- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (024)سورة النور
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الخامس عشر من سورة النور، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ(36) ﴾
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ
تعليق الجارِّ والمجرور: فِي بُيُوتٍ:
وبالمناسبة: كلمة رجل لا تعني في القرآن الكريم أنه ذكر، الرجل تعني في القرآن الكريم أنه بطل، لذلك سيدنا سعد رضي الله عنه قال: "ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس؛ ما صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها، ولا سمعت حديثًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى" ، فثلاثة أنا فيهن رجل، أي بطل.
لَيـسَ مـنْ يَقطعُ طُـرقاً بَطـلاً إنمـا مـنْ يتَّقِـي اللهَ البَطَـلْ
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ
المعنى الأول:
فـ
المعنى الثاني:
والمعنى الثاني: أن هذا المصباح:
علاقة الآية بما قبلها:
وقد يسأل سائل: ما علاقة هذه الآية:
الجواب: أنّ الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض، ونوَّر السماوات والأرض، نوَّرها بالنبي العدنان، نوَّرها بالقرآن، نورها بالعقل، نوَّرها بالشرع، نوَّرها بعلم النبي عليه الصلاة والسلام، ومن ينوب عن النبي في تلقين الناس العلم والقرآن الكريم، هذا كله أين معدنه؟ أين تجده؟ ﴿فِي بُيُوتٍ﴾ معلومات دقيقة في الطب، هذه المعلومات أين تجدها؟ في كلية الطب، هذا النور الإلهي؛ أن تعرف الحق من الباطل، وأن تعرف الخير من الشر، وأن تعرف الأحكام الشرعية، أن تعرف ما يجوز وما لا يجوز، هذه المعارف أين موطنها؟ أين معدنها؟ أين تجدها؟
﴿
هذا النور تجده:
فضل المساجد وروادها:
على كلٍّ، البيوت المقصود بها المساجد.
(( أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا. ))
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَتعاهدُ الْمَسْجِدَ - يعني يأتيها بشكل دوري، وبشكل مستمر - فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. ))
يعمرها بأن يشيد بناءها، ويعمرها بأن يحضر مجالس العلم فيها، ويقول بعض العلماء: من جلس في مسجد فإنما يجالس ربه لماذا؟ لأنه يستمع إلى كلامه، وإلى شرح كلامه، فما حقه أن يقول إلا خيراً، والحديث الذي تعرفونه جميعاً، عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( مَنْ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَهُوَ زَائِرُ اللَّهِ، وحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائِرَ. ))
حديث آخر؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً. ))
ترفع درجته عند الله عز وجل. وكذا ما جاء في الخبر فيما يحكى عن التوراة:
قد تدخل بيت أخ عزيز، فيقدم لك ما لذّ وطاب من الطعام، هذا الطعام تأكله مرة واحدة، قد يدعوك مرة ثانية، قد يدعوك مرة ثالثة، ولكن عطاء الله عز وجل لا يمكن أن يكون محدوداً، فعطاء الله عز وجل ليس له نهاية ينتهي عندها:
عُمّار المساجد ضيوف الله:
أنت كمؤمن، أنت كإنسان، لو أن أحداً طرق بابك، ودخل إلى بيتك يزورك ألا تحب أن تكرمه، ألا تشعر بحاجة ملحة أن تكرمه.
هي بيوت الله، الأفنية جمع فناء، وهي الساحة، فإنها أفنية الله تعالى، وأبنيته، هذا بناء الله عز وجل، وهذا الفناء فناؤه، التحليل نتيجته جيدة جداً، أنت في المسجد، والله تعالى في حوائجك، هذه القضية حُلَّت، وأنت في المسجد، هذه الحاجة قُضيت، وأنت في المسجد، هذه المشكلة تلاشت، وأنت في المسجد، هذا المرض بُرِئ منه ابنك، وأنت في المسجد، غادرت البيت، والحرارة أربعون، فعدت إلى البيت، وحرارة ابنك سبعة وثلاثون، هم في صلاتهم، والله عز وجل في حوائجهم لذلك:
تعود إلى البيت، وقد تركت الزوجة متبرمة تعود وقد لين الله قلبها فإذا هي تستقبلك في بشاشة، تخرج من البيت، وابنك خارج عن أمرك تعود إلى البيت، وقد انصاع لأمرك، لذلك لا تتوانَ عن حضور مجالس العلم، ولا عن تأدية الصلوات في المساجد، فإنها بيوت الله، حِيكت في غيابك مؤامرة، فإن الله عز وجل خالق السماوات والأرض يدافع عنك، وأنت في المسجد، هم في مساجدهم، والله من ورائهم محيط، والله من ورائهم ينصرهم.
ويقول بعض العلماء: "المساجد مجالس الكرام"، إن كان كريماً تجده في المسجد، وإن كان غير ذلك تجده في المكان الفلاني، وفي المطعم الفلاني، وفي الفندق الفلاني، وفي الملهى الفلاني، لكن كرام الناس تجدهم في المسجد، وإن المساجد بيوت المتقين، ومن وصايا بعض الأصحاب الكرام: "عليك بالمساجد فالزمها، فإنه قد بلغني أنها كانت مجالس الأنبياء".
وقد ورد في بعض الأحاديث الشريفة:
(( كُونُوا فِي الدُّنْيَا أَضْيَافًا، وَاتَّخِذُوا الْمَسَاجِدَ بُيُوتاً، وَعَوِّدُوا قُلُوبَكُمْ الرِّقَّةَ، وَأَكْثِرُوا التَّفَكُّرَ وَالْبُكَاءَ. ))
فهذه البيوت التي وردت في هذه الآية الكريمة هي المساجد، وقد ورد في بعض الأحاديث القدسية يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ يَا أَخَا الْمُنْذِرِينَ، يَا أَخَا الْمُرْسَلِينَ، أَنْذِرْ قَوْمَكَ أَلاَّ يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إِلاَّ بِقُلُوبٍ سَلِيمَةٍ، وَأَلْسُنٍ صَادِقَةٍ، وَأَيْدٍ نَقِيَّةٍ، وَفُرُوجٍ طَاهِرَةٍ، وَأَلاَّ يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي وَلِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِي عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ظُلاَمَةً، إِنِّي أَلْعَنُهُ مَا دَامَ قَائِمًا بَيْنَ يَدَيَّ حَتَّى يَرُدَّ تِلْكَ الظُّلاَمَةَ إِلَى أَهْلِهَا، فَأَكُونُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، مِنْ أَوْلِيَائِي، وَأَصْفيَائِي، وَيَكُونُ جَارِي مَعَ النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ، وَالصَّالِحِينَ ))
تظلم الناس، وتدخل المسجد، تأكل حقهم، وتدخل المسجد، تكذب عليهم، وتدخل المسجد، تحتال عليهم، وتدخل المسجد، تقصر في واجباتك، وتدخل المسجد:
لعلك رأيته يصلي في المسجد،
قال: هل تعرفه؟
قال: نعم يا أمير المؤمنين أعرفه،
قال: هل سافرت معه؟
قال: لا،
قال: هل جاورته؟
قال: لا،
قال: هل حككته بالدرهم والدينار؟
قال: لا،
قال: لعلك رأيته في المسجد يصلي، إنك لا تعرفه.
لذلك هذا الذي يأكل أموال الناس بالباطل، وهذا الذي يعتدي على الناس، وهذا الذي يظلمهم، وهذا الذي يغتابهم، وهذا الذي يتتبع عوراتهم، وهذا الذي يأخذ ما ليس له، إذا دخل إلى المسجد فإن الله يلعنه.
ومن بعض القصص التي تروى عن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: أن السماء شحت فوقف موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام يدعو الله أن يغيث قومه، فأوحى الله له أن يا موسى إن فيكم عاصياً، وبعد أيام أمطرهم الله عز وجل من دون أن يخرج منهم هذا العاصي، فقال موسى: يا رب، من هذا الذي يعصيك حتى نطرده؟ قال: عجبت لك يا موسى، سترته عاصياً، وأفضحه تائباً، لقد تاب بيني وبينه، سترته عاصياً وأفضحه تائباً!
من أحكام دخول المساجد
الحكم الأول: الدخول بالرجل اليمنى والخروج منه باليسرى:
والنبي عليه الصلاة والسلام علمنا أنَّا إذا دخلنا المسجد أن ندخله برجلنا اليمنى، وإذا خرجنا منه أن نخرج منه بالرجل اليسرى.
الحكم الثاني: الدعاء بما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام:
وعلينا أن ندعو الله بهذا الدعاء.
وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ وَأَبَا أُسَيْدٍ يَقُولانِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ. ))
لعل الله عز وجل يتجلى على قلوبنا في المسجد:
الحكم الثالث: صلاة ركعتي تحية المسجد قبل الجلوس:
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ. ))
إلا أن يكون في مجلس علم، إذا دخل إلى المسجد وليس فيه مجلس علم فليركع ركعتين قبل أن يجلس وهما تحية المسجد.
معنى: أَذِنَ اللَّهُ
لذلك أذن الله، فإذا كان الله قد أذن يُلهم هذا الذي بيده الإذن فيأذن، وإذا لم يأذن الله عز وجل يُلهم هذا الذي بيده الإذن فلا يأذن.
معنى رفع المساجد:
(( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ. ))
أو من ساهم ببناء مسجد؛ بماله، أو بخبرته، أو بوقته، أو بساعده، أو ساهم في عمرانه بالمصلين، حضر الصلاة في المسجد، أو حضر مجالس العلم في المسجد، هذا معنى:
(( مَن بنى للهِ مسجِدًا ولو كمَفْحَصِ قَطاةٍ بنى اللهُ له بيتًا في الجنَّةِ ))
القطاة الطائر، والحديث الثالث:
(( من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله، بنى الله له بيتا في الجنة. ))
إذاً:
يقول الحسن البصري: معنى تُرفع، "أن يُعظّم شأنها، وأن يرتفع ذكرها وقدرها، وأن تُطهَّر من الأنجاس، والأقذار، وأن تُطهر من كل ما فيه معصية، أو إثم، أو امتهان، وأن تُصان عن الروائح الكريهة"، فلا ينبغي أن يقام إلى جانب المسجد حِرف لها رائحة كريهة، ولا ينبغي أن يقام بجانب المسجد حرف تحتاج إلى تنظيف مستمر، وليس لها منظر مقبول، هذا من باب
(( مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ. ))
هذا من باب تعظيم المسجد ورفعه، وصوناً له من أن يتأذى المسلمون في المسجد من رائحة هذا الطعام، طبعاً العلماء قاسوا عليها أن على المسلم أن يرتدي جوارب نظيفة قبل أن يأتي إلى المسجد؛ لئلا يؤذي المسلمين برائحة جواربه، وهذا محمول على البصل والثوم.
وسيدنا عمر رضي الله عنه رأى أَمَة مصابة بجذام تطوف بالبيت فقال: يا أمة الله اقعدي في بيتك، لا تؤذي المسلمين، فلما توفي عمر ودُعيت إلى أن تأتي إلى المسجد قالت:
﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ(32) ﴾
هناك أعمال لها رائحة نتنة، وهناك أقوال لها رائحة نتنة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( إذا كذب العبد تباعد عنه الملك ميلا من نتن ما جاء به ))
هناك أعمال لئيمة، وأعمال خسيسة، وأعمال قذرة، وتصرفات شائنة، وكل هذا السلوك له رائحة نتنة، ولكنها نتنة للذي يملك حساً سليماً ونفساً طاهرة.
عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَا وَجَدْتَ إِنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ ))
أحيانا قضية صغيرة جداً؛ قلم ناشف ثمنه ليرة، أيحتاج أن نقطع الدرس لنقول: لمن هذا القلم؟ لا ينبغي أن يُقطع الحديث عن الله عز وجل، وعن آياته بأشياء لا قيمة لها أمام ما يتلى من آيات الله، وما يقال من شروح لهذه الآيات.
وفيما رواه الإمام مسلم عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ مَهْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لا تُزْرِمُوهُ، دَعُوهُ، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. ))
وفيما رواه الإمام مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي، وَلا ضَرَبَنِي، وَلا شَتَمَنِي، قَالَ:
(( إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. ))
الكلام اليومي، شؤون الدنيا، شؤون التجارة، شؤون البيع والشراء، القضايا التي تهم الناس خارج المسجد لا ينبغي أن تقال في المسجد لقول النبي عليه الصلاة والسلام
(( إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. ))
لأن هذه المساجد إنما بنيت ليذكر الله فيها وحده.
من آداب المساجد:
1 – عدم رفع الأصوات:
ويُحمل على آداب المسجد عدم رفع الصوت فيه، فهذا الذي يتحدث بصوت مرتفع إنه لا يعظم شعائر الله عز وجل.
2 – إلقاء السلام:
وقد جمع بعضهم آداب المساجد في خمسة عشر أدباً؛ منها إذا دخلت إلى المسجد، وليس فيه صلاة تؤدى، وليس فيه مجلس علم فيجب أن تلقي السلام.
3 – صلاة ركعتين تحية المسجد:
ومن آداب دخول المسجد أن تصلي فيه ركعتين قبل أن تقعد.
4 – حرمة البيع والشراء فيه:
ومن آداب المسجد ألا تشتري فيه، وألا تبيع فيه.
5 – عدم سلِّ السلاح:
ومن آداب المسجد ألا تسلّ فيه سهماً، ولا سيفاً، أي مطلق السلاح.
6 – عدم نشد الضالّة:
ومن آداب المسجد ألا تطلب فيه ضالة - شيئا قد ضاع لك - وألا ترفع فيه صوتاً إلا بالتكبير، وذكر الله عز وجل.
7 – عدم التكلم بأحاديث الناس:
ومن آداب المسجد ألا تتكلم بأحاديث الناس، ما يسمعه الناس، وما يقولونه، وما يتداولونه في بيوتهم، وفي الطرقات، وفي الحوانيت، هذا الكلام اليومي العادي لا ينبغي أن يقال في بيت من بيوت الله.
8 – الجلوس حيث ينتهي المجلس وعدم تخطي رقاب الناس:
ومن آداب المسجد أن تجلس حيث ينتهي بك المجلس فلا تتخطى رقاب الناس.
يروى أن الإمام مالك دعاه هارون الرشيد أن يأتي بيته، وكان الدعاء متلطفاً، فما كان من هذا الإمام ؛ إمام دار الهجرة إلا أن بعث لهارون الرشيد برسالة شفوية قال له فيها:
إذاً من آداب دخول المسجد ألا تتخطى رقاب الناس، وألا يُتنازع فيه المكان، هذا محلي، وكان سيدنا علي يجلس إلى جانب النبي عليه الصلاة والسلام فدخل سيدنا أبو بكر رضي الله عنه، فقام له علي كرّمَ الله وجهه من مجلسه.
وقد قيل:
(( ليس منَّا مَنْ لم يُجِلَّ كبيرَنا ، ويرحمْ صغيرَنا ! ويَعْرِفْ لعالِمِنا حقَّهُ ))
وإكرام الكبير من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا كان الشاب في مقتبل عمره، صغيرًا في السن، فتي الجسد، له جلَدٌ على أن يجلس في مكان معين، وأعطى مكانه المريح لأخ كريم يكبره سناً، فهذا العمل والله عظيم، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ. ))
9 – عدم التضييق في الصفوف أو تأخير أحد عن صفه:
ولا يضيق على أحد في الصفوف، ولا أحد يتزحزح من الصف الأول إلى الصف الثاني، لذلك يتزاحمون في الصف الأول، لدرجة أنهم يتضايقون، ولا يستطيعون أن يركعوا، ويسجدوا، فهذا لا يجوز، إذا كان الصف مزدحماً لا بأس أن يتخلف أحدكم إلى الصف الذي بعده.
10– عدم المرور بين يدي المصلي:
وألا يمر بين يدي المصلي.
11– عدم البصق أمامه:
وألا يبصق، هذه غير واردة، والحمد لله، وألا يتنخم، ولا يتمخط فيه، وألا يفرقع أصابعه، فليس من الأدب فرقعة الأصابع في المسجد.
12 – عدم العبث بشيء:
ولا أن يعبث بشيء من جسده، يعبث بلحيته، إن كان له لحية، أو يعبث بذقنه، والذقن غير اللحية، أو يعبث بنظارته، وحمل عليه العلماء من يحمل سُبحة في المسجد، ويعبث بها هذا مما يخل بآداب المسجد.
13– التنزه عن النجاسات:
وأن يتنزه عن النجاسات، وأن يأتي بثوب نظيف، وأن يأتي بجوربين نظيفين، وأن يأتي متعطراً.
14– إبعاد الصبية غير المميزين عن المسجد:
وأن نبعد عن المسجد الصبية الصغار دون الخامسة، الذين لا يفقهون ما يقال، دون الخامسة، هؤلاء عبء على المسجد. لكن الصغار الذين يفهمون فأهلاً بهم، ومرحباً، وهم كالكبار عند الله عز وجل، لكن طفلاً عمره ثلاث سنوات أرادت أمه أن ترتاح منه، فأمرت زوجها أن يذهب به إلى المسجد، فهذا الطفل الصغير يتضايق لساعة من الزمن، ولا يفهم فيها شيئاً.
وأن يُبعد عنه الصبية الصغار، لكن الصبية الكبار الذين يفقهون ما يقال هؤلاء ريح الجنة، وقد قيل: ريح الجنة في الشباب، هؤلاء الشباب أمل الأمة، هؤلاء رجال المستقبل، هؤلاء الذين تنعقد عليهم الآمال، لذلك أهلاً بهم ومرحباً في بيوت الله، وعلى كل أخ من رواد هذا المسجد أن يكرم الصغار، أن يكرمهم بأن يسمح لهم بأن يصلوا إلى جنبه، فهناك عادات لا ترضي الله عز وجل؛ أن المصلين، أو بعضهم يؤخرون الطفل إلى صف خلفي، فلا يجوز هذا، فلو وقف في الصف الأول يجب أن يبقى فيه، قد تراه صغيراً، لكنه عند الله عظيم، وما أدراك قد يكون لهذا الصغير أمل كبير.
سيدنا عمر بن عبد العزيز دخل عليه وفد من الحجازيين، يتقدمهم غلام لا تزيد سنه عن أحد عشر عاماً، يبدو أنه انزعج.
فقال:
فقال هذا الغلام:
دخل غلام على عبد الملك بن مروان أيضا، فانزعج منه.
فقال لحاجبه: ما شاء أحد أن يدخل علينا إلا دخل، حتى الصبية!
فقال: أيها الأمير، "إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك، ولكنه شرفني أتت علينا سنة أذابت الشحم، وجاءتنا سنة أكلت اللحم، وجاءتنا سنة دقت العظم، وبيدكم فضول مال، فإن كانت لكم فتصدقوا بها علينا، وإن كانت لله فعلام تحبسونها عن عباده؟ وإن كانت لنا فأعطونا إياها، فقال هذا الخليفة: "والله ما ترك هذا الغلام لي واحدة فيما يقول عذراً".
وقصة عبد الله بن الزبير مع سيدنا عمر عندما كان مع غلمان يلعبون، فمر بهم، فتفرقوا لهيبته إلا عبد الله بن الزبير بقي في مكانه،
فقال عمر رضي الله عنه: يا غلام، لمَ لمْ تهرب مع من هرب؟
قال: أيها الأمير، لستَ ظالما فأخشى ظلمك، ولستُ مذنبا فأخشى عقابك، والطريق يسعني، ويسعك.
فالصغار ريح الجنة، هناك إخوة كرام يكرمون الصغار، والله سبحانه وتعالى يرضى عن ذلك، فأكرموهم في المساجد، أكرموهم بقدر ما تستطيعون، فإذا جاؤوا إلى المسجد، ورأوا من يكرمهم أحبوا هذه البيوت.
15– عدم إقامة الحدود في المسجد:
ويُحرّم أن تقام الحدود في المساجد، أن يُجلد الزاني في المسجد لا يجوز، هذا بيت الله، هذا مكان الدعوة إلى الله، هذا مكان النور، لا أن تقام فيه الحدود، فلا يجوز أن تقام الحدود في المسجد.
16– استحباب كثرة ذكر الله:
ويستحب أن يُكثِر الإنسان من ذكر الله في المسجد، وألا يغفل عنه، فإذا فعل هذه الأشياء فقد أدى حق المسجد، وكان المسجد حِرزاً له، وحصناً من الشيطان.
17– عدم اتخاذ المساجد طرقا:
ومن علامات قيام الساعة أن تُتخذ المساجد طُرقاً، مثلاً من باب البريد إلى النوفرة عبر الأموي أسرع، أن تتخذ المساجد طرقاً فهذا امتهان للمسجد، أهو طريق؟ ادخل إلى المسجد، وصلِّ فيه ركعتين، وتابع سيرك، فذلك مقبول، أما أن تجعله طريقاً فهذا لا يجوز، وفيما روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ. ))
لو أن إنساناً يحمل قضيب حديد مثلاً فيجب أن يجعله نحو الأسفل لئلا يؤذي به أحداً، أي يجب أن تأخذ احتياطاً بالغاً لئلا تؤذي إنساناً في المسجد.
ومن شروط المساجد ألا يُسكْن تحتها، فأن نعمل بيتاً تحت المسجد نؤجره، فقد يسكن هذا البيت أناس لا يعرفون الله، يرفعون الصوت بالغناء في أثناء مجالس العلم، وهذا يقع غالباً، لذلك لا يجوز ذلك، يجب أن تكون أرضه حرة، لا تحتها شيء، ولا فوقها، أي هذا المسجد لا يجوز أن يسكن إنسان تحته ولا فوقه.
وألا تجاوره حِرف تؤذي المصلين، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( خِصَالٌ لا تَنْبَغِي فِي الْمَسْجِدِ: لا يُتَّخَذُ طَرِيقًا، وَلا يُشْهَرُ فِيهِ سِلاحٌ، وَلا يُنْبَضُ فِيهِ بِقَوْسٍ، وَلا يُنْشَرُ فِيهِ نَبْلٌ، وَلا يُمَرُّ فِيهِ بِلَحْمٍ نِيءٍ، وَلا يُضْرَبُ فِيهِ حَدٌّ، وَلا يُقْتَصُّ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، وَلا يُتَّخَذُ سُوقًا. ))
لا يجوز، لعل دماً يقطرمن هذا اللحم فتؤذي به المسجد،
18– تجنيب المجانين:
وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ، وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ، وَخُصُومَاتِكُمْ، وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ، وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ، وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ، وَاتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ، وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ. ))
معنى جمروها في الجمع يعني عطروها بروائح عطرية يحبها المصلون، واجعلوا المرافق العامة بعيدة عن الحرم، لئلا تؤذي المسلمين ببعض الروائح.
وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يفتش المسجد بعد العشاء، فلا يترك فيه أحداً، يجب أن يكون هناك ضبط، وحزم في إدارة المساجد، لعل أحداً اختبأ فيه، وآذى المسجد، وفعل فيه ما لا يرضي الله، يجب أن يُتفقد المسجد بعد العشاء، وأن تُغلق أبوابه بإحكام، وهذا من فعل سيدنا عمر رضي الله عنه.
وقد روى البخاري في صحيحه عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ:
(( اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا قَالا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لأوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ))
هذا ليس من آداب المساجد.
وسيدنا عمر رضي الله عنه سمع صوت رجل عاليا في المسجد فقال لصاحب الصوت: "أتدري أين أنت؟ أنت في بيت الله".
وسيدنا خلف بن أيوب كان جالساً في مسجد رسول الله، فأتاه غلامه يسأله عن شيء، فقام معه، وخرج من المسجد، وأجابه خارج المسجد، فقيل له في ذلك، فقال: "والله ما تكلمت في المسجد بكلام الدنيا منذ كذا وكذا".
وروى سعيد قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أبي هند رضي الله عنه، وهذا من أصحاب رسول الله قال:
(( حمل تميم الداري معه من الشام إلى المدينة قناديل وزيتاً ومقطاً (حبال)، فلما انتهى إلى المدينة وافق ذلك يوم الجمعة فأمر غلاماً له يقال له أبو البراد فقام فشد المُقط (ربط الحبال) وعلق القناديل وصب فيها الماء والزيت وجعل فيها الفتل، فلما غربت الشمس أسرجها، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد فإذا هو يزهر، فقال: من فعل هذا؟
قالوا تميم يا رسول الله
قال : "نورت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة، أما إنه لو كانت لي ابنة لزوجتكها". فقال نوفل بن الحرث بن عبد المطلب: لي ابنة يا رسول الله تسمى أم المغيرة بنت نوفل، فافعل فيها ما أردت، فأنكحه إياها على المكان. ))
من شدة فرحه به، وامتنانه له قال:
هذه بعض الأحكام المتعلقة في المساجد، وصلنا إلى قوله تعالى:
﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) ﴾
والحمد لله رب العالمين