا دفَعَ زكاة ماله، وله جار فقير مريض، سمع صوته، فطرقَ بابه فوَجَدَه في مرض، أخذه إلى المستشفى، وهذا الجار فقير، وطالبوه بِقيمة ثلاثة آلاف، وأنت بِبَحبوحة، قال عليه الصلاة والسلام:
(( في المال حق سوى الزكاة ))
فأنت حرّ إما أن تعدّ هذا المال صدقة وتطوّعاً، وإما أن تحْسِبَها من زكاة المال القادِم، لأنَّه يجوز دَفعُ الزكاة مُقدَّمًا، والأمر سهلٌ جدًّاً.
الدعاء للمُزَكِّي عند أخْذ الزكاة منه :
اِسْمعوا هذا الدعاء، يُسْتحبّ الدعاء للمُزَكِّي عند أخْذ الزكاة منه، لِقَول الله عز وجل:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
صلّ على هؤلاء المزكِّين:
((عن عبد الله بن أبي أوفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنَّه كان إذا أُتِي بِصَدَقة قال: عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ اللَّهُمّ صَلِّ عَلَيْهِمْ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى ))
هل هذه قليلة؟ وأنَّ أُبي أتاه بِصَدقة فقال:
((عَنْ عَمْرٍو هُوَ ابْنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِي اللَّه عَنْهمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فَأَتَاهُ أَبِي فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى ))
وقال عليه الصلاة والسلام في رجل بعث بِنَاقة حسنة للزكاة:
(( عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَاعِيًا فَأَتَى رَجُلًا فَآتَاهُ فَصِيلًا مَخْلُولًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثْنَا مُصَدِّقَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنَّ فُلَانًا أَعْطَاهُ فَصِيلًا مَخْلُولًا اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ فِيهِ وَلَا فِي إِبِلِهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَجَاءَ بِنَاقَةٍ حَسْنَاءَ فَقَالَ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَفِي إِبِلِهِ ))
الزكاة تدفع الأخطار عن الإنسان :
الإنسان عندما يدفع من ماله الحلال يجنّب أخطار السنّة، وقد دعوت لهم فكل جمعة تأتيني لجنة فيأخذوا الكثير، ففي الجمعة الأولى جاءت لجنة فأخذت سبعة عشر ألفًا، وفي الخطبة الثانية جاءت لجنتان، فكان المبلغ ثلاثين ألفًا، وفي الثالثة أربع لِجان فكان المبلغ اثنين وثلاثين ألفًا، والله يشهد أنّي دعوت لهم من أعماق قلبي، لذا الإنسان كما قلت يدفع الأخطار التي تأتيه خلال السنة، فلو أنّ ابنك سقط عليه إبريق شاي كيف النتيجة؟ تحرق داخليًا، ألا تعلم كم يقيك الله تعالى من الصدمات من خلال هذه الصدقة؟ وهل تعلم كم من مليون مرض يُصيب الإنسان؟ وكم مليون مرض يُصيب الزوجة؟ وكم مليون مرض يُصيب الأولاد؟ وكم من خطر على المال؟ وكم مليون مفاجأة بالحياة؟ فالإنسان جالس بِمَجموعة مفاجآت فلمّا الإنسان يدْفع زكاة ماله كأنّ الله سبحانه وتعالى يقبض هذه الزكاة بيَمينه، أقْسم لي بالله أخ قال لي: قبل أن أعرف الله، كان لي دوام رسمي، أنا وزوجتي وأولادي، وكأن التجار لهم معي حِساب دائِم إلى أن بدأ يزكِّي؛ أقْسَم بالله أنَّه مضى عليه أكثر من اثني عشر عامًا ما عرف طبيبًا ولا صيْدليًا، ثمّ إنَّك إن أخطأْت مع الله تعالى في الحساب أثناء أداء الزكاة فالمربَح معك! لأنَّه يُضاعف لك في مالك، وما دام النبي عليه الصلاة والسلام أقْسم، وقال: ثلاثة أقسم عليهنّ، ما نقص مال من صدقة، وثلاث آيات تؤكّد أنَّ الله سبحانه وتعالى يُخلف المبلغ الذي تنفقهُ في سبيله قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾
فإذا الواحد باع بيته، فلا دخل له بعدها في بيته فهذا الكلام كلام الله تعالى، مُصافحة العالم بيْعة لله تعالى، فموضوع زكاة المال بحث، وموضوع زكاة الوقت بحث، لفَتَ نظري بالحاجبيّة أننا نحن ننتهي الساعة العاشرة، وأنا أتعجّب لِمن لا يحضر مجالس العلم، ولا ينتظر ولا خمس دقائق، ومن أجل البنّ يبقى ثلاث ساعات، فهذا كلّه مُحاسب عليه الإنسان، فَمِثْل هذا الإنسان يُتْلفُ وقتُهُ إتلافًا رخيصًا، والله عز وجل يضيّع له وقته، فأنت لو دفَعْت زكاة وقتك يُبارك لك الله تعالى في وقتك ومالك.
وإن شاء الله تعالى في الدرس القادم نُتابع هذا الموضوع.