- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠24برنامج قوانين القرآن الكريم - قناة الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون الاستخلاف :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولازلنا مع قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم ( قانون الاستخلاف )، ولكن لابدّ من وقفة متأنية كتمهيد لهذا القانون .
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾
﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾
هذا قانون عند الله .
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
الحقيقة المرة هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ لا والله ، هل نحن ممكنون في الأرض ؟ لا والله ، هل نحن آمنون ؟ لا والله ، هذه وعود خالق السماوات والأرض ، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين هناك وعود أخرى :
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
ماذا نفعل بهذه الوعود من عند خالق السماوات والأرض ؟ وكما تعلمون ، ومرة ثانية : زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .
شروط قوانين الاستخلاف :
إذاً هذه القوانين قوانين الاستخلاف ، ما شروطها ؟ .
عبادة الله عز وجل العبادة التي أرادها و الخضوع لمنهجه بكل تفاصيله :
أيها الأخوة الأحباب ، نعيد النظر في هذه الآية :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
كأن هذا الوعد العظيم الكريم من عند خالق السماوات والأرض له ثمن ، ثمنه أن يعبد المسلمون ربهم حقّ العبادة ، العبادة التي أُمروا بها ، أي أن يخضعوا لمنهج الله بكل تفاصيله فإذا عبدوه حُققت هذه الوعود الكبرى التي تحل بها مشكلات المسلمين .
أيها الأخوة الكرام ، العبودية لله عز وجل أن تخضع لمنهجه الشمولي ، منهجه الشمولي لعله يبدأ من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج تفصيلي
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، فإذا أخلّ الطرف الآخر بما عليه من عبادة الله ، فالله جلّ جلاله في حلٍّ من وعوده الثلاث .
قانون الاستخلاف بالأرض يقتضي أن نعبد الله العبادة التي أرادها :
إذاً قانون الاستخلاف بالأرض يقتضي أن نعبد الله العبادة التي أرادها ، ولكن هناك آية تلقي ضوءاً على حقيقة هذا القانون ، قانون الاستخلاف ، قال تعالى :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
وقد أجمع العلماء على أن ترك الصلاة شيء ، وإضاعة الصلاة شيء آخر ، إضاعة الصلاة لا يعني تركها ، بل يعني تفريغها من مضمونها ،
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
وقد لقي المسلمون ذلك الغي .
أما اِتباع الشهوات
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
من أدق ما شرح المفسرون قوله تعالى :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
قالوا : القلب السليم ، القلب الذي سلم من شهوة لا ترضي الله ، وسلم من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله ، وسلم من عبادة غير الله ، وسلم أيضاً من الاحتكام إلى غير شرع الله ، هذا هو القلب السليم .
إذاً كأن الله سبحانه وتعالى في آية يفسر الذي أصاب المسلمين في آخر الزمان :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
الاستخلاف في الأرض لا يكون إلا بالدين الذي يرتضيه الله لنا :
ولو دققنا قليلاً في ثنيات الآية
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾
الآن ندقق :
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
أي دين وعد بتمكينه ؟ الدين الذي يرتضيه لنا ، أما إذا فهمنا الدين فهماً يختلف عن فهم الصحابة الكرام ، فهمناه مظاهر ، فهمناه أشياء لا تقدم ولا تؤخر ، فهمناه خصومات ، فهمناه تعصبات ، هذا الفهم للدين لا يستحق أن ننتصر من خلاله ، إذاً
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
أحياناً نفهم الدين فهماً ما أراده الله عز وجل ، أحياناً نتحرك مع الدين تحركاً ما أراده الله .
لذلك مما يلفت النظر أن أحد العلماء الغربيين ، وقد هداه الله إلى الإسلام قال كلمة رائعة ، قالها في بريطانيا ، قال : أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور ، لاتساع الهوة بينهما ، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين لا لأنهم أقوياء ولكن لأن خلاص العالم بالإسلام ، ولكن بشرط وقد سقت هذا القول كي أقف عند هذا الشرط ، بشرط أن يحسنوا فهم دينهم ، وأن يحسنوا تطبيقه ، وأن يحسنوا عرضه على الطرف الآخر .
خلاص العالم الإسلامي يقتضي أن نرجع إلى أنفسنا ونراجع حساباتنا و نصطلح مع ربنا :
لذلك أيها الأخوة الأحباب ، هذا الوعد الإلهي من خلال آية الاستخلاف لا يتحقق إلا إذا دفع المسلمون الثمن ، من هنا نفهم بعض جوانب هذه الآية ، قال تعالى يتحدث عن الطرف الآخر :
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
تصور أن خالق السماوات والأرض يصف مكر الطرف الآخر بأنه يزيل الجبال مع أن أمم الأرض مجتمعة لا تستطيع أن تنقل جبلاً من مكان إلى مكان ،
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
الآن نستمع إلى آية لعل فيها خلاص العالم الإسلامي هذه الآية قال تعالى :
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
فالطريق واضح إلى الخلاص ، وإلى القوة ، وإلى النصر ، وإلى التفوق ، لا يقتضي هذا الخلاص إلا أن نرجع إلى أنفسنا ، ونراجع حساباتنا ، وأن نصطلح مع ربنا ، وأن نصبر على ما نحن فيه ، ثم نتحرك إلى أن نصل إليه ، وقد نستحق إن شاء الله أن نستخلف في الأرض .
قانون الاستخلاف في الأرض يحتاج إلى تأمل عميق :
قانون الاستخلاف في الأرض يحتاج إلى تأمل عميق ، لأن خلاص المسلمين أن يستعيدوا دورهم القيادي بين الأمم ، خلاص المسلمين أن يصطلحوا مع ربهم ، خلاص المسلمين أن يعودوا إلى رشدهم ، خلاص المسلمين أن يطبقوا منهج ربهم في حياتهم ، لا أن يكتفوا بالإطار الإسلامي فرق كبير أن يكون المسلم متعلقاً بإطار إسلامي وبين أن يكون المسلم متعلقاً بتفاصيل هذا الدين العظيم ، من هنا ينبغي أن ننتبه أن الله سبحانه وتعالى حينما قال :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
يعني المسلم أحياناً أمام قوى كبيرة جداً ، وتحت سيطرته بيته وعمله ، فإذا أقام أمر الله فيما يملك ، كفاه الله ما لا يملك ، فما من مسلم إلا والكرة في ملعبه ، حينما يأخذ قراراً مصيرياً بالصلح مع الله أولاً ، وبطاعته ثانياً ، وبتطبيق منهج الله في نفسه أولاً ، وفي بيته ثانياً ، وفي عمله ثالثاً ، يكون قد دفع ثمن حفظ الله له ، وتوفيق الله له ، وتأييد الله له ، ونصر الله له ، هذا طريق الخلاص ، ما لم نعد إلى منهج ربنا ، وما لم نطبق منهج ربنا تطبيقاً كما أراده الله لن نصل إلى ما نصبو إليه ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن نوفق بتطبيق هذا القانون قانون الاستخلاف .
أيها الأخوة الأحباب ، إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .