وضع داكن
19-04-2025
Logo
الدرس : 54 - سورة النساء - تفسير الآيتان121-122 حكمة الله المطلقة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
 الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد وعلى آلِهِ وصحْبِه أجمَعين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.

جهنم هي جزاء ومصير أبدي لهذا الذي والى الشيطان في الدنيا:


 أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الرابع والخمسين من دروس سورة النساء ومع الآية الواحدة والعشرين بعد المئة، وهي قوله تعالى: 

﴿ أُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنۡهَا مَحِيصًا(121)﴾

[ سورة النساء ]

 بعد أن قال الله عز وجل متحدثاً عن إبليس حينما قال: 

﴿ لَّعَنَهُ ٱللَّهُۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفۡرُوضًا(118) وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيًّا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانًا مُّبِينًا(119) يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا(120)﴾

[ سورة النساء ]

 يعدهم لهؤلاء الذين اتبعوه، سراباً بسراب، أولئك الذين اتبعوا الشيطان وافتتنوا بوساوسه: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنۡهَا مَحِيصًا﴾ أي كانت جزاء ومصيراً، أحياناً الإنسان يُجازى لكن لا يبقى في الجزاء يدفع غرامة، يُسجَن شهر شهرين، سنة سنتين ثم يخرج، أما جهنم هي جزاء ومصير أبدي، لهذا الذي والى الشيطان في الدنيا.

النصر الواقعي والنصر المبدئي:


 قال تعالى: 

﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٍ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلًا(122)﴾

[ سورة النساء  ]

 أيها الإخوة، يجب أنْ نوقن أنّ هؤلاء البشر على اختلاف مِلَلهم ونِحَلِهم وانتماءاتهم وأديانهم وأجناسهم وأعراقهم ومذاهبهم هم في النهاية إما إلى جنة يدوم نعيمها أو إلى نار لا ينفد عذابها، كانوا في الدنيا إما أن يعرف الإنسان ربه وينضبط بمنهجه ويحسن لخلقه فيسعد في الدنيا والآخرة، وإما أن يغفل عن الله ويتفلت من منهج الله ويسيء لخلقه، فيشقى في الدنيا والآخرة.
 القضية واضحة وضوح الشمس، المؤمن غِرٌّ كريم والكافر خَبٌّ لئيم، المؤمن بين أن يستقيم ويحسن فيسعد في الدنيا والآخرة، والكافر يتفلت ويسيء فيشقى في الدنيا والآخرة، فالبطولة من يضحك آخراً. 

﴿  فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34)﴾

[  سورة المطففين ]

 هذا ينقلنا الآن إلى ما يُسمى بالنصر الواقعي والنصر المبدئي، إنسان مسلم يوجد ظروف معقدة جداً ما سمحت له أن ينتصر لكنه مؤمن وعقيدته سليمة، وملتزم ومطبق لكلام الله وسنة رسول الله، يسعى في فعل الخيرات ما استطاع، هذا إنسان لو لم ينتصر على أرض المعركة هذا انتصر مبدؤه ومات مؤمناً فاستحق الجنة، إنسان آخر حقق نصراً واحتل مساحات شاسعة، وكانت كلمته هي الغالبة، لكن لم يكن مطيعاً لله فهو المنهزم عند الله.

الأمر بيد الله وحده :


 أرأيتم إلى أصحاب الأخدود بالمقياس الأرضي لم ينتصروا، بل إن ملكهم أحرقهم والله سبحانه وتعالى أثنى عليهم، قد يأتي على المسلمين وقت صعب جداً جداً، القوة ليست بيده وهذا امتحان صعب، مادام الأمر بيد الله. 

﴿ قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ ۖ لَهُۥ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِۦ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِۦٓ أَحَدًا (26)﴾

[  سورة الكهف  ]

ويقول عليه الصلاة والسلام: 

(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْماً فَقَالَ: يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ. ))

[ سنن الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ]


الله عز وجل وضع بين أيدينا قصصاً في القرآن عن معاني التوحيد:


 نحن الآن أيها الإخوة، في أمس الحاجة إلى معاني التوحيد، وإلى أن نخاف من الله لا من الطغاة، قال تعالى: 

﴿ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ(173) فَٱنقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍۢ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوٓءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ(174) إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(175)﴾

[ سورة آل عمران ]

 هذا فيصل؛ إما أن تخاف من الواحد الديان خالق الأكوان، وإما أن تخاف من طاغية جبار.
 أيها الإخوة، الله عز وجل وضع بين أيدينا قصصاً في القرآن أصحاب موسى شِرْذمة قليلون، هائمون على وجوههم، من عدوهم؟ فرعون! وما أدراكم ما فرعون بطغيانه وأسلحته، بجنوده، بحقده، بظلمه، ببطشه، وبغطرسته، بحسب مقاييس الأرض فرعون وراء شرذمة قليلون، يوجد فرق كبير جداً كما هو الآن تماماً ولعله أشد، وإذا بأصحاب موسى يصلون إلى البحر، فرعون من ورائهم والبحر من أمامهم، والله بحسب القوانين والمعطيات ليس أمامهم إلا القتل واحداً واحداً، فالقرآن يقول: 

﴿  قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ(62)﴾

[ سورة الشعراء ]

 الله عز وجل أوحى لموسى أن اضرب بعصاك البحر فإذا هو طريق مشَوا فيه، أتبعهم فرعون، فلما خرجوا من البحر دخل هو في البحر وعاد الطريق اليَبس ماء كما كان فأُغرِق فرعون! هذه القصة لمن؟ هذا الذي يقول لك: يستحيل أن تنهزم هذه القوة الطاغية، هذه القصة لمن؟ هذه قصة في القرآن الكريم.

الدعاء سلاح المؤمن :


 قصة أخرى: إنسان وجد نفسه فجأة في بطن حوت، احتمال النجاة كم؟ صفر، لا أمل، لقمة صغيرة في فم حوت وزنه مئة وخمسون طناً، وجبته الخفيفة شطيرة أربعة طن، الإنسان كله مئة كيلو! وجد نفسه في بطن حوت في ظلمة بطن الحوت وفي ظلمة الليل وفي ظلمة البحر! فالله عز وجل قال: 

﴿ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ(87) فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ وَنَجَّيْنَٰهُ مِنَ ٱلْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُۨجِى ٱلْمُؤْمِنِينَ (88)﴾

[  سورة الأنبياء ]

 القصة انتهت وانقلبت لقانون، وقال الله عز وجل: ﴿وَكَذَٰلِكَ نُۨجِى ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ هذه قصة ثانية في القرآن، لا يمكن أن تكون مشكلة كمشكلة سيدنا يونس وانحلّت بدعاء، والآن أيها الإخوة والله الذي لا إله إلا هو ما نملك إلا توبة نصوح ودعاء لحوح، لأن الله يحب الملحين في الدعاء، تسمعون؛ الله عز وجل أرسل رسائل فبعث لنا رسالة العاصفة الرملية، أليست هذه العاصفة رسالة؟ عطّلت آلياتهم وعطلت القصف، بعث رسالة ثانية رصاصة صغيرة من بندقية قديمة تُنزِل طائرة ثمنها خمس ملايين دولار! أحدث طائرة هليكوبتر في العالم، ما هذه الرصاصة؟ هذه رسائل! قصص كثيرة، الله ألقى في قلوبهم الرعب مع أنهم أقوى دولة في العالم، الدعاء سلاح المؤمن، ودعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب لا تُرَد، ادعوا لإخوانكم في العراق أن ينصرهم الله عز وجل.

إذا سألنا الله النصر نسأله نصراً تفضلياً ولا نجرؤ أن نسأله نصراً استحقاقياً:


 أيها الإخوة، هذه القصص بين أيدينا، النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق ومعه نخبة البشر، لقوله صلى الله عليه وسلم: 

(( إن الله تبارك وتعالى اختارني واختار لي أصحابي، فجعل لي منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل. ))

[ ضعيف الجامع ]

 لم ينتصر في أحد لماذا؟ لأن أصحابه عصَوا أمراً لا تشريعياً بل عصوا أمراً تنظيمياً، أنت معك أمر بعدم شرب الخمر هذا أمر تشريعي، عندك أمر بأداء الصلوات هذا أمر تشريعي، أمر بالصدق أمر تشريعي، ويوجد لوحة لا تقترب من هذا المكيف، لا تستند عليه، هذا ليس أمراً تشريعياً، هذا ما اسمه؟ أمر تنظيمي، أصحابه عصوا في أُحد أمراً تنظيمياً فلم ينتصروا، لو انتصروا لسقطت طاعة رسول الله، أبسط مثل: لو أعطيت الطلاب وظيفة وفي اليوم التالي لم تشاهدها فكان سواء الذي كتبها والذي لم يكتب، لا أحد يكتب بعد ذلك! انتهت الوظيفة. 
لو أن الله نصرهم على معصيتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لسقطت طاعة رسول الله، في حنين لم يعصوا ولكن أشركوا قالوا: لن نغلب من قلة، هذا شرك خفي، وفيهم رسول الله وأصحاب النبي فلم ينتصروا، لو أنهم انتصروا لسقط التوحيد، فإذا كان سيد الخلق وحبيب الحق ومعه نخبة الخلق لم ينتصروا في أُحد لسبب سلوكي، ولم ينتصروا في حُنين لسبب توحيدي فانهزموا، فإذا كان المسلمين عندهم ألف معصية سلوكية وألف شُبهة توحيدية، أنّى لهم أن ينتصروا؟ 
 نحن إذا سألنا الله النصر نسأله نصراً تفضلياً ولا نجرؤ أن نسأله نصراً استحقاقياً.
 فيا أيها الإخوة، الآن نحن في محنة عظيمة، وقد أقول كلاماً والله أعني ما أقول: حينما ينتصر هؤلاء الطغاة لا يُسمَح لأولادكم أن يقرؤوا كل القرآن! أبداً كل آيات الجهاد ممنوع أن تُتلى لا في الإذاعة ولا في المدارس ولا في الكتب، والله وقد وقع هذا، يجب أن تُوزَّع الخطبة على الخطباء من السفارة لو أنهم انتصروا، القضية ليست قضية انتصار عسكري بل قضية انتصار ماحق، انتصار ثقافي، لذلك في هذه الأيام نحن في أمس الحاجة أن نسأل الله أن ينصرهم.
 نور الدين الشهيد وهو يواجه التتار سجد وقال: يا رب من هو الكلب نور الدين حتى تنصره؟ انصر دينك، الآن الدين في محنة، والحرب حرب إبادة للمسلمين، ألقوا اليورانيوم المُخضَّب وهذا تبقى آثاره ست مليارات سنة، فالقضية خطيرة جداً، نحن يجب أن نوحد صفوفنا ونلغي خلافاتنا ونتعاون ويضحي بعضنا من أجل بعض، ويحب بعضنا بعضاً، ونقيم أمر الله في بيوتنا، ونلغي كل مخالفة في حياتنا، في أعمالنا وكسب أموالنا.

هذا الدين لو حذفنا منه نضعف ولو زدنا عليه نتمزق:


 الشيء خطير جداً أيها الإخوة: هؤلاء سوف ينتقلون من بلد لبلد، بدؤوا بالعراق بلد بَلد، والنتائج خطيرة جداً، أقول هذا من أعماقي وأنا والله متألم ألماً لا حدود له، لكن لا بد لنا أن نصحو من غفلتنا، هذا الإسلام الشعائري فقط، لسنا جادين بتطبيق منهج الله الكامل، أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الضربة المؤلمة جداً باعثاً لنا على تجديد إيماننا وتجديد عهدنا مع الله، وعن إذابة كل الخلافات فيما بين المسلمين.
 أيها الإخوة الكرام، الأمر خطير جداً لأنه قضية حياة أو موت، قضية دين أو محق هذا الدين، مئات المعاهد أُغلِقت في بعض البلاد في شرق آسيا، معاهد دينية، التدخل حتى في المناهج، في الكتب والجوامع، حتى في أدق خصوصياتنا، التدخل في قانون الأحوال الشخصية، الزواج يجب أن يكون عقد بين شخصين لا بين ذكر وأنثى، مقبول عندهم زواج بين أنثى وأنثى أو ذكر وذكر، وذكر وأنثى، حتى في أشد الأمور خصوصية سوف يتدخلون، هم بلاء من الله، كيف تسمعون عن تيمورلنك وهولاكو والتتار نفس البلاء، ليس هناك قيم ولا مبادئ ولا منطق ولا شيء! ثور هائج مصاب بجنون البقر وقوي جداً ولا يرى بعينيه.
 فيا أيها الإخوة، أسأل الله لي ولكم التوبة، التوبة النصوح، وأن ندعو لإخوتنا في العراق جميعاً أن ينصرهم ويحفظهم ويرد كيد الأعداء عنهم.
 لو سألت ما السبب؟ يوجد تقصير وفريضة معطلة في الإسلام من أربعمئة عام تعطيلاً كاملاً! هذا الدين لو حذفنا منه نضعف، ولو زدنا عليه نتمزق، بالبِدع نتمزق وبالحذف نضعف، هذا الدين ينبغي أن يبقى كما كان عليه أصحاب رسول الله، بالحذف نضعف، حذفنا فريضة الجهاد، انظر لما آل إليه حال المسلمين لا يستطيعون التكلم بكلمة، تُسلَب ثرواتهم، كم نظاماً قمعياً بآسيا وأمريكا اللاتينية لم يقتربوا منه، لكن هنا يوجد نفط، القضية قضية ثروة وقضية سيطرة على النفط واضحة كالشمس، تُسلَب ثرواتهم، تُنتهَك أعراضهم في البوسنة والهرسك، تُقتلع أشجارهم، تُهدَّم بيوتهم، يُقتَّل أطفالهم، تُسبى نساؤهم، وباسم الإنسانية وإحلال السلام ونقل الحضارة والحرية، باسم السلام نقصفهم بقنابل عنقودية، والقنابل الماسحة الماحقة، كيلو متر لا تبقي فيه شيئاً، عندهم قنابل والعياذ بالله شيء مخيف تنهال على بعض الأماكن من المتوسط! هناك طائرة (ب52) هذه صنعت عام (1960) صالحة لعام (2040)، لا يستطيع مطار في الأرض أن يتحملها، تنطلق من بلادها وتطير خمساً وثلاثين ساعة بلا توقف تقصف وتعود، وقنبلتها بالأطنان، يمكن أن تُسيَّر ثمانمئة كيلو متراً بالأقمار الصناعية، آتاهم الله قوة ما بعدها قوة.

قصة هلاك عاد الذين تفوقوا في كل شيء :


 حينما ذكر الله عاداً ما ذكر قوماً أهلكهم إلا ذكر أنه أهلك من هو أشد منهم قوة! إلا عاد يوم أهلكها قال: 

﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجْحَدُونَ(15)﴾

[  سورة فصلت ]

 ما كان فوقها إلا الله، وعاد الثانية لا يوجد فوقها إلا الله عز وجل، تفوقت في شتى الميادين، قال تعالى: 

﴿ ٱلَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى ٱلْبِلَٰدِ(8)﴾

[ سورة الفجر ]

 غطرسة ما بعدها غطرسة، ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ ؟ تفوق عمراني مذهل. 

﴿  أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءايَةً تَعْبَثُونَ(128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(129)﴾

[  سورة الشعراء ]

 تفوق صناعي وعسكري: 

﴿  وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطشْتُمْ جَبَّارِينَ(130)﴾

[  سورة الشعراء ]

 تفوق علمي: 

﴿ وَعَادًا وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَٰكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ (38)﴾

[ سورة العنكبوت  ]

ماذا فعلوا؟ 

﴿ ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِى ٱلْبِلَٰدِ(11) فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ(12)﴾

[ سورة الفجر ]

 طغوا بأسلحتهم وأفسدوا بأفلامهم. 

﴿  فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ(13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14)﴾

[  سورة الفجر ]

﴿  وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍۢ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍۢ(6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍۢ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍۢ(7)﴾

[  سورة الحاقة ]

 هذه عاد الأولى، والله عز وجل قال: 

﴿ وَأَنَّهُۥٓ أَهْلَكَ عَادًا ٱلْأُولَىٰ(50)﴾

[ سورة النجم ]

 يعني وجود عاد ثانية، هذه الثانية! فالأمر واضح في القرآن الكريم.

الله عز وجل لا يقبل أن ننتمي لهذا الدين انتماء شكلياً:


 فرعون وما أدراكم ما فرعون! آتاه الله مالاً وزينة في الحياة الدنيا، سيدنا موسى قال: 

﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَةً وَأَمْوَٰلًا فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰٓ أَمْوَٰلِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلْأَلِيمَ (88)﴾

[ سورة يونس ]

 فنحن في مِحنة كبيرة جداً يا إخوان، لا يكفي أن نستمع للأخبار، اعمل شيئاً للمسلمين، لا يوجد إنسان إلا يستطيع أن يفعل شيئاً للمسلمين، فهذه الدنيا دار بلاء، وشاءت حكمة الله أن تكون الحرب معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل، من آدم ليوم القيامة هناك معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل، والآن صار الباطل واضحاً جداً وجريئاً ووقِحاً ومكشوفاً لا يوجد أقنعة، كان يوجد أقنعة أما الآن لا يوجد! نريد أن نحتل بلادك وأن نقتل المدنيين والآمنين والأطفال، ونأخذ الثروة ونبقيك مستهلِكاً فقط، فلذلك أقول كلاماً لعله قاسٍ لكن هذه الحقيقة المرة وهي أفضل ألف مرة من الوهم المريح: إذا الإنسان لم يعمل ثورة بحياته، ببيته، بعقيدته، بسلوكه، بتربية أولاده، بعلاقته مع زوجته، بكسب ماله، بإنفاق ماله، بعلاقته مع المؤمنين ومع المسجد، إذا ما بدّل علاقاته تبديلاً جذرياً لا ننجو من عذاب الله، الله عز وجل لا يقبل أن ننتمي لهذا الدين انتماء شكلياً، وهذا الذي حدث أيها الإخوة الحقيقة فيه إيجابيات لأنه وقع، ولا يقع شيء إلا إذا أراده الله أن يقع، فهذا من بديهيات العقيدة، لا يمكن أن يقع شيء إلا وسمح الله به، فمادام سمح الله به فيوجد حكمة ما بعدها حكمة، ندركها أو لا ندركها، والله يوجد إيجابيات كثيرة جداً لخصتها في ثلاث إيجابيات، أول إيجابية وأكبر إيجابية واضخم إيجابية هو أن الغرب سقط، بقي قوة غاشمة، أما كحضارة تنافس الدين سقط، كقيم أو كمصداقية سقط، كحقوق إنسان، كإشاعة السلام، كديمقراطية سقط، كل هذه الأقنعة سقطت، رأيتم كيف أنهم وحوش، فأكبر نصر للدين أن الذي كان يخطف أبصار الناس إليه، والذي كان ينافس الدين، والذي جعل الناس يتطلعون إلى بلادهم ودخول بلادهم والإقامة عندهم، هذا الغرب سقط في الوحل، هذا أكبر نصر!

أربع إيجابيات تبين أنه لا يمكن أن يقع شيء إلا وسمح الله به:


 قال تعالى: 

﴿ لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256)﴾

[  سورة البقرة ]

 أعانونا على أن نكفر بهم، الحمد لله، كان قلة قليلة من المثقفين يعرفون الحقيقة، الآن كل العالم الإسلامي حتى الأطفال يعرفون الحقيقة، هذا نصر كبير لكن لم نعرف قيمته الآن، الآن لم يبق في الساحة إلا الله! كان يوجد فكر شرقي تهاوى كبيت العنكبوت، والآن الفكر الغربي -والحمد لله- تهاوى وبقي بيت كبير قوي، لكن الفكر تهاوى وسقط.
 فرضاً إنسان يدّعي المثالية والخُلق ضُبِط بسرقة أو بزنى مثلاً، عند أبناء حيّه انتهى كإنسان محترم انتهى، بقي إنسان غني أو قوي، فهذا أكبر نصر حُقِّق الآن.

1 ـ الغرب سقط في الوحل ولم يبقَ إلا الإسلام :

 أول إيجابية أن الغرب سقط سقوط مُريع والحمد لله، ما بقي إلا الإسلام. 

2 ـ هذه الأحداث قربتنا من بعضنا البعض ووحدتنا :

 الإيجابية الثانية: أن هذه الأحداث قربتنا من بعضنا بعضاً، همٌّ واحد، عدوٌّ واحد، قلق واحد، كنا متفرقين فاجتمعنا من دون أن يشعروا جمعونا ووحدونا. 

3 ـ كل إنسان كُشف على حقيقته :

 الإيجابية الثالثة: أن كل إنسان كُشِف على حقيقته. 

﴿ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُ ۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ ۚ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ(179)﴾

[ سورة آل عمران ]

4 ـ لم يبق من حلٍّ كي نستعيد استقلالنا وكرامتنا إلا ببذل أرواحنا:

 والإيجابية الرابعة: هذه الفريضة المعطلة قد أُحيِيَت، صار التعلق بهذه الفريضة ببذل النفس سخيّة في سبيل الله.
 صار عندنا أربع إيجابيات؛ إيجابية سقوط الغرب بقيمه وطروحاته، وإيجابية توحدنا، وإيجابية انكشاف الأقنعة وسقوطها، والإيجابية الرابعة أنه لم يبقَ من حلٍّ كي نستعيد استقلالنا وإباءنا وكرامتنا إلا ببذل أرواحنا، هذه أربع إيجابيات لم تكن من قبل، وكل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع، وإرادته متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، فالآيات التي بعد هذه الآية: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٍ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلًا﴾

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور