وضع داكن
30-06-2024
Logo
الدرس : 09 - سورة النور - تفسير الآية 30، غض البصر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس التاسع من سورة النور، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:

﴿  قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30)﴾

[ سورة النور. ]


الحكم الثالث من أحكام الاستئذان: غضُّ البصر:


 مر بنا في الدرس الماضي آيات الاستئذان: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ(29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30)﴾

[  سورة النور ]

 أي إذا سُمح لهم بالدخول، إن استأذنوا أو استأنسوا، وسُمح لهم بالدخول عليهم إذا دخلوا بيوتاً غير بيوتهم أن يستأذنوا، وأن يسلموا وأن يغضوا أبصارهم، ففي البيوت النساء، وفي البيوت العورات، فهذا الداخل عليه أن يغض بصره، سواء أكان هذا البيت الذي دخلته بيتاً غير مسكون من قبل أصحابه، أو بيتاً غير معد للسكن، كالحوانيت والفنادق، فغض البصر في المعنى السياقي من لوازم دخول البيوت، إن أردتم دخول البيوت فعليكم أن تستأذنوا كي تستأنسوا، وتسلموا، وأن تغضوا أبصاركم، ومن إعجاز القرآن الكريم في نظمه أن هذه الآية في سياق الآيات تضيف إلى أحكام الاستئذان حكما ثالثا؛ وهو غض البصر في البيوت، فإذا نُزِعت من سياقها فهي حكم عام لكل مؤمن.
 إذاً في سياق الآية إذا دخلتم إلى بيوت غير بيوتكم، إن استأذنتم، واستأنستم، وسلمتم، إذا دخلتم فعليكم أن تغضوا من أبصاركم.
 قد تكون في غرفة الاستقبال إحدى النوافذ مفتوحة، فلو أن امرأة لا تدري أنك في هذه الغرفة، ومرت من أمام النافذة فعليك أن تغض البصر، هذه امرأة أجنبية، هذه امرأة صديقك، امرأة صاحب هذا البيت، فمن آداب دخول البيوت غض الأبصار، من آداب دخول البيوت غير المعدة للسكن كالحوانيت إذا كان فيها نساء فمن آداب دخولها غض الأبصار، ولو دخلت فندقاً فمن آداب الدخول غض البصر.
 ففي سياق هذه الآيات تعني هذه الآية غض البصر، إضافة إلى السلام، والاستئذان، والاستئناس، ثم هي في الوقت نفسه حكم عام يشمل كل المؤمنين. 
ففي الحديث

(( عن عبد الله بن المغفل أن رجلًا لقي امرأة كانت بغيًّا في الجاهلية، فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها، فقالت: مه، فإن الله قد أذهب بالشرك وجاء بالإسلام. فتركها وولى فجعل يلتفت خلفه وينظر إليها حتى أصاب وجهه حائطًا، ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- والدم يسيل على وجهه، فأخبره بالأمر، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أنت عبد أراد الله بك خيرًا" . ثم قال: "إن الله -جل وعلا- إذا أراد بعبد خيرًا عجل عقوبة ذنبه، وإذا أراد بعبد شرًّا أمسك عليه ذنبه حتى يوافي يوم القيامة كأنه عائر"  ))

[ رواه ابن حبان والحاكم صححه ]

 ونزل قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا


 هذه القصة ترويها كتب التفسير سبباً لنزول هذه الآية، لكن صياغة هذه الآية صياغة دقيقة: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا﴾ يَغُضُّوا فعل مضارع فيه إخبار، فكيف نوفق بينه وبين قُلْ، قال علماء التفسير: إن هناك فعل أمر مقدر، قل للمؤمنين غضوا أبصاركم، والمؤمنون سرعان ما غضوا أبصارهم، فقل للمؤمنين غضوا أبصارهم يغضوا من أبصارهم، في هذه الصياغة استنباط دقيق جداً، هو أن المؤمن ما إن يستمع إلى أمر الله سبحانه وتعالى حتى يسارع في غض بصره، أو في تنفيذ أمر الله، ليس هناك وقت بين تبلّغه الأمر وبين تنفيذه، فمجرد أن يستمع المؤمن إلى أمر الله سبحانه وتعالى مباشرة ينفذ هذا الأمر، غضوا أبصاركم يغضوا من أبصارهم:

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36)﴾

[ سورة الأحزاب  ]

 أي لا اجتهاد، ما دام الله سبحانه وتعالى أمر بهذا الأمر المحكم الواضح الصريح فلا اختيار، ولا اجتهاد، ولا تعلل، ولا اعتذار، ولا تعليق، ولا حذف، ولا أي شيء من هذا.

الأمر الإلهيّ ينفَّذ بشكل مستمر:


 شيء آخر؛ هو أن الأمر الإلهي لا ينفذ مرة واحدة، ولكنه يُنفَّذ بشكل مستمر، مما يؤكد هذا أن هذا الأمر الإلهي جاء في صيغة المضارع، أي يغضوا من أبصارهم، إنهم دائمون على غض البصر، إنهم مستمرون في غض البصر، فغض البصر شيء مستمر في حياة المؤمن، بل إن من شأن المؤمن أن يغض بصره، الفعل المضارع يفيد الاستمرار، فشأن ثابت من شؤون المؤمن أنه يغض بصره.

معنى غض البصر:


 ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ الآن معنى غض البصر إطباق الجفن على الجفن لمنع الرؤية، ومعنى غض البصر أن يطرق الإنسان بصره نحو الأرض، أطرق بصره، أي حوّله إلى الأرض، أو أن يحوله إلى جهة أخرى، إما أن تحوله إلى الأرض، أو أن تحوله إلى جهة أخرى، أو أن تطبق الجفن على الجفن، وترتاح من هذا المنظر، فإذا كنت راكباً في مركبة عامة، أو في مركبة خاصة، ولم تكن أنت الذي تقود هذه المركبة، فإذا بدت لك امرأة بإمكانك أن تطبق جفنك الأعلى على جفنك الأسفل، وتبتعد بنفسك عن هذا المنظر، فإذا كنت محتاجاً إلى عينيك في قيادة مركبة، أو في السير عندئذ تنظر إلى الأرض، أو تحول بصرك من جهة إلى أخرى إن كانت المرأة على الرصيف الأيمن، فلك أن تحوله إلى الرصيف الأيسر، فغض البصر إما منع الرؤية، أي إطباق الجفن على الجفن، أو توجيه النظر إلى الأرض، أو توجيه النظر إلى جهة غير الجهة التي فيها المرأة، هذا من معاني غض البصر، طبعاً غض البصر هذا المصطلح ورد في الشعر الجاهلي، يقول عنترة العبسي، وهو في الجاهلية:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي        حتى يواري جارتي مأواها

[ عنترة العبسي ]

وفي بيت آخر:

فغض الطرف إنك من نميـــر     فلا كعبا بلغت ولا كــلابا

[ جرير ]

وغض البصر مما يزيد المرأة كمالاً، فأحد الشعراء يصف امرأة فيقول:

و ما سعاد غداة البين إذا رحلوا     إلا أغن غضيض الطرف مكحول

[ كعب بن زهير ]

 غضيض الطرف، أي أن يكون الطرف نحو الأسفل، هذا من لوازم الحياء.
 إذاً غض البصر إطباق الجفن الأعلى على الجفن الأسفل، أو تحويل النظر من جهة إلى جهة، أو توجيه النظر إلى الأرض.

المعاني المستفادة من كلمة ( مِنْ ):


المعنى الأول: التبعيض:

 لكن الشيء الذي يلفت النظر أن كلمة (مِنْ) تفيد التبعيض، فلم يقل الله عز وجل: قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم، ويحفظوا فروجهم، ولم يقل: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا من فروجهم، بل قال: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ لماذا؟ لأن (مِنْ) حرف جر أصلي يفيد التبعيض، "أعطني مما عندك" ، أيْ "أعطني بعض الذي عندك" ، أعطني من هذه القطع قطعة، فمن تفيد التبعيض، أي أن الله سبحانه وتعالى يقول: إن المؤمنين يغضون أبصارهم عن بعض المبصرات التي حرمها الله عز وجل، فلك أن تنظر إلى زوجتك، ولك أن تنظر إلى أمك، ولك أن تنظر إلى أختك، ولك أن تنظر إلى عمتك، ولك أن تنظر إلى خالتك، ولك أن تنظر إلى بنت أخيك، ولك أن تنظر إلى بنت أختك، ولك أن تنظر إلى أم زوجتك، ولك أن تنظر إلى الفروع مهما دنوا، وإلى الأصول مهما علوا، لكن الذي حُرِّم عليك أن تنظر إلى امرأة أجنبية لا تحل لك. 
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ مِن هنا جاءت (من) للتبعيض، أي ليس كل النظر إلى النساء محرماً، بل إلى صنف من النساء أجنبيات عنك، لا يحللن لك. 
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ فهذه (مِنْ) للتبعيض.

المعنى الثاني: غض البصر بملء العين عما أحل الله:

 معنى آخر، أي أن المؤمنين يغضون بعض أبصارهم عن المُبصَرات التي أحلها الله لهم، فإذا أحلّ الله لك النظر إلى أمك، أو إلى أختك، أو إلى ابنتك، أو إلى زوجة ابنك، أو إلى عمتك، أو إلى خالتك، أو إلى أم زوجتك فلا ينبغي أن تنظر إلى هؤلاء النساء اللاتي يحللن لك أن تنظر إليهن بملء العين، وأن تكرر النظر فهذه (مِنْ) للتبعيض، فعليك ألاّ تنظر إلى بعض النساء، وهن الأجنبيات اللواتي لا يحللن لك، أو إذا نظرت إلى اللواتي يحللن لك فلا ينبغي أن تنظر إليهن بملء النظر، بملء العين، ولا أن تديم النظر، ولا أن تكرر النظر، هذا المعنى الثاني المستفاد من كلمة (مِنْ). ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾  

المعنى الثالث: ابتداء الغاية:

المعنى الثالث المستفاد من كلمة (مِنْ) أنها هنا لابتداء الغاية، يؤكد هذا المعنى ما ورد في حديث صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

((  كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ. ))   

[ البخاري مسلم واللفظ له، أبو داود  ]

 هناك الاستماع، والنطق، وهناك اللمس، وهناك الحركة، وهناك الانتقال.
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا﴾ أعينهم، وآذانهم، وأيديهم، وأرجلهم، أن يغضوا بدءاً من أعينهم، وما تلا ذلك، فهذه ثلاثة معانٍ مستفادة من كلمة (مِنْ) في هذه الآية.
(مِنْ) للتبعيض، أي لك أن تنظر إلى بعض النساء، وعليك ألا تنظر إلى بعضهن الآخر، فالنساء اللواتي أحل الله لك أن تنظر إليهن هؤلاء المحارم لك أن تنظر إليهن، أما النساء الأجنبيات فلا يحل لك أن تنظر إليهن، هذا المعنى الأول. 
والمعنى الثاني: إذا سمح لك أن تنظر إلى المرأة التي أحلها الله لك كالأم، والأخت، والعمة، والخالة، والبنت، وبنت الأخ، وبنت الأخت، وزوجة الابن، وأم الزوجة، إن سُمح لك بالنظر إلى هؤلاء النسوة فلا ينبغي أن تنظر إليهن بملء العين، بل غض بصرك، فلا تنظر إليهن بملء العين، ولا تدِم النظر، ولا تكرر النظر، هذا هو المعنى الثاني المستفاد من كلمة (مِنْ) في قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ 
والمعنى الثالث،

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا) ))

أي قل للمؤمنين أن يغضوا أعينهم، وألسنتهم، وآذانهم، وأيديهم، وأرجلهم عما لا يحل لهم، أي بدءاً من العين، وما تلا ذلك.

المعنى الرابع: عدم اتباع النظرة بنظرة أخرى:

 المعنى الرابع لـ (مِن) يؤكدها قول النبي عليه الصلاة والسلام: 

((  يَا عَلِيُّ، لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ. ))

[ الترمذي، أبو داود، أحمد ]

 فهنا (مِنْ) للتبعيض، فإذا نظرت إلى امرأة أجنبية لا تحل لك فغُضَّ البصر، وغض البصر يكون في النظرة الثانية، لأن الأُولى ليس لك إرادة في وقوعها.
 هذه المعاني الأربعة المستفادة من كلمة (من) في قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يَا عَلِيُّ، لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ) هذا الذي يؤكد المعنى الرابع من قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ .

الحكمة مِن مخاطبة الله للنبي مباشرة دون المؤمنين:


 شيء آخر يستفاد من هذه الآية؛ هو أن طريقة الخطاب لم يقل الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا غضوا أبصاركم، بل خاطب النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: (قل يا محمد للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) طريقة الخطاب التوجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأمره أن يخاطب المؤمنين، وأن يأمرهم بغض البصر، هذه الطريقة في الخطاب تُشعِر أن فعل النظر إلى النساء الأجنبيات فعلٌ قبيحٌ، أيْ قل له: ألا يفعل هذا، لأن هذا الفعل قبيح يقتضي أن توسّط إنساناً ثالثاً كي يأمره ألاّ يفعل كذا وكذا، فطريقة الخطاب هذه: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ تشعر أن إطلاق البصر إلى النساء اللواتي لا يحلّ النظر إليهن هذا الفعل فعل قبيح ينبغي الابتعاد عنه، لكن الله سبحانه وتعالى رحمة بالخلق جعل النهي مشفوعاً بـ (مِنْ)، ولكن حفظ الفرج لم يكن كذلك، لأنّ النظر أوسع، وهناك نساء يجب أن تنظر إليهن "النساء المحارم"، وهناك حالات يمكن أن تنظر فيها إلى المرأة الأجنبية، كالطبيب، والقاضي، والمحقق، وبعض الحالات الأخرى، لذلك جاءت (مِنْ).

الأمر بحفظ الفرج كاملا: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ


 لكن الفرج لا يحتمل أن يقول الله عز وجل: ويحفظوا من فروجهم، ليس هناك حالات يمكن أن تكون مشروعة في موضوع الزنى، الزنى كله محرم، لذلك جاءت (مِنْ) قبل غض البصر، ولم تأتِ قبل حفظ الفرج.
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ كليةً.

من المعاني والحِكم المستفادة من قوله: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ:


المعنى الأول: حقيقة حفظ الفرج:

 وأما المراد من حفظ الفرج فهو أن يتجنب الإنسان الزنى، وما هو أخف من الزنى، وما هو أخطر من الزنى، وما هو يشبه الزنى، هذا كله يجب أن يحفظ الإنسان فرجه عنه: 

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6)﴾

[ سورة المؤمنون  ]

المعنى الثاني: الحكمة من الجمع بين غض البصر وحفظ الفرج:

 لكن الجمع بين غض البصر وحفظ الفرج فيه حكمة بالغة، وهي أن طريق حفظ الفرج هو غض البصر، فمن أطلق عينيه في الحرام فأغلب الظن أنه لابد أن ينزلق إلى الزنى، يقول بعض العلماء: "إن النظر إلى المُحرّم من أقوى الدواعي إلى فعله" ، لذلك هناك قاعدة تقول: ما حرم فعله حرم النظر إليه، وحرم استماعه، وحرمت قراءته، وحرم الحديث به؛ لأن النظر، والاستماع، والقراءة، والحديث من أقوى الدوافع إلى فعل هذا الشيء المحرم، لكن لئلا يكون هناك حرج على المؤمن فهناك فرق بين النظرة الفجائية، وبين النظرة الآثمة، فرق كبير، فنظرة الفجأة ليست داخلة في هذا التحريم، فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: 

((  سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي. ))

[ مسلم، الترمذي ]

 فهذا الذي يدّعي أن هذه النظرة التي يديمها الرجل للمرأة الأجنبية إذا ظن أن هذه النظرة هي النظرة الأولى فقد وقع في غلط كبير، أو كان في تجاهل كبير، النظرة الأولى ينبغي ألا تدوم معشار الثانية، بمجرد أن تنظر اصرف بصرك كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، أما من يدّعي أن هذه النظرة المستديمة هي النظرة الأولى فهذا غلط كبير.
 يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ .

المعنى الثالث: الابتعاد عمّا هو أَقَلُّ مِن الزنا:

 شيء آخر نعود إليه، وهو أن من حفظ الفرج الابتعاد عن الزنى، وعما هو أقل من الزنى، وعما هو أخطر من الزنى، وعما هو مشابه للزنى، وفضلاً عن ذلك فمن حفظ الفرج أيضاً ستره، وعدم إظهاره لأي إنسان، فمحرَّم أن يرتدي الإنسان ثياباً رقيقة تشف عنه، ومحرم أن يرتدي ثياباً ضيقة تحد خطوطه، هذا كله من حفظ الفرج، فضلاً عن أن يبتعد الإنسان عن الزنى، وعما هو أقلّ منه، وعما هو أخطر منه، وعما هو مشابه له، يجب أن يستر فرجه عن أن ينظر إليه أحد، ويجب أن يرتدي ثياباً لا تشف ولا تصف، هذا من لوازم حفظ الفرج. 

ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ


 أما قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ فذلك أطهر لقلوبهم، وأنقى لدينهم، وأبعد عن الريبة، لكن كلمة (أزكى) اسم تفضيل تفيد أن هذا أزكى من هذا، وكأن المعصية شيء يُوازَن مع الطاعة، قال بعض العلماء: قد يتوهم الإنسان أنه إذا نظر إلى امرأة لا تحل له ربما حقق في هذا النظر نفعاً، استمتع بجمالها، أو استوفى لذة من هذه النظرة، إذا توهم متوهم أن في هذه النظرة استمتاعاً، أو نفعاً فإنه واهم إلى أبعد الحدود.
﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ أيْ أزكى لنفوسهم من هذه اللذة التي يحققونها من النظر، ذلك أطهر لقلوبهم من هذه اللذة التي يحققونها بالنظر، ذلك أنفع لقلوبهم من هذه المنفعة التي يحققونها بالنظر، ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ الخبير العليم علام الغيوب الخالق الرب الإله يقول لك: ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ وأطهر، فهل نحن مصدقون كلام الله عز وجل؟ هذا الذي يجد في النظرة لذة تفوق طاعة الله عز وجل، والذي يجد في النظرة متعة تفوق متعته بطاعة الله هو إنسان جاهل، لا يعرف الله أبداً.
 يقول الله عز وجل: ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾

الأمر بغض البصر عن كل شيء محرم:


 ويظن الإنسان أن في النظرة متعة ينبغي ألا تُفوّت! إن الذي حرمه الله عز وجل في قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ ليس المقصود ألا تنظر إلى المرأة الأجنبية فقط، هناك شيء آخر؛ ألا تنظر إلى المرأة الأجنبية فقط، وألا تنظر إلى عورات الرجال، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

((  الْفَخِذُ عَوْرَةٌ.  ))

[ البخاري، والترمذي، أبو داود، أحمد وهو ضعيف ]

 لذلك هؤلاء الذين يرتادون أماكن تتكشف فيها الأرجل مما حرم الله عز وجل هؤلاء يخالفون هذه الآية، لا تنظر إلى فخذ أخيك حياً أو ميتاً، فالفخذ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الْفَخِذُ عَوْرَةٌ)
فليس غض البصر عن المرأة فحسب، بل عن المرأة، وعن عورة الرِّجل التي لا يحل لرجل آخر أن ينظر إليها، ويضيف العلماء أن موضوع غض البصر إضافة إلى النساء الأجنبيات اللواتي لا يحللن للرجل، وإضافة إلى عورات الرجال التي لا ينبغي أن يراها الرجال أيضا، إضافة إلى هذا وذاك ينبغي أن يكون غض البصر عن المناظر الفاحشة، فأي منظر فاحش، أي عرض فاحش، أية صورة فاحشة، أي عمل فني فاحش، فهذا أيضاً مما يدخل في نطاق هذه الآية الكريمة، فلا يحل للرجل أن ينظر إلى امرأة غير امرأته، أو إحدى محارمه، أما النظرة المفاجئة كما قلت قبل قليل فلا مؤاخذة عليها، وكلكم يعلم الحديث الصحيح: (فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ) فهذا زنى العين (وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ) واليد تزني حينما تصافح، وحينما تضغط على يد المرأة هذا زنى، والذهاب إلى الأماكن الموبوءة، هذه الرِّجل تزني، فالزنى يشمل العين، والأذن، واللسان، واليد، والرِّجل، وفي النهاية إما أن يقع في الفاحشة الكبيرة، وإما ألاّ يقع، وفي الحديث الصحيح عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: 

(( سألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلم عن نظرِ الفَجْأَةِ فقال أطْرِق بصَركَ ))

[ البداية والنهاية ]


أعظَمُ خُلُقٍِ في المرأة الحياءُ: 


 ابنة سيدنا شعيب ما الذي جعلها تمتلئ إعجاباً بسيدنا موسى: 

﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ(26)﴾

[ سورة القصص  ]

 لشدة حيائها كنّت عن رغبتها في سيدنا موسى بقولها: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ فهم عليها أبوها بأن قلبها امتلأ إعجاباً به، لأنه كان عفيفاً، ومن صفات المؤمن عفةٌ عن المطامع، وعفةٌ عن المحارم، تروي الكتب أن سيدنا موسى حينما جاءته إحداهما تمشي على استحياء، فأطرق بصره في الأرض، فلما سارت أمامه كي تدله على الطريق، وكانت الرياح شديدة قال: سيري خلفي، ودليني على الطريق، رأت منه عفة ما بعدها عفة، شهامة ما بعدها شهامة، فلذلك يقال: إن الذي يعجب المرأة في الرجل عفته، وقوته، وأمانته.
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ والذي يعجب الرجل في المرأة حياؤها، قال تعالى:

﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(25)﴾

[ سورة القصص  ]

 ومن علامات آخر الزمان أن يُرفع الحياء من وجوه النساء، وتذهب النخوة من رؤوس الرجال، فلا حياء في وجوه النساء، ولا نخوة في رؤوس الرجال.
 شيء آخر، هو أنّ حياء المرأة نصف جمالها، والذي يعبر عنه بعض علماء النفس بالأنوثة، الذي يسهم إسهاماً كبيراً في أنوثة المرأة حياؤها، فإذا رُفع الحياء من وجوه النساء، وذهبت النخوة من رؤوس الرجال عندئذ فاقرأ على الناس السلام، فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

((  إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ ))

[ البخاري، أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]

 إذا كان أغنياؤكم سُمحاءَكم، وأمراؤكم خياركم، وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أغنياؤكم بخلاءكم، وأمراؤكم شراركم، وأمركم إلى نسائكم - هنا بيت القصيد - فبطن الأرض خير لكم من ظهرها.

إياكم والديوث، إياكم والسهام المسمومة: 


 وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر. قالوا : يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث ؟ قال: الذي لا يبالي من دخل على أهله. قلنا: فما الرجلة من النساء؟ قال: التي تشبه بالرجال ))

[ رواه البيهقي ]

 الديوث هو الذي لا يغار على عرضه، أو يرضى الفاحشة في أهله، فهو بنص الحديث الشريف دُيّوث، وعَنْ ابن مسعود رضي الله عنه فيما رواه الطبراني: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( النَّظْرةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَ، مَن تَركَها مِن مَخافَتِي؛ أَبدلْتُه إِيمانًا يَجِدُ حَلاوَتَه في قَلبِه . ))

[  رواه الطبراني وهو ضعيف. ]

 لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: النظرة سهم من سهام إبليس، لأن السهم غير المسموم إذا أصاب جسداً أصاب موضعاً بعينه، لكن السهم المسموم إذا أصاب جسداً سرى السُّمّ في كل الجسد، وهذا من أروع ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام في غض البصر، فالذي ينظر إلى المرأة الأجنبية التي لا تحل له فحياته كلها يصيبها التسمم، فلا هو في دراسته كما ينبغي، أصبح شارد الذهن، ولا هو في تجارته كما ينبغي، ولا هو في وظيفته كما ينبغي، ولا هو في بيته كما ينبغي، وكان أمره فرطاً.
(النَّظْرةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَ، مَن تَركَها مِن مَخافَتِي؛ أَبدلْتُه إِيمانًا يَجِدُ حَلاوَتَه في قَلبِه) أي إذا صرفت بصرك عن امرأة لا تحل لك فلا يمكن أن يُفسَّر هذا إلا أنك مخلص لله عز وجل، لو تركت السرقة فربما كان تركك للسرقة خوفاً من قسوة القانون، أو خوفاً من الفضيحة، أو خوفاً أن يعرف الناس ذلك، ولكنك إذا غضضت بصرك عن محارم الله من دون أن يكون هذا العمل رياء أمام الناس فاعلم علم اليقين أن هذا الغضّ يؤكد إخلاصك لله عز وجل.
(النَّظْرةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَ، مَن تَركَها مِن مَخافَتِي؛ أَبدلْتُه إِيمانًا يَجِدُ حَلاوَتَه في قَلبِه) فلابد أن تشعر بلذة لا تعدلها لذة، وأن تشعر بحلاوة لا تعدلها حلاوة، إذا غضضت بصرك عن محارم الله، مخلصاً بهذا الغض، وكأن الله سبحانه وتعالى جعلك تقبل عليه في كل يوم آلاف المرات، بعدد كل امرأة غضضت بصرك عنها، كلما غضضت بصرك عن امرأة لا تحل لك فهذه قربة إلى الله عز وجل.
 روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

((  مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ إِلا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلاوَتَهَا. ))

[ أحمد وهو ضعيف ]


إياكم والاستنباطات السخيفة: كشف وجه المرأة:


 لكن من الاستنباطات السخيفة التي سمعتها مرة: أن غض البصر يقتضي أن يكون الوجه سافراً، وإلا فلا معنى لغض البصر، هذا استنباط لم يقله أحد، والدليل على أن الوجه يجب أن يكون مستوراً أحاديث كثيرة، وآيات سوف نصل إليها بعد قليل في سورة النور، ولكن من هذه النصوص أن السيدة عائشة في حديث الإفك رضي الله عنها قالت: 

(( وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَ وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ. ))

[  البخاري، مسلم وغيرهما ]

 وعَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ قَالَ: 

((  جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ خَلَّادٍ، وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ تَسْأَلُ عَنْ ابْنِهَا، وَهُوَ مَقْتُولٌ، فَقَالَ لَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِئْتِ تَسْأَلِينَ عَنْ ابْنِكِ، وَأَنْتِ مُنْتَقِبَةٌ ؟! فَقَالَتْ: إِنْ أُرْزَأَ ابْنِي فَلَنْ أُرْزَأَ حَيَائِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْنُكِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ، قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ   ))

[ أبو داود وهو ضعيف ]

 وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: 

((  مَدَّتْ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ بِيَدِهَا كِتَابًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا أَدْرِي أَيَدُ رَجُلٍ أَوْ يَدُ امْرَأَةٍ؟ فَقَالَتْ: بَلْ امْرَأَةٌ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً غَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ بِالْحِنَّاءِ.))

[ أحمد، الطبراني في الأوسط وهو ضعيف ]

 لا يستنبط من آيات غض البصر أن الوجه يجب أن يبقى مكشوفاً، وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: 

((  كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ. ))

[ أبو داود، أحمد وهو ضعيف ]

وعن أسماء بنت أبي بكر قالت:

(( كنا نغطي وجوهنا من الرجال ))

[ رواه أبو داوود ]


استثناءات النظر جواز النظر إلى المرأة الأجنبية:


 لكن هناك استثناءات، ألم يقل الله عز وجل: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ هناك استثناءات، حيث إنه يجوز في بعض الحالات النظر إلى وجه المرأة الأجنبية: 

الحالة الأولى: النظر من أجل النكاح:

 فمن هذه الحالات حالة النكاح، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

((  انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا. ))

[ الترمذي، النسائي، ابن ماجه ]

 أي أن يوفق بينكما.
 وفي حديث آخر يَقُولُ الرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

((  إِذَا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةً لامْرَأَةٍ فلا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا. ))

[ انظر سنن البيهقي وهو ضعيف ]

 وفي حديث ثالث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

((  إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ، قَالَ: فَخَطَبْتُ جَارِيَةً، فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا، وَتَزَوُّجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا. ))

[ أبو داود، أحمد ]

 فأن تنظر إلى امرأة أجنبية بنية أن تخطبها من أهلها فهذا شيء أباحه الشرع، هذا من استثناءات غض البصر.

الحالة الثانية: القاضي ومَن في حُكمِه للقضاء وردِّ الحقوق:

 شيء آخر، المحقق، أو القاضي لا يدري ما إذا كانت هذه المرأة هي المعنية في هذه الدعوة، أو ليست كذلك، فله الحق أن ينظر إلى وجهها.

الحالة الثالثة: الطبيب للمعالجة:

 والطبيب أيضاً له الحق أن ينظر إلى وجه المرأة إذا كان مما يقتضي ذلك أن يعالجها.
 هذه بعض الأحكام الشرعية المستنبطة من هذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ .

احذروا فـ: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ


 لكن قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ أي يعلم خائنة الأعين، فقد يفحص الطبيب امرأة، وينظر إلى موضع الألم، وهذا مباح له، فإذا اختلس نظرة إلى موضع آخر لا تشكو منه، فمن يعلم هذه النظرة الخائنة؟ لا يعلمها إلا الله، لذلك جاء قوله تعالى:

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ(19)﴾

[ سورة غافر  ]

 وإذا نظر القاضي إلى وجه المرأة، ثم انتقل إلى مكان آخر لا يحل له فهذا مما يعلمه الله عز وجل، وكذلك المحقق، وكذلك من يباح له أن ينظر إلى النساء، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ معنى خبير أيْ يعلم علماً دقيقاً، يعلم حقيقة الأمر، هذه النظرة ماذا أردت بها؟ هل تجاوزت الحد المفروض إلى حد لا يحل لك؟ ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ في غض البصر وفي حفظ الفرج، يعلم الإنسان علم اليقين أين هو من هذه الآية.

نصائح نبوية احترازا من الوقوع في الحرام:


 نتابع تفسير هذه الآية.
 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

((  لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، ولا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَلا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ.  ))

[ رواه مسلم، والترمذي. ]

 وعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

((  لا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، ولا تَنْظُرَنَّ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلا مَيِّتٍ. ))

[ رواه أبو داود، ابن ماجه وهو ضعيف ]

 وعَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: 

((  كَانَ جَرْهَدٌ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، قَالَ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا وَفَخِذِي مُنْكَشِفَةٌ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ. ))

[ البخاري، والترمذي، أبو داود، أحمد ]

 هذه كلها أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

((  إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لا يُفَارِقُكُمْ إِلا عِنْدَ الْغَائِطِ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ. ))

[ الترمذي وهو ضعيف ]

(( قلت يا رسولَ اللهِ عوراتُنَا ما نأتِي منها وما نذرُ قال احفظْ عورتكَ إلا من زوجتكَ أو مما ملكتْ يمينكَ فقال الرجلُ يكون مع الرجلِ إن استطعتَ أن لا يَراها أحدٌ فافْعَل قلتُ والرجلُ يكون خاليًا قال فاللهُ أحقّ أن يُسْتَحيا منهُ ))

[ سنن الترمذي ]

 عن يعلى بن أمية أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رأى رجلًا يغتسلُ بالبرازِ بلا إِزارٍ فصعدَ المنبرَ فحمدَ اللهَ وأثْنى عليهِ ثم قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: 

(( إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الحياءَ والسِّتْرَ فإذا اغتسلَ أحدُكم فليستَتِرْ ))

[ رواه أبو داوود والنسائي ]

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

((  إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ. ))

[ البخاري، مسلم  ]

 فالذي له محل تجاري على قارعة الطريق في الطابق الأرضي، وأمامه الناس يذهبون ويروحون هذا الحديث مِن لوازم مَن يجلس على الطرقات: (إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ) أما هذا الذي يجلس على مقهى الرصيف لينظر إلى الناس فهذا بعيد جداً عن أن يكون من أهل الإيمان، لأنه من تنزّه في الطرقات، من تحدث عن النساء فقد جُرحت عدالته، لكنّ المضطر، كمَن له محل تجاري في شارع مزدحم، فما آداب الجلوس في هذا المحل التجاري؟ قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ)
 يقول الإمام ابن كثير في تفسيره الشهير: " وقد قال كثير من السلف: إنهم كانوا ينهون أن يحد الرجل نظره إلى الأمرد (الطفل أو الشاب الذي لم تنبت لحيته بعد). 

((  وعَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ فَسَمِعَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ يَقُولُ:   حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَحُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، قَالَ: وَقَالَ الثَّالِثَةَ ؟ فَنَسِيتُهَا، قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ ذَاكَ: حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، أَوْ عَيْنٍ فُقِئَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ))

[ النسائي  ]


بعض الحِكَم والأقوال في خطورة النظر إلى الحرام:

 بعض الأقوال الحكيمة في هذا الموضوع:

كل المصائب مبداها من النظـــر   ومعظم النار من مستصغر الشـرر

كم نظرة فعلت في قلب صاحبها    فعل السهام بلا قوس ولا وتــــــــر

[ ابن قيم الجوزية ]

وقد ورد في الأثر:  "أَلاَ رُبَّ شَهْوَةِ سَاعَةٍ أَوْرَثَتْ حُزْنًا طَوِيلاً" .
وقيل: 

وكنت إذا أرسلت طرفك رائــــداً       لقلبك يوما أتعبتك المناظــر

رأيت الذي لا كله أنت قادر عليـه      ولا عن بعضـه أنت صـابـر

والقول الشهير: 

نظرة فابتسامة فسلام     فكلام فموعد فلقاء

[ أحمد شوقي  ]

هذا من آداب الإسلام، وهذه السورة فعلاً سورة النور، إنها تلقي النور على حياتنا، هذا يجوز وهذا لا يجوز، فإذا أردت أن تكون مسلماً حقاً فهذا شرع الله عليك أن تطبقه، وسوف نتابع إن شاء الله تعالى الآية التالية، وهي قوله تعالى:

﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) ﴾

[ سورة النور ]

إلى آخر الآية.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور