- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (047)سورة محمد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثاني من سورة محمد صلى الله عليه وسلم.
من علامات الإيمان أنك إذا سمعت آيةً مُصَدَّرَةً بـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تشعر أنك مَعْنِيٌ بها:
مع الآية السابعة وهي قوله تعالى:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ(8)﴾
أولاً أيها الإخوة الكرام، من علامات الإيمان أنك إذا سمعت آيةً مُصَدَّرَةً بقوله تعالى:
﴿
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ(20)﴾
نصر دين الله عز وجل تطبيق لأوامره:
كلمة:
من طبق أمر الله عز وجل وسع دائرة الحق و حاصر دائرة الباطل:
طبعاً الأوامر كثيرة جداً؛ العبادات؛ الصلاة، الصوم، الحج، الزكاة، إذا أدَّى الجميع زكاة أموالهم، صار الذي لم يؤدِّ الزكاة شاذاً، أما إذا تخَلَّف الناس عن تأدية الزكاة ضعف هذا الأمر الإلهي، طبعاً لأن معظم الناس يتحرَّكون بالتقليد، الذين يتحركون وفق قناعاتهم ولا يعبؤون بالمجموع هؤلاء قِلَّة، أما الخط العريض في المجتمع أن يتحرَّك وفق التقليد، فحينما تقيم أمر الله عزَّ وجل، حينما تجعل بيتك بيتاً إسلامياً، حينما تجعل عملك عملاً إسلامياً، حينما تتعامل مع الآخرين تعاملاً إسلامياً، أنت ماذا فعلت؟ نصرت دين الله، فأوّلاً نصر دين الله عزَّ وجل في التوجُّه إليه، في الإقبال عليه، في إفراده بالعبودية، في إفراده بالإخلاص، فإذا توجَّهت إليه، وأقبلت عليه، وأخلصت له، ووحدته في أفعاله فلن تقبل أنّ أحداً مع الله عزَّ وجل له فعل وإرادة، هذا هو التوحيد، ثم أقمت العبادات، أقمت الصلاة والصيام والحج والزكاة، ثم تعاملت مع الآخرين وفق منهج الله عزَّ وجل، بأسلوبٍ رفيع، قالوا: إذا فعلت هذا فقد نصرت الله، وهو غني عن أن تنصره، لكنك طبّقت دينه، وفي تطبيق دينه وسَّعت دائرة المؤمنين وحاصرت دائرة المنحرفين فقوي الضعيف بهذا.
الله عز وجل غني عن العالمين:
أول معنى: الله جلَّ جلاله غنيٌّ عن أن تنصره؛ لأنه العزيز الحكيم.
(( لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا. ))
كما قال الله عزَّ وجل:
﴿
معنى ذلك كلمة: إن تنصروا الله لا تعني أبداً ولا يُعقَل أن تعني، والله منزَّهٌ عن أن تعني أنك تنصر الله عزَّ وجل، لكن هذا أسلوب من أساليب البلاغة، إنك إن طبَّقت أمر الله وسَّعْتَ دائرة الحق، وحاصرت دائرة الباطل، دائماً الأغلبية لهم قيمة.
المؤمن الصادق المطبِّق أحكام الدين في عصر الفساد ينبغي أن يشعر بغربة:
إذا أراد الإنسان أن يعصي أمر الله عزَّ وجل والأكثرون يطيعونه صار هذا الإنسان شاذاً، أما إذا كان الأكثرون يعصونه وأراد أن يطيعه صار المطيع هو الشاذ ويتحمَّل مصاعب كثيرة، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( السلام عليكم دار قوم مؤمنين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون،
(( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ ))
لذلك ورد في الحديث الشريف:
(( إنَّ الإسلامَ بدأَ غريبًا وسيعودُ غريبًا كما بدأَ فطوبى للغرباءِ. ))
فالمؤمن الصادق، المخلص، الملتزم، المطبِّق أحكام الدين في عصر الفساد والفتن والانحراف ينبغي أن يشعر بغربة، فإن لم يشعر بغربةٍ فهناك استفهامٌ كبير على إيمانه.
من أراد نصر الله فلينتصر لدينه:
إذاً:
﴿
أخبار النصر تملأ القلب سعادةً، وأخبار التراجع والهزيمة تملأ القلب ضيقاً، وحرجاً، وحزناً، فهذه الآية أصلٌ في تعاملنا مع الله عزَّ وجل في شأن النصر، إن أردت نصر الله فانتصر لدينه، إن أردت نصر الله فانتصر على نفسك، إن أردت نصر الله فأقم الإسلام في بيتك، وأقمه في عملك، إن أردت نصر الله عزَّ وجل فكن له كما يريد ليكون لك كما تريد.
وهذه الآية تصلح على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي، أي كأمة إن لم نُقِم أمر الله فينا فلن نُنصَر، قال تعالى:
﴿
من أراد ألا يعذب عليه بطاعة الله عز وجل:
بعض المفسرين وقعوا في حَيرة:
مرة ثانية، هذه الآية الكريمة يمكن أن تُفهَم على مستويين؛ مستوى جماعي كأمة، ومستوى فردي، العرب حينما دخلوا الأندلس انتصروا وأنشؤوا حضارةً، وأنشؤوا دولةً عريقةً، أما حينما التفتوا إلى اللهو وإلى الموشَّحات، وإلى المُجون والقِيَان وما إلى ذلك خُذِلوا، وتفرقوا ثم دُحِروا وأُخرجوا من الأندلس، هذا قانون الله في الأرض.
المسلم الحقيقي يخشى من ذنبه أضعاف ما يخشى من عدوه:
لذلك المسلم يخشى من ذنبه أضعاف ما يخشى من عدوه، وقد ورد في الأثر أن:
فالذنب خطير، لأن الأمر كله بيد الله، هكذا، الله يقوّي الكافر ويقوّي المؤمن، الأمر بيده، القوة بيده، حسْم المعركة بيده، إذا تحارب الحق مع الباطل فالمعركة قصيرة جداً، لأن الله مع الحق، وإذا اصطدم باطلان فالمعركة طويلة جداً، لأن القِوى تتغير فتتكافأ تارةً ولا تتكافأ تارةً أخرى، فهذه الآية أصلٌ في النصر على المستوى الجماعي.
أما على المستوى الفردي؛ أنت في عملك، في بيتك، إذا أقمتَ دين الله أعطاك الله هَيبةً، ألم يقل الإمام الشعراني: "إني أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي"، حتى على مستوى البيت إذا كنت غيوراً، إذا كنت تأتمر بأمر الله، تنتهي عما نهى عنه، وتقيم شرع الله في بيتك فلكَ هيبةٌ كبيرة، الكل ينصاعون، فإذا أردت المعنى الفردي بحيث تكون كلمتك هي العُليا في البيت، فانصر دين الله في البيت، تساهلْ في الأمور التي لا علاقة لها بالدين، وكن في أمور الدين وقَّافاً عند كتاب الله، في عملك، مع أقرانك، مع مَن هم أقوى منك، مع مَن هم أضعف منك، حتى على المستوى الفردي
من اعتصم بأمر الله و طبق أمره نصره على أقوى أعدائه:
هذا القرآن مُعجِز، كلامٌ جامعٌ مانع، إن أخذت هذه الآية على مستوى الأمة؛ لن نستطيع أن ننتصر على عدونا إلا إذا تمسَّكنا بإسلامنا، ولن نستطيع أن نقف أمام القوى الغاشمة إلا إذا اعتصمنا بالله وأطعناه وطبقنا أمره، أما على المستوى الفردي؛ فحتى في عملك لن تستطيع أن تنتصر على خصومك أو على منافسيك إلا إذا كنت مع الله عزَّ وجل طائعاً، مستسلماً، مؤتمراً بما أمر، منتهياً عما عنه نهى وزجر.
بطولة الإنسان لا أن ينتصر أن يحافظ على هذا النصر:
لكن:
(( اذهبوا فأنتم الطلقاء ))
فهذه مكة التي ناصبت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه العداء عشرين عاماً فُتِحت وانتصر النبي وأصحابه نصراً حاسماً مُؤزَّراً عزيزاً، فماذا قال أصحاب النبي، وهم أصحاب النبي؟ وهم على ما هم عليه من حبٍ لله ورسوله، ومن وَرع، ومن تضحيةٍ وإيثار، قالوا:
(( لن نُغلبَ اليومَ من قلةٍ. ))
شعروا بالزُّهوّ وهم أصحاب النبي، والنبي معهم قال:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25)﴾
من انتصر عليه أن يعزو هذا النصر إلى الله عز وجل:
إذاً البطولة لا أن تنتصر، بل أن تحافظ على هذا النصر بالتواضع، دخل عليه الصلاة والسلام مكة فاتحاً وقد كادت ذُؤابة عِمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عزَّ وجل، فالمنتصر أمامه منزلاقات خطيرة، فتصوّر من باب التمثيل؛ جبل له طرق صعبة جداً للوصول لقمته، طرق وعرة، ملتوية، فيها أكَمَات، فيها حُفَر، فيها صخور، فما إنْ وصلت إلى قمة الجبل حتى تنفَّست الصُعَدَاء، لكنك وأنت على قمة الجبل تجد طريقًا زَلِقاً مبلَّطًا ببلاط ثقيل مع آثار الصابون فرضاً، فأنت حين تصل إلى قمة الجبل تبذل جهداً لا حدود له، لكن الزهو وحده وأنت في قمة الجبل يجعلك في الحضيض، والكِبر يلقيك في الحضيض، الآن إذا انتصرت ورأيت أن المشكلة قد حُلَّت، وأنّ العدو قد خضع فربما تساهلت في تطبيق أمر الله عزَّ وجل، فللحضيض تنحدر، لذلك البطولة لا أنْ تصل إلى القمة، البطولة أنْ تبقى في القمة، لا أنْ تنتصر بل أنْ تحافظ على النصر، لذلك بعض العلماء يقول: ومعنى قوله تعالى:
الغرور يودي بالمنتصر إلى الحضيض:
ما من إنسان إلا وتغمره سعادةٌ لا توصف حينما ينتصر:
المؤمن لا يخشى من عدوه بل يخشى من ذنبه، لأن الأمر بيد الله، لكنه إذا أذنب ينبغي أن يدفع الثمن باهظاً، هذا معنى أن الله سبحانه وتعالى قال:
الله عز وجل لا يمنح النصر إلا بالعدل:
إنك إن قرأت في التاريخ عن معركةٍ وقعت بين المسلمين وغير المسلمين وانتهت المعركة بانتصار المسلمين تشعر بالراحة، والغِبْطَة والسرور، وهي معركةٌ وقعت قبل ألف عام وقُطفت ثمار نتائجها، فكيف إذا كانت معركة معاصرة؟ أنت إذا سمعت أن هؤلاء الكفار اجتاحوا بلداً مسلماً تتألم أشد الألم وقد لا تحتمل هذه الأخبار، قال تعالى:
(( اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِك))
الموجبات، لأنك عادل يا رب فأنت لا تمنح النصر إلا بالعدل، لذلك لما وقف النبي عليه الصلاة والسلام في معركة بدر يناجي ربه ويقول:
(( اللَّهمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذهِ العِصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ، فلا تُعْبَدُ في الأرضِ أبدًا، قال: فما زال يَستَغيثُ ربَّهُ عزَّ وجلَّ ويَدْعوه حتى سَقَطَ رِداؤُهُ، فأتاهُ أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فأخذ رِداءَهُ فرَدَّاهُ، ثم الْتَزَمَهُ مِن وَرائِهِ، ثم قال: يا نَبيَّ اللهِ، كَفاكَ مُناشَدَتُكَ ربَّكَ؛ فإنَّهُ سيُنْجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ. ))
ليس معنى هذا أن ثقة الصديق بالنصر أشد من ثقة رسول الله، لكن المعنى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخشى أن يكون هناك تقصيرٌ في الإعداد؛ لأن الله لا يعطي إلا بالعدل، أن يكون هناك تقصير.
من أقام أمر الله عز وجل نصره الله و ذلل له كل الصعاب:
فلذلك:
من انتصر على نفسه نصره الله على عدوه:
لهذا إذا دعوت في الخطبة فإني أقول:
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ
فإذا كنت في بحبوحةٍ وأنت مستقيم، ولا تغير من استقامتك فلا يغير الله من بحبوحتك، وإن كنت في ضيقٍ غَيِّر من سلوكك وتصرفاتك إلى الأحسن حتى يغيِّر الله، هذا ملخص الملخص،
من أقام أمر الله عز وجل دافع الله عنه في عليائه:
السيّاف الذي جِيء به ليقطع رأسه والحاجب صُعِقَا، فتبعه الحاجب عند خروجه وقال له: يا أبا سعيد لقد جِيء بك لغير ما فُعِل بك، فماذا قلت وأنت داخلٌ على الحجاج؟ قال قلت:
﴿ قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى(45) قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46)﴾
من شعر أن الله معه عليه أن يطيعه و يقيم أمره:
أين أنا؟
﴿ بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ(66)﴾
ما عليك إلا أن تعبده وانتهى الأمر، وانتهى كل شيء.
الشقاء والتعاسة عاقبة البعد عن الله والإقبال والتفاؤل عاقبة المؤمن:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ(8)﴾
أما: ﴿تعساً لهم﴾ أوردَ القرطبي عشرة وجوهٍ في تفسيرها، فاتني أن آتي بها لكن أذكر بعضها: ﴿تعساً لهم﴾ أي شقاءً لهم، ﴿تعساً لهم﴾ أي خزياً لهم، ﴿تعساً لهم﴾ أي بعداً لهم، ﴿تعساً لهم﴾ أي تحقيراً لهم، ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ﴾، أي الشقاء والتعاسة، والخِزي والعار، والبُعْد واللعن، والقلق والحيرة، والقهر، والحرمان، والوحشة، والضيق، كل هذا في البُعد عن الله عزَّ وجل؛ والأمن والطمأنينة، والثقة، والرضا، والإقبال، والتفاؤل في الإيمان بالله وطاعته.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ كلنا قد حُكِمَ علينا بالموت، أبداً: "كل مخلوقٍ يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت".
واللّيــلُ مهمــــا طـــــــالَ فلا بدّ من طُلـــوعِ الفجْــــرِ
والعُمــرُ مهمـــا طـَـــــالَ فلا بدّ مـــن نُـــزولِ القَبـــرِ
****
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
فـإذا حملتَ إلى القبـــــورِ جنــازةً فـاعلمْ بأنّك بعدَهـــــــا محمـولُ
****
الذين كفروا أضل الله أعمالهم لكن المؤمن أعماله تنمو و ترقى به:
ما الذي يبقى بعد الموت؟ العمل.
الذين كفروا أضل أعمالهم، لكن المؤمن أعماله تنمو.
﴿
النبي جاء بمفرده، بعثه الله لهذه الأمة، الآن بالعالم مليار ومئتا مليون مسلم، الخير يتوسَّع، فالمؤمن إذا آمن بالله واستقام على أمره له عمل مشرّف، له عمل ينمو، عمل يتوسَّع، فإذا الإنسان دعا إلى هدى فكل من استفاد من هذا الهدى في صحيفته، أما الكافر:
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا(23)﴾
تجد طاقاته الفكرية، عمله، أمواله، حركته هذا كله يتبدد، لا وجود له، هذا معنى
شعور الكافر بالتعاسة في كل أحواله:
(( تعس عبد الدرهم والدينار، تعس عبد الفرج، تعس عبد البطن، تعس عبد الخميصة ))
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أيْ هذه السعادة في النصر وهذا الشقاء في الخذلان.
الجاهل يرى أن حدود الشرع حدودٌ تقيِّد حريته:
حياة المؤمن حياة مقيَّدة بالمنهج و الأمر والنهي:
الله عزَّ وجل قال:
﴿
الانطلاق في الحرية تنتهي بالمتفلت إلى القيد والفتك:
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38) إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ(39)﴾
طلقاء، فالقيود تنتهي بك إلى الانطلاق والعلو، والضلال يبدو للناظر أن الضال إنسان حر؛ يفعل ما يشاء، يأكل ما يشاء، يذهب إلى أي مكانٍ يشاء، يلتقي مع من يشاء، يمارس المتعة كيفما يشاء، ومع ذلك فهذه الحرية، وهذه الانطلاقة في المعصية تنتهي به إلى القيد.
﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ
فالمعنى المستفاد من كلمة ﴿على﴾ ومن كلمة ﴿في﴾ أنّ الهدى على قيوده يرفعك، والضلال على طلاقته يقِّيدك، إما في كآبة، أو في مرض نفسي، أو في سجن، أو في قهر، أو في مرض، أو في مصير أسود.
ما من معصية في الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله عز وجل:
لذلك:
من كفر بالله عز وجل حبط عمله في الدنيا و الآخرة:
طبعاً عندنا دليل عملي:
﴿
أخبرنا الله أن الذي يكفر بالله ويكفر بأمره ونهيه يُحْبِطُ عمله، ويصبح عمله منحطّاً، دنيئاً، خسيساً، مُحتقَراً، أو يحبط عمله ولو كان صالحاً؛ لأن نيته الدنيا وقد أصابها وانتهى الأمر، تعلَّمت العلم ليقال عنك عالم وقد قيل خذوه إلى النار
من يتعدى بذاته يدمره الله عز وجل:
إذًا هناك دليل عملي:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7)﴾
الفراعنة أين هم؟ قوم عادٍ وثمود أين هم؟ هذه الأقوام التي آتاها الله قوةً وأشادت الأبنية، لا يزال بناء الأهرام سرّاً حتى الآن، كيف وصلوا إلى هذا البناء الشامخ، كيف نُقِلَتْ الأحجار؟ كيف صُمِّمت هذه الخطوط؟
الدمار ينتظر كل إنسان خرج عن منهج الله وكفر به:
لذلك:
المؤمنُ في عين الله عزَّ وجل مادام مقيماً لأمره ملتزماً بطاعته:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ(11)﴾
تصوّر؛ أب في أعلى مستويات العلم والقدرات المالية، والذكاء، والفهم، وله ابن يربِّيه أعلى تربية؛ يتابع نموه الجسدي، يتابع أسنانه فإذا تراكبت يذهب به رأساً إلى مقوِّم الأسنان، يتابع أجهزته، يتابع دراسته، يتابع ألفاظه، حركاته، عاداته، ترى هذا الابن تسلَّطت عليه عناية فائقة، لأن له ولياً، له ولي عظيم، وعاقل، ومربٍ، وغني، ومقتدر، فكل طاقات الأب وخبراته في الحياة كلها تُصَب للعناية بابنه هذا، وتصور: طفل ليس له أب وليس له أهل، وفي الأزقة لا أخلاق ولا علم ولا عادات، منحرف، ذاك ابن له من يربيه، وهذا ليس له من يربيه، هذا المعنى القريب، أيضاً المؤمنُ في عين الله عزَّ وجل، ولقد قال ربنا عزَّ وجل:
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ
طبعاً هذه الآية للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكنها في الوقت نفسه لكل مؤمنٍ بحسب إيمانه وإخلاصه وطاعته، أنت بعناية الله عزَّ وجل، أنت تحت ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، أنت بتوفيق الله، وبتأييد الله، وبنصر الله.
الله مع المؤمن في التوفيق والتأييد والنصر والعَوْن:
حتى الآيات الكريمة:
﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ
﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ
هذه معية خاصة أيها الإخوة، ومعنى المعية الخاصة أي أن الله مع المؤمن في التوفيق والتأييد والنصر والعَوْن، أما إذا قال الله:
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ
هذه مع أيَّ مخلوق بالعلم، معهم بعلمه، لكن مع المؤمنين بتوفيقه وتأييده ونصره وإنجاحه..
الله عز وجل وليّ الذين آمنوا:
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا(10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ(11)﴾
الآية الكريمة:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)﴾
الآن دقق:
﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31) نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ(32)﴾
ماذا تشعر إذا قال الله: يا عبدي أنا وليُّك؟ إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ لا يوجد معك أحد، يجب أن يشعر المؤمن إذا تلا هذه الآية بقشعريرة.
من استقام على أمر الله نقله من حال إلى حال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ(12)﴾
حياة الكافر حياة متعة ليس لها أثر مستقبلي إطلاقاً:
حياة الكافر حياة متعة، والمتعة الشيء الطارئ، لذة طارئة ليس لها أثر مستقبلي إطلاقاً، لذةٌ عابرة ليس لها مردود.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.