وضع داكن
08-05-2024
Logo
عمان - مركز رواد الخير - المحاضرة 69 : معرفة الله عز وجل
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

التفكر أصل معرفة الله عز وجل :


بسم الله الرحمن الرحيم ، أشكُر لكم هذه الدَّعوة الكريمة ، التي إن دَلَّتْ على شيء  فعلى حُسن الظَّن بي ، وأرجو الله أن أكونَ عند حُسن ظَنِّكُم .
أيَّتُها الأخوات الكريمات ، أيها الأخوة الأكارم ، الدِّين له كُلِّيَّات ، الدِّين فيه آلاف الموضوعات بل عشرات أُلوف الموضوعات ، بل مئات أُلوف الموضوعات ، هناك علماء لا يُعَدُّون ولا يُحصون ولكن هل يمكن أن نضغط هذا الدِّين في كُلِّيات أساسيَّة ؟ ممكن . 
من هذه الكلِّيات العقيدة ، التَّصَور ، المُنطَلَق النَّظري ، الإيديولوجيا إن صحَّ التعبير الجانب الفكري العقلي ، التَّصور ، هذا جانب أحد أكبر كُلِّيات الدِّين .
إن صَحَّت العقيدة صَحَّ العَمَل ، وإن لم تَصِح العمل أصلاً لا يَصِح ، لا بُدَّ من طَلَبِ العِلْم ، فإذا أَرَدت الدنيا فعليكَ بالعِلْم ، و إذا أَرَدت الآخرة فعليكَ بالعِلم ، و إذا أَردتهُما معاً فعليكَ بالعِلم ، والعِلمُ لا يُعطيكَ بعضه إلا إذا أعطيته كُلك ، فإذا أعطيتَهُ بَعضكَ ، لم يُعطِك شيئاً ، ويَظَل المرء عالِماً ما طَلَبَ العِلم ، فإذا ظنَّ أنه قد عَلِم فقد جَهِل ، فطالبُ العِلْم يُؤثِر الآخرة على الدنيا فيَربحهُما معاً ، بينما الجاهل يُؤثِر الدنيا على الآخرة فيَخسرهُما معاً ، فلذلك البطولة أن نَفهَم سِرَّ وجودنا وغاية وجودنا ، وما مُهِمّتُنا في هذه الحياة الدنيا ، الآية تقول :

﴿  حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ 99لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ 100 ﴾

[  سورة المؤمنون  ]


معنى ذلك أن عِلَّة وجود الإنسان في الدنيا أن يعرف الله : 


((  ابن آدم اطلُبني تَجدني , فإنْ وجدتني وجدت كل شيء , وإن فِتُّك فاتَكَ كلُّ شيء, وأنا أَحَبُّ إليك من كلِّ شيء))

[  حديث قدسي  ]

فلا بُدَّ من أن نعرف الله ، لكن كيف نعرفه ؟ الله عز وجل يقول : 

﴿  تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ 6 ﴾

[  سورة الجاثية  ]

معنى ذلك أن الآيات والمُطلَقُ على إطلاقه هي القنوات الوحيدة الفريدة لمعرفة الله عز وجل  فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ  هذه الآيات كونيَّة ، وتَكوينيَّة ، وقرآنيَّة .
الكونيَّة : الموقف الكامل فيها التفَكُّر ، والآية تقول : 

﴿  إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ 190الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ 191 ﴾

[  سورة آل عمران  ]

فالتَّفَكُّر أصلُ معرفة الله عز وجل ، والآيات كثيرة جداً ، من الآيات الكونيَّة مثلاً : الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، والشمس من آيات الله الدَّالة على عظَمَتِه و القمر كذلك ، فلذلك في القرآن يوجد ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان ، الآيات الكونيَّة والتَّكوينيَّة والقرآنيَّة .
الكونيَّة : خَلْقُهُ ، والتَّكوينيَّة أفعالُه ، والقرآنيَّة كلامُه . فلذلك لا بدَّ من أن نعرف الله المعرفة التي تَحِملُنا على طاعته ، والآية تقول : 

﴿  إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ 190الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ 191 ﴾

[  سورة آل عمران  ]

 

الإنسان كائن متحرك تحركه حاجات ثلاثة :


لذلك الله عز و جل قال : 

﴿  إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي 14 ﴾

[  سورة طه  ]

الإنسان كائن مُتَحَرِّك ، ما الذي يُحَرِّكُه ؟ الحاجة إلى الطعام و الشراب ليبقى حيَّاً ، وبعد أن يَبلُغ العشرين أو أكثر يحتاج إلى زوجة ، ما الذي يُحَرِّكُه ؟ الحاجة إلى بقاء النوع عن طريق الزواج ، فبعد أن أكَلَ وشَرب وتزوج وأنجَب ، عنده حاجة ثالثة إلى التَّفوق ، فأول حاجة لبقاء الفرد ، و الحاجة الثانية لبقاء النوع ، والحاجة الثالثة لبقاء الذِّكِر ، لا بُدَّ أن تكون الطبيب الأول ، المحامي الأول ، المهندس الأول ، الصَّانع الأول ، فحاجة الإنسان إلى الطعام والشراب حِفاظاً على بقائه كفرد ، والحاجة إلى الزواج حفاظاً على بقاء النوع ، والحاجة الثالثة التَّفوق حفاظاً على بقاء الذِّكِر .
فهذه الحاجات الثلاثة مَنهَج الله عز وجل ، تعليمات الصَّانع ، القرآن الكريم ، وما صَحَّ من حديث النبي الكريم ، كُلُّها في خدمة هذه الأهداف الكبيرة ، إذاً الثَّمرة :  وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي   الإنسان حينما يستقيم حقَّقَ الهدف السلبي ، أي ما أَكَل مالاً حراماً ، ما كَذَب ، ما غَش ، كان زوجاً صالحاً ، أو كانت زوجةً صالحة ، كان أباً صالحاً ، أو ابناً صالحاً ،  وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي  أي ذَكَرَ الله فاستقامَ على أمره .
 

العمل الصالح علة وجود الإنسان :


الآن الله قال :

﴿  فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ 152 ﴾

[  سورة البقرة  ]

الاستقامة وضع سلبي ، أما عندما يقول الإنسان :  رَبِّ ارْجِعُونِ 99لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا عِلَّة وجود الإنسان في الدنيا العمل الصالح ، والعمل الصالح يرفَعُه ، لمَ سُمِّي صالحاً؟ لأنه يَصلُح للعَرْضِ على الله ، ومتى يَصلُح ؟ إذا كان خالِصاً و صَواباً ، خالِصاً ما ابتُغيَ به وجهُ الله وصَواباً ما وافَقَ السُّنة . 
فلذلك نحن بحاجة ماسَّة إلى أن نذكر الله  فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ   و بحاجة إلى أن نتَحرَّك حركة سلبيَّة استقامة ، ما أكلنا مالاً حراماً ، ما كذَبنا ، ما غشَشنا ، إلى آخره ، لكن بعد أن عرَفنا الله فاستقمنا على أمره ، وأقبلنا عليه ، تأتي الصلاة   وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي  الصلاة اتصال هذا الخالق الحادث الطارئ الشَّهَواني الخائف بأصل الجَمَال والكمال والنَّوال ،  وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ، وربنا عز وجل قال :  فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ  إذا الله ذكَرَنا ماذا يكون ؟ مَنَحَكَ السَّكينة تَسعَدُ بها ولو فَقَدَّت كل شيء ، مَنَحَكَ الرَّاحة ، مَنَحَكَ التَّوفيق ، مَنَحَكَ الحِفظ ، ثمارُ الصلاة لا تُعَدُّ ولا تُحصى ، فلا بُد من عقيدةٍ صحيحة ، والعقيدة الصحيحة لا بُدَّ لها من طَلَب العِلم ، فإذا أردت الدُّنيا فعليكَ بالعِلم ، وإذا أردت الآخرة فعليكَ بالعِلم ، وإذا أردتهُما معاً فعليكَ بالعِلم ، والعِلمُ لا يُعطيك بَعضَهُ إلا إذا أعطيتَهُ كُلكَ ، فإذا أعطيتهُ بعضكَ لم يُعطِكَ شيئاً ، ويَظلُّ المرء عالِماً ما طَلَبَ العِلم ، فإذا ظنَّ أنه قد عَلِم فقد جَهِل ، طالبُ العِلم يُؤثِر الآخرة على الدنيا فيربَحَهُما معاً ، بينما الجاهل يُؤثِرُ الدنيا على الآخرة فيسخرهما معاً .
إذاً نحن لدينا حركة سلبية الاستقامة ، إيجابية العمل الصالح ، وسُمَّيَ العملُ صالحاً لأنه يَصلُحُ للعَرْض على الله ، ومتى يصلُحُ ؟ إذا كان خالصاً و صَواباً ، خالصاً ما ابتُغيَ به وجه الله ، و صَواباً ما وافقَ السُّنة . 
الشيء الدقيق جداً أن العمل الصالح عِلَّة وجودنا في الدنيا ، والآية تقول :  رَبِّ ارْجِعُونِ 99لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا   سُمَّيَ صالحاً لأنه يَصلُحُ بالعَرْضِ على الله . 
هناك زوج صالح عمله صالح ، هناك زوجة صالحة ، ابن صالح ، وحفيد صالح ، وجَدّ صالح . صَلَح أي عمل عملاً وفق منهج الله ، طَبَّقَ تعليمات الصَّانع ، والجِهُة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تُطَبَّق تعليماتها ، إذاً :  وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي  .
الآن عندما يكون الإنسان على جانب من معرفة الله عز وجل هذا الجانب من معرفة الله عز و جل يُعينُنا على طاعته ، وعلى الإقبال عليه ، وعلى التَّنعُّم بقربه ، فلذلك قال :  وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ  :

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــــا           الذي رأوه لما وليت عنــــا لغيرنــــــا

ولو سمعت أذناك حسن  خطابـنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــا

ولو ذقت مـن طعــــــم المحـبة ذرة           عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمــــــة           لمــــت غريباً واشتياقــــــــــاً لقربنـــــــا

ولو لاح مـن أنوارنا لك لائـــــــــــــح    تــركت جميع الكائنــات لأجلنــــــــــــــا

فما حبنا سهل وكل مــــن ادعـــــى    سهولته قلنا له قـــــــــــد جهلتنـــــــــــا

فأيسر ما في الحب بالصب قتله            وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا

***

 

أساليب الله عز وجل لهداية خلقه :

 

1 ـ الهدى البياني :

لذلك أصبح لدينا شيء اسمه : التَّوفيق لمعرفة الله ، والتَّوفيق للإقبال على الله ، والتَّوفيق للتزوِّد بكمالات الله عز وجل ،  وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي  لذلك السَّكينة أعظَمُ عطاء إلهي تسعُد بها ولو فَقَدتَ كلَّ شيء ، وتشقى بفقدها ولو مَلَكَتَ كلَّ شي .
هذه السَّكينة تأتي من الهُدى البياني ، قرأتَ قرآناً ، قرأتَ حديثاً شريفاً ، حضرتَ خُطبة جُمعَة من عالِم ربَّاني ، قرأتَ كتاب تفسير ، هذا اسمه الهُدى البياني . أنت تسمع إمَّا خُطبَة جُمعة أو ندوة لعالِمَين كبيرين ربَّانيين ، أو قرأتَ كتاب تفسير ، تَلَقَّيتَ العِلم ، إمَّا من مُعَلِّم ، أو من كتاب ، أو من لقاء ، أو من برنامج ، فهذا الهُدى البياني أرقى شيء والموقف الكامل  في الهُدى البياني الاستجابة : 

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ 24 ﴾

[  سورة الأنفال  ]

 دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ  هذا هو الهُدى البياني ، فلذلك أرقى شيء أن تستمع إلى درس عِلم ، إلى خُطبة جُمعة ، أن تقرأ تفسيراً لعالِمٍ ربَّاني ، أن تلتقي بجلسةٍ أو سهرةٍ أو لِقاءٍ أو أُمسيةٍ فيها عالِم كبير يتكلَّم كلاماً رائعاً ، هذه هي أول صفات الهُدى البياني ، بَيان ، خِطاب ، جلسة ، نَدوة ، قراءة ، مُطالعة ، طَلَبُ عِلم ، انتساب إلى كُلّية شرعيَّة ، هذا كله الهُدى البياني . الموقف الكامل له أن تستجيب لأمر الله عز وجل والآية تقول :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ  هذا الموقف الكامل ، سمعتَ خطبة جمعة ، قرأتَ تفسير آية ، جلستَ بسهرة فيها عالِم جليل ، تَلَقَّيتَ العِلم من مُدَرِّس ، من عالِم ، من شيخٍ جليل ، هذا الهُدى البياني ، الموقف الكامل والرائع منه أن تستجيب ، والآية تقول :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ  يُحييكُم ، كان مَيَّتاً ؟ قد يكون الإنسان نَبضُه 80 ، مثالي ، ضغطه 8/12 مثالي ، عند الله ميت ، الله قال : 

﴿  أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ 21 ﴾

[  سورة النحل  ]


هؤلاء الذين شَرَدوا عن الله  أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ  :


﴿  وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ 4 ﴾

[  سورة المنافقون  ]

خشبة .

﴿  أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا 44 ﴾

[  سورة الفرقان  ]

كلها آيات قرآنية :  أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ  أول وصف .  خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ  ،  إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا   ، والآية الأخيرة :

﴿  مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 5 ﴾

[  سورة الجمعة  ]

فأنت إمَّا أن تستجيبَ لله ، فتكون إنساناً يستَحِقُّ التَّوفيق في الدنيا ، والفَلاح في الآخرة ، وإمَّا أن تكون دابَّة تعيش لتأكل ، تعيش لتَقتَرفَ المعاصي والآثام ، وهذا إلى جهنَّم وبئس المصير . 
لذلك  وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي  الصلاةُ عماد الدين فمن أقامها فقد أقامَ الدِّين ، ومن تَرَكَهَا فقد هَدَمَ الدِّين
الصلاة أن تَتصِل أيها المخلوق الضعيف بأصل الجمال والكمال والنَّوال ، أن تتصل بخالق السماوات والأرض ، أن تتصل برب العالمين ، أن تشتَقَّ من اتصالك رحمة ، أن تشتقَّ من اتصالك الحكمة . 
الحقيقة الإيمان شيء لا يوصَف ، يجب أن تقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعدُ مِنِّي إلا أن يكون أتقى مِنِّي . 
هذا الهُدى البياني أي طَلَبُ عِلم ، خِطبةُ جُمعة من عالِم ربَّاني ، نَدوة تراها على الشاشة بين علماء كبار ، كتاب تفسير تقرؤه ، سهرة لأُناس مؤمنين يتبادلون الأفكار الدينية . هذا كله تحت الهُدى البياني والموقف الكامل منه هو الاستجابة ، والآية تقول : 

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ 24 ﴾

[  سورة الأنفال  ]  

2 ـ التأديب التربوي :

هو لم يستجب ، يأتي بعد ذلك التَّأديب التَّربوي ، التَّأديب التَّربوي أي شبه مُصيبة ، مصيبة خفيفة تلفِتُ النَّظر ، كأنَّما يقول لك : عبدي فَكِّر لِمَ سُقْتُ لك هذه المصيبة ؟ لِمَ قلّ الدَّخل ؟ لِمَ وَجدتَ مشكلة في عملك ؟ لِمَ رأيتَ مشكلة في صحتك ؟ 

((  استَقيموا ولَن تُحصوا واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ ولا يحافظُ علَى الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ  ))

[  ابن ماجة  ]

لو أنكم استقمتم على منهج الله لن تُحصوا الخيرات من الاستقامة ، فلا بدَّ من أن تُفَكِّر في واقعك ، في حاضرك ، في دُنياك . هل بيتك إسلامي ؟ هل يوجد شاشة مفتوحة ؟ هل توجد سهرات مختلطة ؟ هل هناك أعمال لا تُرضي الله في البيت ؟ عملك إسلامي ؟ دَخلُك مشروع ؟ لا يوجد غش ولا كذب ولا تدليس ؟ لا يوجد بضاعة مُحَرَّمَة ؟ إلى آخره . الآن بيتك وعملك ونفسك هذه دوائر ثلاثة تُحاسَب عليها ، دوائر ثلاثة تُحاسَب عليها ، فإذا نجَحَتَ في هذه الدوائر انتهيت من المسؤولية  وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي 
فهذا أول نوع الهُدى البياني ، يستمع إلى درس عِلم ، إلى لقاء ، إلى ندوة ، تقرأ تفسيراً ، تحضر درس خُطبة جُمعة من عالِم ربَّاني ، الموقف : الاستجابة . 
لو أن الإنسان قَصَّر ما استجاب كما ينبغي ، يأتي التَّأديب التَّربوي ، شبه مصيبة ، مشكلة ، إما أحياناً بصحته ، أو ببيته ، أو بعمله ، أو مع من حوله ، أو مع من أقوى منه. المصائب سُمّيت مصائب لأنها تُصيب الهدف ، يوجد كِبِر ، وقف موقفاً فيه حَرَج ، يوجد إسراف تعرض لضائقة مالية ، يوجد غيبة ونميمة ، وقع في مشكلة اجتماعية ، فلا بد من الاستقامة على أمر الله ، قال الله :  وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي   وقال :  فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ .
وقال : من ثمار ذكري السَّكينة ، كما قلتُ قبل قليل تسعَدُ بها ولو فَقَدت كلَّ شيء ، وتشقى بفقدها ولو مَلَكَتَ كلَّ شيء . إذاً نحن بالهدى البياني استجابة ، لم يَستجِب يوجد تأديب تربوي ، يوجد مشكلة . 
مثلاً شخص عليه زكاة عشرة آلاف دينار ، ضُغِطَ عليه من أهله ليَطلي البيت طِلاء جيداً ، فاستجاب ولم يدفع الزكاة ، بعد حين حدث له حادث بسيارته ، قال لي الشخص نفسه : سبحان الله الرقم نفسه الذي كان زكاة مالي دفعته لإصلاح هذه المركبة ، فيأتي لَفتُ نظر ، تأتي مصيبة تُصيب الهدف ، يأتي موقف حَرِج ، فالله عز وجل يداوي عباده ، وأي أدب ، لأنه رب العالمين ، لم هو ربّ العالمين ؟ من التربية يُربِّي عباده . 
فالهُدى البياني استجابة لهذا القرآن ، واستجابة لِمَا صَحَّ منه كلام النبي العدنان ، والاستجابة أن تطَبِّق منهج الله في بيتك ، وفي عملك ، وفي نفسك . الاستجابة شيء رائع جداً والاستجابة بعدها يوجد سلامة ، لكن إذا أقبلتَ على الله بعملٍ صالح ، إذا آثرت دفعَتَ مبلغاً من المال لأسرةٍ بائسةٍ ، لأولاد أيتام ، إذا خدمتَ إنساناً ، الأعمال الصالحة لا تُعَد ولا تُحصَى ، وقد قيل :  الطَّرائِقُ إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائِق .
هذا الذي ينبغي أن يقول في موضوع الهُدى البياني ، أمَّا التَّأديب التَّربوي فتأتي مصيبة :

﴿  مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا 147 ﴾

[  سورة النساء  ]

لا يُمكِن إطلاقاً أن تأتي مُصيبة بلا سبب  مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ابحث عن السبب ، وكأن الله عز وجل تولَّى بعنايته الفائِقة عباده المؤمنين ، أنهم إذا أخطؤوا يُلقي في قَلبِهم أن هذه المصيبة بسبب كذا ، من أجل كذا ، لهذا العمل السيئ الذي فعلتَه ، فلا بدَّ من صَحوة ، هذه الصَّحوة قد تأتي عن طريق مُصيبة ، أو عن طريق قَلق ، أو عن طريق أشياء كثيرة جداً . 
الهُدى البَياني أنت استمعتَ إلى درس عِلم ، حضرتَ خُطبة لعالِم ربَّاني ، قرأتَ تفسيراً لعالم كبير، سهرتَ سهرة ربَّانية فيها داعية كبير ألقى كلمات رائعة ، هذا الهُدى البياني لا بدَّ من أن تَحرِصَ عليه ، مثلاً بين أيدينا بعض الأمثلة ، هاتف ، هذا الهاتف ممكن أن تتصل إلى أمريكا به ، ممكن أن تَطَمَئِن على أولادك بمكان مُعَيَّن ، هذه الهاتف إذا لم تُشحنه يُصبح قطعة بلاستيك لا قيمة له ، وأنت كمؤمن - هذا مَثَل ، ولله المثل الأعلى - إن اتصلتَ بالله ، اشتقَقتَ منه الحكمة ، اشتَقَقتَ منه الرَّحمة ، اللطُف ، الفَهِم ، التواضع ، كل مكارم الأخلاق كما قيل مَخزونةٌ عند الله تعالى ، فإذا أَحَبَّ الله عبداً مَنَحُه خُلُقاً حسناً ، الله عز وجل قال : 

﴿  وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ 4 ﴾

[  سورة القلم  ]

فنحن في الهُدى البياني أي تسمع درساً ، خُطبة ، تقرأ كتاب تفسير ، تَسهَر بأُمسية مع عالِم جليل ، و إذا لم تفعل تصبح كهذا الهاتف إن كان بدون شحن يُصبح قطعة بلاستيك لا قيمة لها إطلاقاً ، فكما أن الهاتف الذي بين يديك يحتاج إلى شحن يومي ، أنت بحاجة إلى شحن يومي بالصلوات الخمسة ، وبحاجة إلى شحن أسبوعي بُخطبة الجُمعة ، وبحاجة إلى شحن شهري برمضان ، وبحاجة إلى شحن عُمُري بالحج ، هذه العبادات هي شحن للإنسان ، ترى بها الحق حقاً والباطل باطلاً ، هذه الشِّحْنَة تَجعَلك ترى ، الله قال :  وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي  إنسان يمشي في الطريق ، أو هو في غرفة لا يوجد بها نور ، ما رأى فيها شيئاً إطلاقاً ، فكما أن العين لا قيمة لها ولو كانت حساسيتها عالية جداً لا بد من نور يتوسط بين العين و المرئي ، كذلك القلب يحتاج إلى نور :

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ  28 ﴾

[  سور الحديد  ]

إذاً يوجد نور يتوسط بين العين والمرئيات ، و يوجد نور إلهي يتوسط بين العقل و الحقائق . فلذلك الهُدى البياني استجابة ، لم يستجب تأديب تربوي ، المصائب سُمّيت مصائب لأنها تُصيب الهدف ، فبالهُدى البياني نستجيب ، وبالتَّأديب التَّربوي نتوب . 

3 ـ الإكرام الاستدراجي :

الآن بالإكرام التَّفَضُّلي نشكر. 

4 ـ القصم :

بالهُدى البياني لم يستجب ، وبالتَّأديب التَّربوي لم يتب ، وبالإكرام الاستدراجي لم يشَكَر ، عندئذ يبقى القَصم ، أي انتهى عند الله عز وجل ، انتهت صلاحيته ، لا بد أن تنتهي حياته أيضاً ، فلذلك الله قال :

﴿  وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ 25 ﴾

[  سورة الأنبياء  ]

مُلخَّص المُلَخَّص ، فَحوى دعوة الأنبياء جميعاً  لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ  الآن  لا يَخافَنَّ العَبدُ إلا ذنَبه ، ولا يَرجُونَّ إلا ربه .
 

خاتمة وتوديع :


أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا اللقاء الطيب ثمرة من ثمار هذا الإيمان ، وأن يكون أخوتنا الذين يستمعون لهذا المقال ولهذا الخطاب على مستوى أن يطلبوا رحمة الله عز وجل ، وأن يحافظوا على طاعة الله عز وجل ، وعلى استقامتهم ، وعلى طَلَب العِلم ، والأمور مُيَسَّرة بشكل غير معقول ، الآن ممكن أن تصل إلى أي جواب عن أي سؤال بهذه الأجهزة الحديثة التي بين أيدينا . 
أرجو الله أن يحفظ لكم إيمانكم جميعاً ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، و مستقبلكم .

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور