- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠29برنامج درس تلفزيوني - قناة سوريا الفضائية
أعزائي المشاهدين أخوتي المؤمنين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
قال الله تعالى في كتابه العزيز:
﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾
في هذه الآية الكريمة أيها الأخوة، إشارة لطيفة إلى علاقة وشيجة، بين شهر رمضان وبين فضل القرآن، فالقرآن أنزل في رمضان، أو رمضان أنزل في فضل قرآن، وربما كان شهر رمضان إعداداً للإنسان كي يفوز بالقرآن.
والقرآن الكريم كلام الله المنزل على نبيه، المنقول بتواتر المتعبد بتلاوته، المتحد بنظمه، المعجز بمضمونه، قطعي الثبوت قطعي الدالة، لا ريب فيه، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يهدي للتي هي أقوم، ولا يحزن قارئه.
وهو كما قال الإمام علي كرم الله وجهه، نوراً لا يطئفه مصباحه، وسراج لا يخمد توقده، وبحر لا يدرك قعره، ومنهاج لا يضل سالكه، وفرقان لا يخمد برهانه، وتبياناً لا تهدم أركانه، وشفاء لا تخشى أسقامه، وعز لا يهدم أنصاره، وحقاً لا يخذل أعوانه، وهو معدن الإيمان، وينبوع العلم، ورياض العدل.
أيها الأخوة الأحباب:
حينما يقتني أحدنا آلة بالغة التعقيد غالية الثمن، ذات نفع عظيم، تراه حريصاً حرصاً لا حدود له، على اقتناء الكتيب، التي تصدره الجهة الصانعة، والذي يتضمن طريقة الاستعمال، وأسلوب الصيانة، فهو حريص على اقتناء هذا الكتيب حريص على ترجمته حريص على فهمه، حريص على تنفيذ تعليماته بدقة بالغة، وهذا الحرص نابعٌ من حرصه على سلامة هذه الآلة وعلى مستوى أدائها.
وهذا الإنسان أيها الأخوة بجسده، الذي يعد أعقد آلة في الكون، ففي خلاياه وأنسجته، وفي أعضائه وأجهزته، من التعقيد والدقة والإتقان، ما يعجز عن فهم بنيتها وطريقة عملها أعلم علماء الطب، وفي هذا الإنسان نفس تتعرج فيها المشاعر والعواطف وتصطرع فيها الشهوات والقيم، ما يعجز عن تحليلها وتفسيرها أعلم علماء النفس، وفي هذا الإنسان عقلاً، فيه من المبادئ والمسلمات والقوى الإدراكية، والتحليلية، والإبداعية، ما أهله ليكون سيد المخلوقات.
والآن أيها الأخوة:
ألا يحتاج هذا المخلوق الأول ـ كما تحتاج هذه الآلة ـ إلى كتاب من خالقه ومربيه ومسيره، يبن له فيه الهدف من خلق، والوسائل الفعالة التي تحقق هذا الهدف ؟.
ألا يحتاج هذا المخلوق الأول إلى كتاب فيه منهج يسير عليه يضبط حركاته ونشاطه من الخلل، والخطأ، والعبث ؟.
ألا يحتاج هذا المخلوق الأول إلى كتاب فيه مبادئ سلامته سلامة جسده من العطب، وسلامة نفسه من التردي، وسلامة عقله من التعطيل والتزوير ؟.
ألا يحتاج هذا المخلوق الأول إلى كتاب فيه مبادئ سعادته فرداً ومجتمعاً في الدنيا والآخرة ؟.
إنه القرآن الكريم يا أخوتي، الذي لا يقل في عظمة إرشاده وتشريعه عن عظمة إيجاد السموات والأرض.
قال تعالى:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ﴾
وقال تعالى:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1)﴾
فكما أن الله سبحانه وتعالى يحمد على نعمة الإيجاد، إيجاد السماوات والأرض، كذلك يحمد بالقدر نفسه على نعمة الإرشاد إرشاد الإنسان من خلال القرآن، إلى طريق سلامته وسعادته الأبدية فالكون خلقه، والقرآن كلامه، وفضل كلامه على سائر الكلام كفضل الله على خلقه.
أيها الأخوة المؤمنون:
إنه القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم في كل جانب من كل جوانب الحياة، المادية والنفسية، والاجتماعية والعقلية قال تعالى:
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾
إنه القرآن الذي إن اهتدى الإنسان بهديه، واتبع أحكامه، فلن يضل عقله، ولن تشقى نفسه.
قال تعالى:
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾
إنه القرآن الذي إن سار الإنسان على نهجه، واستمسك بحبله فلن يخاف في الدنيا، ولن يحزن على ما فاته منها، قال تعالى:
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)﴾
إنه القرآن الكريم، الذي يعد المؤمن من ذكر وأنثى بالحياة الطيبة التي عز نوالها على كثير من الناس، قال تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
إنه القرآن الذي يضمن للمؤمنين الشعور بالأمن ذلك الشعور الذي يعد أثمن ما في الحياة الإنسانية، بل هو أساس الصحة النفسية قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾
أيها الأخوة:
لو أن طبيباً حذر مريضه من بعض الأكلات التي يحبها، وبين له الخطر الذي إذا تناولها، أغلب الظن أن هذا المريض يتحاشى هذه الأكلات حفاظاً على صحته.
وفي القرآن الكريم أوامر ونواهي، ووعد ووعيد، فيا عجباً كيف نفسر موقف الإنسان الذي يخالف أوامر الله ونواهي، ولا يعبئ بوعد ولا وعيده، أيكون الطبيب أصدق عنده من الله، إن كان هذا فما أكفره، وإن كان وعيد الطبيب أشد عنده من وعيد الله فما أجهله، حقاً كفى بالمرء علماً أن يخشى الله، وكفى به جهلاً أن يعصيه.
أعزائي المشاهدين، أخوتي المؤمنين:
في ختام هذا الحديث هناك ومضة من إعجاز القرآن، فمن إعجاز القرآن العلمي، ما اكتشف مؤخراً، من أن من بين كل بحرين مالحين حاجزاً، تم تصويره من سفن الفضاء، هذا الحاجز يمنع مياه كل بحر من الاختلاط بمياه البحر الآخر، فلا يبغي بحرٌ على بحر بل يحافظ كل بحرٍ على كثافة مياهه، ودرجة ملوحته، ونوع مكوناته وهذا الحاجز ليس ثابتاً بل هو متحرك بفعل الرياح، وحركة المد والجزر، وحينما اطلع العالم المكتشف ـ وهو في نشوة اكتشافه ـ أن في القرآن الكريم إشارةً إلى هذا الكشف العلمي، وهو قوله تعالى:
﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)﴾
أخذته الدهشة وأعلن إيمانه بالقرآن.
وقد اكتشف أيضاً أن بين البحرين الملح الأجاج، والعذب الفرات شيئين: حاجزاً يمنع مياه كل بحر من أن تطغى على الآخر كما هو بين البحرين المالحين، وحاجزاً يمنع أسماك المياه المالحة من أن تنتقل إلى المياه العذبة، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الكشف العلمي الثاني، وسمى الحاجز الأول برزخاً، وسمى الحاجز الثاني حجراً، فقال تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53)﴾
أما طبيعة هاذيين الحاجزين فلا تزال موضع دراسة.
أيها الأخوة المؤمنون: اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.