- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠3برنامج حياة المسلم 3
مقدمة :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، يا ربنا صلّ وسلم ، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا ، إمامنا وقدوتنا ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مستمعينا الأكارم أينما كنتم عبر أثير إذاعتكم حياة FM ، نحييكم في حلقة جديدة من مجلس العلم والإيمان ، مع فضيلة العلّامة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، مرحباً بكم شيخنا ، وأستاذنا الكريم .
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع:
أكرمكم الله شيخنا ، حلقتنا لهذا اليوم عنوانها : صناعة الداعية ، نبدؤها بقول الخالق سبحانه وتعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾
ومن قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم :(( مَنْ دعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثْلُ أجور مَنْ تَبِعَهُ ، لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئاً))
شيخنا الكريم ؛ حياكم الله ، قبل أن نتحدث عن صناعة الداعية ، ومراحل الصناعة، نريد أن نؤصل الدور الشرعي في الدعوة ، هل الدعوة فريضة على كل مسلم ، أم أنها سنة ، أم أنها أمر كمالي في حياة الإنسان ؟الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق :
الدكتور محمد راتب :
قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
هذه الآية الواضحة ، قطعية الدلالة ، تعدّ الدليل الأول على فرضية الدعوة إلى الله .﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾
أي ليس على وجه الأرض إنسان أفضل عند الله .﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾
دعا إلى الله بلسانه ، أو دعا إلى الله بحركته اليومية ، على كل دعا إلى الله ، النقطة الدقيقة جداً :﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾
حركته في الحياة ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، اختيار زوجته ، تربية أولاده ، خروج بناته ، طريق كسبه ، طريقة تمضية أوقات فراغه ، هذه النشاطات التي لا تنتهي ، والتي تبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من فراش الزوجية ، وتنتهي بالعلاقات الدولية ، هذه كلها وفق منهج الله ، مع التفاصيل ، ولذلك :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾
بلسانه .﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾
حركته في الحياة ، حركته ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، اختيار زوجته ، علاقاته مع الآخر ، مع الأقوياء ، مع الضعفاء ، مع العلماء ، مع البسطاء ، الإنسان له حركات كثيرة جداً ، لا يكفي ، قال :﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
ثلاث نقاط ، دعا إلى الله بلسانه ، وعمل صالحاً بحركته .﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
ما ادعى الفردية ، التوحد ، ثلاث كلمات دقيقات ، جامعات ، مانعات ، دعا إلى الله ، بيّن المعروف ، المنكر ، الحق ، الباطل ، عرّف بهذه الرسالة النبوية الرائعة ، عرّف بمنهج الله عز وجل ، بالأمر ، بالنهي ، وجاءت حركته اليومية بكسب ماله ، وإنفاق ماله ، وكل شؤون حياته التفصيلية وفق منهج الله ، ثم لم يقل ليس في الأرض من هو أفضل مني ، ما قال ذلك ، فالدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق .﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
المذيع:الله يفتح عليكم دكتور ! سيدنا من هذه الآية الكريمة ، ومن هذا التفسير ، هل تعتبر الدعوة فريضة على كل إنسان ، رغم أننا نختلف في تخصصاتنا الأكاديمية ، في مستوى معرفتنا بالعلم الشرعي ؟
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :
الدكتور محمد راتب :
هنا الإجابة دقيقة جداً : في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، الدعوة إلى الله فريضة ، الدليل :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله .﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
أي أكبر وصمة تصف بها هذا الإنسان أنه لم يدع إلى الله عز وجل ، لكن في حدود ما يعلم ، ومع من يعرف .المذيع:
هنا يكون فرض عين دكتور ؟
الدكتور محمد راتب :
هي فرض عين ، كان بالمسجد استمع إلى آية من الخطيب ، تأثر بها تأثراً بالغاً ، نقل هذا المعنى إلى زوجته في البيت ، إلى أولاده ، إلى أقربائه ، إلى سهرة يقيمها كل أسبوع مع أصدقائه ، نقل هذه المعلومة قالوا : في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، هي فرض عين ، الذي لا يفعل هذا ليس متبعاً لرسول الله أصلاً .
المذيع:
والعياذ بالله ، صلى الله عليه وسلم .
الدكتور محمد راتب :
هي كفرض عين في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف .
المذيع:
إذاً شيخنا حتى توضح الفكرة للمستمعين ، فرض عين بمعنى أننا كأفراد ، كل منا مسؤول مسؤولية فردية ، كالصلوات الخمس ، على أن يدعو إلى الله .
الدكتور محمد راتب :
الزوج ، التاجر ، حضر خطبة جمعة تأثر بشرح آية من الخطيب ، في البيت زوجته ، أولاده ، بناته ، أصهاره ، كنائنه ، أيضاً شركاؤه بالعمل ، أصدقاؤه ، عندك آلاف الحلقات التي يمكن أن تنقل لهم تفسير هذه الآية ، التي تأثرت بها أنت ، الدعوة إلى الله في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، فرض عين على كل إنسان .
المذيع:
الله يفتح عليكم دكتور .
فرض الكفاية يحتاج إلى تعمق وتبحر وتثبت :
الدكتور محمد راتب :
التعمق ، والتبحر ، والتثبت من الأدلة ، هذا يحتاج إلى اختصار ، يحتاج إلى تفرغ، يحتاج إلى توسع ، يحتاج إلى تعمق ، يحتاج إلى تثبت ، هذه الدعوة فرضُ كفاية ، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، اختصاصه شريعة ، متابعة الأمور متابعة دقيقة ، له درس في مسجد، له لقاء مثلاً في إذاعة ، هي دعوة إلى الله ، دعوة إلى الله لكن احترافية ، مع تفرغ ، مع تعمق ، مع تبحر ، مع تثبت ، هي فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل .
المذيع:
الله عليك ! إذاً دكتورنا ، الدعوة ؛ كل المسلمين مطالبون بها ، الحد الأدنى نقول : فرض عين بمعنى كالصلوات الخمس ، إن فعلته كان لك الأجر ، إن تركته فأنت مقصر وآثم بحدود ما تعرف ، ومع من تعرف من الناس ، لكن التفرغ للعلم الشرعي بحاجة إلى متخصصين، وهو فرض كفاية ، لو قام بعض العلماء به سقط وجوبه عن باقي الأمة .
الدكتور محمد راتب :
التفرغ ، والتعمق ، والتبحر ، والتثبت ، يحتاج إلى اختصاص ، هذا بالنسبة له فرضُ كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الكل .
المذيع:
شيخنا ؛ مفهوم الدعوة ، عند بعض الأشخاص مفهوم الدعوة أن تنقل القرآن الكريم وتفسيره ، الأحاديث النبوية الشريفة ومعانيها ، هل هذا هو معنى الدعوة فقط أم أن المعنى أشمل قد يكون جزءاً من حياتك ، وعملك ، وسلوكك ، وكل تفاصيل العمر ؟
الدعوة إلى الله دعوة واسعة جداً :
الدكتور محمد راتب :
الدعوة واسعة جداً ، يجب أن يعلم الإنسان فلسفة الحياة ، الفلسفة لماذا هو في الدنيا ؟ لماذا جاء الله به إلى الدنيا ؟ ماذا ينبغي أن يفعل ؟ كيف يتزوج ؟ كيف ينجب ؟ كيف يربي أولاده ؟ كيف تخرج بناته في الطريق ؟ سافرات ؟ محجبات ؟ كيف يختار أزواجاً لبناته ، زوجات لأبنائه ، الحياة تبدأ من فراش الزوجية ، وتنتهي بالعلاقات الدولية ، منهج تفصيلي .
أنت راكب سيارة جديدة ، تألق ضوء أحمر في لوحة البيانات ، ينبغي أن تعلم علم اليقين أن هذا الضوء تألق تألقاً تحذيرياً ، لا تألقاً تزيينياً ، هناك نقص في الزيت بالمحرك ، لا بد من أن تقف ، وأن تضيف الزيت للمحرك ، وإلا احترق المحرك .
هي تعليمات الصانع ، الله هو الصانع ، العليم ، الحكيم ، وتعليمات الصانع هي التعليمات الوحيدة التي يجب أن تتبع .
المذيع:
الله يفتح عليكم دكتور ، جميل ! إذاً الدعوة لا تقتصر فقط على نقل الأحكام الشرعية ، وإنما إتقان الإنسان في حياته لعمله دعوة ، انتظامه بالمواعيد دعوة ، وكل جزيئات حياته ، كلها تعتبر دعوة عند الله سبحانه وتعالى .
شيخنا الكريم ؛ سوف نطرح على فضيلتكم سؤالين كبيرين ، لكن بعد الفاصل ، الأول مع كل جهود الدعوة العالمية الكبيرة الموجودة ، إلا أنه للأسف هنالك من يقترب من خانة الخطأ، أو الابتعاد عن الدين ، أو حتى أنه يصبح لا دينياً ، أو علمانياً ، أو ملحداً ، لماذا ؟ أي رغم كل جهود الدعوة ، هنالك من ينحرف عن البوصلة ، والجهد الآخر كيف لنا أن نصنع من أنفسنا دعاة ؟
نتوسع بالإجابة مع فضيلتكم شيخنا العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ومعكم مستمعينا الأكارم ، لكن بعد هذا الفاصل ، بحوله تعالى نعود .
شيخنا الكريم كنا طرحنا على فضيلتكم سؤالاً قبل الفاصل ، رغم جهود الدعوة الكبيرة التي تبذل ، إلا أن هنالك من المسلمين من ينحرفون عن طريق الله سبحانه وتعالى ، كيف يمكن لنا أن نفسر هذا الذي يجري ؟
الخطاب الديني هو المعول عليه الأول لتوسيع رقعة المسلمين :
الدكتور محمد راتب :
الخطاب الديني ، هذا الخطاب إذا نجح قَبِلهُ المسلم ، وقَبِلهُ غير المسلم ، أما إذا لم ينجح يرفضه المسلم أيضاً ، الخطاب دقيق جداً ، هذا الخطاب الإسلامي المعول عليه لتوسيع رقعة المسلمين ، ينبغي أن يكون فيه حقائق هي غذاءٌ للعقل ، العقل غذاؤه العلم ، هناك حقائق يقينية ، قطعية الثبوت ، واضحة ، تتطابق مع الحياة ، مع الواقع ، لا بد من أن يكون في هذا الخطاب الديني غذاء للعقل ، وغذاء العقل العلم ، ولا بد من أن يكون هذا الخطاب الديني فيه غذاءٌ للقلب ، وغذاء القلب الحب ، ولا بد من أن يكون في هذا الخطاب غذاء من الطعام والشراب، إذاً المدعو إلى الدين أن يكون له حرفة يرتزق منها ، صار العقل غذاؤه العلم ، والقلب غذاؤه الحب ، والجسم غذاؤه الطعام والشراب ، فإذا غذينا عقل المستمع المدعو إلى الله بالعلم ، وغذينا قلبه بالحب الذي يسمو به ، وغذينا جسمه بالطعام والشراب ، تألق الدين ، وقُبل ، وانقلب من كلام إلى أحوال وأفعال ، مصير الإنسان بالدين .
المذيع:
إذاً شيخنا ، عفواً بوضوح ديننا كامل بكمال المشرع سبحانه وتعالى ، فلا يوجد خلل في الدين .
الدكتور محمد راتب :
كمال مطلق .
المذيع:
ونعم بالرحمن ، الخلل في عدم استجابة الناس للدعوة ، هل الخلل من الدعاة ؟ أو - عفواً من بعض الدعاة - هل هو خلل بالمفردات ؟
من عمل على تأمين الحاجات الدنيوية الأساسية للإنسان دفعه إلى الدين :
الدكتور محمد راتب :
الحقيقة السؤال معقد جداً ، جانب من الإجابة خطأ بالخطاب الديني ، هناك تحذيرات مبالغ بها ، هناك طرح غير مقبول ، وهناك إهمال للأساسيات ، وتطوير للثانويات ، هذا كله خلل بالخطاب الديني .
مرة ثانية : إذا نجح الخطاب الديني قَبِلهُ غير المسلم ، وإن لم ينجح يرفضه المسلم، الخطاب الديني المقبول فيه حقائق هي غذاء العقل ، ومعلومات إنسانية هي غذاء القلب ، وطريق للحياة الكريمة ، هذا الذي يستمع للخطيب يحتاج إلى أن يتزوج ، إلى منزل ، إلى تربية أولاد ، فلابد من أن نعتني بعقل المخاطب ، وقلب المخاطب ، وجسم المخاطب ، العقل غذاؤه العلم ، القلب غذاؤه الحب الذي يسمو به ، والجسم غذاؤه ما تشتري به الطعام الحلال ، إذا أنت هيأت للمستمع حاجاته الدنيوية الأساسية كان معك .
المذيع:
هل يمكن أن يكون محاربة الدين ، تشويه سمعة الدين في بعض القضايا أثارت بعض الشبهات ، بدون تقديم الرد المنطقي عليها ، محاولات متعمدة من أعداء الدين ، لتقليل من ينتمون إليه ؟
من طبق منهج النبي فلن يعذب في حياته :
الدكتور محمد راتب :
يوجد جواب دقيق :
﴿ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ ﴾
الطرف الآخر :﴿ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
خالق الأكوان يصف مكر الطرف الآخر أنه يزيل الجبل ، للتقريب : في دمشق يوجد جبل قاسيون ، تلة صغيرة جداً ، لو اجتمع أهل الأرض قاطبةً على أن يلغوا هذا الجبل هل يستطيعون ؟ أي الله وصف كيدهم .﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
بعدها فوراً .﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
أنت مع خالق الأكوان ، مع الذات الكاملة ، مع صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا ، مع أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، والآمر ضامن .﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
لا يمكن ، من سابع المستحيلات أن نُعذب ، ومنهج النبي مطبقٌ في حياتنا .الإسلام فردي وجماعي :
شيء آخر :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
يوجد إسلام فردي ، وإسلام جماعي ، لو بدأنا بالفردي ، أنت كمسلم ، بين ملياري مسلم ، لو طبقت منهج الله ، في بيتك ، في نفسك أولاً ، أداء الصلوات ، غض البصر ، وفي بيتك ثانياً ، وفي عملك ثالثاً ، قطفت كل ثمار هذا الدين وحدك ، هذا إسلام فردي إن صح التعبير ، أنت وحدك قطفت كل ثمار الدين .﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ ﴾
أيها المسلمون :﴿ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
أما كأمة :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
يا محمد ! ما دامت سنتك ، أو نهجك ، أو منهجك ، قائماً في حياة أمةٍ ما ، هذه أمة لن تعذب ، أنت مع الله ، مع خالق السماوات والأرض ، مع العليم الحكيم ، مع المقتدر ، مع الجبار ، فلذلك الإنسان إذا تعامل مع الله بصدق الثمار يانعة ، وفي الدنيا والآخرة معاً .المذيع:
الله عليكم ، سيدنا ؛ من قول الله سبحانه وتعالى في الآية الخامسة والسادسة والأربعين من الأحزاب :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾
هل دور النبي أن يكون شاهداً على الناس أم أن يكون نذيراً وبشيراً ؟ دوره الأول دكتور ؟النبي الكريم داع إلى الله دعا من حوله بلسانه :
الدكتور محمد راتب :
ما ذكر بكامله ، هو داعٍ إلى الله ، دعا من حوله بلسانه ، وجاء من بعده من نقل دعوته إلينا ، علماء الحديث ، فنحن مدعوون إلى الله من خلال كلام النبي الكريم ، والدليل :
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
نحن مدعوون إلى الله من خلال كلام النبي الكريم .المذيع:
لماذا أسأل فضيلتكم هذا السؤال دكتور ؟ لأنه مربوط بسؤالنا التالي : هل دور الداعية الأول أن يكون بليغاً للناس ومُبلغاً ، بمعنى أن ينقل إليهم الدين سواء اهتدوا أم لم يهتدوا فهو أدى الأمانة أم دوره أن يكون منقذاً من الظلمات إلى النور ؟
الإنسان مخير :
الدكتور محمد راتب :
هذا السؤال دقيق جداً ، يا محمد .
﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾
البشر أُعطوا حرية الاختيار ، البشر قاطبةً أُعطوا حرية الاختيار ، الدليل :﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
دليل آخر :﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
أنت مخير ، وفي أي لحظةٍ يتوهم فيها الإنسان أنه مسير انتهى الدين كله ، لو أن الله فرض على عباده الطاعة ، فرضاً غير فرض ، لو جعلهم كذلك بطل الثواب .المذيع:
لو أجبرهم عليها .
الدكتور محمد راتب :
أي لا يستطيع رئيس الجامعة افتراضاً أن يوزع على الطلاب أوراق الأسئلة مطبوع عليها الإجابة طباعة كاملة ، والعلامة مئة من مئة ؟
﴿ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ﴾
هذا النجاح ليس له قيمة ، لا عند الناجح ، ولا عند أهله ، ولا عند الناس ، الإنسان مخير .﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
حينما نلغي حرية الاختيار ألغينا الدين كله .المذيع:
إذاً دور الأنبياء والرسل ، ومن بعدهم الدعاة ، هم أن يدلوا الناس على طريق الله لكنهم لا يملكون زمام تغيير دواخلهم .
دور الأنبياء والرسل أن يدلوا الناس على طريق الله :
الدكتور محمد راتب :
أبداً ، لأن الإنسان مخير .
﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾
يا محمد ، لأنه هو مخير ، اختار ألا يهتدي ، اختار الشهوة ، رفض المبادئ والقيم، الإنسان مخير ، دليلها :﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
دليل آخر :﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾
هذا هو الخطأ بالعقيدة ، اسمه الجبر ، الإنسان إذا توهم أن الله أجبره على المعصية انتهى الدين كله ، وعندئذٍ الحُجة ليست لله عز وجل .﴿ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ ﴾
المذيع:الله عليكم دكتور ! سيدنا ؛ في موضوعنا عن صناعة الداعية ، الآن من يريد أن يكون نوراً ، وهدايةً ، وكأنه سراج منير كما أراد الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة في حياة الناس ، كيف له أن يبدأ في صناعة نفسه ليكون داعيةً ناجحاً ؟ ماذا يفعل دكتور ؟
الداعية الناجح هو من يدعو إلى الله في حدود ما يعلم :
الدكتور محمد راتب :
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ، في حدود ما يعلم ، هذا الإنسان يصلي الجمعة بجامع ، طبعاً هذه فريضة مؤكدة ، صلى الجمعة بجامع ، فتكلم الخطيب عن معنى آية مؤثر جداً ، فحدث فيها هذا الشخص زوجته ، بناته ، أصهاره ، أصدقاءه ، شركاءه بالعمل ، هي دعوة إلى الله ، في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف .
المذيع:
هذه واضحة دكتور ، القصد دكتور ، كيف يمكن أن تقدم فضيلتك بحكم مشواركم الدعوي نصائح للدعاة أو للناس ؟ كيف يصبحون دعاة ناجحين دكتور ؟
نصائح مهمة للدعاة :
1 ـ القدوة قبل الدعوة :
الدكتور محمد راتب :
هنا السؤال دقيق جداً : القدوة قبل الدعوة ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم .
مثلاً : لو أن أماً ذهبت إلى بيت الجيران مع ابنتها الصغيرة ، وتأخرتا في العودة ، والطعام غير جاهز ، والأب غضبان ، تقول الزوجة لزوجها على مسمع من ابنتها الصغيرة : لم نذهب إلى أي مكان ، هذه أشربت الكذب من أمها .
وأكثر أخطاء أولادنا من المعلمين والآباء ، وهذا شيء خطير جداً ، هذا ابنك .
أنا أقول كلمة دقيقة : لا يمكن لإنسان لو ارتقى أعلى منصباً ، وجمّع أكبر ثروة ، وبلغ أعلى قمة أن يسعد وابنه شقي ، لا يمكن ، الإنسان سعادته يستمدها أحياناً من سعادة أبنائه.
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾
ألحقنا بهم أعمال ذريتهم ، نحن عندنا مرض اسمه : الغرق في الجزئيات ، دفتر أي واحد من الناس ، أو الموبايل ، أو الآي باد ، فيه أعمال الغد ، يا ترى فكر بالموت ؟(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا))
من بيت إلى قبر ، من بيت فيه زوجة وأبناء ، وبنات صبايا ، وشباب ، وأصدقاء ، وسهرات ، ولقاءات ، وولائم ، ونزهات ، إلى القبر .(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))
الذكاء ، والبطولة ، والنجاح ، والفلاح ، أن تدخل هذه الساعة ، ساعة مغادرة الدنيا في حسابك اليومي ، هذه الصفقة لا ترضي الله ، هذه البضاعة شراؤها لا يرضي الله ، هذا التعامل مع الزوجة يغضب الله ، إذا أدخلت الله في حساباتك كنت مؤمناً ورب الكعبة ، إدخال الله بحساباتك ، هناك ظلم أحياناً للزوجة ، وظلم للأولاد ، يحب زوجةً فأكرم أولادها بعطاء كبير ، وحرم أولاد الزوجة الأولى ، الظلم ظلمات يوم القيامة ، لا بد من أن نعرف الحق ، الحد الأدنى .المذيع:
إذاً شيخنا ؛ في نصائحكم للدعاة قدمتم للآن نصيحتين الأولى : القدوة قبل الدعوة فالعين ترى قبل الأذن ، والنقطة الأخرى : مخافة الله والإيمان ليفتح الله قلوب الناس إليه .
2 ـ الإحسان قبل البيان :
الدكتور محمد راتب :
الثانية : والإحسان قبل البيان ، املأ قلب من تحدثه بإحسانك ، ليفتح لك عقله لبيانك ، املأ قلبه من تحدثه بالدين بإحسانك ، املأ قلبه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك .
المذيع:
ماذا يعني هذا دكتور ؟ أو مثال شيخنا ؟
الدكتور محمد راتب :
عندما تحدث إنساناً يحبك ، فإذا أحبك أصغى إليك ، عندئذٍ حدثه عن الله ، وعن الآخرة ، وعن هذا الدين ، املأ قلبه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك ، القدوةُ قبل الدعوة ، الإحسان قبل البيان ، الأصول قبل الفروع .
المذيع:
زدنا شيخنا من هذه النصائح ، تحدثتم قلتم : الأصول قبل الفروع ، هذه النصائح دكتور ذهبية بتجربتكم ، ربنا يتقبلها في الدعوة ، الأصول قبل الفروع .
3 ـ الأصول قبل الفروع :
الدكتور محمد راتب :
مثلاً : إنسان فرنسي أسلم على يد شيخ أزهري ، أبقاهُ في أحكام المياه ستة أشهر حتى خرج من الدين ، التفاصيل الآن لا تهمنا كثيراً ، يوجد صنبور ببيته ، وماء طاهر ، الماء الذي تشربه توضأ منه انتهى ، ألغينا ستة أشهر تدريس ، لا بد لك أن تضع يدك على الأشياء المهمة ، على أصول هذا الدين ، أصول هذا الدين أن تعرف الله .
(( ابن آدم اطلبنيِ تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ))
لا بد من أن تعرف بالله .الآيات هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله عز وجل :
لماذا بالقرآن يوجد ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والحياة ؟ ألف وثلاثمئة آية ، آية الأمر أن تأتمر واضحة ، آية النهي أن تنتهي ، القصة أن تتعظ، ألف وثلاثمئة آية ، أي الله عز وجل أقسم بآياتٍ كثيرة جداً ، أي عندنا برج .
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾
عندنا برج اسمه برج العقرب ، لو دخلت إلى متحف فضائي رأيت هذا البرج في قبة هذا المكان ، وضعت خطوط بين نجومه كالعقرب تماماً ، هذا البرج فيه نجم صغير متألق أحمر اللون اسمه قلب العقرب ، الآن دقق : هذا النجم الصغير ، أحمر اللون ، المتألق في برج العقرب اسمه قلب العقرب ، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، وبين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، وهذا النجم الصغير قلب العقرب في برج العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، الله ماذا قال :﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
ألف وثلاثمئة آية بالقرآن الكريم تتحدث عن الكون والإنسان ، هذه عناوين موضوعات الإيمان بالله ، والدليل :﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
معنى ذلك أن الآيات هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله عز وجل ، عندنا الكون أحد هذه الآيات ، الموقف الكامل منه التفكر .﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾
الآن ندقق :﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ ﴾
فعل مضارع :﴿ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
هي آيات كونية ، الموقف الكامل منها التفكر .﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
هي خلق الله عز وجل ، الموقف الكامل التفكر ، أما أفعاله :﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
في آية ثانية :﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا ﴾
آية الفاء ، وآية ثم ، إنسان أخطأ لا بد من أن يناله عقاب الله إما سريعاً أو متأخراً، آيات تكوينية ، آياته كونية ؛ خلقه ، الموقف الكامل التفكر :﴿ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
وآياته تكوينية ، أي أفعاله ، الموقف الكامل منها النظر .﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
أو :﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
وأما القرآنية ؛ تتدبر ، الكونية ؛ تفكر ، التكوينية ؛ نظر مع الفاء أو مع ثم ، والقرآنية تتدبر .﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾
أي يا عبادي بيني وبينكم كلمتان تنظمان العلاقة بيننا ، منكم الصدقُ ، ومني العدلُ، تتفاوتون عندي بصدقكم ، وأنا أعدل بينكم ، الدين شيء خطير جداً ، الدين فيه حياة أبدية يديم نعيمها ، والنار لا ينفذ عذابها .المذيع:
أكرمك الله دكتور ، وفتح عليك ، سنستأذنك شيخنا الكريم ، مستمعينا الكرام إلى فاصل قصير من جديد ، ونعود بعد ذلك لنتم حلقتنا ، وحديثنا فيها عن صناعة الداعية ، مع الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
شيخنا الكريم ؛ قبل الفاصل كنتم تحدثوننا عن بعض النصائح للدعاة ، ذكرتم القدوة قبل الدعوة ، ذكرتم الإحسان قبل البيان ، ذكرتم الاهتمام بالأصول قبل الفروع ، ذكرتم مخافة الله سبحانه وتعالى ، ليفتح الله على ذلك الداعية ، ماذا تزيدوننا شيخنا من نصائح في صناعة الداعية ؟
4 ـ مخاطبة العقل والقلب معاً :
الدكتور محمد راتب :
مخاطبة العقل والقلب معاً :
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾
يخاطب قلبه .﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾
خاطب عقله ، مخاطبةُ العقل والقلب معاً ، لأن الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، والإنسان إذا فهم حكمة الشرع ، مثلاً : قد يتوهم أن الشهوات هي السبب ، أنا أقول لك كلاماً دقيقاً جداً : ما أودع الله الشهوات في كيان الإنسان إلا لترقى به إلى رب الأرض والسماوات .المذيع:
إذاً شيخنا نحن مأمورون أن نخاطب العقل والقلب معاً .
الشهوات حيادية :
الدكتور محمد راتب :
الشهوات حيادية ، الدليل : صفيحة البنزين ، هذا سائل منفجر ، غال جداً ، إذا وضعت هذه الصفيحة من البنزين في المستودع المحكم ، وسالت في الأنابيب المحكمة ، إلى المحرك ، إلى البستونات ، وانفجرت في الوقت المناسب ، والمكان المناسب ، ولّدت حركةً نافعةً لك قد تقلك في العيد إلى مكانٍ جميل أنت وأهلك ، الصفيحةُ نفسها لو صُبت على المركبة وجاءتها شرارة ، أحرقت المركبة ومن فيها .
معنى ذلك أن الشهوات إما هي قوةٌ دافعة نحو الأفضل دائماً ، أو هي قوةٌ مدمرة .
شيء آخر : راكب سيارتك ، وصلت إلى مفترق طرق ، يوجد إشارة : ممنوع المرور حقل ألغام ، هل هذه اللوحة التحذيرية هي حدٌ لحريتك أم ضمان لسلامتك ؟
في اللحظة التي نفهم بها نحن أن كل أوامر الشرع ليست حداً لحريتنا ، ولكنها ضمان لسلامتنا ، عندئذٍ نكون فقهاء في هذا الدين العظيم .
المذيع:
الله يفتح عليكم ! سيدنا ؛ معنا تقريباً دقيقة للختام ، سأنتقل معك إلى الحديث النبوي الشريف ، الذي بدأنا فيه :
(( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أُجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ))
من كان داعيةً لله ، فدل إنساناً على الله ، صار يصلي ، هل له مثلُ حسنات هذا الإنسان التائب والمصلي إلى يوم القيامة ؟أكبر تجارة مع الله أن تربي أولادك تربية صالحة :
الدكتور محمد راتب :
نعم إلى يوم القيامة ، الدليل :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾
قال العلماء : ألحقنا بهم أعمال ذريتهم .المذيع:
يا الله ! يا الله ! الله يفتح عليكم .
الدكتور محمد راتب :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾
العلماء قالوا : ألحقنا بهم أعمال ذريتهم .﴿ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾
المذيع:إذاً هذه التجارة الرابحة دكتور ؟
الدكتور محمد راتب :
أكبر تجارة مع الله ، أن تربي أولادك .
المذيع:
وصدقتها جارية لا تنتهي في الدعوة إلى الناس ، ودعوة الأبناء والأحفاد .
الدكتور محمد راتب :
أبداً ، كل أعمال الأحفاد إلى يوم القيامة في صفيحة الآباء والأجداد .
المذيع:
ليس فقط الأبناء والأحفاد ، كل من كنتُ داعيةً بالخير له في هذه الحياة دون قرابة.
الدكتور محمد راتب :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾
المذيع:أكرمكم الله دكتور ! نختم حلقتنا بالدعاء ، ونسأل الله القبول .
الدعاء :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، آمنّا ، ارحمنا ، أعطنا ولا تحرمنا ، أرضنا وارضَ عنا ، يا رحمن يا رحيم ، واجعل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة .