وضع داكن
29-03-2024
Logo
الترغيب والترهيب - الدرس : 034 - كتاب الصلاة - الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح والعصر :

 فصل في الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( مَنْ صَلَّى الفجر في جماعة، ثم قَعَدَ يذكرُ الله، حتى تطلُع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تامة تامة تامة ))

[ رواه الترمذي عن أنس بن مالك ]

 الآية الكريمة:

﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً ﴾

[ سورة المزمل ]

 الصلاة التي تحصل في الليل، والاتصال الذي يحصل في الليل، اتصال ثمين جداً، هو أجدى من اتصال النهار، النهار فيه مشاغل، لكن هذا الوقت وقت السحر، وقت الذكر، وقت الإقبال.

(( ولو علموا ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً ))

[أخرجه البخاري وابن خزيمة عن أبي هريرة ]

غفلة الإنسان في الذكر أفضل من غفلته عن الذكر :

 يبدو أن الإنسان صلى في جماعة ثم قعد، له أن يقعد في المسجد، أو في البيت، العبرة أن يقعد، أما صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله، لو أنه قعد يتفكر في آيات الله عز وجل فهذا من الذكر، لو أنه قعد يقرأ القرآن فهذا من الذكر، لو أنه قعد يستغفر مئة مرة كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام فهذا من الذكر، لو أنه قعد يسبح الله سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هذه الباقيات الصالحات، هذا من الذكر، لو أنه قعد يقول الله، الله، بالاسم المفرد هذا من الذكر، لو أنه قال: لا حول ولا قوة إلّا بالله مئة مرة، لو أنه قال: سبحان الله وبحمده مئة مرة، كل أنواع الذكر التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تجزئه بهذا الكم، إذا قرأ القرآن فهو يذكر، وإذا استغفر فهو يذكر، وإذا سبح وهلل وحمد الله وكبره فهو يذكر، إذا ذكر اسم الله المفرد فهو يذكر، العبرة بحضور القلب، والشيء الذي يحذر منه غفلة القلب عن الذكر، ولكن أن تجلس فتذكر غافلاً أفضل من ألا تجلس، لأن غفلتك في الذكر أفضل من غفلتك عن الذكر.

(( مَنْ صَلَّى الفجر في جماعة، ثم قَعَدَ يذكرُ الله، حتى تطلُع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ))

[الترمذي عن أنس]

على الإنسان أن يذكر الله حتى تطلع الشمس ليكون من الذاكرين و الذاكرات :

 أُثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعبد الله الليالي ذوات العدد في حراء، فهذه الجلسة اليومية ـ غار حراء مصغر، مجزأ ـ إذا ألزم الإنسان نفسه أن يجلس بعد صلاة الصبح، في بيته أمسك سبحة، استغفر الله مئة مرة، وقال: لا إله إلا الله مئة مرة، وقال: اللهم صلِّ على سيدنا محمد مئة مرة، ثم بدأ يذكر ما شاء له أن يذكر، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، مئة مرة، أو خمسين مرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله أيضاً مئة مرة، أو خمسين مرة، هذه الأذكار التي وردت عن رسول الله، أو قرأ القرآن، أو جمع بينهما، أو تفكر في خلق السماوات والأرض، ولو لربع ساعة، أو لعشر دقائق، بعد صلاة الفجر، أما الأكمل أن يذكر الله حتى تطلع الشمس، وحتى ترتفع مقدار رمح، ليصلي الضحى، هذه الجلسة اليومية تنقله إلى:

﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ ﴾

[ سورة الأحزاب الآية: 35 ]

درجات الشكر :

 والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ﴾

[ سورة الأحزاب ]

(( يا موسى! أتحب أن أكون جليسك؟ قال: كيف ذلك يا رب؟ قال: أما علمت أنني جليس من ذكرني، وحيث ما التمسني عبدي وجدني، إنك إن ذكرتني شكرتني، وإذا ما نسيتني كفرتني ))

[ورد في الأثر]

 أول درجة في الشكر أن تذكره، أو أن تذكر نعمه، ثاني درجة أن يمتلئ قلبك امتناناً لما أسبغ الله على قلبك من نعم، ثالث درجة أن ترد على نعم الله بإحسان إلى خلقه.

﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً ﴾

[ سورة سبأ الآية: 13]

 فالذكر درجة، وامتلاء القلب بالامتنان درجة، والمبادرة إلى عمل صالح تخدم به عباده درجة ثالثة.

 

التأكيد على ذكر الله قبل غروب الشمس و قبل شروقها :

 هذا الحديث أيها الأخوة منهج، قد يقول أحدكم: استيقظت متأخراً، واستطعت أن أصلي الفجر قبل أن تطلع الشمس، وأنا على موعد ضروري جداً بعد شروق الشمس مباشرة، ماذا أفعل في هذا الحديث؟ بعضهم يقول: هذه الجلسة تقضى إن ألزمت نفسك بها، وفي أحد الأيام اضطررت أن تتركها، اقضها، يقضيها الإنسان قُبيل المغرب، قُبيل أن ينام، أحياناً الإنسان لا يتمكن من أن يصلي الفجر لسبب قاهر، هذه الجلسة يحافظ عليها ولو بعد شروق الشمس.
وهناك حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام:

(( لأن أقعدَ مع قوم يذكرون الله عزَّ وجلَّ من صلاةِ الغداة حتى تطلُعَ الشَّمْسُ أحبُّ إليَّ من أن أعْتِق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعدَ مع قوم يذكرون الله عز وجل من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربعة ))

[أخرجه أبو داود عن أنس بن مالك ]

 الحديث الجديد هذا يضيف وقتاً جديداً، قبيل غروب الشمس، الإنسان هذا الوقت أيضاً يجعله للذكر، نصف ساعة قبل أن تغيب الشمس، إذا كان يمشي يذكر وهو يمشي، وإذا جلس في مكان معين يذكر وهو جالس، أن تذكر الله قبل شروق الشمس وقبل غروبها، وأنت في ذمة الله بينهما.

((ابن آدم اذكرني بعد الفجر وبعد العصر ساعة أكفك ما بينهما ))

[أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة]

 قال أحد العلماء الكبار ـ توفي رحمه الله ـ، رآه تلميذه في المنام، قال: يا سيدي ما فعل الله بك؟ قال: " يا بني، طاحت تلك العبارات، وذهبت تلك الإشارات، ولم يبقَ إلا ركيعات ركعناها في جوف الليل"، لأن صلاة الليل ووقت الذكر هذا لا يطلع عليه أحد، إخلاصك يملي عليك هذه الجلسة.

 

مهمة الإنسان تنتهي عندما يطيع الله عز وجل :

 أهم نقطة إنك إن غفلت وأنت تذكر خير لك من أن تغفل عن الذكر، لأنك إن غفلت وأنت تذكر ربنا جلّ جلاله يأخذ بيدك شيئاً فشيئاً إلى أن تذكر وأن تكون حاضر القلب، والبيت الشعري المعروف:

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته  ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
* * *

 الإنسان عليه أن يقف ويصلي، أما التجلي ليس بيده هو بيد الله، هذه نفحة من نفحات الله، أنا تنتهي مهمتي حينما أطيع الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾

[ سورة الزمر ]

 أنا أقف وأصلي، أجلس وأذكر، أقرأ القرآن، أما هذه المرة بكيت أم لم أبكِ، تجلى الله على قلبي أم لم يتجلَ، هذا ليس شأني.

(( اللهم هذا قَسْمي فيما أملك. فلا تَلُمني فيما تَملك ولا أَملك ))

[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة أم المؤمنين ]

 هذا هو الأدب، أنت عبد الفتح أم عبد الفتاح؟ ينبغي أن تكون عبد الفتاح، لا عبد الفتح، أنا لا أفرض على الله شيئاً، أنا عليّ أن أطيعه وأصلي، أما هذه المرة بالصلاة لا يوجد تجلٍّ، هذا ليس عملي، إلا إذا كان هناك سبباً من قبلي، أو مخالفة، أو معصية، أو تقصير، هذا سبب من قبلي، أما من قبلي لا يوجد سبب، أنا مستقيم، مقيم على منهج الله، الصلاة إن صار فيها تجلٍّ أم لا، أنا أديت الذي عليّ، أدِّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك.
 حينما تصلي صلاة متقنة أشعرت بشيء أم لم تشعر، أديت الذي عليك، أما ربنا عز وجل لحكمة بالغة يفتح ويغلق، أحياناً يقربك، أحياناً يبعدك، أو يحجبك، ليمتحن صبرك، هناك إنسان على أول حجاب ترك النوافل كلها، ترك الذكر، فهذا لم ينجح بالامتحان، على الإنسان أن يصبر، ويلح، إن علم الله فيك إلحاحاً وصدقاً ومداومة وصبراً أعطاك ما تريد.

 

الإنسان وقته ثمين فليحرص على أن يجعل قلبه حاضراً للذكر:

 هذا الدرس يقودنا اليوم إلى أن المؤمن له مع الله جلسة، له مع الله خلوة، أفضل وقت بعد صلاة الفجر، إن لم يتمكن ليقضها في وقت آخر، أقل شيء أن تصلي ركعتين، أقل شيء أن تذكر الله دقيقتين، أقل شيء هذا الوِرد الذي نقرأه بعد الفجر من الذكر، أحياناً الوِرد الجماعي يغدو مع التكرار لا معنى له، نستغل هذا الوقت في عشر دقائق تقريباً نذكر الله عز وجل، يجب أن نحضر في قلوبنا مع الله عز وجل.
 بالمناسبة هذا الذكر إذا كان من قلب ساهٍ لاهٍ فرغ من مضمونه، والإنسان وقته ثمين، فلذلك الإنسان ليحرص على أن يجعل قلبه حاضراً للذكر، فقد:

(( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس ))

[ رواه مسلم عن جابر بن سمرة]

 ثلاثة أحاديث من تهذيب الترغيب والترهيب عن جلوس المرء في مصلاه بعد الصبح وبعد العصر.

 

أي شيء يقرب الإنسان من الله فهو من الذكر وأي شيء يبعده عنه فهو من اللهو :

 أيها الأخوة، كما قلت لكن قبل قليل: وصف الله المؤمنين بأنهم:

﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ ﴾

(( ألا أخْبِرُكم بخيرِ أعمالِكم، وأرفَعِها في درجاتكم، وأزكاها عند مليكِكم، وخير لكم من الوَرِق والذهب، وخير لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقَكم؟ قالوا: بلى، قال: ذِكْرُ الله ))

[أخرجه الترمذي ومالك عن أبي الدرداء ]

 نحن لو توسعنا في هذا وصلنا إلى شيء، هناك في الكون حقيقة واحدة هي الله، أي شيء يقربك إليها من الذكر، وأي شيء يبعدك عنها من اللهو، لو أمسكت كتاب فقه وقرأته فأنت مع الذاكرين، لو قرأت مقالة في مجلة علمية أعطتك فكرة عن عظمة الله عز وجل فهذا من الذكر، لو جلست مع أخيك وحاورته عن الدين، وعن الله، وعن الآخرة، وعن الجنة، وعن النار، فأنت في ذكر، ولو جلست تدعو إلى الله فأنت في ذكر، حتى لو أمسكت كتاب فقه تقرأه فأنت في ذكر، لأن كل شيء يقربك إلى الله من الذكر، هذا أوسع معنى للذكر، صار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الذكر، لقاء مع أخ حول قضايا الإيمان، وقضايا العقيدة، وقضايا الإسلام، وقضايا الإحسان من الذكر، ودعوة إلى الله من الذكر، أن تستمع ما يلقى عليك من الحق هذا من الذكر، تلقي أو تتلقى، تتكلم أو تستمع، فكلمة ذكر وردت كثيراً جداً، ولها معانٍ كثيرة جداً، ولها مجالات لا تعد ولا تحصى.
 الإنسان إذا مشى في الطريق كرياضة، وجعل من هذا المشي ذكراً لله عز وجل هذا من الذكر، الآن ببلاد أخرى يلعبون الرياضة كل يوم ساعة، يسمعون شريطاً وهم يلعبون الرياضة، فالإنسان إذا جعل وقت المشي أو وقت الرياضة من الذكر فقد ربح و فاز، وإذا أحب أن يقرأ شيئاً يقربه من الله عز وجل فهذا من الذكر، لأن المؤمن يوم القيامة لا يندم إلا على ساعة مرت عليه دون أن يذكر الله عز وجل.

 

الله عز وجل خلق الإنسان ليذكره :

 طلب العلم، الذكر، القرآن، الأمر بالمعروف، الدعوة إلى الله، الجلسة مع الأخوان، الاستماع، الإلقاء، كل هذا من الذكر، والإنسان خلقه الله عز وجل ليذكره.

((يا بن آدم إن ذكرتني شكرتني، وإذا ما نسيتني كفرتني ))

[الشعبي عن أبي هريرة]

 هذه الأحاديث الثلاث تحضنا على جلسة ذكر بعد صلاة الفجر، أذكركم بالحديث الأول وهو أخطر هذه الأحاديث:

(( مَنْ صَلَّى الفجر في جماعة، ثم قَعَدَ يذكرُ الله، حتى تطلُع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ))

[الترمذي عن أنس]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور