وضع داكن
19-04-2025
Logo
الدرس : 53 - سورة النساء - تفسير الآيتان 119-120، التصميم الإلهي ووساوس التصميم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
 الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.

همّ الشيطان الأول إضلال بني آدم :


 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثالث والخمسين من دروس سورة النساء ومع الآية التاسعة عشرة بعد المئة، وكان الذي قبلها قوله تعالى: 

﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا(116)﴾

[ سورة النساء  ]

 هؤلاء الذين أُشرِكوا مع الله عز وجل إن يدعون من دونهم إلا إناثاً، الملائكة عند العرب إناث، والأصنام التي تُعبَد من دون الله لها أسماء إناث؛ اللات والعزى. 

﴿ إِن يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ إِنَٰثًا وَإِن يَدۡعُونَ إِلَّا شَيۡطَٰنًا مَّرِيدًا(117)﴾

[ سورة النساء ]

 والشيطان هو الذي ابتعد عن الله عز وجل ولعنه الله عز وجل: 

﴿ لَّعَنَهُ ٱللَّهُۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفۡرُوضًا(118)﴾

[ سورة النساء ]

 الحقيقة كلمة مريد أمرد: ناعم الملمس، لا تستطيع أن تأخذه من جهة، والشيطان همه الأول إضلال بني آدم، يأتي الإنسان بما يرضيه. 

﴿ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ(21)﴾

[  سورة الأعراف ]


أساليب الشيطان المتنوعة في إضلال الإنسان:


 هذا الشيطان أراد أن يقعد لبني آدم طريقهم المستقيم. 

﴿ قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ (16)﴾

[  سورة الأعراف ]

 ما دام الإنسان غارقاً في المعاصي والآثام الشيطان بعيد عنه؛ لأنه يحقق الهدف على أتم وجه، أما حين يُزمِع هذا الشاب أن يتوب لله عز وجل ويسلك طريق الحق يأتيه الشيطان ليوسوس له ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ﴾ وبيّن الله عز وجل في آيات أخرى أساليب الشيطان المتنوعة في إضلال الإنسان. 

﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَٰكِرِينَ(17)﴾

[   سورة الأعراف ]

 أحدّثهم عن التقدم، وعن العصرنة، وعن عصر العلم والحرية، كلها قيم اخترعها الشيطان كي يُضِل بها الإنسان عن منهج ربه، وتسمع أحياناً من الناس كلاماً عجيباً، المعصية الصريحة الصارخة هذه تلبس عندهم ثوباً رائعاً، الاختلاط يهذّب النفوس، ويخفف من جموح الشباب وما شاكل ذلك، والمرأة نصف المجتمع، وهي إنسانة ينبغي أن تشعر بحريتها، وينبغي أن تعبر عن ملكَاتها، وجمالها من ملَكَاتها، فلا بد أن تُظهِر مفاتنها تأكيداً لشخصيتها، الشيطان يطرح فكراً مناقضاً لقِيَم الدين بشكل مزخرف ومقبول، لذلك قال تعالى: 

﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا شَيَٰطِينَ ٱلْإِنسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍۢ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112)﴾

[  سورة الأنعام ]

 وهذا الكلام نسمعه الآن كثيراً، نستمع عن حرب إنسانية، عن حرب تنموية، كله كذب بكذب، الحرب حرب، والحرب دمار وعدوان، فالشيطان يأتي بقيم من اختراعه يطرحها بين الناس تناقض قيم الدين.

كلما ارتقى الإنسان يحكمه البيان وكلما انحط يحكمه الواقع:


 قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ أزين لهم التقدم وعصر العلم والحرية والديمقراطية وكن واقعياً! وكأن الواقعية إله يُعبَد من دون الله، معنى واقعي أي ليحكمك الواقع، وخير إجابة عن هذا أنني ضربت مثلاً أن إدارة المرور مثلاً لو وضعت لافتة في بلدة عدرا أن الطريق لحمص ليست سالكة بسبب تراكم الثلوج، فإذا ركبت مركبة وتوجهت إلى حمص وقرأت هذه اللوحة ماذا تفعل؟ تعود من عدرا! لو أن دابة تمشي أين تقف؟ عند الثلج في النبك، هذه الدابة يحكمها الواقع لأنها دابة، أما الإنسان يحكمه البيان لأنه إنسان، فكلما ارتقيت يحكمك البيان، وكلما سفُلت يحكمك الواقع.
 المدخن متى يدع التدخين؟ عند إصابته بسرطان الرئة أو بأزمة قلبية، هذا إنسان واقعي يحكمه الواقع، أي دابة، أما الإنسان العاقل يكفي أن يقرأ موضوعاً عن مضار التدخين حتى يدع التدخين، يحكمه الواقع، بل إن العاقل يصل إلى الشيء قبل أن يصل إليه، فحينما تُفكَّك الأسر، وحينما يضيع الأولاد، وتفسد الأخلاق، وحينما تسوء العلاقة بين الزوجين، وتنتشر المخدرات ويشيع القتل نقول: والله لقد ابتعدنا عن منهج الله، بعد فوات الأوان!
 فالمؤمن لماذا هو مؤمن؟ آمن بأن لهذا الكون خالقاً عظيماً رحيماً خبيراً عليماً، وأن لهذا الخالق منهجاً حكيماً، فأنت إذا قرأت منهجه، وائتمرت بأمره وانتهيت عما عنه نهى فقد حكمك البيان، إذاً أنت عاقل، ليس من الضروري أن تتعظ بعد أن تدفع الثمن باهظاً، يُقال: الحياة مدرسة، أحياناً الإنسان يجد ما يشبه القنبلة، يا ترى قنبلة أم ليست قنبلة؟ لا بد أن يعرفها، فإذا عالجها بنفسه وانفجرت وفقد حياته في ثانية لم يبقَ من حياته ثانية ينتفع من هذا الدرس، أما لو استعان بخبير متفجرات فعرف الحقيقة دون أن يدفع الثمن، الإنسان إذا قرأ القرآن يعرف الحقيقة من دون أن يدفع الثمن، أما إذا تعامل مع الحياة؛ أكل الربا ففقد ماله كله الآن يتعظ، تطلّع لغير زوجته فعاش في شقاء أُسري لا يُحتمل عندئذ يتعظ، أكل المال الحرام فدُمِّر ماله عندئذ يتعظ، فهذه الحقائق إما أن تأتي بياناً في وقت مبكر، وإما أن تكتشفها من المعاناة، وفي معظم الحالات لا يبقى في حياة الإنسان ما ينتفع بدروسه التي تلقاها من الحياة مباشرة.

فرق كبير بين الذي يتعلم بمنهج الله وبين الذي يتعلم بتجربته الشخصية:


 لماذا نربي أولادنا؟ لو أن الإنسان لم يربِّ ابنه، الابن سوف يتربى لكن بعد فوات الأوان، بعد أن يمضي كل عمره في معصية الله، وفي الشقاء والبعد عن الله يكتشف أحقية الدين، متى اكتشف أحقية الدين؟ بعد فوات الأوان.
 هذا هو الفرق الدقيق بين الذي يتعلم بمنهج الله عز وجل وبين الذي يتعلم بتجربته الشخصية، المرأة التي تَزِلّ قدمها، وتُساق في متاهات الرذيلة وترى امرأة صالحة، زوجة محجبة، تذوب ندماً على فعلتها، إذاً هي أدركت الحقيقة ولكن بعد فوات الأوان.
 أيها الإخوة الكرام، القضية قضية أن يحكمك البيان أو الواقع، الناس جميعاً يحكمهم الواقع ويدفعون ثمن الحقائق التي يتعلمونها باهظاً، بينما المؤمن صدّق أن هذا كلام الخبير، وأن الله عليم خبير، وأن هذا المنهج لصالح الإنسان، وأن الإنسان مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض، فلا بد أن يطبق هذا المنهج. 
﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾ من بين أيديهم المستقبل والتقدم والحرية والمرأة نصف المجتمع، وينبغي أن تعبر عن ذاتها بإظهار مفاتنها كي تتزوج، هذا جمال والله يحب الجمال، هكذا يقولون. 
﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ التراث والتاريخ وما قبل الجاهلية، والعهد الروماني والآرامي والأصنام، نعتز بتاريخٍ قبل الإسلام فيه الأصنام وفيه البعد عن الواحد الديان.

الوساوس كلها بعد عن حقيقة الدين:


 قال تعالى: ﴿وَعَنْ أَيْمَٰنِهِمْ﴾ يأتيهم الشيطان من الدين، يُيَئِّسه من رحمة الله، يُلقي في رُوعه أن هذا الإمام الفلاني صلى الفجر أربعين عاماً بوضوء العشاء، وأنت لا تستطيع أن تحيي ليلة واحدة! يقعد! من قال لك أن هذه القصة صحيحة؟ النبي عليه الصلاة والسلام هو سيد الخلق وحبيب الحق قال: 

(( عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَراً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي. ))

[ مسلم عَنْ أَنَسٍ ]

 يلقي في روعك قصصاً لا أصل لها، أو يأتيك بأحاديث موضوعة: كل الناس هلكى إلا العالمون! ما شاء الله، قال: والعالمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم، لم يبقَ أحد، بركت! هذه ﴿وَعَنْ أَيْمَٰنِهِمْ﴾ أو بالفاتحة يوجد أربع عشرة شدة، توجد شدة لم تأتِ بها، فالصلاة باطلة! ممكن، فيأتيه بالوسواس إما بعباداته أو بمعاملاته أو يأتيه بوسواس عجيب، يصطاد سمكة يقول له: لعل إنساناً صادها فوقعت في البحر فهي ملكه، وأنت الآن مغتصب مثلاً! هذه وسوسة، النتيجة يوجد وساوس لا تعد ولا تحصى، وقد يبقى في الحمام ساعتين ليتوضأ وهذا كله بعدٌ عن حقيقة الدين. 
﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَٰكِرِينَ﴾ دائماً الإنسان يشكو، وكأن الشكوى مركبة في دمه. 

أَيُّهَذا الشاكي وَما بِكَ داءٌ    كَيفَ تَغدو إِذا غَدَوتَ عَليلًا

أَيّهَذا الشاكي وَما بِكَ داءٌ    كُن جَميلاً تَرَ الوُجودَ جَميلًا

[ إيليا أبو ماضي ]


الله أغفل جهتين جهة العلو وجهة الدنو لأنهما محميتان من قبل الله عز وجل:


 الشيطان له مداخل كثيرة يبدؤها حين يعقد الشاب توبة مع ربه شيء طبيعي جداً ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ*ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ التقدم ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ التراث ﴿وَعَنْ أَيْمَٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾ لكن الله أغفل جهتين؛ جهة العلو وجهة الدنو، سبحان الله! هاتان الجهتان محميتان من قِبَل الله عز وجل، جهة العلو جهة الالتجاء إلى الله والاستعاذة به والتوكل عليه والإخلاص له، والدنو جهة التواضع، فباب التواضع محمي من الله عز وجل، باب الله محمي من الله عز وجل، يوجد ست جهات يمين ويسار أمام وراء أعلى أدنى، ذكر الله الجهات الأربع. 
﴿لَّعَنَهُ ٱللَّهُۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفۡرُوضًا﴾ لي من عبادك يا رب جزء كبير، (مِن)، لم يقل: لأتخذن عبادك، بل قال: من عبادك. قال تعالى: 

﴿ إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ(42)﴾

[ سورة الحجر ]


خطأ الاستكبار وخطأ الغلبة :

 
قال تعالى: ﴿لَأَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِكَ﴾ هذا الكلام يخاطب به رب العزة ولم يكن إلا آدم وحواء، فكيف عرف أنه سيكون له من عباده في المستقبل نصيب مفروض؟ قال علماء التفسير: قاس على أبي البشر وأم البشر! استطاع أن يغريهم بالمعصية، فلأن يستطيع أن يغري أبناءهم من باب أَولى، آدم وحواء معهم توجيه من الله مباشرة، لكن الفرق الكبير بين معصية آدم ومعصية إبليس، أن آدم عليه السلام -وهو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام يأتي بعد رسول الله في المقام- نسي، قال تعالى: 

﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُۥ عَزْمًا (115)﴾

[  سورة طه ]

 على المعصية، أغراه الشيطان فصدقه، أن آدم عليه السلام عصى معصية غلَبة، ومعصية غلبة ما أسرع قَبول توبتها سريعة جداً، يا رب أنا عبد ضعيف سامحني، يا رب اغفر لي، الإنسان حينما يُقِرّ بما في القرآن ولا يرفضه ولا يستكبر أن يعبد الله ويخطئ، هذا الخطأ سماه العلماء خطأ غلَبة، وخطأ الغلبة سريعاً ما يتوب الإنسان منه، أما إذا عصى استكباراً وتأبِّياً واستعلاء هذا خطأ من نوع خطأ إبليس ولا توبة لصاحبه، خطأ الاستكبار شيء وخطأ الغلبة شيء آخر. 
﴿لَأَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفۡرُوضًا﴾ لذلك إذا تبع ابن آدم الشيطان هذا يذكرنا بقوله تعالى: 

﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ(20)﴾

[ سورة سبأ ]

 هو ظن أن ذرية آدم سيتبعونه إلا قليلاً منهم، فالذي يتعامل مع الشيطان وينصاع له يصدق عليه ظن إبليس ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُۥ﴾ .

معنى الضلال المبين:


 قال تعالى: 

﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيًّا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانًا مُّبِينًا(119)﴾

[ سورة النساء ]

 الهدف أن تسلم وتسعد في الدنيا والآخرة، هذا هو الهدف، لأن الله سبحانه وتعالى خلقك لسعادة الدارين. 

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ(46)﴾

[  سورة الرحمن ]

 ماذا يفعل الشيطان؟ يبعدك عن هذا الهدف، ويزين لك المعصية، يزين لك المال الحرام، والعلاقة الحرام، والخَوض في أعراض الناس، ويزين لك كسْبَ أموالٍ بالباطل، هذه المعاصي تحجبك عن الله، والحجاب عن الله عز وجل يسوق صاحبه لضلال مبين، أنت حينما تخطئ في الزاوية كلما تقدمت خطوة في خطأ في الزاوية تزداد بعداً عن الهدف! لو أن إنساناً اتجه من دمشق إلى حلب بطائرة فلو أخطأ في درجة واحدة لجاء في دير الزور، في درجتين لجاء في الحسكة، فكلما تقدم خطوة ازداد بعداً، وهذا معنى الضلال المبين. 

مهمة الشيطان أن يبعدنا عن أسباب السلامة والسعادة:


 ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ﴾ يُضِلّه عن طريق سعادته وسلامته، الإنسان أي إنسان كائناً من كان يتمنى لنفسه السلامة والسعادة، بل إنك لو شققت على صدر أي إنسان على وجه الأرض كائناً مَن كان مِن كل المِلل والنِّحَل والمذاهب والأديان والأجناس والأعمار ما منا واحد إلا ويتمنى السلامة والسعادة، هذا الهدف مركب في أصل تكوينه، مهمة الشيطان أن يبعدك عن طريق سعادتك، ويبعدك عن طريق سلامتك، فلذلك تأتي المصائب تترى بسبب الذنوب. 

﴿ وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍۢ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍۢ(30)﴾

[  سورة الشورى ]

 مهمة الشيطان أن يبعدك عن أسباب سلامتك وسعادتك.
 أيها الإخوة الكرام، كل ما يجري في الأرض وكل ما تسمعونه أو ترونه إنما هو من انحراف الإنسان عن ربه وحينما ينحرف الإنسان عن ربه يدفع ثمن انحرافه باهظاً لذلك: 

(( عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ.  ))

[  أبو داود عَنْ ثَوْبَانَ ]

وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ مهمة الشيطان الأولى أن يُضِلك عن هدفك الكبير، وعن سلامتك وسعادتك فتشقى.

الغفلة والأمل أخطر شيئين على إيمان الإنسان:


 قال تعالى: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ﴾ تجد يعيش الإنسان في الأماني، والحقيقة أن الغفلة والأمل أخطر شيئَين على إيمان الإنسان! يعيش في آمال تحتاج لعشرات السنين ويكون أجله قد جاء، وقد ذكرت لكم في الدرس الماضي فيما أذكر أن إنساناً حدثني عن مشاريعه لعشرين عام قادمة وقرأت نعوته في اليوم نفسه! فهذا الذي وضع فوق رأسه قِدْرة عسل وقال: غداً أبيع العسل وأشتري بها رؤوس الغنم وأصبح راعياً والغنم يتوالد، وأصبح غنياً وأتزوج امرأة تروق لي وأشتري بيتاً وأنجب منها ولداً وأربي هذا الولد، فإذا ضربته فانكسرت القِدرة فسالَ العسل فوقه، فانتهى الأمر! 
﴿وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ﴾ ضربت مثلاً آخر لعله طريف؛ أن دابة واقفة في أيام الحر الشديدة ولها ظل، جلس واحد في ظلها قام ليشرب فجلس مكانه واحد، فتلاسَنَا هذا مكاني لا مكانك، ثم تماسكا، ثم تضاربا، ثم سارت الدابة! فقد تجد حروباً وخصومات ومنازعات، والموت يحصد الطرفين، وكل واحد سيحاسَب عن عمله في أدق الموازيين. 

﴿  فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93)﴾

[ سورة الحجر ]

 لذلك أيها الإخوة: لو كنا ضعافاً، لو كنا مغلوبين على أمرنا، ولو كنا مظلومين، أما إذا لم نكن طرفاً في مؤامرة قذرة هدفها إضلال المسلمين أو إفسادهم أو إفقارهم أو إذلالهم فأنت من السعداء، لو عانيت في حياتك الدنيا مشكلات لا تعد ولا تحصى، يكفي عند الله أن تكون بريئاً، لأن قتل الشعوب قضية سهلة جداً: 

قتلُ امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتفَر   وقتلُ شعبٍ مسلمٍ مسألةٌ فيها نظر

[ أديب إسحق ]

 نريد أن نحرك الأسواق فنهدم هذا البلد الإسلامي كي نعيد إعماره بمناقصات، أما أن يموت مليون إنسان، ويُهجّر أربعة ملايين مشكلة بسيطة جداً. فإن لم تكن طرفاً في مؤامرة قذرة هدفها إفقار المسلمين وإضلالهم وإفسادهم وإذلالهم فأنت من المُوفَّقين ولو كنت مغلوباً على أمرك ومظلوماً وضعيفاً لا تستطيع أن تفعل شيئاً.

التوبة النصوح والدعاء اللحوح هذا الذي يملكه المسلمون اليوم:


 أيها الإخوة الكرام: بالمناسبة لم يبقَ في أيدينا شيء إلا شيئان يملكهما كل واحد منكم؛ التوبة النصوح والدعاء اللحوح، تُبْ وادعُ، هذا الذي يملكه المسلمون اليوم، لأن الذي حلّ بهم كما قال الله عز وجل: 

﴿  لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ(58)﴾

[  سورة النجم ]

 حل أرضي لا يوجد، ما نحن فيه، حالتنا ﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾ .  
﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ﴾ يعبدون الأصنام، ولا بد من أنعام تُخصَّص للأصنام، يقطعون آذانها لأنها قُربَة للأصنام ﴿وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيًّا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانًا مُّبِينًا﴾ .

الفساد في الأرض سببه تغيير خلق الله عز وجل:


 أيها الإخوة، يقول الله عز وجل متحدثاً عن الشيطان: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ﴾ الله عز وجل خلق الذكر والأنثى مُصمَّمَين ليكونا زوجَين لا ليكونا عشيقَين، خلق المرأة لتكون أماً لا لتكون عاهرة، خلق الطفل ليكون ابناً باراً لا ليكون منحرفاً، فالله عز وجل كل شيء خلقه لهدف كبير، فالكافر يصرف هذا الهدف لهدف آخر، فتفسد البنت، طبعاً وسائل الشيطان في إخراج الفتاة عن عفتها وحيائها وشرفها وأصل تصميمها، وفي إخراج الطفل عن عفته وأصل تصميمه، هو ابن بار، خلق الله الأنثى لتكون زوجة لا لتكون أُلعوبةً بيد الرجل، وخلق هذه الشهوة في الرجل ليكون أباً رحيماً لا ليكون عابساً ولاهياً، هذا معنى واسع جداً، خلق الله الليل كي ننام لا كي نسهر إلى ساعة متأخرة منه، خلق الله النهار كي نعمل به، وخلق الأنعام كي ننتفع بها وكي نطعمها وفق ما صُمِّمت من أجله، فلما أطعمنا البقر طحين اللحم جنّ البقر، وكما قلت في الدرس الماضي: وما جنون البقر إلا بسبب جنون البشر! حينما أبحنا العلاقة بين الذكر والأنثى كان مرض الإيدز! هذا المرض الذي يزيد مصابوه اليوم عن خمسين مليون في العالم، وينمو في متوالية انفجارية، وهو المشكلة الأولى في العالم، فتغيير خلق الله أي البعد عن التصميم الإلهي.
 المال هذه الكتلة النقدية خلقها الله عز وجل كي تكون متداوَلة بين جميع الناس، فأبى الشيطان عن طريق الربا إلا أن يجعلها في أيدٍ قليلة ويُحرَم منها الكثرة الكثيرة، وهذه مشكلة الأرض الأولى، عشرة بالمئة من سكان الأرض يملكون تسعين بالمئة من ثروات العالم، وتسعون بالمئة من سكان الأرض يملكون عشرة بالمئة من ثروات العالم! وهذه الحروب التي ترونها لا تلتفت لكل ما يُقال عنها من أجل الثروة فقط وامتلاك النفط، أُخِذ النفط في الخليج وفي بلاد أخرى وفي قزوين واليوم في العراق، قضية السيطرة على منابع النفط في العالم هذا كل شيء، فأصل التصميم أن يكون المال متداولاً بين كل الخلق فصار متداولاً بين قلة قليلة.
 إذاً تفكك الأسرة، وانتشار الدعارة، وانتشار الجريمة بسبب الفقر، وقد يكون الفقر وراء معظم مشكلاتنا في الأرض؛ لأنهم أفسدوا أصل التصميم وغيروا خلق الله، جعلوا هذا المال عن طريق الربا جعلوه في أيد قليلة وحُرِمت منه الكثرة الكثيرة، فحينما تُغيَّر نفسية الإنسان فتاة أو شاباً، طفلاً أو راشداً، حينما تُغيَّر أصل العلاقة بين الذكر والأنثى، تجد بحالات كثيرة أن الإنسان يفرغ ما عنده من شهوة لا عن طريق مشروع بل عن طريق غير مشروع، هذا هو الفساد في الأرض، وحينما يكون أصل المال في خدمة الإنسان صار الإنسان في خدمة المال، وحينما يكون الحيوان في خدمة الإنسان صار الإنسان أحياناً في خدمة الحيوان، هناك تغيير جذري في خلق الله.

على الإنسان أن يعود في نمط حياته لأصل التصميم:


 حينما صمم الله الإنسان أن يكون من ذكر وأنثى، وأن يكون هناك ثلاثة وعشرين جيناً من الذكر وثلاثة وعشرين جيناً من الأنثى مجموعهم ست وأربعون، أراد الإنسان من باب التحدي والحُمق أن يستنسخ إنساناً لا من ذكر وأنثى بل من أحد الجنسين وحده! كيف سمح الله بذلك؟ الجواب بسيط جداً: لو أن إنساناً ادّعى الآن أن بإمكانه أن يضرب عُرض الطريق بنظرية الإسمنت المسلح، قال: هذه خرافة، أنا مستعد أن أبني بناء شامخاً من دون حديد، هذه ثورة في عالم البناء، الحديد يكلف ألوف الملايين، فأنت بين أن تحاوره بالعلم وبين أن تسمح له أن يبني بناء وفق نظريته، الأسلوب الثاني أبلغ في الرد عليه، فلما بنى البناء وانهار البناء سقطت النظرية نهائياً! قد يسمح الله للإنسان أن يغير أصل التصميم لا لأن هذا التصميم الجديد أكمل، لا، ولكن ليؤكد كمال أصل التصميم، حينما يسمح الله لإنسان متألِّه أراد أن يتحدى ويصمم تصميماً جديداً يسمح الله له ليثبت في النهاية أن أصل التصميم هو الكمال المطلق وأن أي خروج عنه نحو الأسوأ!
 لذلك أيها الإخوة: ينبغي أن نعود في نمط حياتنا لأصل التصميم، ولمنهج الله عز وجل، ولشريعة خالق الأرض والسماوات، إلى القرآن الكريم هذا من عند الخبير، وأي خروج عن منهج الله عز وجل نحو الأسوأ، وهذا الخروج هو الجهل بعينه، قال سيدنا يوسف: 

﴿ قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِىٓ إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَٰهِلِينَ (33)﴾

[  سورة يوسف ]

 فالإنسان إذا صبا لامرأة لا تحل له هو عند الله جاهل، وإذا أحب ما لا ينبغي أن يحب هو عند الله جاهل، وإذا أخذ ما لا ينبغي أن يأخذ هو عند الله جاهل.

الله عز وجل يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت وهو القرآن الكريم:


 لذلك أيها الإخوة، أصل التصميم هو هذا المنهج القويم، وأي خروج عنه نحو الأسوأ، وإذا سمح الله لإنسان متألِّه أن يخرج في بحوثه عن أصل التصميم فهو لا يخرج إلا نحو الأسوأ وهذه حقيقة، وقبل أشهر ظهرت تسمية اسمها فرقعة إعلامية في الاستنساخ، ثم غابت الأخبار كلها، ماذا حل بهؤلاء الأطفال الذين استُنسخوا؟ قضية فرقعة ليس غير، فالله عز وجل:

﴿ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ(27)﴾

[ سورة إبراهيم ]

والقول الثابت هو القرآن الكريم. 
﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيًّا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانًا مُّبِينًا﴾ خسران واضح كالشمس. 

﴿ يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا(120)﴾

[ سورة النساء ]

بدنيا ممتعة، يعيش بالأماني، ﴿يَعِدُهُمۡ﴾ يعده إذا طلق هذه الزوجة وله منها أولاد وتزوج هذه الفتاة الجميلة التي في سن بناته يسعد سعادة لا حدود لها، فبعد أن يطلق امرأته ويتزوج هذه الفتاة تصبح حياته جحيماً لا يطاق! خسر أولاده وزوجته، وسئم الحياة مع هذه الفتاة اللعوب. 
﴿يَعِدُهُمۡ﴾ يعده إذا سرق سيعيش عمراً مديداً في بحبوحة كبيرة، بعد سبعة أيام يعدمونه.
﴿يَعِدُهُمۡ﴾ يعده إذا امتلك هذه المرأة فهي النعيم المقيم، فبعد أن يمتلكها يصبح من أشقى الأشقياء. 
﴿يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا﴾ الغرور شيء له ظاهر وليس له مضمون، شخص يعمل في محل تجاري وعنده روح الدعابة، فكان يجمع قمامة المحل ويضعها في علبة أنيقة ويلفها بورق فخم، ويضع لها شريطاً أحمر بعقدة ويضعها على الرصيف، يأتي إنسان ينظر ليرى شيئاً ثميناً جداً يتوقعه قطعة ذهب أو ألماس، لُفَّت لف هدية رائعة، يأخذها ويسرع، يتبعه بعد أن يقطع مئة متر يفك الشريط الأحمر، وبعد مئة متر أخرى يفك الورق، وبعد مئة متر ثالثة يفتح العلبة فإذا بها قمامة المحل، فيلعن ويسب ويفعل ما يفعله! هكذا الدنيا تغر وتضر وتمر.

الشيطان يزين المعصية :


 سمعت عن إنسان جمّع عندما كان الدولار بثلاث ليرات ثمانمئة مليون من القمار، وهو على فراش الموت طلب إنساناً على علم بالدين أن يلتقي به، قال: ماذا أفعل؟ فالذي لقيه هكذا قال له -موضوع أن الذي قاله له صواباً أو خطأ موضوع ثانٍ- والله لو أنفقتها كلها لا تنجو من عذاب الله. 
﴿يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا﴾ سائق تكسي يركب سيارته أشارت إليه امرأة وقف لها، صعدت مركبته، سألها: إلى أين؟ قالت: خذني لأي مكان تريد! فعدّ هذه غنيمة ما بعدها غنيمة، وبعد أن قضى حاجته منها أعطته ظرفَين في الأول خمسة آلاف دولار! وفي الثاني رسالة من سطر واحد مرحباً بك في نادي الإيدز! ذهب ليصرف الدولارات فإذا هي مزورة فأُودِع في السجن. 
﴿يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا﴾ الشيطان يزين المعصية، مرة أناس سرقوا في إحدى أقبية دمشق من بائع ذهب ثلاثة عشر كيلو ذهباً، هم خمسة، فيما أذكر بعد أقل من عشرة أيام أُعدِموا في مكان السرقة جميعاً! هم حينما أقدموا على السرقة بماذا فكروا؟ فكروا بثروة عريضة جداً، وبحياة وبحبوحة ومركبات ونساء جميلات، فكان الإعدام مصيرهم. 
﴿يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا﴾  لذلك الإنسان في نهاية حياته بعد أن يمضيها في معصية الله يأتيه عذاب يُنسيه كل متع الدنيا، المؤمن حينما يأتيه ملك الموت ويرى مكانه، مقامه في الجنة، يقول دون أن يشعر: لم أرَ شراً قط، وحينما يمضي الإنسان حياته في معصية الله ويرى مكانه في النار، يقول: لم أرَ خيراً قط، فالبطولة أن تضحك أخيراً، أناس كثيرون يضحكون أولاً، يسيطرون على بلد ويأخذون النفط وثرواتها، ويعدون أنفسهم منتصرين، يضحكون أولاً وسيبكون كثيراً، عن هؤلاء الذين قصفوهم باليورانيوم المُخضَّب لست مليارات سنة لا ينقطع تأثير هذا اليورانيوم! هذا بحث علمي! وقد قُصفت به بعض البلاد الإسلامية، يعني لست مليارات سنة الأطفال معهم أمراض، يده صغيرة بسبب تشوه في الخلق واضطراب في الأجهزة، سوف يُحاسَب: 

﴿  وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(9)﴾

[ سورة التكوير ]


الله عز وجل سيسأل كل إنسان عن عمله يوم القيامة:


 من أجل النفط والثروة والعلو في الأرض، لذلك أيها الإخوة: ذكرت هذا مرة سابقة وأعيدها: قد يقودك عقلك وذكاؤك وتحصيلك وعلمك واختراعاتك ومنجزاتك لأن تكون قوياً فتُخضِع كل من حولك، وتأخذ أموالهم، وتستحيي نساءهم، وتُذِلّهم، أنت إذاً أذكى إنسان، هذا إن لم يكن هناك آخرة، قد تكون قوياً فتستخدم قوتك لتبني مجدك على أنقاض الآخرين، وتبني حياتك على موتهم، وغناك على فقرهم، وأمنك على خوفهم، وعزتك على إذلالهم أنت أذكى إنسان بشرط واحد ألا يكون هناك آخرة، فإذا كان هناك آخرة أنت أغبى إنسان على وجه الأرض! لأن الله عز وجل يقول: 

﴿  فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ(92)﴾

[  سورة الحجر ]

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍۢ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلْأَبْصَٰرُ(42)﴾

[  سورة إبراهيم ]

 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

(( دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ. ))

[  أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر  ]

 إذا مات من عندهم إنسان ديّته خمسمئة مليون ليرة سورية، أما يموت من المسلمين ملايين والدِّية صفر لا شيء أبداً، هذا كله سيُحاسبون عنه، نحن الآن نملك الدعاء فقط، لا نملك شيئاً إلا الدعاء والتوبة فقط، فتوبوا إلى الله وادعوا لإخوانكم في شتى أقطار المسلمين أن يحفظهم الله عز وجل.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور