- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠1الترغيب والترهيب المنذري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
العلم فرض لسلامة الإنسان وسعادته:
الترغيب في طلب العلم، وتعلمه، وتعليمه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( طلب العلم فريضة على كل مسلم وواضع العلم عند غير أهله كملقد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب ))
أول شيء في هذا الحديث :أن كلمة فريضة تعني أن قوام الشيء يعتمد على شيء، نقول مثلاً: تنفس الهواء فريضة على كل إنسان، أي تقوم حياته على التنفس، فلو منعنا عنه الهواء مات، هذا معنى الفرض، شرب الماء فرض على كل إنسان، فلو مُنع من الماء لمات، تناول الطعام فرض على كل إنسان، أما أن يأكل بعض أنواع الفواكه ليس هذا فرضاً، لأن حياته تقوم وتستمر من دون هذه الفاكهة، أما أن يرتدي ثياباً معينة غالية الثمن هذا ليس فرضاً، لأن حياته تقوم وتستمر من دون هذه الثياب.
فكلمة فرض تعني أن وجود الشيء متوقف عليه، نحن حينما نعتقد أن هناك حياة لهذا الجسم تقوم على الهواء، والماء، وتناول الطعام والشراب، والمأوى، هناك من يموت من البرد إذا كان بلا مأوى، هذا الجسم يحتاج إلى هواء، وماء، وطعام، وشراب، ومأوى، هذه فرائض وجوده، وفرائض استمرار وجوده.
لو انتقلنا إلى النفس، هذه النفس التي خلقها الله عز وجل، هي ذات الإنسان التي لا تموت، تذوق الموت ولا تموت، هذه النفس العلم فرض لها، لأنه أودع الله فيها شهوات هذه الشهوات تدفعها في حركة عشوائية، من دون علم الشهوات مهلكة.
الإنسان ليس كهذه الطاولة، الطاولة سكونية، الإنسان كمركبة فيها محرك ألف حصان، فمن لوازم هذا المحرك القوي جداً الذي يدفعها بسرعة جنونية مقود، وإلا فالهلاك حتمي، هذا مثل دقيق جداً، محرك قوي جداً يدفع هذه المركبة في سرعة جنونية، المقود الذي يوجه السيارة ويبقيها على الطريق فرض لسلامتها، أو فرض لبقائها، ولولا ذلك لتدهورت وانتهت، لأن الإنسان أودع الله فيه الشهوات.
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾
هذه الشهوات التي أودعها الله في الإنسان تجعله ينطلق بسرعة هائلة، العلم فرض لسلامته، أي تتوقف سلامته على العلم، العلم فرض لسعادته، تتوقف سعادته على العلم، لأن أمامه خيارات كثيرة جداً، بعض الخيارات مهلك، بعضه سالم، فلو أن هذا الإنسان تحرك حركة بلا علم بدافع من شهواته لشقي وأشقى، وهلك وأهلك.
طلب العلم أجلّ عمل على الإطلاق:
إذاً لا يوجد عمل أجلّ على الإطلاق من أن تطلب العلم، تطلب العلم لا ليكون وردة تزين بها صدرك، لا، تطلب العلم لتحافظ على وجودك، وسلامة وجودك، واستمرار وجودك، وسعادتك، هذا معنى كلمة طلب العلم فريضة، بالفرائض لا يوجد خيارات.
الآن ترتفع الأسعار كثيراً، والإنسان له دخل محدود، يلغي أحياناً الأشياء الثانوية، يلغي الولائم، يلغي الرحلات، يلغي الاحتفالات، يلغي العزائم، لكن لا يستطيع أن يلغي الطعام والشراب هذا الشيء ليس لك فيه خيار أبداً.
فحينما أقول: طلب العلم فريضة، أي ليس لك خيار إطلاقاً في طلب العلم، لأنه مع العلم يوجد سلامة وسعادة، من دون علم يوجد شقاء وهلاك، والدليل أمامكم يمكن أن تسمع في اليوم مئة قصة، شقاء، جريمة، خيانة، زنا، انهيار شركة، سببها الجهل، لأن هناك رغبة في حب المال من دون علم، في حب النساء من دون علم، فالإنسان يندفع من دون موجه، يندفع من دون نور يريه الحق من الباطل.
فلذلك لا تظن أن هناك عملاً أجلّ في حياة الإنسان، وأخطر من أن تأتي إلى بيت من بيوت الله تطلب العلم الشرعي الذي ينجيك.
ما كل علم ممتع نافع وما كل علم نافع مسعد:
الحقيقة ادخل إلى أي مكتبة الآن قد تجد كتباً لا يعلمها إلا الله، الكتب بالملايين، أنت بحاجة إلى علم من عند خالق الكون، إلى علم يتعلق بأصول تشغيل هذه الآلة المعطلة التي هي أنت، أصول التشغيل والصيانة، وحسن المردود، فما كل علم بنافع.
كل علم ممتع، على الإطلاق أي علم ممتع، لكن ما كل علم ممتع نافع، الآن هناك علم ممتع نافع، إنسان معه اختصاص نادر، ويدر عليه مبالغ طائلة، هذا علم ممتع ونافع في الدنيا، لكن ما كل علم نافع مسعد، العلم الممتع، النافع، المسعد هو الدين، لأنه متعلق بسلامتك.
الآن مثلاً إنسان يقتني سيارة، يمكن أن يقرأ عن تاريخ الشركة، أهم شيء يقرأ عن خصائص هذه المركبة، وعن طريقة تشغيلها، واستعمالها، هناك معلومات كثيرة جداً لا تعنيك، فلو طلبتها لن يستفيد منها، ذلك علم لا يضر من تعلمه، ولا من جهل به، ما كل علم نافع، ما كل علم ممتع نافع، وما كل علم نافع مسعد.
فنحن نختار من بين كل العلوم، وكل الكتب، وكل المؤلفات، وكل البحوث والمقالات، ماذا تقرأ كل يوم ؟ الذي يطبع لا تستطيع أن تقرأ واحد بالمليار منه، إذاً وقتك محدود، ماذا ينبغي بك أن تقرأ ؟ يجب أن تقرأ كل ما له علاقة بسلامتك وسعادتك، إذاً هو منهج الله عز وجل، الكتاب والسنة، لا يوجد إنسان سعد في الدنيا إلا بمعلومات مترسخة في ذهنه، لا يوجد إنسان سلم من مطبات الحياة إلا بالعلم.
طلب العلم الشرعي يبعد الإنسان عن المعاصي:
أنا أذكر لكم قصتين سريعتين، عندما خطبت في هذا المسجد أذكر أنه جاءني رجل صار يبكي، قلت له: خير إن شاء الله ؟ قال لي: زوجتي تخونني، وعندي منها خمسة أولاد، وأنا رجل تاجر، وعندي بيت بأرقى أحياء دمشق، ودخلي كبير، سألته مع من ؟ قال: مع جارنا، قلت له: كيف تعرفت عليه ؟ قال: والله أنا عرفته عليها، قلت له: كيف ؟ قال: كان عندنا فدعوتها أن تجلس معنا والليل طويل، قلت لها: إنه مثل أخيك، قلت له: لو أنك طلبت العلم الشرعي، وعرفت أن الاختلاط محرم في الإسلام ما وقعت في هذا.
الثاني سائق تكسي ركبت معه فتاة، قال لها: إلى أين ؟ قالت له: إلى حيث تشاء، فهم وقضى حاجته منها، ثم أعطته رسالة قالت له فيها: مرحباً بك في نادي الإيدز، لو أن هذا السائق يعرف الله، له مجلس علم لركلها بقدمه، طبعاً سببت له الشقاء.
لا يوجد كلمة أروع من كلمة سيدنا علي، " يا بني العلم خير من المال، لأنك تحرس المال و العلم يحرسك ".
أنت بالعلم محروس، بيتك محروس، زوجتك، أولادك، اختصاصك، مهنتك، ما دمت مستقيماً فأنت مطمئن، لا تغش، لا تكذب، لا تدلس، لا تحتال، صادق، أمين، لك مكانة كبيرة، لك سمعة طيبة، الناس يثقون بك، يعطونك أموالهم.
فالقضية قضية خطيرة مصيرية، الآن أكثر الناس يظن والله هناك درس علم ممتع، ما هذا الموضوع ؟ الموضوع أخطر من ذلك، ليس موضوع درس العلم وردة تتزين بها، درس العلم أساسي في سلامتك، وسعادتك.
هناك علم ينبغي أن يُعلم بالضرورة وهو فرض عين على كل مسلم
إلا أنني أريد أن أوضح لكم: أن هناك علماً ينبغي أن يُعلم بالضرورة، هو فرض عين على كل مسلم، تقول: أنا طالب، أنا مهندس، أنا طبيب، أنا نجار، أنا صانع، كن من شئت، كن في أي درجة علمية، في أية حرفة، هذا العلم لا بد منه، هو الحد الأدنى لسلامتك وسعادتك، هو ما ينبغي أن يعلم بالضرورة.
أنت تاجر، أحكام البيوع يجب أن تعرفها، أنت زوج أحكام الزواج يجب أن تعرفها، أنت أب واجبات الأب ينبغي أن تعرفها.
تماماً كما لو أقول لإنسان خذ هذه السيارة، أنت لست مكلفاً أن تعرف كيف تُصنع، لو أنك أردت أن تنشئ معمل سيارات ينبغي أن تعلم كيف تُصنع، لست مكلفاً أن تعرف ما المادة التي صنعت منها المكابح، لا يلزمك، لكن عليك أن تتعلم كيف تستعمل المكابح، كيف تطلق بها، كيف توجهها، هناك مجموعة حقائق في المركبة يجب أن تعرفها وإلا تدهورت، هذه المعلومات الحد الأدنى لسلامة هذه المركبة، أما هناك ألف سؤال بالمركبة لا ينبغي أن تعلمه، وتركبها، وتنتفع بها، وتسعد بها، من دون أن تعرف هذه الأسئلة.
عندنا نوع من العلم فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الكل، ونوع من العلم فرض عين، فالنبي فيما أعلم الذي أراده من هذا الحديث ما كان ينبغي أن يُعلم بالضرورة، أركان الإيمان، أركان الإسلام، العقيدة الصحيحة، الإيمان بالله، الإيمان باليوم الآخر، بالملائكة، بالكتاب، بالنبيين، بالإسلام، الشهادة، الصوم، الحج، الزكاة، الآن بالعمل أحكام البيوع، بالزواج أحكام الزواج، هذا هو العلم الذي ينبغي أن يُعلم بالضرورة، إن علمت هذه المعلومات نجوت من هذا الخطأ ومن الهلاك في الدنيا.
طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة:
بقي شيء ثان: إذاً طلب العلم فريضة، المقصود في الفريضة ما تتوقف سعادة الإنسان عليه، والمقصود بالعلم ما ينبغي أن يعلم بالضرورة، العلماء قالوا: على كل شخص مسلم ـ وهذا كلام دقيق وخطير ـ أي ذكر كان أو أنثى، المعنى هذا مفروغ منه، لا يوجد عليه خلاف أبداً، المرأة كالرجل تماماً في التكليف، والتشريف، والمسؤولية.
لذلك أكبر جريمة في حق الفتاة أن تبقيها جاهلة، لأنها إنسان، لأنها إذا عرفت ربها أطاعته، وأحبته، وسمت إليه، وسعدت بقربه، فكل إنسان يهمل زوجته وبناته، كأنها للخدمة، جاهلي، هذه الزوجة يجب أن تعرف، إما أن تعلمها، وإما أن تسمح لها أن تتعلم، لأنها إن عرفت ربها أسعدتك، عرفت حقك عليها، إن عرفت ربها كان أحد أسباب سعادتك بها أنها تعرف الله، عرفت حق الزوج، عرفت حق الأولاد، عرفت مسؤوليتها أمام الله عز وجل، عرفت خطورة عملها في البيت، أما إذا أبقيتها جاهلة تصبح عبئاً عليك، تطالبك بشيء غير طاقتك، تريد مظاهر، تريد احتفالات، تريد بيوتاً فخمة، ولو بالمعاصي، تصبح الزوجة الجاهلة عبئاً على زوجها، دائماً يسعى لإقناعها بالحق وهي لا تريد ذلك، علّمها، عرفها بهويتها، بشخصيتها، بمكانتها عند الله، بدورها كأم.
مثلاً قال النبي:
(( انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله يعدل الجهاد في سبيل الله ))
لن تسعد بامرأة جاهلة، لن تفلح إذا أبقيت ابنتك جاهلة، وزوجتها، عبء على زوجها، تتعبه كثيراً لأنها جاهلة.
معرفة القرآن الكريم وسنة النبي وسيرته فرض عين على كل مسلم
لذلك الحديث فيه ثلاثة أشياء، العلم الذي ينبغي أن يعلم بالضرورة، المواريث علم، علم دقيق جداً، لكن الإنسان يحتاجه بعمره مرة، هناك علماء، هناك خبراء، يمكن ألا تتعلمه، يمكن أن تسأل عنه أي عالم، التجويد يمكن أن يعلمك إياه إنسان، أما إن كان هناك إشراك بالله فهناك هلاك، إنسان ضغط عليك، خفت منه فعصيت الله من أجله، إذاً أنت انتهيت، التوحيد علم أساسي، معرفة كلام الله منهجك، و معرفة سنة النبي منهجك، و معرفة سيرة النبي منهجك، فقد قال الله عز وجل لك:
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾
إذاً معرفة القرآن الكريم، وسنة النبي، وسيرته، فرض عين على كل مسلم، أركان الإسلام، أركان الإيمان، الأحكام الفقهية المتعلقة بحرفتك، متزوج ؟ إذا عليك أن تعرف أحكام الزواج، لك أولاد ؟ أحكام الأبوة، هذا علم وهو فرض عين، هذا ما ينبغي أن يعلم بالضرورة، هذا الحد الأدنى، فهذا معنى العلم، والفرض ما تقوم الحياة به، والمسلم أي على كل شخص مسلم، فكل إنسان يعد المرأة للمتعة، للبيت، للغسيل، وللطبخ، الله بعث له زوجة صالحة، إنسان جاهلي.
تربية الأولاد أعظم عمل تقوم به المرأة:
أنا ذكرت لكن في درس الاثنين شيئاً مذهلاً، النبي عليه الصلاة والسلام وقفت معه السيدة خديجة، وثبتته، ودعمته، وأنفقت مالها عليه، و واسته، و خففت عنه متاعبه، وتحملت معه كل مضايقات قريش، وتحملت معه القطيعة، وتحملت معه التكذيب، وصدقته وكذبه الناس، وآمنت به وكفر به الناس،و واسته بمالها وحرمه الناس، فالنبي ما عدّ المرأة للمتعة، اعتبرها شريكة حياته، وعندما فتح مكة لم يسمح الله للسيدة خديجة أن تكحل عينيها بنتائج النصر، ماذا فعل النبي الكريم ؟ نصب راية النصر على قبر خديجة، إكراماً لها، وتطميناً لها، ما اعتبرها زوجة للمتعة، اعتبرها شريكة للدعوة.
كلما كبرت عند الله ترى المرأة عظيمة، وكلما صغرت تحتقرها، المرأة يمكن أن تهز العالم إذا هزت سرير ابنها، ما أعظم عمل لها ؟ تربية أولادها، تعطي المجتمع أولاداً مهذبين، تربيتهم عالية، أخلاقهم عالية، أحياناً تجد شخصاً ناجحاً جداً بحياته، السبب تربيته المنزلية جيدة جداً.
لذلك هذا الحديث
(( طلب العلم فريضة على كل مسلم ))
أي على كل مسلم ومسلمة، طلب العلم فريضة، أي الحد الذي ينبغي أن يعلم بالضرورة، معنى فريضة، ما لا تقوم الحياة إلا به، فلذلك أجلّ عمل يعمله الإنسان أن يطلب العلم، لأنه دائماً على صواب ولا يوجد خطأ عنده.