- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠1الترغيب والترهيب المنذري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
إكرام ذي الشيبة المسلم من إكرام الله عز وجل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( إِنَّ من إِجلالِ اللهِ إِكرامَ ذي الشَّيْبَة المسلم وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيه ولا الجافي عَنهُ وإِكرامَ ذي السلطانِ المُقْسِط ))
هذا الحديث أيها الأخوة يبين أنه حينما تكرم إنساناً شابَ في الإسلام، مسلم لا أقول عالم، مسلم، لكن مسلم ذو شيبة، أي باعه طويل في الإسلام، أمضى حياته في طاعة الله، إن أكرمت هذا الإنسان إكرامك لهذا الإنسان جزء من إكرام الله تعالى، لأن الله عز وجل يحب أن يُكرم هذا الإنسان الذي أمضى حياته في طاعة الله، والنبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث أخرى يقول:
(( ليس منا من لم يبجل كبيرنا ))
طبعاً الكبير في الإسلام، الأمة بأكابيرها، الأمة بعلمائها، الأمة بأصحاب الفضل فيها، والأعمال الصالحة واسعة جداً، فكل من تفوق في هذا الأعمال له مكانته، هناك إنسان مكانته في إنفاق المال، و إنسان مكانته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و إنسان مكانته في توفير خدمات للمسلمين، و أسرة كل فرد فيها يقوم بمهمة، هذه المهمات متكاملة.
فالنبي عليه الصلاة والسلام يجعل إكرام ذي الشيبة المسلم من إكرام الله عز وجل.
النهي عن الغلو في الدين
شيء آخر:
(( وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيه، ولا الجافي عَنهُ ))
عندنا منزلقان ونحن نحمل كتاب الله عز وجل، أن نغالي فيه، الغلو في الدين نهى عنه النبي، الغلو أن تأخذ فرعاً من فروع الدين وأن تجعله محل الأصل، هذا غلو في الدين، الفقيه أحياناً يقول لك: الدين كله فقه، هذا غلو، المفسر: الدين كله تفسير ، المحدث: الدين كله حديث، المجود: الدين كله تجويد، إن أخذت أحد فروع الدين وأحللته محل الأصل فقد غاليت، كأنك أغفلت فضل الآخرين، كأنك أغفلت الجوانب الأخرى من الدين، والعادة أن الإنسان يحترم اختصاصه، أو يعتبر اختصاصه أساسي، هذا شيء فطري بالإنسان، لكن هذا الإنسان إن حمله هذا الاعتزاز باختصاصه على أن يحتكر اختصاصات الآخرين فقد غالى في الدين، فيجب أن يحترم الفقيه المفسر، والمفسر المحدث، والمحدث عالم العقيدة، وعالم العقيدة المجود، والمجود عالم المواريث، أما كل واحد إذا أتقن فرعاً من فروع الدين وجعله الأصل وازدرى الفروع الأخرى إذاً وقع في الغلو.
(( وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيه ))
من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي خيراً منه فقد حقر ما عظمه الله:
يجوز للإنسان أن يعد قراءة القرآن شيئاً أساسياً في الدين، هي شيء أساسي، أساسي جداً لكن ليست كل شيء، هناك إنسان لا يتقن قراءة القرآن، لكن له أعمالاً صالحة كالجبال، فنحن عندما نعطي كل شيء حقه لا نقع في الغلو.
(( ولا الجافي عَنهُ ))
هذا الذي يحمل كتاب الله ولا يطبق أحكامه في حرفته، هذا شيء مؤلم، أن ترى الذين يحفظون كتاب الله عز وجل يتراكضون إلى المكاسب مادية، وكأن القرآن بضاعة بين أيديهم، إذا أراد إنسان أن يتابع معاملة وفاة، يجد وراء السيارة أكثر من عشرين أو ثلاثين شخصاً يلهثون، ويركضون، ويعرضون عليه أن يقرؤوا القرآن في هذه الأمسيّة، هذا الذي يحفظ كتاب الله لا ينبغي أن يركض وراء مركبة لينال دريهمات معدودة في التماسي، حفظ القرآن الكريم يجب أن يكون بمستوى أرقى بكثير، فحال:
(( وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيه ولا الجافي عَنهُ ))
هناك غلو، تطرف، مبالغة، تضخيم، فالغلو منهي عنه، والمجافاة منهي عنها، المجافاة ألا تطبق أحكام القرآن الكريم، فحامل كتاب الله لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا أن يسفل مع من يسفل، ولا أن يهبط مع من يهبط، ينبغي أن تحترم مع هذا الذي تحمله، وهناك سلوك معين يليق بحامل القرآن الكريم، لذلك قالوا: من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي خيراً منه فقد حقر ما عظمه الله.
الإنسان إذا كان يعرف كلام الله، يتقن قراءته، يتقن تفسيره، ورأى إنساناً من أهل الدنيا أعطاه الله الدنيا، وقال: ليتني مكانه، فقد حقر ما عظمه الله تعالى، أي أن الله عز وجل يحب من الإنسان إذا آتاه الحلم والحكمة أن يعتز بهما، وأن يرى أن هذا أعظم فضل لله عليه.
سُئل الحسن البصري: ما سر هذه المكانة التي حباك الله بها ؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي.
أحياناً ترى إنساناً الناس مستغنون عن علمه، وهو بحاجته إليهم سقطت مكانته.
لا يقبل إحسانك إلى أبيك إلا بيدك مباشرة إكراماً له:
إذاً الحديث:
(( إِنَّ من إِجلالِ اللهِ إِكرامَ ذي الشَّيْبَة ))
(( ما أكرم شاب شيخاً لسنه إلا سخر الله له من يكرمه عند سنه ))
الملاحظ في المجتمع المسلم أن الصغار يحترمون الكبار، بالمجتمعات المتفلتة المسن الكبير ليس له قيمة إطلاقاً، والحقيقة المتقدم بالسن أقول لكم ملَّ من الدنيا، أكل، وشرب، وسافر، كل شهواتها ملَّها، وكل لذائذها عافها، له حاجة واحدة، الكبير في السن أن يوقر، أن يرى أولاده حوله، أن يرى أخوانه يوقرونه، أن يرى الناس مهتمين به فقط ، حاجاته الكبيرة حاجات نفسية ومعنوية، فإذا الشاب أغفل هذه الناحية، أنه أنا أطعمه وأسقيه و ليس له شيء عندي ؟ هو الأب، غني عن إطعامك وإسقائك له، هو يتمنى أن تكون أنت معه.
ذلك استفادوا العلماء من هذه الآية:
﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
الباء للإلصاق، لا يقبل إحسانك إلى أبيك إلا بيدك مباشرة، إكراماً له.
على الإنسان إكرام السلطان المنصف و احترامه و توقيره:
(( إِنَّ من إِجلالِ اللهِ: إِكرامَ ذي الشَّيْبَة المسلم وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيه ولا الجافي عَنهُ وإِكرامَ ذي السلطانِ المُقْسِط ))
إنسان له منصب، مدير ناحية فرضاً، رجل منصف، نظيف، يده نظيفة، يقيم العدل بين الناس، الضعيف عنده قوي حتى يأخذ الحق له، القوي عنده ضعيف حتى يأخذ الحق منه، هذا الإنسان المقسط، المنصف، العادل، يجب أن تحترمه، عندنا سلوك غير لائق أي نحن يجب أن نبجل القوي، لا، غلط، فالقوي إذا كان منصفاً يجب أن تبجله، لأن الله جعله سلطانه في الأرض، ما من داع أن يبني الإنسان سعادته على الانتقاص من الآخرين، هناك شخص يتلذذ في أن يضعضع مكانة إنسان أقامه الله بمكان عال، ما دام منصفاً، ما دامت يده نظيفة، ما دام محسناً، يجب أن نزيده إكراماً.
واجب على كل إنسان إِكرام ذي الشَّيْبَة المسلم وحاملِ القرآنِ وإِكرام ذي السلطانِ المُقْسِط:
هذا الحديث يعلم آداباً اجتماعية كثيرة، مثلاً مديرة مدرسة، مدير مستشفى، إنسان بمنصب رفيع، لكنه منصف، يده نظيفة لا تمتد إلى الحرام، يسعى لإقرار الأمور بشكل صحيح، منصف بين الناس، هذا يجب أن يُدعم، يجب أن يُحترم، أنت تدعم النظام بهذه العملية، و إذا كان هناك إنسان بمنصب رفيع، ويده نظيفة، ومنصف، وعمله طيب، وأنت احترمته، ونفذت أمره، معنى هذا أنك أنت دعمت النظام العام، هذا جزء من النظام العام.
(( إِكرامَ ذي الشَّيْبَة المسلم وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيه ولا الجافي عَنهُ وإِكرامَ ذي السلطانِ المُقْسِط ))
هؤلاء الأشخاص الثلاثة ينبغي أن يوقروا.
أخطر شيء بالعالم الإسلامي أن تهتز المثل العليا:
حديث آخر: قال عليه الصلاة والسلام:
(( البركة مع أكابركم ))
البركة الخير، من هم الأكابر ؟ جمع كبير، الكبير في خبرته، الكبير في تجربته، إنسان له خبرة، الشباب أحياناً عندهم اندفاع قوي، أما الشيوخ عندهم خبرات متراكمة، فالشاب عليه أن يحترم خبرة الكبير لأنه قد يقع في أخطاء فاحشة، وقاتلة، فما أجمل أن يتعاون الشاب المندفع مع الشيخ الكبير، هذا المجتمع المتكامل نستقي من الشيوخ حكمتهم، وخبرنهم، وعلمهم، ونستقي من الشباب اندفاعهم، وقوة اندفاعهم إلى الأعمال الطيبة، لذلك النبي يقول:
(( البركة مع أكابركم ))
الأكابر جمع كبراء، أو جمع كبير، أي مجتمع لا يوجد فيه رؤوس هذا مجتمع منهار، وأساساً أعداء الدين أو الطرف الآخر في مهمة تخريبية في الدين، يحطم كل إنسان كبير في الدين، هذا يبحث له عن فضيحة، وهذا يطعن بأمانته، وهذا يطعن بعلمه، فالمجتمع عندما يفقد الثقة بالأكابر انتهى المجتمع، المجتمع له قدوة، مجتمع بلا قدوة مجتمع متدهور، وأخطر شيء بالعالم الإسلامي أن تهتز المثل العليا، ليس لك مصلحة تجلس جلسة تطعن بأشخاص بجلسة معينة، لست متأكداً، لا يوجد عندك معلومات دقيقة، وأهل الدنيا يتمنون أن يبحثوا عن أخطاء لرجال الدين، أنت ليس لك مصلحة إطلاقاً أن تهتز مكانة الحق بنظر عامة الناس، ليس لك مصلحة ما بين هؤلاء من خصومات أن ينتشر بين العوام، العوام يبحثون عن هذه القضايا بحثاً شديداً.
(( البركة مع أكابركم ))
فالأمة التي ليس لها أكابر ليست أمة، تلاحظ الأمم الغربية هناك قائد مثل نابليون فتح أوربا، ارتكب ظلماً لا يعلمه إلا الله، ومع ذلك يبجل، ويقدس، وهنا بيته، وهنا مكتبته، وهنا مكانته، هذا التعظيم للأبطال يجعل الأمة تعتز بماضيها، فنحن ليس لنا حق.
مرة إنسان استلم منصباً، والد هذا الإنسان عالم جليل، فأحد كبار الموظفين في هذه الدائرة أراد أن يسمي شارعاً باسم والد هذا المحافظ، فسمّى شارعاً باسمه، هذا المحافظ أقام النكير عليه، من والدي ؟ ماذا فعل والدي ؟ ماذا قدم للأمة ؟ يحتقر والده العالم الجليل، كان مفتي الديار الشامية، ما كان من هذا الموظف إلا أن قال له: يكفي أنه قدمك للأمة.
أمة بلا أكابر أمة هالكة، أمة بلا رؤوس، بلا قيادات، لا قيمة لها، أعداء الدين من طموحاتهم أن يهزوا الرؤوس، وأن يهزوا المثل العليا، هذه مشكلة كبيرة جداً، ما كل قصة صحيحة، أنا لا أدافع عن هؤلاء إطلاقاً، لكن ما كل قصة تقال صحيحة.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾
من لم يعرف حق العالِم فقد تبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وعن عبادة ابن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ))
وفي رواية كما وردت عند الحاكم:
(( ليس منا من لم يبجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ))
لأن العلم عطاء كبير، إن لم تعرف له حقه يزهد في العلم، ويلتفت لشيء آخر، أنا سمعت عن إنسان له عمل في الدعوة، افتقر إلى درجة أنه لم يجد قوت يومه، فاضطر أن يفتح محل سمانة في بعض الضواحي، وانتهت دعوته، إن لم يكن هناك نوع من التعاون بحيث أن هذا الإنسان تضعه في مكانة علية مشكلة كبيرة.
المجتمع المسلم مجتمع منضبط والعطاء هو أحد أسباب سعادة المؤمن:
الحديث الأخير:
(( ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ))
المجتمع المسلم مجتمع منضبط، متجمع فيه مراتب، مجتمع فيه نظام، النظام تسلسلي، الآن إلى فترة بسيطة كان لكل أسرة كبير، هذا الكبير مرجع، حكم بين أفراد الأسرة، الأسرة عبارة عن عدة أولاد، والأولاد لهم زوجات وأولاد، لهذه الأسرة كبير يُرجع إليه، هو الحكم لهؤلاء، هو الحكم الذي يدعم هؤلاء الأطراف، هذا شيء مريح جداً، الآن لو سألت قاضياً بقصر العدل آلاف القضايا بين الأم وابنها، بين الأب وابنه، بين الأخ وأخيه، أما بوجود كبراء في الأسر يكون هذا الشيء مستحيل، هناك شخص يُرجع إليه عند الكل، كلمته نافذة بين الكل، له عطاؤه، له خدمته للكل، فالكل ينصاع لأمره.
أحياناً كان في الأحياء وجهاء، هذا الوجيه يحل كل مشاكل الحي، كانت المحاكم مرتاحة، كان لكل أسرة كبير، ولكل حي وجيه، الوجهاء هم حكام، وقضاة، وخُدام، والإنسان كلما ارتفع يخدم قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( سيد القوم خادمهم ))
كلما ارتفع بين الناس ليعطي لا ليأخذ، إنسان نقل كلمة عن رئيس جمهورية لأمريكا قديماً، قال: تعالوا نفكر فيما ينبغي أن نعطي لا فيما ينبغي أن نأخذ، فالإنسان إذا رفعه مجتمعه رفعه لا ليأخذ منه بل ليعطيه، والعطاء هو أحد أسباب سعادة المؤمن.
إذاً:
(( ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ))
هذه الأحاديث الأربعة في فصل عنوانه: الترغيب في إكرام العلماء.